المعضلات الاقتصادية تمنع ترمب من «احتفال تقليدي» بمئويته الرئاسية

أزمات تباطؤ النمو وضعف الاستهلاك واتفاقيات التجارة تلاحق الرئيس الجديد

المعضلات الاقتصادية تمنع ترمب من «احتفال تقليدي» بمئويته الرئاسية
TT

المعضلات الاقتصادية تمنع ترمب من «احتفال تقليدي» بمئويته الرئاسية

المعضلات الاقتصادية تمنع ترمب من «احتفال تقليدي» بمئويته الرئاسية

التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس السبت، مؤيديه في ولاية بنسلفانيا خلال تجمع يذكرنا بمهرجاناته الانتخابية، للاحتفال بمرور 100 يوم على ولاية شهدت الكثير من الانتكاسات وأثارت جدلاً كبيراً.
يجد الرئيس الأميركي الـ45 صعوبة في الوفاء بوعوده الانتخابية، وسعياً منه للإفلات من ضغوط البيت الأبيض، توجه للقاء أنصاره في هاريسبرغ في بنسلفانيا، إحدى الولايات التي حسمت فوزه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسيحجب هذا التجمع مؤقتاً ما يواجهه من انتقادات.
ومن أبرز هذه الوعود التي عجز حتى الآن عن تحقيقها إلغاء قانون الضمان الصحي الذي يحمل اسم سلفه «أوباماكير» واستبداله بنظام جديد، وقد اصطدم هذا الوعد بانقسامات داخل غالبيته الجمهورية في الكونغرس، كما اضطر الأسبوع الماضي إلى سحب تمويل الجدار، الذي وعد ببنائه على الحدود مع المكسيك، من مشروع قانون التمويل الفيدرالي لتفادي أزمة ميزانية كانت تهدد بشل عمل الأجهزة الحكومية.
أما مشروع الإصلاح الضريبي الذي كشف عنه بشكل متسرع الأسبوع الماضي، سعياً لتلميع حصيلة المائة يوم وقد وصفه الرئيس بأنه «ربما أكبر تخفيض ضريبي في التاريخ»، فاعتبر بصورة عامة هدية بقيمة مليارات الدولارات إلى الأثرياء الأميركيين، وانتُقد باعتباره سيزيد المديونية.
وقع ترمب منذ وصوله إلى البيت الأبيض عشرات المراسيم الرئاسية لإلغاء التدابير المتخذة في عهد باراك أوباما في مجال الصناعة والبيئة والتنقيب عن النفط والغاز، وهي جهود لقيت ترحيباً من الجمهوريين، غير أن المرسوم الرئاسي الذي كانت له أوسع أصداء، فكان قرار حظر دخول رعايا دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، وقد جمده القضاء مرتين. غير أن كل هذه النكسات لم تمنع ترمب من الإشادة بمطلع ولايته الذي وصفه بأنه كان ناجحاً.
وأعلن أول من أمس الجمعة للصحافيين: «لا أعتقد أن أحداً قام بما تمكنا من القيام به خلال 100 يوم... إننا في غاية السرور»، وتابع: «إننا نحقق إنجازات كثيرة»، معتبراً رغم ذلك أن استحقاق المائة يوم الرمزي هو في الواقع «معيار خاطئ» واعتباطي.
وفي رسالة فيديو بثها البيت الأبيض مساء الجمعة، أكد ترمب أن «المائة يوم الأولى من إدارتي كانت بكل بساطة الأكثر نجاحاً في تاريخ بلادنا»، غير أن الملياردير السبعيني أقر مراراً بأن المهام الرئاسية أكثر صعوبة مما كان يتصور.
ويرتدي تجمع بنسلفانيا أهمية رمزية؛ إذ يتزامن مع حفل العشاء السنوي لجمعية مراسلي البيت الأبيض، وهو ملتقى تقليدي للرؤساء الأميركيين قرر هذه السنة مقاطعته، مظهراً بذلك ازدراءه لوسائل الإعلام، وقال المتحدث باسمه شون سبايسر مدافعاً عن قرار الرئيس «إنها فرصة له ليتوجه إلى الناخبين الذين منحوه أصواتهم، ويتحدث عما تمكن من إنجازه خلال الأيام المائة الأولى».
لو أقام الرئيس احتفالا تقليديا مع مراسلي البيت الأبيض، فمن المؤكد أنه كان سيسأل عن التدهور السريع جداً للاقتصاد الذي شهد وضعا قريبا جدا من التشغيل الكامل قبل حضور ترمب مباشرة.
وفصلت رئيسة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي حصيلة ترمب على طريقة علامات مدرسية منحتها للوعود التي قطعها، فعددت: «الميزانية: سيء، إنشاء وظائف: سيء، تجفيف المستنقع: سيء، الصحة: سيء». في المقابل، يعتز الجمهوريون بإنجاز هو تعيين القاضي المحافظ نيل غورستش في المحكمة العليا.
المؤشرات الاقتصادية الواردة ألقت بظلها على حماسة الفريق الرئاسي، بدءاً بالإعلان، أول من أمس الجمعة، عن أرقام النمو الاقتصادي الأميركي في الفصل الأول من 2017، وهي أسوأ أرقام منذ 3 سنوات، بالإضافة إلى تآكل نمو الاستهلاك من مستويات تاريخية، والفشل في الضغط على قادة شركاء «العجز التجاري» الأميركي لتعديل سياساتهم تجاه أميركا، أو حتى فرض قيود حمائية كبيرة على بضائعهم.
وأعلنت وزارة التجارة الأميركية، في تقديرها المبدئي بشأن إجمالي الناتج المحلي، أن اقتصاد البلاد شهد نموا سنويا بنسبة 0.7 في المائة من الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار). وتباطأ النمو الاقتصادي في الربع الأول من العام الجاري بشكل حاد مقارنة بالفترة من أكتوبر (تشرين الأول) إلى ديسمبر (كانون الأول)، عندما شهد إجمالي الناتج المحلي نمواً بوتيرة سنوية بلغت 2.1 في المائة، ما يعني 3 أضعاف المحقق في مطلع حكم ترمب. وبالنسبة للعام الماضي، شهد الاقتصاد الأميركي نمواً بنسبة 1.6 في المائة، وهو أقل معدل نمو منذ عام 2011.
وكان من العوامل الرئيسية وراء تباطؤ النمو في الربع الأول، تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي والانكماش في استثمارات المخزون التجاري وإنفاق الدولة والحكومات المحلية. ومن المقرر أن يصدر مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة تقديرات منقحة لإجمالي الناتج المحلى للربع الأول في 26 مايو (أيار) المقبل.
وبهذا يكون الاقتصاد الأميركي قد نما بأضعف وتيرة في 3 سنوات في الربع الأول من العام، في الوقت الذي زاد فيه إنفاق المستهلكين قليلاً، وضخت الشركات استثمارات أقل في المخزونات؛ مما يشكل انتكاسة محتملة لتعهد الرئيس دونالد ترمب بتعزيز النمو.
وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.2 في المائة في الربع الأخير، لكن الاستطلاع أجري قبل البيانات الأولية الصادرة الخميس الماضي بخصوص عجز تجارة السلع والمخزونات في مارس الماضي، ما أدى لقيام الكثير من الاقتصاديين بتخفيض توقعاتهم للنمو في الربع الأول.
ويقول اقتصاديون إنه من الصعب على ترمب الوفاء بتعهده بزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي إلى 4 في المائة دون زيادة الإنتاجية، وبلغ النمو في إنفاق المستهلكين، الذي يشكل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، 0.3 في المائة في الربع الأول، وهذه القراءة هي أبطأ وتيرة منذ الربع الأخير من 2009، وتأتي عقب معدل قوي بلغ 3.5 في المائة في الربع الرابع.
ويرى مؤيدو ترمب أنه لا يجب إلقاء اللوم عليه بسبب تباطؤ الربع الأول، خاصة إذا تم انتقاده لعدم تحقيقه الكثير مما وعد به في أول 100 يوم؛ مبررين أن نتائج وعود الرئيس الأميركي لن تظهر إلا على مدى أشهر وسنوات، ولم يف ترمب بعد بالتحفيز المالي، الذي قد تظهر آثاره بنهاية هذا العام أو بداية العام القادم. من ناحية أخرى يشعر المستثمرون بخيبة أمل من القراءة، حيث أظهر معدل التضخم بداية حميدة أول العام، وسوق العمل مرونة، وبيانات مؤشر مديري المشتريات الإيجابية، وكلها كان من المرجح أن تعزز عوائد المستثمرين.
وأغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسية في بورصة «وول ستريت» الأميركية أول من أمس الجمعة على انخفاض، تأثراً بالبيانات السلبية. وأنهى مؤشر «داو جونز» الصناعي القياسي جلسة التداول منخفضاً 40.82 نقطة، أو 0.19 في المائة، ليصل إلى 20940.51 نقطة، وهبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقا 4.58 نقطة، أو 0.19 في المائة، ليصل إلى 2384.19 نقطة. وخسر مؤشر «ناسداك» المجمع لأسهم التكنولوجيا 1.33 نقطة، أو 0.02 في المائة، ليصل إلى 6047.61 نقطة.
وعلى المستوى الخارجي فقد تراجعت حدة خطاب ترمب تجاه ألمانيا والصين، بعد لقاء شي جينبينغ، وأنجيلا ميركل.
وأعربت المستشارة الألمانية عن أملها في استئناف المفاوضات بشأن تحرير التجارة عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة، وقالت ميركل في تصريحات لصحف «شبكة ألمانيا التحريرية» الصادرة أمس السبت: «الرئيس الأميركي يطالب بشروط عادلة من منظور بلاده، وإننا نكترث بالطبع بالمصالح الألمانية والأوروبية».
وذكرت ميركل أنها طورت بوجه عام مع الرئيس دونالد ترمب «علاقة عمل جيدة لا تخلو بالطبع من وجهات نظر مختلفة»، وقالت إننا «بحاجة إلى مشاركة قوية من الولايات المتحدة، إذا كانت الأطراف المعنية تريد حل النزاعات السارية في العالم، وإذا كنا نريد مساعدة المواطنين».
يذكر أن ترمب وجه انتقادات حادة لميركل خلال حملته الانتخابية؛ بسبب سياستها تجاه اللاجئين، إلا أن تصريحاته عن المستشارة صارت أكثر إيجابية حالياً، وينظر ترمب بتشكك تجاه اتفاقية تحرير التجارة عبر الأطلسي؛ لأنه يرى أن بلاده ستتضرر منها كثيراً. وكان من أول الإجراءات التي اتخذها ترمب عقب توليه مهام منصبه، هو انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي.



ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)

ما إن انتخب مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد، بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي، حتى عززت سندات لبنان الدولارية مكاسبها مسجلةً ارتفاعاً حاداً وسط تفاؤل بإجراء إصلاحات في بلد مزقته الحروب، وأنهكت اقتصاده الذي تناوله عون في خطابه بعد إدلائه بالقسم، حين شدّد على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر.

وقد شهدت سندات لبنان الدولية بآجالها كافة، الخميس، ارتفاعاً إلى أكثر من 16 سنتاً للدولار، من حوالي 13 سنتاً يوم الأربعاء، وذلك بعدما كانت وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 6.25 سنت في عام 2022، رغم أنها لا تزال أدنى بكثير من أسعار سندات دول أخرى تخلفت عن سداد التزاماتها في العام نفسه.

جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيساً للبنان في مبنى البرلمان ببيروت (رويترز)

وكان لبنان أعلن التخلف عن سداد ديونه في ربيع عام 2020 بعد أن سقط النظام المالي في البلاد في أزمة اقتصادية عميقة في 2019.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات في وقت بالغ الحساسية، حيث لا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في 2019، إذ يواجه أزمة مصرفية ونقدية وسياسية غير مسبوقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، أثرت بشكل عميق على استقراره النقدي، مما جعله واحداً من أكثر البلدان عُرضة للأزمات المالية في المنطقة. ومنذ بداية هذه الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً ناهز 40 في المائة، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في جميع القطاعات الاقتصادية. كما فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معاناتهم. في الوقت نفسه، سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. وفي الوقت ذاته، خسر المصرف المركزي اللبناني ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، مما أضعف قدرته على دعم العملة المحلية وضمان استقرارها.

ويرى مراقبون أن الارتفاع القوي لسندات ما يعرف باليوروبوندز ينبع من التفاؤل بأن انتخاب عون رئيساً جديداً سيفتح الباب على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية مطلوبة بشدة. ويعدون أن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لإعادة هيكلة السندات الدولية في نهاية المطاف.

لكن التحدي هو في اختيار رئيس للوزراء، والإسراع في تشكيل حكومة تعمل على تمرير الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب.

وقال سورين ميرش، مدير المحافظ في «دانسكي بنك» في كوبنهاغن الذي بدأ بشراء السندات اللبنانية في سبتمبر (أيلول): «إذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس جديد، فأتوقع أن ترتفع السندات. فانتخاب رئيس يعني على الأرجح تعيين رئيس وزراء، وتشكيل حكومة فعّالة بدلاً من تلك القائمة بالوكالة»، وفق «بلومبرغ».

وتوازياً، شهدت الأسواق اللبنانية حالة من التهافت على شراء الليرة اللبنانية، حيث عدّ كثير من اللبنانيين أن انتخاب عون قد يُشكّل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، ما قد ينعكس إيجاباً على العملة المحلية. ومع الآمال التي علّقها البعض على تحسن الوضع الاقتصادي، يتوقع كثيرون أن تشهد الليرة تحسناً مقابل الدولار في ظل التفاؤل الذي صاحب هذه الخطوة السياسية المهمة.

الاقتصاد في خطاب عون

في خطابه الأول بعد انتخابه رئيساً، شدّد عون على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر، مؤكداً على أهمية بناء قطاع مصرفي يتمتع بالاستقلالية التامة، بحيث لا يكون الحاكم فيه سوى القوانين. كما بعث برسالة واضحة ومباشرة إلى المواطنين والمودعين، مؤكداً أن حماية أموالهم ستظل على رأس أولوياته، معلناً أنه لن يتهاون في هذا الملف الذي يمثل تحدياً كبيراً.

أعضاء من الجيش اللبناني يقفون خارج فرع «بنك بلوم» في بيروت (رويترز)

وأكد عزمه على بناء علاقات قوية مع الدول العربية، التي تُعد شريكاً رئيساً في إعادة الإعمار، ودعم لبنان اقتصادياً، لا سيما وأن تعزيز هذه العلاقات سيسهم في الحصول على الدعم المالي العربي، وتحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات، وفتح قنوات التعاون مع دول دعمت لبنان في فترات سابقة.

تحديات

إلا أن تحديات كبيرة تواجه الرئيس. فهل سيتمكن عون من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي؟

يتصدر ملف الإصلاحات الاقتصادية أولويات الاستحقاقات الوطنية في لبنان، ويُعد البوابة الأساسية لاستعادة الاستقرار المالي والانطلاق نحو تعافي الاقتصاد المترنح. وتتجاوز أهمية هذه الإصلاحات تحسين الوضع الداخلي، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الإعمار والحصول على الدعم المالي. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يُعاد إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق ينص على تأمين الدعم المالي مقابل التزام الحكومة بحزمة إصلاحات هيكلية ومالية تشمل تحسين إدارة القطاع العام، ومكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من القيود التي تعرقل نموه. وتُعد هذه الإصلاحات حجر الزاوية في عملية إنقاذ لبنان، حيث تشكل الأساس للحصول على الدعم الدولي بشتى أنواعه.

وفي ظل استمرار لبنان في معركته ضد الدين العام الهائل الذي بلغ نحو 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، سيواجه الرئيس الجديد مهمة شاقة تتمثل في إرساء الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يعزز الثقة المتجددة في النظام الاقتصادي اللبناني، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديْن العام، وبدء مفاوضات جادة مع الدائنين.

كذلك ستتجه الأنظار إلى آفاق جديدة في إدارة الاقتصاد اللبناني، لا سيما فيما يتعلق بإعادة استقرار سعر صرف الليرة، التي سجلت اليوم 89 ألف ليرة مقابل دولار واحد، بعد أن كانت عند 1500 ليرة في عام 2019. وتبدي الأوساط الاقتصادية أملاً كبيراً في تحسن الوضع المالي بفضل السياسات النقدية الجديدة التي سيقودها حاكم أصيل لمصرف لبنان. ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب عون خطوة محورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقراراً، وهو ما يسهم في تعزيز الثقة في النظام النقدي اللبناني المتأزم.

علاوة على ذلك، تقع على الحكومة المقبلة سياسات مالية تهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة من خلال تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات المحلية. ويُعد التركيز على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من بين الأولويات الرئيسة التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية وتحقيق الشفافية المالية، خاصة وأن مسح البنك الدولي السنوي الأخير عن الحوكمة والإدارة الرشيدة لعام 2024 صنف لبنان في المرتبة 200 عالمياً من أصل 213 دولة، والمرتبة الـ16 بين 20 دولة عربية من حيث فاعلية الحكومة.

إضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية العميقة، يواجه عون أيضاً صعوبة في تعزيز البنية التحتية المتدهورة للبلاد، مثل قطاع الكهرباء الذي يُعد من العوامل الأساسية التي تثقل كاهل الدين العام (حوالي 45 مليار دولار من إجمالي قيمة الدين العام)، وتستهلك جزءاً كبيراً من الموارد العامة دون أن تقدم تحسينات ملموسة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

احتفالات شعبية بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيساً للبنان (رويترز)

إن لبنان اليوم يقف أمام اختبار اقتصادي بالغ الأهمية في تاريخه الحديث، حيث تأمل البلاد في التغلب على أزماتها الاقتصادية الحادة، مدعومةً بدعم عربي ودولي حيوي يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.