مقتل معارض للنظام الإيراني ورجل أعمال كويتي في إسطنبول

مصادر أمنية رجحت تنفيذ الجريمة لأسباب مالية والتحقيقات تبحث جميع الاحتمالات

صورة لرجل الأعمال الكويتي محمد متعب الشلاحي المطيري المقتول في إسطنبول - الأمن التركي يعاين سيارة الإعلامي ورجل الأعمال الإيراني سعيد كريميان بعد مهاجمته من مسلحين في إسطنبول مساء السبت (رويترز)
صورة لرجل الأعمال الكويتي محمد متعب الشلاحي المطيري المقتول في إسطنبول - الأمن التركي يعاين سيارة الإعلامي ورجل الأعمال الإيراني سعيد كريميان بعد مهاجمته من مسلحين في إسطنبول مساء السبت (رويترز)
TT

مقتل معارض للنظام الإيراني ورجل أعمال كويتي في إسطنبول

صورة لرجل الأعمال الكويتي محمد متعب الشلاحي المطيري المقتول في إسطنبول - الأمن التركي يعاين سيارة الإعلامي ورجل الأعمال الإيراني سعيد كريميان بعد مهاجمته من مسلحين في إسطنبول مساء السبت (رويترز)
صورة لرجل الأعمال الكويتي محمد متعب الشلاحي المطيري المقتول في إسطنبول - الأمن التركي يعاين سيارة الإعلامي ورجل الأعمال الإيراني سعيد كريميان بعد مهاجمته من مسلحين في إسطنبول مساء السبت (رويترز)

كشفت مصادر قريبة من التحقيقات التي تجريها أجهزة الأمن التركية حول مقتل مالك قناة «جم تي في» البريطاني من أصل إيراني، سعيد كريميان، وشريكه رجل الأعمال الكويتي محمد متعب الشلاحي، عن دوافع جنائية وراء الجريمة التي وقعت ليل السبت. ورجحت مصادر كويتية لـ«الشرق الأوسط» أن يكون القتيل الكويتي سقط بـ«الصدفة» أثناء استهداف المعارض الإيراني.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن المعطيات الأولية كشفت عن أن الجريمة تقف خلفها دوافع تتعلق بمعاملات مالية لكريميان وشريكه الكويتي تخص مجموعة «جم» للخدمات التلفزيونية والترفيهية.
وأضافت المصادر أنه مع ذلك فإنه يجري بحث مختلف الاحتمالات والدوافع، لا سيما أن كريميان سبق الحكم عليه بالسجن في إيران لاتهامه بترويج دعاية معادية للنظام، كما اتهم بأنه عضو بمنظمة «مجاهدين خلق» المعارضة للنظام الإيراني.
وبعد ساعات من عملية الاغتيال، نشر الصحافي والناشط السياسي أمير فخر آور، المقرب من كريميان مقطعا مصورا يتهم فيه السلطات الإيرانية بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
وقالت وكالة أنباء «دوغان» التركية، إن كريميان كان يستقل سيارة بصحبة صديقه الكويتي في منطقة مسلك، وهي حي راق في الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول، عندما اعترضت سيارة دفع رباعي طريقهما، وترجل المهاجمون من سيارتهم وفتحوا النار. وتوفي كريميان على الفور بعد أن أمطره المسلحون بنحو 27 طلقة، بينما أصيب الشلاحي بثلاث رصاصات، وتوفي في المستشفى لاحقاً.
وقام فريق من أجهزة الأمن التركية بمعاينة موقع الهجوم وكاميرات المراقبة المحيطة بالمكان وسؤال شهود العيان. وقال شهود عيان إن المهاجمين كانوا ملثمين وإنهم لاذوا بالفرار من مكان الحادث. وفي وقت لاحق عثرت الشرطة التركية على السيارة المستخدمة في الهجوم على طريق كمر بورجاز في إسطنبول، وهي محروقة.
ولم يتم حتى الآن القبض على منفذي الهجوم الذين قالت وسائل إعلام إنهم أطلقوا 27 رصاصة على كريميان الذي توفي على الفور، فيما توفي شريكه الكويتي بعد نقله إلى المستشفى متأثرا بجراحه. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، كما لم تصدر الشرطة التركية أي بيانات رسمية عن الحادث.
ووُجدت ثلاث سيدات قالت وسائل إعلام تركية إنهن من أقارب كريميان، شوهدن يبكين في موقع الحادث أثناء قيام قوات الأمن بإخلاء المكان.
وتأسست مجموعة «جم» في دبي عام 2001، وأطلقت قنوات «جم تي في» عام 2006. وهي 17 قناة تبث بالفارسية والكردية، كما أطلقت خدمتها باللغة العربية في عام 2015، وهي قنوات ترفيهية تعمل في إنتاج الأفلام والمسلسلات، كما تعرض مسلسلات وأفلاما أجنبية، ولها مقر في إسطنبول وآخر في لندن، وكانت تتولى تسويق المسلسلات التركية في آسيا والشرق الأوسط.
وعمل كريميان في كثير من المجالات منذ أكثر من 10 سنوات، ومنها انطلق إلى العمل الإعلامي مع إطلاق قناة «جم» في لندن ثم تركيا وماليزيا، وكان يعيش في تركيا طيلة السنوات الماضية.
وتداولت مواقع إيرانية موالية للنظام صورة تجمع كريميان بزعيمة منظمة «مجاهدين خلق» المعارضة، مريم رجوي. وكان كريميان قد حوكم غيابيا من قبل محكمة طهران، وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات بسبب نشره دعاية ضد إيران.
ونجحت مجموعة «جم تي في» في استقطاب عدد من نجوم السينما والتلفزيون الإيراني في السنوات الأخيرة، وتحظى برامج القنوات بشعبية واسعة تنافس القنوات الرسمية. وتتناول القناة القضايا الاجتماعية الساخنة الممنوعة على المسلسلات والأفلام المنتجة في إيران.
واتهمت وكالة «تسنيم» للأنباء، القريبة من الحرس الثوري الإيراني، كريميان بأنه عضو سابق في منظمة «مجاهدين خلق». واعتبر النظام الإيراني قنوات «جم» هي وسائل الإعلام الأكثر تدميرا للثقافة الإسلامية، والأكثر خطرا على المجتمع الإيراني، ببثها مسلسلات وأفلاما تروج للثقافة الغربية وتتنافى مع التقاليد الإيرانية. وأشارت بحوث المشاهدة التي أجريت حول قنوات «جم» إلى أن نسبة مشاهديها تصل إلى 53 في المائة بين النساء، و47 في المائة بين الرجال.
في سياق متصل، طالب نواب في مجلس الأمة الكويتي، وزارة الخارجية والسلطات المعنية، بضرورة الكشف عن جميع التفاصيل المتعلقة باغتيال المواطن الكويتي في تركيا، مرجحين وجود دوافع سياسية وراء الحادث. ومن جانبه صرح قنصل عام الكويت لدى إسطنبول، بأن المواطن الكويتي «توفي إثر تعرضه لإطلاق نار في إسطنبول».
وأضاف أن القنصلية «تتابع عن كثب مع الجهات التركية المعنية ظروف الحادث وملابساته، وتعمل على إنهاء إجراءات نقل الجثمان إلى البلاد بأسرع وقت».
وتحدثت «الشرق الأوسط» مع المحامي شريان الشريان، محامي الشلاحي، الذي أفاد بأن المغدور الكويتي كان يمتلك حزمة استثمارات عقارية في عدد من الدول، بينها تركيا ولبنان ومصر.
والشلاحي، في نهاية الأربعينات من عمره، وهو حاصل على شهادة في الهندسة من الولايات المتحدة. وأكدت مصادر متطابقة عدم وجود أي نشاط سياسي واضح له، مرجحين أن تكون علاقته بالمعارض الإيراني لا تتعدى النشاط التجاري أو الارتباط بصداقة شخصية.
وقال المحامي إن الراحل الشلاحي كان «ممن ينفقون أموالهم لكفالة الأيتام والمرضى والأرامل والمنكوبين، في سوريا والعراق واليمن». وتظهر تقارير مصورة على «يوتيوب» متطوعين يوزعون مساعدات متنوعة، بينها أغذية قدمها الشلاحي للاجئين السوريين، كما تضمنت تقديم مساعدات لفقراء في اليمن.
وقال المحامي الشريان، إن الشلاحي كان نموذجاً للشاب العملي العصامي الناجح، الذي يسعى لتقديم الخير والبر، وأضاف: «كنت وسيطاً في إيصال مساعداته للمحتاجين».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟