الفلفل الرومي ... من المكسيك إلى موائد الكون

متعدد الألوان لم يعرفه القدماء حتى أواخر القرن الرابع عشر

الفلفل الرومي ... من المكسيك إلى موائد الكون
TT

الفلفل الرومي ... من المكسيك إلى موائد الكون

الفلفل الرومي ... من المكسيك إلى موائد الكون

يعرفه البعض بأنه الفلفل الرومي أو الفلفل الأخضر أو الفلفل حلو المذاق أو غير الحار، وفي كل الأحوال فهو من الخضراوات التي وردت حديثاً نسبياً إلى دول العالم القديم، حيث لم يعرفه القدماء حتى عام 1493 حينما تم استيراده من المكسيك إلى إسبانيا. ومنها انتشر إلى شمال أفريقيا وأنحاء أوروبا وآسيا. واليوم تعد الصين هي أكبر منتجة له في العالم، ثم تأتي بعدها المكسيك وإندونيسيا.
وهو ينمو بأحجام وألوان متعددة منها الأخضر والأحمر والأصفر والبرتقالي والأبيض. ويأكل سكان أميركا اللاتينية كل أجزاء ثمار الفلفل، وإن كان البعض لا يستسيغ طعم البذور والعنق الأخضر لمرارتهما.
ويحتاج الفلفل إلى تربة دافئة، وينمو في درجات حرارة ما بين 21 و29 مئوية تكون رطبة ولكنها غير مشبعة بالماء وجيدة التهوية. وهو نبات حساس ضد حرارة الطقس الشديدة وضد التربة سيئة الصرف.
الغريب أن الفلفل اكتسب اسمه بالخطأ من الأوروبيين الذين كانوا يعرفون ويقدرون الفلفل الأسود، وهو من أهم التوابل التي كانت ترد إلى أوروبا عن طريق الهند. وكان الأوروبيون يطلقون الاسم على أنواع أخرى من التوابل لها الطعم الحريف. وعندما أحضر كريستوفر كولومبوس نبات الفلفل الأخضر معه من المكسيك أطلق عليه الأوروبيون اسم الفلفل؛ نظراً لطعمه الحريف. ومن ناحية علم النبات يعتبر الفلفل من أنواع الفاكهة، ولكنه في عرف عالم الطبخ الحديث يدخل ضمن الخضراوات. وفي موطنه الأصلي، المكسيك، يعرف الفلفل باسم «تشيلي».
وهو الوحيد بين أنواع الفلفل الأخضر الأخرى الذي لا يحتوي على مادة كيماوية اسمها «كابساسين» تكسبه الطعم الحريف الذي يلهب الفم عند تناوله. ويختفي الجين المسبب لهذا الطعم من الفلفل الرومي. وتنتج المكسيك أنواعاً من هذا الفلفل حريفة الطعم بإضافة الجين الناقص بينما تفضل دول أوروبا النوع غير الحريف.
ويعمم اسم الفلفل الرومي على كل أنواع الفلفل بغض النظر عن لونها. ويتم إطلاق اسم الفلفل المقرون بلونه لكي تنقسم أنواعه إلى فلفل أخضر وفلفل أحمر وهكذا. وتتعدد الألفاظ التي تطلقها الدول المختلفة على الفلفل مثل «بابريكا» في هولندا، و«بيبروني» في إيطاليا، و«بيفرون» في فرنسا، و«بيمينتو» في إسبانيا والبرتغال.
وأثناء نمو ثمار الفلفل يكون لونها الموحد هو اللون الأخضر، ثم تتغير الألوان عند النضج إلى الأحمر أو الأصفر أو البرتقالي. وهناك أنواع نادرة لها ألوان مغايرة مثل الأبيض والبني ولون اللافندر والبنفسجي. ويختلف طعم كل لون من الفلفل عن اللون الآخر، وأحلاها طعما هو اللون الأحمر ثم الأصفر ثم الأخضر. كما أن الطعم يتحسن بترك الثمار لكي تنضج تحت الشمس على سيقان النبات بدلاً من حصادها مبكرا وتركها في التخزين فترة تنضج خلالها.
وللفلفل الكثير من المزايا الغذائية، حيث إنه مضاد للأكسدة، وغني بفيتامين «ج»، ويحتوي الفلفل الأحمر خاصة على مادة الكاروتين وبنسبة تسعة أضعاف أنواع الفلفل الأخرى، وضعف فيتامين «ج» بالمقارنة بالفلفل الأخضر. وتحتوي كل مائة غرام من الفلفل الرومي على 20 سعراً حرارياً ونحو خمسة غرامات من الألياف وغرامين من السكر ونسبة هامشية من الدهون والبروتينات، ومجموعة كبيرة من الفيتامينات والأملاح. وأهم الأملاح التي يحتوي عليها الفلفل كل من الكالسيوم والماغنيسيوم والفوسفور والبوتاسيوم مع نسب أقل من المنغنيز والصوديوم والحديد والزنك.
وينتج العالم وفق إحصاءات عام 2007 نحو 26 مليون طن من الفلفل سنوياً، وتعد الصين هي أكبر دول العالم إنتاجاً له بمحصول يبلغ حجمه 14 مليون طن، تليها المكسيك بحجم إنتاج يصل إلى 1.7 مليون طن ثم إندونيسيا بإنتاج حجمه 1.1 مليون طن. وتأتي بعد إندونيسيا كل من تركيا وإسبانيا والولايات المتحدة على التوالي. وبين أكبر عشر دول منتجة للفلفل الرومي في العالم تأتي مصر في المركز الثامن بحجم إنتاج يبلغ 475 ألف طن سنويا.
وينصح خبراء التغذية بأكل الفلفل طازجا، حيث يفيد الجسم بكثافة الفيتامينات فيه، مع عدم احتوائه على دهون أو سعرات حرارية تذكر. وهو يمكن أن يدخل ضمن مكونات وجبات غذائية صحية يمكن تناولها يومياً.
من الفوائد التي يضيفها الفلفل على الغذاء اليومي احتوائه على نسبة من الألياف تساعد على سهولة الهضم، وتقي من أمراض القلب ومن مرض السكر. وتساهم الألياف في الحفاظ على الوزن أو خفضه لأنه يقلص من الشعور بالجوع.
من أهم الفيتامينات التي يحتويها الفلفل فيتامين «ج» الذي يحمي من العدوى، ويحافظ على صحة الجلد والأسنان والشرايين. ويحتوي كوب من الفلفل المقطع على ما يحتاجه الجسم من فيتامين «ج» خلال اليوم. وتوجد نسبة أيضاً من فيتامين «هـ» الذين يحافظ على صحة الخلايا، ويقوى من نظام المناعة الطبيعية.
موانع الأكسدة في الفلفل معروفة وهي تصل أعلى معدلاتها في الفلفل الأحمر، ولكن للفلفل الأخضر فوائد إضافية في الحفاظ على صحة العيون وتأخير عوامل الشيخوخة.
من النصائح والأفكار الجديدة حول وصفات وجبات الفلفل إضافته إلى صلصة الاسباغيتي أو إلى مكونات اللازانيا وعلى سندوتشات اللحوم. ويمكن إضافة الفلفل على الشوربة وعلى أطباق النودل الصينية، كما يدخل ضمن مكونات السلطات بأنواعها. وعند اختيار ثمار الفلفل يجب انتقاء الثمار ذات الألوان المصقولة والجلد المشدود والملمس الصلب.
من الملاحظ أن ثمن الفلفل الأخضر يقل في العادة عن ثمن أنواع وألوان الفلفل الأخرى؛ والسبب في ذلك ليس اختلاف الطعم وإنما لأن الفلفل الأخضر يتم حصاده مبكراً وقبل اكتمال نموه، بينما ألوان الفلفل الأخرى تبقى على شجيراتها حتى يكتمل نموها، ولذلك تستغرق وقت نمو أطول، وتباع في العادة بأسعار أعلى. ولكن كل ألوان الفلفل تتبع الفصيلة نفسها. وتشمل الفصيلة عدة أنواع أخرى من الخضراوات منها الباذنجان والبطاطس والطماطم.
وتتاح ثمار الفلفل الرومي في الأسواق طوال شهور العام، ولكنها تصل إلى ذروة نوعيتها وطعمها خلال شهور الصيف وبداية الخريف. وفي بعض البلدان مثل تركيا يتم شواء قطع الفلفل مع اللحوم على الفحم على أسياخ الكباب. ولكن هذه الطريقة في طهي الفلفل على درجات حرارة عالية تفقده الكثير من مزاياه الغذائية. والأفضل هو الطهي على درجات حرارة أقل ولفترات قصيرة أو تناول الفلفل طازجا. ومثل الكثير من أنواع الخضراوات الأخرى مثل القرنبيط يحتوي الفلفل على مضادات للسرطان خصوصا الأنواع الطازجة منه.
من أهم الوجبات التي يدخل الفلفل ضمن مكوناتها في الكثير من أنحاء العالم الفلفل المحشي بالأرز، وهي وجبة بدأت مكسيكية ولكنها الآن تدخل ضمن وجبات البحر المتوسط. ويمكن اختيار الفلفل متعدد الألوان لهذه الوجبة، وبدلا من السلق يمكن طهي الفلفل المحشي بالأرز في البخار في أوانٍ مخصصة له. ويقدم دافئا مع أطباق اللحوم والباذنجان المقلي والكوسة مع جبنة موتزريلا مشوية. ويمكن أيضاً حشو الفلفل باللحم المفروم وتغطيته بالجبن.
من الوجبات الأخرى التي تنتشر في جنوب آسيا تقطيع الفلفل مع الخضراوات الأخرى، وقليها السريع مع الجمبري أو شرائح اللحم بأسلوب «ستير فراي»، وتؤكل هذه الوجبة ساخنة فور تحضيرها. ويضاف الفلفل أحياناً إلى وجبات السمك وإلى صلصات الباستا، وإلى وجبات يونانية مثل المسقعة ومكسيكية مثل الفاهيتا. ومثل دوائر البصل المقلية يمكن أيضاً طهي دوائر الفلفل المقلية التي تؤكل ضمن المقبلات مع الجبن والزيتون.



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.