مخطوطات نادرة مع تعاويذ سحرية في معرض «مداد» البيروتي

الخط العربي في سياقه التاريخي والإنساني

من المعرض
من المعرض
TT

مخطوطات نادرة مع تعاويذ سحرية في معرض «مداد» البيروتي

من المعرض
من المعرض

الخط العربي ليس فناً ميتاً أو جامداً، بل هو جزء من تطور الحياة العربية وتقلباتها، في صعودها وهبوطها. من خلاله كتب ملايين البشر، عبر التاريخ، مشاعرهم وخوالجهم. به كتبت النصوص الأكثر خطورة، والأشد شاعرية، وبواسطته سطر أبناء العربية تاريخهم وشعرهم ومعاهداتهم ووصاياهم واتفاقاتهم وقراراتهم. وفي معرض «مداد» الذي تستضيفه «دار النمر» في بيروت ويستمر حتى 12 سبتمبر (أيلول) المقبل، بمقدور الزائر أن يرى الخط العربي بمساره الزمني من خلال مختلف أصناف النصوص؛ وبذلك يضرب المتفرج أكثر من عصفور بحجر واحد. المعرض يضم قطعاً قديمة بعضها نادر، بينها مخطوطات، خزفيات، أقمشة، لوحات، زجاجيات، قطع نقدية، دروع، وتحف خشبية يجمعها احتواؤها للخطوط العربية والنصوص الطويلة والقصيرة التي سطرت عليها. أكثر من 100 قطعة، يمتد تاريخها من القرن الخامس الميلادي وحتى القرن العشرين. ولتغطية الفترة الحديثة طلب إلى 5 فنانين معاصرين إنجاز أعمال عرضت أيضاً في طابق علوي من المبنى.
إضافة إلى المعروضات ذات القيمة التاريخية العالية والمخطوطات البديعة التي جمعت من مناطق إسلامية مختلفة، هناك حرص من المنظمين على تقديم إيضاحات وتفاصيل تجعل تكرار الزيارة متعة لتثقيف الذات وقطف المعرفة.
قرب أدوات الكتابة، مثلاً، التي عرضت في زاوية خاصة، نجد بالتفصيل شروحات حول الورق وصناعته تاريخياً، وكذلك الزق، وتلك المواد التي كانت تستخدم في الكتابة قبل الورق. ومعلومات وافية حول الأقلام والحبر، وعمليات التذهيب والتجليد. كذلك تجد شروحات شيقة عن أنواع الخطوط: نسخ، توقيع، ثلث، ريحاني، محقق، رقاع، وتفاصيل عن الخطاطين الرواد الذين كان لهم الفضل في الاجتهاد لابتكار أشكال جديدة في كتابة الحروف مثل ابن مقلة، ابن البواب، وياقوت المستعصمي الذي كان خطاطاً مشهوراً والناسخ الرسمي لآخر خليفة عباسي.
بين المعروضات عدد وفير من المصاحف التي يعود أحدها إلى أواخر القرن التاسع الميلادي، مصنوع من زق جلدي، ومكتوب بخط كوفي. وآخر لافت جداً يعود إلى ما قبل التنقيط، حتى يصعب عليك تبيان كلماته.
وثمة نسخة يحتفي بها المعرض بشكل خاص ويشرح قصتها، وهي نسخة قرآن «بيد أيوبا سليمان ديالو» (1702 - 1773) الشهيرة. وهو المسلم المولود في السنغال الذي أرسله والده ليبيع اثنين من العبيد ويشتري بسعرهما الورق، لكنه وفي أثناء رحلته وقع في الأسر بين أيدي قبيلة منافسة لقبيلته وبيع لقائد سفينة.
بعد شهر كان ديالو قد نقل إلى أميركا ليباع هناك إلى صاحب مزرعة. وعندما حاول الهرب ألقي القبض عليه ومثل للمحاكمة، وهناك أخبر القاضي، بأنه يشعر بالأسى لأنه لا يمارس شعائره الدينية. فأعيد إلى المزرعة وسمح له بكتابة رسالة إلى والده يخبره فيها عن أحواله. ولدى مرور الرسالة بإنجلترا في طريقها إلى أفريقيا، قرأها السياسي جايمس أوغلثورب، الذي قرّر شراء ديالو من صاحب السفينة.
وفي عام 1733، وصل ديالو إلى إنجلترا حيث تمّ إعتاقه وأصبح معروفاً في بعض الأوساط الأرستقراطية، حتى إنه تعرف إلى الملك جورج الثاني والملكة كاترين. في عام 1734، عاد ديالو إلى بلاده وأسس لعلاقات تجارية متواصلة مع البريطانيين.
وهذه النسخة المعروفة من القرآن والمعروضة مع قصتها في «دار النمر» خطها ديالو أثناء إقامته في إنجلترا.
تعود هذه المجموعة الثمينة من المعروضات إلى الفلسطيني رامي النمر المولود في نابلس، الذي جمع على مدار 40 عاماً عدداً كبيراً من القطع التي تغطي 10 قرون، وتؤرخ للتراث الإسلامي.
ويعتبر هذا المعرض دفعة أولى من مجموعة رامي النمر، تفتح أمام الجمهور على أن يليه معارض أخرى.
تضم المجموعة الكاملة مخطوطات، ونقودا، وقطعا خزفية، وتحفا زجاجية، وأسلحة ودروعا، وأقمشة، وأدوات معدنية، وتحفا خشبية مطعّمة بالصدف، وأيقونات وصلبانا مسيحية من القدس، وفخاراً أرمينياً أيضاً من القدس، وأعمالا فنية فلسطينية حديثة ومعاصرة، بالإضافة إلى لوحات ورسوم لمستشرقين.
ومن طريف المعروضات في «دار النمر» هي التعاويذ والحجب. وأحد أندرها ربما، ما سمي بـ«كتاب الاتجاهات الستة»، وهو يختلف عن الكتب التقليدية، وله صفحات تمتد من الجهات الأربع تطوى لتصبح ذات شكل مربع. وفي المعرض تشاهد فيلماً صغيراً عن الكتاب من تصوير روي سماحة. وهو كتاب مصنوع من الجلد، يحتوي ورقات عدة، فيها كتابات قرآنية، ورسوم لمكة المكرمة، ولسواد جهنم. فيما الغلافان الأول والأخير يعيداننا إلى إسطنبول. هي مطوية طلسمية تفتح في كل اتجاه تحوي 30 ورقة مربعة ومسدسة بثلاثة أحجام جمعت معاً بـ3 طرق مختلفة. المحتوى فيها يراوح بين الصلوات والآيات والرسومات السحرية. يعتقد أن هذه الكتب صنعت لغايات سحرية، كتعويذة ترد الشر والأذى عن صاحبها.
من بين الأعمال الجديدة التي عرضت، ما أعطي اسم ماو1، ماو2، ماو3، ماو4، وهي للفنان اللبناني رائد ياسين.
اللوحات كبيرة اصطفت إلى جانب بعضها البعض بحيث لا تخطئها عين، وهي عبارة عن 4 صور للزعيم الصيني ماوتسي تونغ الذي اشتهر بثورته الثقافية، وقد طرّز عليها آيات قرآنية بخط فني جميل، حتى تكاد تخفي ملامح الرجل. ونقرأ: «إن التطريز هنا يحاول أن يعكس التدمير الذي ألحقه ماو بالتراث الإسلامي، إذ إن الكتابة بدورها استخدمت هنا لتشويه صورة الزعيم الشيوعي». ثأر أو محاولة رد التخريب بالتشويه؟ يحق للفنان ما لا يحق لغيره.
يرافق المعرض فيلم فيديو يشرح الكثير عن الخط العربي، وفنون الكتابة، وتقنياتها وأدواتها، كما يترافق بعدد من النشاطات المتعلقة بالخط. ولكل المهتمين هناك ندوات ومحاضرات وطاولات مستديرة.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.