مجازر البعث ضد أكراد العراق

كتاب «الصمت» صدر بثلاث لغات

الصمت المؤلف: د. محمد إحسان الناشر: دار المدى، بغداد
الصمت المؤلف: د. محمد إحسان الناشر: دار المدى، بغداد
TT

مجازر البعث ضد أكراد العراق

الصمت المؤلف: د. محمد إحسان الناشر: دار المدى، بغداد
الصمت المؤلف: د. محمد إحسان الناشر: دار المدى، بغداد

يكشف كتاب «الصمت»، الخاص بتفاصيل الإبادة الجماعية في كردستان والعراق، لمؤلفه الدكتور محمد إحسان، الذي شغل لعدة سنوات مناصب وزارية في حكومتي إقليم كردستان والعراق، عن عمليات الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الكردي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 حتى 1990، حيث وصلت هذه الحملات إلى أوجها في عهد نظام «حزب البعث» والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي نفذ عمليات قتل للآلاف من الفيليين، وتعرض الباقون منهم إلى عمليات التسفير القسري، وعمليات إبادة لأكثر من 8 آلاف بارزاني، وحملات الأنفال (عمليات قتل جماعية، نفذها نظام صدام ضد الشعب الكردي، وكانت هذه العمليات على 8 مراحل. في عام 1988، قُتل أكثر من 182 ألف كردي من كل الفئات العمرية، لكن الغالبية كانوا من النساء والأطفال، ودفنت قوات النظام غالبية الضحايا وهم أحياء في صحارى الجنوب العراقي ومناطق العراق الأخرى)، ثم قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، وعمليات التهجير والترحيل والتطهير العرقي الذي نفذتها الأنظمة العراقية المتعاقبة ضد الكرد، وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجها صدام في كردستان.
قسم الكاتب كتابه إلى 4 أقسام: اختص القسم الأول منه بالحديث عن جرائم الإبادة الجماعية من الناحية القانونية. ويتألف هذه القسم من فصلين: الأول منهما يختص بتعريف جرائم الإبادة الجماعية من وجهة نظر القانون الدولي العام، الذي يتطرق إلى مفهوم الإبادة الجماعية، والقصد الجنائي، والجذور التاريخية لجرائم الإبادة. أما الفصل الثاني، فيحمل عنوان «جريمة الإبادة الجماعية الصامتة ضد الكرد». ويبحث هذا الفصل في اتجاهات وخطط التعريب، والتغيير الديموغرافي، والتهجير القسري الذي تعرض له الكرد في العراق، والتوطين المتعمد للعشائر العربية في المناطق الكردية، وكيف غير النظام العراقي الحدود الإدارية للمناطق الكردية، إضافة إلى عرض الآثار الجانبية لجريمة الإبادة الجماعية الصامتة.
ويتطرق المؤلف في القسم الثاني من «الصمت» إلى العامل السياسي في جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام صدام في كردستان العراق، ويتألف هذا القسم من فصلين. الأول يعرض خلاله المؤلف سياسة البعث في إنتاج وتمرير جرائم الإبادة الجماعية، ويقف هذا الفصل عند فكر البعث وأساليبه كعامل لإنتاج جرائم الإبادة، إضافة إلى قدرة الدولة البعثية على إنكار حصول جرائم الإبادة. ويتناول الفصل الثاني القضية الكردية في العراق ما بين الأعوام 1921 - 1990، وجرائم الإبادة التي تعرضوا لها خلال هذه الفترة، ويشمل شرحاً لوضع الكرد في الدولة العراقية، وقسوة هذه الدولة في التعامل مع مطالب الكرد القومية، إلى جانب تسليط الضوء على النظام السياسي للدولة العراقية، وردود الفعل الكردية، ويختتم هذا الفصل بالحديث عن الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني، والحركة الوطنية الكردية.
في حين شرع الكاتب في القسم الثالث من الكتاب بشرح التكييف القانوني للجرائم المرتكبة في كردستان كجرائم إبادة جماعية، ويعرض خلال هذا القسم أبرز جرائم الإبادة التي تعرض لها الكرد على يد نظام البعث في العراق، متسلسلة حسب تاريخ ارتكابها من الأقدم إلى الأحدث، وتشمل جريمة الإبادة الجماعية ضد الكرد الفيليين، وجريمة الإبادة الجماعية ضد البارزانيين، وجريمة الإبادة الجماعية في حملات الأنفال، وجريمة الإبادة الجماعية في ضرب حلبجة بالأسلحة الكيماوية، والتكييف القانوني لهذه الجرائم، والدوافع السياسية والأدلة الخاصة بارتكابها، وكيف خطط نظام البعث لها ومراحلها، وكيف تم اعتقال الضحايا وتجميعهم، وطرق الإبادة التي نفذت ضدهم.
ويتعرض الفصل الأول من القسم الرابع لجريمة المقابر الجماعية في حقبة حكم البعث، وكيف اختار نظام البعث أماكن هذه المقابر وتوزيعاتها في العراق، ويشير إلى أن العشرات من هذه المقابر الجماعية اكتشفت بعد عملية تحرير العراق عام 2003، وكانت تضم رفات الآلاف من المواطنين العراقيين الذين دفنوا أحياء من قبل نظام صدام، أو نُفذ فيهم حكم الإعدام الجماعي. ويبحث في الفصل الثاني سياسة التطويع في البناء الوظيفي الحكومي، وكيف استخدم صدام حزبه من خلال مفاصله العليا في السيطرة على الشعب العراقي من أجل الاستمرار بالحكم، والآثار التي تركتها هذه الجرائم على الشعب الكردي، وأهم الاتجاهات للحيلولة دون تكرار جرائم الإبادة الجماعية في العراق. وضم الفصل الثالث من القسم الأخير من الكتاب شرحاً لمسارات الجرائم المرتكبة ضد الكرد في العراق، والاستنتاجات العامة لها، ونظرة إلى المستقبل.
ويُشدد الدكتور محمد إحسان، في نهاية القسم الرابع من الكتاب، على أن الدولة العراقية، ووفق مفهوم المسؤولية المدنية والنظام القانوني الدولي، مسؤولة قانوناً واعتبارياً عن ارتكاب الجرائم الواردة في هذا الكتاب، وعليها التزامات مفروضة، بالإضافة إلى التبعات التي يفترض أن تتحملها، مبيناً أنه على بغداد أن تعمل على محو آثار تلك الجرائم، ومنع تكرار حدوثها.
ويلمح المؤلف إلى أسباب اختياره «الصمت» عنواناً لكتابه، ليعبر من خلال عن حالة اللامبالاة أمام هول هذه الجرائم، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، المماثلة لجرائم الإبادة الجماعية (الهولوكوست) التي نفذها هتلر والنظام النازي في ألمانيا وأوروبا ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
صدر هذا الكتاب عن دار المدى، بثلاث لغات، هي: الكردية والعربية والإنجليزية.



أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟