فنان مصري ينقل عشق «الخيامية» من جيل إلى جيل

طور حرفته منتقلاً بها إلى رحاب الفن التشكيلي

الفنان خالد عبد المجيد متوسطا أعماله من الخيامية - من أعمال الفنان خالد عبد المجيد
الفنان خالد عبد المجيد متوسطا أعماله من الخيامية - من أعمال الفنان خالد عبد المجيد
TT

فنان مصري ينقل عشق «الخيامية» من جيل إلى جيل

الفنان خالد عبد المجيد متوسطا أعماله من الخيامية - من أعمال الفنان خالد عبد المجيد
الفنان خالد عبد المجيد متوسطا أعماله من الخيامية - من أعمال الفنان خالد عبد المجيد

تعتبر مصر الدولة الأولى التي توجد لديها حرفة «الخيامية»، المشتقة من كلمة «خيام»، وتعني صناعة الأقمشة الملونة أو فن النسيج المضاف، وترتبط الحرفة في ذهن كثيرين بالأقمشة المزخرفة التي تستخدم في عمل السرادقات، إلا أن تلك الحرفة الأصيلة لها مفهوم أكبر من ذلك بكثير.
بدأت ملامح الخيامية الأولى منذ العصر الفرعوني، ثم تطورت عبر الأزمنة المختلفة لتحفر لنفسها مكانة رائقة في عالم الأقمشة والتطريز اليدوي والتراث الفني، ولتؤسس لنفسها شارعاً في قلب القاهرة التاريخية يحمل اسمها، ويُعد منذ عقود من ﺃﺷﻬﺮ ﺃسوﺍقها، بعد أن اجتمع الحرفيون فيه، ليقدموا إبداعاتهم المتفردة إلى العالم أجمع.
ومع هذه الرحلة الطويلة عبر العقود المتتالية، لمعت أسماء مجموعة من الحرفيين سواء داخل «سوق الخيامية» أو خارجها، من الذين ارتقوا بحرفتهم إلى مصاف الفنون، حيث استطاعوا الخروج بها من الإطار التقليدي إلى التجديد والابتكار. من بينهم ظهر اسم الفنان خالد عبد المجيد الذي استطاع أن يطور حرفة الخيامية منتقلاً بها إلى رحاب الفن التشكيلي، لتمثل كل قطعة فيها لوحة فنية تحاكي نظيراتها الموجودة بين جنبات المعارض التشكيلية، كما طور منتجاتها فلم تعد تقتصر على الشكل التقليدي.
في هذا الصّدد يقول الفنان المصري: «بدأت العمل في هذه الحرفة قبل 40 سنة. لم أتوارثها كما الحال لدى حرفيي شارع الخيامية، ولعل ذلك ما جعلني أسعى للخروج عن المألوف فيها وابتكار الجديد، كوني غير متقيد بنمط فني معين».
وبصفته باحثاً في التراث المصري أيضاً، يرى الفنان عبد المجيد أنّ الفترة الحالية هي أكثر فترة ساعدت على ازدهار الخيامية، والسبب يرجع إلى أن معظم المتمرسين حالياً (الجيل الثاني والجيل الثالث من الذين ورثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم وتشبعوا بأصولها جيدا) حصلوا على شهادات جامعية في مجالات مختلفة، ولم يقتصر عملهم على هذه الحرفة فقط، الأمر الذي ساعدهم على الخروج بالحرفة لآفاق أخرى خارجة عن التقليد، فأضافوا جديداً عليها.
ما يأسف له فنان الخيامية وغيره من حرفيي الشارع، أن غالبية الناس لا يدركون المعنى الحقيقي للخيامية أو قيمتها الفنية، ولا يعرفون ما يبذله الحرفي من مجهود للخروج بالقطعة إلى النور. قليلون فقط يقدّرون قيمة الخيامية.
وبلغة المؤرخ، يعود الفنان الخمسيني إلى سنوات ماضية قائلاً: «مع بداية ظهور الانفتاح الاقتصادي في مصر بدأ الحرفي يهتم بالمكاسب المادية التي يحققها على حساب جودة الحرفة، فأصبح يضغط وقته في القطعة الواحدة، والعمل الذي يستغرق 7 أيام بات ينتهي بـ5 فقط أو ربما أقل، بهدف التوفير في الوقت لتحقيق مكاسب أكبر. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الحرفة تنحدر في المستوى».
على الرغم من أن قوام مهنة الخيامية هو استخدام وحدات القماش وتطريزها مع بعضها، فإنها لم تنجُ هي الأخرى من دخول الطباعة إليها التي باتت تهدّد الحرفة وتنافس صناعة النقوش اليدوية، وفي ذلك قال عبد المجيد: «رُبّ ضارة نافعة... فأمام هذه التحديات، تشجّع أصحاب الحرفة للبحث عن إعادة أصولها وكيانها مرة أخرى، فبدأوا يطورون من النقوش اليدوية حتى لا تغلب عليها الطباعة».
ورداً على سؤال حول ما هو الفارق بين الخيامية اليدوية والمطبوعة، أجاب: «هناك فارق واضح بين الخيامية اليدوية الأصيلة والمطبوعة الحديثة. إذا أصيبت القطعة المطبوعة بأي نوع من التلف فلا مجال لترميمها، على عكس تلك المصنوعة يدوياً، إذ يمكن للحرفي أن يستعيض بأي جزء أُهدِر أو حدث تلف فيه، من خلال استبدال الجزء المتضرّر بجزء آخر، والنقش عليه مجدّداً». ويستطرد: «من الفوارق أيضاً أنّ لكل منهما مذاقه الخاص. ومن الطبيعي أن يختلف السعر بين الصناعة اليدوي والمطبوعة، كما يختلف ذوق المستهلك أيضاً» ويضيف: «هناك الكثير من القطع اليدوية المنقوشة بطريقة بدائية ما زالَت موجودة منذ مئات السنين لقيمتها وأصوليتها، وللمجهود الذي بذله الحرفي الأصيل لدى صنعها، ولأدواته التي تمكِّنه من إنتاج قطعة بمنتهى الاحتراف».
ثمّ يتابع عبد المجيد: «هذه الأسباب مجتمعة، أدت إلى حدوث طفرة هائلة في الخيامية أحدثت تنوعاً لجذب المستهلك، فبدلاً من الخيامية المعتادة بشكلها الهندسي أو النباتي، تنوّعت الأشكال التي بات يبتكرها فنانو وحرفيو الخيامية، فبات ممكناً أن تحكي لوحة واحدة قصة كاملة من خلال الرسومات والمعلقات الجدارية، إلى جانب دخول الخيامية إلى منتجات أخرى كانت بعيدة عنها مثل الحقائب والمفروشات والسجاد».
قبل أعوام قليلة بدأ الفنان عبد المجيد مهمة أخرى حملها على عاتقه، وهي نشر حرفة الخيامية من خلال تعليمها للراغبين وتدريبهم، وهو يعلّم اليوم أصول الحرفة في كثير من الدورات التدريبية التي تنظمها المراكز الثقافية والفنية في مصر. وفي ذلك يقول: «للحفاظ على هذه الحرفة، لا بدّ لنا - نحن الصناع - أن ننقل أصولها إلى الأجيال الجديدة، بهدف استمرارها»، ويتابع: «الخيامية تختلف عن غيرها من الحرف التراثية، وفي رأيي تستطيع المساعدة في حل أزمات اقتصادية لكثير من الفئات الشعبية، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، والشباب الجامعي العاطل عن العمل، والسيدات المعيلات». ويوضح: «بأقل مبلغ مادي وبرأسمال بسيط، يستطيع الحرفي أن يبدأ مشروعه ليحقق مدخولاً جيداً».
ويبين عبد المجيد، أن أول دروسه تبدأ بتعليم تطريز زهرة اللوتس، فهي عنصر شامل لجميع الأشكال الفنية المستقيمة والدائرية والمحدبة وغيرها، والذي يتمكّن منها يستطيع أن يمتلك الخبرة الأساسية لينطلق في فن الخيامية.
وينوّه فنان الخيامية إلى أنه يقدم للدارسين حصصاً تتعلّق بروحانية حرفة الخيامية التي تساعد على إسعاد الآخرين بما تبتكره الأيدي من منتجات ولوحات مبهجة ترتقي بصاحبها وتساعده على التأمل والراحة النفسية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».