مستقبل فنزويلا معلق على قبول المعارضة بدستور جديد

اللجنة العليا للانتخابات تتسلم مرسوم تشكيل لجنة لصياغته

متظاهرون يغلقون شارعاً في كاراكاس ويحملون لافتة كتب عليها «نحن جوعى»
متظاهرون يغلقون شارعاً في كاراكاس ويحملون لافتة كتب عليها «نحن جوعى»
TT

مستقبل فنزويلا معلق على قبول المعارضة بدستور جديد

متظاهرون يغلقون شارعاً في كاراكاس ويحملون لافتة كتب عليها «نحن جوعى»
متظاهرون يغلقون شارعاً في كاراكاس ويحملون لافتة كتب عليها «نحن جوعى»

يبدو أن المعارضة الفنزويلية لا تكترس باقتراحات الحكومة الفنزويلية لخفض حدة التوتر في شوارع البلاد بعد موجة الاحتجاجات التي حصدت أرواح العشرات هناك، وما زالت تتفاعل في أركان الدولة.
بعد نحو شهر من الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد قام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بتقديم مرسوم إلى اللجنة العليا للانتخابات للبدء في تسلم ترشيحات وتكوين لجنة مخصصة من 500 عضو؛ وذلك للبدء في كتابة دستور جديد في البلاد
المعارضة الفنزويلية، وعلى رأس أحد قاداتها انريكي كابريليس، قالت: إن حكومة الرئيس مادورو تبحث عن مناورات سياسية عبر حل البرلمان وصياغة دستور جديد يشبه الدستور السابق، الذي أعدته حكومة الرئيس اليساري الراحل هوغو تشافيز. وأشارت المعارضة إلى أن الموافقة على ذلك هو نوع من الجنون، وقد يكون أنبوب الأكسجين الذي تحتاج إليه الحكومة للبقاء على قيد الحياة؛ لذلك صعّدت المعارضة من نبرتها السياسية، وطالبت أطياف الاحتجاجات كافة برفض المشاركة في صياغة دستور جديد أو حتى حل البرلمان الحالي الذي تسيطر عليه المعارضة.
من جهتها، دعت «طاولة الوحدة الديمقراطية» والمعروفة باسم «ام.يو.دي» وهي الكيان المعارض الذي يجمع أطياف المعارضة، دعت إلى استمرار المظاهرات للتصدي لمشروع صياغة الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس نيكولاس مادورو، منددة بمناورة لتجنب إجراء انتخابات والتمسك بالسلطة.
وتحت شعار محاربة مشروع الدستور الجديد دعي المناهضون إلى التجمع في شرق كاركاس للبدء لاحقا بمظاهرة. ومنذ أكثر من شهر يتظاهر الآلاف كل يوم تقريبا للمطالبة بانتخابات مبكرة ورحيل الرئيس مادورو قبل انتهاء ولايته في ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وحصدت المظاهرات حتى الآن أرواح نحو 30 شخصا منذ بداية أبريل (نسيان). وأكد فريدي غيفارا، نائب رئيس البرلمان (الهيئة الرسمية الوحيدة الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ نهاية 2015)، أن مشروع الدستور الجديد يعد آخر خطأ يرتكبه النظام الفنزويلي، ويجب الحذر منه. وأضاف أن هذه المحاولة يجب ألا تسلب المعارضة من قوتها في الشارع.
وبعد شهر تماما على بدء موجة المظاهرات وأعمال العنف، قدم مادورو مرسوما لتشكيل مجلس تأسيسي جديد، أي برلمان بديل، ينتخب أعضاؤه الـ500 أو يعينون من قبل مختلف قطاعات المجتمع، وتشمل النقابات والأقليات، والمتقاعدون، وستكون مهمة هذا المجلس صياغة دستور جديد يحل محل دستور 1999. من جانبها، رفضت المعارضة المشاركة في صياغة هذا الدستور، واتهمت اللجنة العليا للانتخابات بخضوعها لإدارة الرئيس مادورو.
من جهته، قال زعيم المعارضة والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية انريكي كابريليس: إن الخطوة تعد بمثابة تزوير، وتؤكد أن الرئيس مادورو غير قادر على الفوز في الانتخابات المقبلة، وبالتالي يبحث بهذه الطريقة البقاء على رأس السلطة.
ويعتبر كل استحقاق انتخابي مجازفة بالنسبة للرئيس في هذا البلد النفطي الذي انهار اقتصاده مع تراجع أسعار النفط، في حين خرج معدل التضخم عن السيطرة، وهناك نقص في غالبية المواد الغذائية والأدوية. ويرغب سبعة فنزويليين من أصل عشرة في رحيل فوري لمادورو الذي انتخب عام 2013 بعد رحيل مرشده السياسي هوغو تشافيز الذي تولى الرئاسة بين 1999 و2013.
في الوقت ذاته، لم تتمكن المظاهرات التي نظمتها المعارضة من الوصول إلى وسط كاركاس، حيث تتركز غالبية المؤسسات المعروفة بقربها من معسكر الرئيس؛ وهو ما دفع إغلاق الطرق من قبل المتظاهرين بقوات الأمن إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع خلال صدامات وأعمال نهب تخللت هذه المظاهرات، وتبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات بالوقوف وراء أعمال العنف.
على جانب آخر، قال مادورو: إن المعارضة قررت المضي إلى الهاوية، وهي على وشك الانتقال إلى تمرد مسلح في مواجهة هذا الظرف الخطير، إلا أن تشكيل مجلس وطني جديد يعد الضمان الوحيد للسلام.
لكن بالنسبة للكثير من المحللين، فإن الرئيس وعبر تصرفه على هذا النحو، يجازف بتأجيج الأزمة السياسية في فنزويلا، التي تثير قلقا متزايدا لدى المجموعة الدولية، حيث وصف وزير الخارجية البرازيلي الويسيو نونيس مبادرة مادورو بأنها خطر كبير، في حين انتقدت الأرجنتين والولايات المتحدة مشروع إصلاح الدستور أيضا.
وفي حال تشكيل برلمان جديد، أو كما يسمى في فنزويلا بالمجلس التأسيسي، سيتمكن هذا المجلس من تغيير الجدول الزمني الانتخابي. واعتبر نشطاء قانونيون أن خطوة مادورو تعتبر تكتيكا للمماطلة من أجل تجنب ضغط الشعب الذي يطالب بانتخابات
وبالنسبة للمعارضة، فإن هذه المبادرة تشكل وسيلة لمعسكر الرئاسة للبقاء في السلطة، وذلك بعد قرار المحكمة العليا إلغاء سلطات البرلمان لفترة وجيزة قبل أن تعدل عن قرارها أمام موجة الاستهجان الدبلوماسية التي آثارها، وكان هذا القرار شرارة انطلاق المظاهرات التي تعتبر حصيلتها الأعلى منذ موجة مظاهرات عام 2014، التي أوقعت 43 قتيلا آنذاك، بحسب الأرقام الرسمية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟