إطلاق نار على موكب نائب رئيس جنوب السودان

تعبان دينق قاي
تعبان دينق قاي
TT

إطلاق نار على موكب نائب رئيس جنوب السودان

تعبان دينق قاي
تعبان دينق قاي

أكد مسؤول في جيش جنوب السودان تعرض قافلة النائب الأول للرئيس تعبان دينق قاي إلى إطلاق نار أسفر عن إصابة 3 جنود من حرسه الشخصي في الطريق السريع الرابط بين العاصمة جوبا ومدينة بور (شرق)، في وقت حثت فيه دول الترويكا الرئيس سلفا كير على الإيفاء بتعهده بوقف إطلاق النار من جانب واحد.
وقال ضابط كبير في جيش جنوب السودان، من جوبا، فضل حجب اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن 3 من الحرس الشخصي لنائب الرئيس تعبان دينق قاي قد أصيبوا بإطلاق نار في كمين نصبه مسلحون مجهولون لقافلته في الطريق السريع الرابط بين جوبا وبلدة بور صباح أمس، مشيراً إلى أن قاي لم يصب في الهجوم. وأضاف: «لقد أطلق المسلحون النيران بكثافة، وقفز الجنود من السيارات واتخذوا مواقع للاختباء من النيران... وأصيب 3 منهم بجروح»، مؤكداً نقل الجنود المصابين إلى مطار مدينة بور ومنها إلى جوبا لتلقي العلاج في المستشفى العسكري، وأن أحدهم إصابته بالغة.
ولم يتم الحصول على رد من المتحدث الرسمي باسم الجيش الحكومي أو أي مسؤول آخر.
وكان الوفد الحكومي برئاسة النائب الأول للرئيس تعبان دينق قاي متجهاً إلى مدينة بور لحل النزاع بين ولايتي جونقلي ذات الأغلبية من الدينكا، وولاية بوما وتسكنها قبيلة المورلي على الحدود مع دولة إثيوبيا، وقد دخلت القبيلتان في صراع دموي لأكثر من شهر.
في غضون ذلك، قال نائب حاكم ولاية «واو» غرب بحر الغزال في تصريحات إن رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت سيقوم بزيارة إلى المدينة التي تعد من أكثر المناطق التي تشهد عنفاً مسلحاً في الآونة الأخيرة، غير أنه لم يحدد موعداً قاطعاً، واكتفى بالقول: «هي زيارة مرتقبة، وشكلنا لجنة عليا برئاسة نائب الحاكم للإشراف على زيارة الرئيس سلفا كير الذي سيتحدث إلى المواطنين مباشرة لنبذ العنف، وإفشاء السلام والمصالحة»، وناشد المواطنين استقبال كير بصورة كبيرة، مؤكداً أن حكومته ستزيد من قوة الحماية الأمنية والسماح للنازحين بالعودة إلى ديارهم وترك مواقع الحماية التي توفرها بعثة الأمم المتحدة في الولاية التي شهدت أعمال عنف أدت إلى تشريد الآلاف من منازلهم.
إلى ذلك، أعربت دول الترويكا التي تضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والنرويج، في بيان مشترك اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، عن خيبة أملها إزاء استمرار القتال في جنوب السودان، وحثت الرئيس سلفا كير على تنفيذ تعهداته التي قطعها أمام رؤساء دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) بوقف إطلاق النار من جانب واحد، وقال البيان إن «أعضاء دول الترويكا والاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق العميق من الصراع المستمر في جنوب السودان، وهذا ما يتعارض مع تعهدات الحكومة المعلنة بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع، كما أنه يقوض الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس سلفا كير نهاية العام الماضي»، وتابع: «ندعو الرئيس سلفا كير لتنفيذ التزامه بوقف إطلاق النار فوراً ومن جانب واحد وفق تعهده أمام قمة رؤساء الإيقاد في مارس (آذار) الماضي «.
وأشار بيان الترويكا إلى أن هجمات المعارضة على المدنيين تعطل وصول المساعدات المنقذة للحياة والقوافل التجارية، وأوضح أن الهجمات الكبيرة التي شنتها القوات الحكومية على عدد من البلدات في أعالي النيل أدت إلى نزوح أكثر من مائة ألف شخص في الآونة الأخيرة، وقال: «القوات الحكومية تواصل استهدافها للمدنيين في انتهاك لقانون النزاعات المسلحة». وأيدت الترويكا دعوة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي ورئيس مفوضية المراقبة والتقويم لتنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في 2015 في ستوس موغاي، بإنهاء جميع العمليات المسلحة فوراً ووقف العنف ضد المدنيين، وأضافت: «العمل العسكري لن يحقق حلاً، ولا بد من وقف لإطلاق النار من جانب واحد، وعلى دول الترويكا أن تضمن حقيقة وقف إطلاق النار والالتزام الحقيقي بالسلام والاستقرار»، مشددة على وقف الأعمال العدائية، وسحب القوات، وحل الميليشيات العرقية، والسماح بتقديم المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
ويشهد جنوب السودان حرباً أهلية منذ نهاية عام 2013 بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار، اتخذت طابعاً عرقياً بين قبيلتي الدينكا التي ينتمي إليها كير، والنوير قبيلة مشار، وقد انتشرت أعمال العنف لتشمل أطرافاً قبلية أخرى لم تكن ضمن الصراع الإثني.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟