تفاؤل لبناني بالنتيجة الاقتصادية لاستعادة المغتربين جنسيتهم الأم

الاستقرار السياسي عنصر جذب للمستثمرين

تفاؤل لبناني بالنتيجة الاقتصادية لاستعادة المغتربين جنسيتهم الأم
TT

تفاؤل لبناني بالنتيجة الاقتصادية لاستعادة المغتربين جنسيتهم الأم

تفاؤل لبناني بالنتيجة الاقتصادية لاستعادة المغتربين جنسيتهم الأم

يرى مراقبون في لبنان أن الانطباع الذي تكوّن لدى المغتربين اللبنانيين عن بلدهم الأم يختلف هذه المرة عما كان عليه قبل سنوات، إذ تضاعفت آمالهم بالعودة إلى لبنان واستعادة جنسيتهم اللبنانية إثر انتشار حالة من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، على ضوء انتخاب رئيس للجمهورية، ووجود حكومة فاعلة أثمر تناغم رئيسها سعد الحريري مع الرئيس اللبناني ميشال عون توقيع أول مرسوم لاستعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين.
وبدا لافتًا في اليوم الثاني من «مؤتمر الطاقة الاغترابية» الذي عُقد في بيروت أمس، حماسة المغتربين اللبنانيين في بلاد الانتشار لاستعادة جنسيتهم. أحدهم وهو أرجنتيني، كان يتبادل مع ابنته أطراف الحديث باللغة الإسبانية، لم يتوقف عن ترداد عبارة «أنا أحب لبنان». ومع أن الشخصين لا يتقنان الحديث باللغة العربية، توضح ابنته بالإنجليزية أن والدها «أتى للبحث عن عائلته، والمطالبة بالجنسية»، مشيرة إلى سعيهما لاستعادة الجنسية اللبنانية، قائلة: «هذا حقنا».
من ناحية ثانية، ازدادت آمال المغتربين باستعادة الجنسية مع انتخاب رئيس للجمهورية، إذ قال رئيس غرفة أستراليا ولبنان للتجارة والصناعة فادي الزوقي إن الوضع السياسي شجع ولو بنسبة ضئيلة المغتربين على الالتفات إلى لبنان، لافتًا إلى أن المؤتمر يشكل فرصة لفتح باب استعادة الجنسية، وإعطاء الحق لكل لبناني للعودة إلى لبنان.
وبعد توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أول من أمس، أول مرسوم لاستعادة الجنسية اللبنانية، قال الزوقي: «المطلوب عمل جدي، وإعطاء فرص لكل شخص يمتلك قدرات وخبرات تغني لبنان، وعدم تفضيل المحسوبيات والوساطة على الكفاءات الشخصية». ولا يفصل الزوقي بين لبنان وأستراليا، قائلاً إن «لبنان بلدي الأم، أحبه كما أحب أستراليا، البلد الأخير الذي احتضنني وساعدني في الاستثمار والنهوض».
على المقلب اللبناني، يتطلع المسؤولون إلى المنفعة الاقتصادية التي تترتب على عودة اللبنانيين في بلاد الانتشار إلى وطنهم، خصوصًا أن بعضهم حقق نجاحات كبيرة في بلاد المهجر. ويعترف الوزير السابق نقولا صحناوي، نائب رئيس التيار الوطني الحرّ (التيار العوني) للشؤون السياسية، بالمنفعة الاقتصادية عند عودة المغتربين إلى لبنان. إلا أن هذه العودة، حسب قوله، «تتطلب من الدولة خطة على مختلف الأصعدة»، مضيفًا: «تبدأ بالقانون الانتخابي، الذي يؤمن التمثيل الصحيح للمغتربين».
وهنا يشير الصحناوي إلى اقتراح وزير الخارجية جبران باسيل قانونًا يعطي 6 مقاعد، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لكنه لفت إلى أن الاقتراح «لم يُقبل لأن الطبقة السياسية لا تعي أهمية الشاب المغترب». ويعتبر الصحناوي أن إعادة الجنسية للمغتربين اللبنانيين «يشكل عنصر جذب لكل مستثمر في الخارج، كما تزيل العوائق التي تمنع عودة المغترب، فتحفزه على الانخراط في المجتمع اللبناني». وبالإضافة إلى الأمور القانونية والمراسيم الاشتراعية، هناك مسؤولية على الإعلام اللبناني غير الآبه للمغتربين. ويتابع الوزير السابق: «لا توجد أي نشرة إخبارية أو برنامج يحكي لغة المغترب، لذلك فإن توطيد العلاقة بين المغترب والمقيم تكمن من خلال التلفزيون، ويجب العمل حالياً على افتتاح نشرات أخبار باللغة الإسبانية مثلاً، على شاشة تلفزيون لبنان، لأن هناك نسبة كبيرة تتحدث هذه اللغة». ومن ثم يقترح «تغيير القواعد، فلا يجب أن يستمر لبنان بتصدير العقول والطاقات الشبابية، بل فتح فرص للشباب بلبنان».
كان الرئيس عون قد قال في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أول من أمس، إن «الهجرة ضريبة عاطفية تدفعها عائلاتنا منذ أن تحولنا إلى بلد يصدر أبناءه بدل أن يصدر إنتاجه»، لافتاً إلى أن الانسلاخ عن الوطن لم يأتِ نتيجة ترف أو نزوة، بل بفعل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة دفعت بأبنائنا خارج حضن الوطن.
في المقابل، رغم المحفزات التي ظهرت في المؤتمر هذا العام لتشجيع اللبنانيين في الخارج على العودة، لا يزال عدد كبير من المغتربين يتخوفون من الوضع غير المستقر في البلد، مما يشكل مانعًا قويًا لهم يعرقل عودتهم. ويعتبر ميلاد زعرب، الذي هاجر عام 1977 إلى الولايات المتحدة الأميركية، واحداً منهم. إذ يعتبر زعرب أن «غياب الضمانات للبنانيين، وانتشار الفساد يهدد مشاريعنا في لبنان، فمن الضروري وجود خطة سياسية توافقية، لنهوض البلد من خلال الاستفادة من استثمارات المغترب»، دون أن يغفل أهمية الجنسية اللبنانية التي اعتبرها «ورقة ثقة وتقدير من السلطة في لبنان لكل مغترب ناجح في الخارج». ويأمل زعرب الذي يملك شركة تعنى بمواد البناء والهندسة المعمارية، في توسيع التفاعل بين اللبنانيين في الخارج والسلطات المحلية، لأن في النهاية «لبنان يسير في عروقنا».
أخيرًا، رغم الخلاف بين المتفائلين والمتشائمين، يجمع الحاضرون على أهمية هذا المؤتمر، الذي يقام للسنة الرابعة على التوالي في البيال، مما يذكر اللبنانيين بأهميتهم بالنسبة لبلدهم الأم، كما يساعدهم في مشاركة نجاحاتهم مع المقيمين في لبنان. ويقول ساسين شحود الذي يعيش في البرازيل منذ 48 سنة: «يؤثر هذا المؤتمر على الجيل الجديد، وبالأخص الشباب الذين لا يعرفون أي شيء عن لبنان. إنها فرصة لي ولأبنائي للتعرف على لبنان من الناحية الاقتصادية، ومعرفة الآخرين»، مطالباً الدولة اللبنانية «بتأمين الاستقرار، كي نعود».



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.