الرياض نحو تنويع مصادر الدخل وتوطين الصناعة

خطوات جادة لمعالجة ملفي البطالة والإسكان

معالجة ملفات البطالة والإسكان تمثل مؤشرات قوية على تركيز السعودية على دعم ركائز التنمية (رويترز)
معالجة ملفات البطالة والإسكان تمثل مؤشرات قوية على تركيز السعودية على دعم ركائز التنمية (رويترز)
TT

الرياض نحو تنويع مصادر الدخل وتوطين الصناعة

معالجة ملفات البطالة والإسكان تمثل مؤشرات قوية على تركيز السعودية على دعم ركائز التنمية (رويترز)
معالجة ملفات البطالة والإسكان تمثل مؤشرات قوية على تركيز السعودية على دعم ركائز التنمية (رويترز)

رسم حوار الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، الذي بثته القنوات السعودية مساء أول من أمس، ملامح مهمة لمستقبل اقتصاد البلاد، حيث وضع أفراد المجتمع السعودي، وقطاع الأعمال، على أرض صلبة من المعلومات، والشفافية، والدقة في عرض الأرقام.
وأكد الأمير محمد بن سلمان خلال اللقاء أن المملكة عازمة على طرح نحو 5 في المائة من أسهم شركات أرامكو للبيع، إلا أنه أكد أن النسبة المستهدفة للطرح لا يمكن تحديدها بشكل دقيق حالياً، وقال: «هذا الأمر يعود إلى حجم الطلب، وعروض الأسعار»، في دلالة واضحة على أن السعودية تستهدف الاستفادة من المردود المالي المتوقع من طرح جزء من أسهم شركة «أرامكو» في تعزيز فرص الاستثمار في قطاعات أخرى مختلفة.
الحوار الذي بثته القنوات التلفزيونية، وتناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية، كشف عن عزم السعودية المضي قدماً نحو تحقيق رؤية 2030، وسط مؤشرات اقتصادية تؤكد أن المملكة بدأت فعلياً مرحلة تنويع مصادر الدخل، في ظل ارتفاع حجم الإيرادات غير النفطية خلال العامين الماضيين، بما يصل إلى 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار).
وفي هذا الشأن، أكد الدكتور محمد الكثيري، وهو مستشار سعودي في التخطيط والتطوير الاستراتيجي، أن السعودية تمتلك كل مقومات النجاح، نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي للبلاد، وقال: «رؤية 2030 تمثل خريطة طريق لمستقبل اقتصاد المملكة، ومن المؤكد أن تنويع الاقتصاد سيساهم في تحفيز معدلات النمو، وتقليل معدلات التأثر بتقلبات أسعار النفط».ولفت الدكتور الكثيري خلال حديثة لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن تأكيد الأمير محمد بن سلمان على التوجه نحو تحفيز الصناعة الوطنية، وتطوير قوانين الاستثمار، يشير إلى عمق الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية في المملكة العربية السعودية، وقال: «السعودية تسابق الزمن نحو تفعيل برامج رؤية 2030، وللقطاع الخاص دور حيوي في تحقيق ذلك».وأوضح أن الفاعلية في معالجة ملفات البطالة، والإسكان، تمثل مؤشرات قوية على تركيز السعودية على دعم ركائز التنمية، موضحا: «أيضاً سيكون لدينا سوق مال قوي جداً، وذو عمق، مما يجعله أحد أكثر الأدوات التي تساهم في تحفيز الاقتصاد».
ويأتي حوار الأمير محمد بن سلمان، في وقت أعلنت فيه السعودية مساء يوم الأحد الماضي عن تحديد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لـ10 برامج ذات أهمية استراتيجية للحكومة، وهي البرامج التي حملت في دلالاتها ومؤشراتها عمقاً تنموياً، ومعرفياً، وثقافياً، واقتصاديا.
وفي هذا الشأن، أكد المهندس خالد الغامدي خبير سلاسل الإمداد وتوطين الصناعة أن رؤية 2030 ستضع الاقتصاد على أرض صلبة نحو توطين الصناعة، وقال: «برنامج تطوير الصناعة الوطنية الذي تم إطلاقه من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يمثل قفزة نوعية جديدة من شأنها دعم القطاع الصناعي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي».
ولفت المهندس الغامدي خلال حديثة لـ«الشرق الأوسط» حينها، إلى أن برنامج تطوير الصناعة الوطنية يمثل الخيار المستقبلي الأكثر فاعلية، مضيفا: «نسبة مشاركة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 15 في المائة، ورؤية المملكة 2030 ستدعم زيادة مساهمة هذا القطاع الحيوي، وقد نصل إلى نسبة مساهمة في الناتج المحلي تبلغ 25 في المائة خلال السنوات القادمة عقب إطلاق برنامج توطين الصناعة، وهو البرنامج الطموح الذي سيساهم بكل قوة في تحقيق رؤية 2030».
وبالعودة للدكتور محمد الكثيري الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» أمس: «الاقتصاد السعودي أمام فرصة حقيقية لتحقيق معدلات نمو أكثر استدامة، حيث بدأ صندوق الاستثمارات العامة في القيام بدوره الحيوي نحو ضخ عشرات المليارات لخزينة الدولة، مما يقلل بالتالي من الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي».
وفي ضوء هذه التطورات، تعتبر رؤية السعودية 2030 علامة فارقة على صعيد الخطط الاستراتيجية والتنموية التي تضعها الدول، حيث تستهدف الرؤية السعودية تنويع اقتصاد البلاد، وتقليل الاعتماد على النفط، مما جعل المملكة واحدة من أكثر دول العالم المنتجة للنفط التي تعيش إصلاحات اقتصادية، جنّبت الاقتصاد كثيراً من الآثار السلبية لانخفاض أسعار البترول.
وتعتبر البرامج التي حددها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، استكمالا لما سبق إقراره في «برنامج التحول الوطني 2020» الذي أطلق في السادس من يونيو (حزيران) 2016، و«برنامج التوازن المالي2020» الذي أطلق بتاريخ 22 ديسمبر (كانون الأول) 2016، وصيغت آليات عملها وفق حوكمة الرؤية التي أقرت في 31 مايو (أيار) من العام المنصرم.
وتأتي هذه البرامج لتدعم تحقيق «رؤية السعودية 2030» في جعل اقتصاد المملكة أكثر ازدهارا ومجتمعها أكثر حيوية، متمسّكا بالقيم الإسلامية، وبالهوية الوطنية الراسخة، وتمثل هذه البرامج منظومة تحقيق الرؤية التي سيعمل المجلس على مراقبة تنفيذها حتى عام 2020، باتباع الحوكمة المقرة التي تضمن المساءلة والشفافية والرقابة المستمرة، وتفعيل أساليب متابعة المبادرات وتنفيذها.
وقد أنشئ عدد من الأجهزة المتخصصة على مستوى الحكومة، وداخل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لرسم الاستراتيجيات وتحديد الأهداف، وتكوين البرامج ومتابعة الإنجاز وإدارة المشروعات، وأسهم ذلك في دعم صناعة القرار التنموي والاقتصادي، من خلال الربط الوثيق بين جميع الوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي، والمالي، والاجتماعي، والتنموي، وسبق أن أقرّ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأهداف الاستراتيجية لـ«رؤية السعودية 2030»، لوضع أطر وأسس قابلة للقياس والتقويم والتنفيذ، حيث تمكّن تلك الأهداف الاستراتيجية، متابعة تقدم الخطط والبرامج التنفيذية بشكل مستمر وفعال، ومراعاة أي مؤثرات سلبية على الاقتصاد الكلي أو مستوى الدخل والخدمات في كل المراحل التي يمر بها مسار التنفيذ.
كما تم تحديد آلية واضحة للمساءلة عن كل برنامج والأهداف الاستراتيجية المباشرة وغير المباشرة المرتبطة به، وفهم العلاقة بين مختلف الأهداف وإدارتها من خلال لجان للبرامج يرأسها وزراء وأعضاء مختصون من مختلف الجهات ذات العلاقة بالبرنامج، ويخضع أداؤهم لمراقبة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتجري مساءلتهم وفق آليات الرقابة والتقويم المستمر، والتصعيد في حال الحاجة.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».