إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

«القاعدة» استغلت الوضع الفوضوي الانقلابي للتوسع في اليمن

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية
TT

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

يمثل تنامي الإرهاب بأشكاله التنظيمية والفكرية واحدا من التهديدات المباشرة للأمن الإنساني في زمن العولمة. ذلك أن الحرب والنزاعات التقليدية، والفقر، وانتشار الاتجار الدولي بالمخدرات والبشر والسلاح؛ أصبحت نسقا ومصدرا للأخطار التي تمس الأمن الجماعي والاستقرار الاجتماعي والسلام السياسي العالمي. ولم يعد الإرهاب لوحده ظاهرة تشكل مأزقا جديدا للدولة الحديثة والمجتمع الدولي، بل أصبح العجز عن وقف وتيرة انتشارها، وما يعنيه ذلك من توسع دائرة الحروب، يفرض بناء تعاملات تعاونية وتشاركية تتجاوز ما هو معمول به حاليا من داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
ذلك أن الإرهاب عبر مسيرته وخبرته منذ 11-9 – 2001 استطاع التكيف مع تناقضات السياسات والمصالح الدولية لدرجة يمكن القول إنه فرض نفسه باعتباره فاعلا حقق «اندماجا» متواصلا في المنظومة الدولية، باعتباره مهددا للسلم العالمي وفي الوقت نفسه، مرتكزا جديدا لبناء التحالفات الدولية. وما نشهده اليوم في اليمن، والعراق ولبنان وسوريا وليبيا دليل ساطع على ذلك.
في السياق نفسه يمكن القول إن الإرهاب بتشكلاته التنظيمية الميليشياوية، وتمظهراته الدولية؛ بدأ يحتل مساحات واسعة في تشكيل التحالفات الإقليمية والأممية، كما أنه أدخل الدول العربية في عصر الميليشيات العابرة للقارات. وظهرت «فصائل شيعية مسلحة شكلتها ودعمتها إيران، باعتبارها فاعلا يتجاوز الدولة، ويعمل وفق رؤية موحدة تخدم تغير التوازنات الإقليمية بالشرق الأوسط. صحيح أن هناك تحالفا دوليا ضد الإرهاب، لعبت كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية دورا بارزا في ولادته منذ 2014؛ وأنه تحقق نوع من التقدم في مواجهة الإرهاب الداعشي تحديدا. غير أن نتائج التحالف ووجهت على الأرض بصعوبات جمة لا تتعلق، فقط بالزخم الآيديولوجي، والتوسع الاستقطابي الذي اكتسبه تنظيم داعش، ودولته المزعومة على أرض سوريا والعراق من جهة؛ وإنما كذلك من جهة استغلال جماعة «القاعدة» للوضع الفوضوي الانقلابي للتوسع في اليمن، جراء ما أنتجته السيطرة العسكرية الحوثية على السلطة والعاصمة صنعاء.
من جهة ثالثة، وجب الأخذ بعين الاعتبار، كون السياسة الدولية الحالية تعيش وضعا يجسد فارقا بين الإحساس بالخطر، والقدرة الفعالة على مواجهة منابع الإرهاب العالمي بالشرق الأوسط. وتجسد الحالة التركية مع كل من «داعش»، وحزب العمال الكردستاني هذه الحالة اللاتوازنية؛ فأنقرة تعيش التهديد، وارتباط القدرة والحرية في المواجهة مع الجماعات الإرهابية، بالمس بالمصالح الروسية والأميركية والإيرانية، بالعراق وسوريا.
كذلك، تجدر الإشارة إلى أن تضارب المصالح الاستراتيجية، في المنظومة الدولية بالشرق الأوسط، يزيد من إمكانية المس بالأمن القومي للدول العربية؛ وخاصة الدول الخليجية، التي تستهدفها، طهران، والميليشيات الطائفية باليمن والعراق. ورغم أن «عاصفة الحزم» منذ مارس (آذار) 2015، تشكل وعيا بهذا الوضع القائم، وتحولا جذريا في التعامل الخليجي مع التهديدات الخارجية، وتفتح أفقا واسعا لبناء عقيدة وتكامل عسكري خليجي؛ فإن دول مجلس التعاون في حاجة عاجلة لتكوين قوات خليجية للردع، يكون من مهامها التدخل السريع لمواجهة التنظيمات الإرهابية والدفاع المشترك، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع طهران.
ذلك أن الزمن الدولي الحالي إقليميا، متأثر برؤية الحرس الثوري لموقع إيران المستقبل في الخريطة الجيوسياسية الدولية، وهو يستفيد من حالة التطييف العقدي للظاهرة الإرهابية التي تمارسها «داعش» و«القاعدة»، من جهة، والميليشيات الشيعية العابرة للحدود من جهة ثانية. وغير خفي أن هذه الحالة الآيديولوجية أصبحت واحدة من العوامل الأساسية التي لم تعد تهدد الأمن الإنساني وحسب، وإنما تمنح الجماعات الإرهابية عمرا أطول، وانتشارا آيديولوجيا أوسع، وقدرة تنظيمية على إعادة التموقع الجغرافي والانبعاث الذاتي.
* تناقضات المواجهة بالعراق
في هذا السياق، علينا أن نتذكر أن عقيدة المصالح الاستراتيجية الأميركية، اقتضت مع إدارة بوش الابن حث المنتظم الدولي على غزو العراق والإطاحة بالديكتاتور صدام حسين. لكن الغزو الأميركي للعراق فتح مجالا جديدا لانتعاش الإرهاب منذ 2003؛ ومنح إيران فرصة ذهبية للعبث بمستقبل المنطقة وإخضاعها لمصالحها الطائفية والسياسية والاقتصادية، من خلال هيمنتها على العراق، وبناء «شبكة عالمية للتوسع الشيعي»، تتجاوز الدور التقليدي لـ«حزب الله» اللبناني الموالي لطهران.
لقد ساعد هذا المناخ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» آنذاك على حشد الأنصار في الأنبار، وظهرت الفلوجة باعتبارها مركزا لمقاومة الاحتلال. ولقسوة المواجهة لجأت السياسة الأميركية إلى تشكيل «الصحوات»، وخاضت هذه الأخيرة مواجهات دامية مع الإرهاب، اختلط فيها العشائري بالعقدي والوطني، وتم إلحاق الهزيمة بـ«القاعدة». غير أن هذه الهزيمة سرعان ما تحولت مع «التحالف الموضوعي» لطهران وواشنطن بالعراق، إلى انبعاث جديد ومتوحش للظاهرة الإرهابية، باسم «دولة الخلافة» المزعومة.
فقد استطاع التنظيم، خلق نخبة عسكرية جديدة، كانت جزءا منه أو تدربت على يديه، واصلت ربط التنظيم بالجماعة الأم، وفي الوقت نفسه تحقيق التجدد بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي منتصف 2006؛ والانتقال إلى البراءة من تنظيم أيمن الظواهري في مرحلة لاحقة. أكثر من ذلك، تطور التشكيل الجماعاتي للإرهاب، وأدخل جيل أبو بكر البغدادي المنطقة في دائرة مظلمة سميت «إدارة التوحش». وتم من خلالها تسريع السيطرة على الأرض، وتكوين ما زعم أنها «دولة الخلافة» في الشرق الأوسط، واستقطبت بشكل مثير الجيل الثالث من شباب المسلمين بأوروبا وآسيا وأفريقيا.
غير أن ما يجب أخذه في الحسبان أن تطورات التنظيم الإرهابي الجديد منذ 2012، لم تكن بعيدة عن حسابات أميركا وإيران بالعراق وسوريا. فقد عرفت هذه المرحلة تسريعا للمفاوضات السرية حول البرنامج النووي الإيراني، كما عرفت تبادلا للرسائل السرية بين الولي الفقيه علي خامئني والرئيس باراك أوباما. وبينما تبنى هذا الأخير ما سمي سياسة «الصبر الاستراتيجي» في مواجهة توسع «داعش» في العراق وسوريا، وغض الطرف عن حقيقة الدور الإيراني بالمنطقة؛ عملت طهران على توسيع نفوذها في هاتين الدولتين، ولعبت وحدات «الباسيج» دورا كبيرا في تفريخ عشرات الميليشيات، كلها تدور في الفلك الإيراني وتدافع عن مصالح طهران الاستراتيجية بالمنطقة.
في ظل هذا الوضع الذي عرف ظهور بيئة جديدة للإرهاب؛ تمكنت إيران وميليشياتها بزعامة «فيلق بدر» الذي تشكل في الأصل بزعامة محمد باقر الحكيم، بفتوى من طهران، وضم خليطاً من الهاربين من الجيش العراقي وأسرى الحرب العراقية الإيرانية الموالين لنظام طهران. ولم يكن غريبا أن يتدخل الحرس الثوري بشكل مباشر في العراق، مستغلا الجو الدولي العدائي لنظام صدام حسين، باعتباره - يومذاك - الراعي الأول للإرهاب العالمي.
وكانت السياسة الإيرانية ومصالحها الاستراتيجية تقتضي مشاركة «فيلق بدر» في احتلال العراق وإسقاط نظام صدام سنة 2003. وباسم محاربة الإرهاب، عمل الحرس الثوري الإيراني على تنزيل سياسة بعيدة المدى، وتتلخص في إعادة بناء دولة عراقية طائفية، تسيطر عليها ميليشيات وكتل سياسية، ترتبط عقديا وآيديولوجيا وعسكريا بالحرس الثوري والولي الفقيه.
ووصل الأمر مع بزوغ نجم «داعش» سنة 2014 حد إصدار آية الله علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى بالعراق لفتوى سميت «الجهاد الكفائي» وقيل إنها لمواجهة التنظيم الإرهابي، الذي بسط سيطرته على مناطق شاسعة من العراق وسوريا. غير أن حقيقة سياسة الحرس الثوري داخل العراق، وأهداف الفتوى الدينية لا تنحصر في محاربة تنظيم البغدادي؛ وإنما تكريس وضع مؤسساتي جديد تكون فيه الدولة العراقية، جزءا لا يتجزأ من النظام الإقليمي الذي تقوده إيران، في مرحلة ما بعد «داعش».
* استراتيجية جديدة ضد الإرهاب
إن التراجع الكبير الذي عرفته «خلافة البغدادي» في سنتي 2015- 2016، والذي تحول لتراجع كبير في النصف الأول من 2017، واكبته تحولات مهمة تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الخليجية، والروسية والإيرانية والتركية، في العراق وسوريا، رغم التنسيق القائم فيما يخص مواجهة الجماعات الإرهابية. فقد تبين أن الإدارة الأميركية الجديدة ترعى مصالحها الذاتية بالمنطقة، وتخفف من وجودها العسكري بالشرق الأوسط مع توجهها شرقا نحو آسيا وبحر الصين؛ مع مراعاة المصالح الروسية بالمنطقة.
وإذا أضفنا لهذا تداعيات المصالحة التركية الروسية، وما أفرزته من تناقضات وتنسيق ثنائي داخل سوريا لمواجهة «داعش»؛ يتبين أن تراجع «دولة الخلافة» المزعومة، يصاحبه فتور في علاقة طهران بموسكو وتوترات مع واشنطن. وهذه الحالة الدولية الجديدة تحتم على مجلس التعاون الخليجي، توحيد جهوده الدبلوماسية، والتعامل بذكاء مع السياسة الاستراتيجية الجديدة لدونالد ترمب والتي تمنح الأولوية للقضاء على «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية. كما تسعى في الوقت نفسه لتجاوز الاحتراب الطائفي السني الشيعي، مع محاصرة ومراقبة صارمة للسياسة الإيرانية والميليشيات الشيعية التي تمثل درع إيران الإقليمية.
فالاستراتيجية الجديدة في حاجة أكيدة لروسيا، التي لم تعد تبتعد كثيرا عن الأولويات، وإذا استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، خلق تشابك جديد للمصالح على الأرض بينها وبين روسيا وتركيا، فإننا سنكون حتما أمام وضع ينهي استغلال إيران لورقة الإرهاب، لخلق تحالفات غير تقليدية، ويضعف من قدرة «الحرس الثوري»، في خلق مزيد من الفوضى الميليشياوية بالشرق الأوسط، والمس بالأمن الإقليمي الخليجي.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.