صورة البابا من شرفة في ضاحية المعادي

تسكن ربة المنزل المسيحية، سيلفيا، في شقة لا ترى النيل الذي سيمر من جواره البابا فرانسيس، في آخر يوم من يومي زيارته لمصر، أمس. وطرقت باب بيت جارتها المسلمة، ناريمان، ودخلت مع زوجها وأطفالهما الثلاثة. وبدأت الأسرتان في صف المقاعد وشرب الشاي في الشرفة انتظاراً لمرور الموكب.
ويطل البرج السكني على النيل بجوار مجمع للبنوك والمستشفيات الاستثمارية. وازدحمت نوافذ البيت بجيران آخرين. وبدأ الجميع في مراقبة شارع الكورنيش، حيث يقع في الجانب الآخر المطلع على مياه النيل مباشرة، مسجد «الحق»، ونادي الشرطة المعروف باسم «سيلفر نايل»، ومرسى للمراكب السياحية.
ورغم أن مصر شهدت أحداث عنف ضد كنائس سقط فيها عشرات القتلى أغلبهم من المسيحيين، كان آخرها تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية قبل أسابيع، فإن الحديث في شرفة ناريمان، لم يكن يدور حول «التسامح» «والتعايش» و«نبذ الإرهاب»؛ لأن «هذه الأمور مفروغ منها... فنحن أهلٌ، كما ترى». هكذا يقول زوجها، وهو رجل أعمال متخصص في بيع التحف القديمة.
وبدلاً من ذلك كان النقاش يدور حول ارتفاع أسعار السلع والضائقة الاقتصادية التي تمر بها مصر منذ الانتفاضة التي أطاحت بحسني مبارك في 2011.
ويقول رجل الأعمال، محمود، صاحب البيت، وهو يقدم سيجارة لجاره عادل، زوج سيلفيا: «نأمل أن تسهم زيارة البابا فرنسيس في عودة السياح الأجانب». وأضاف وهو يتنهد: «هذا، حقاً، ما نريده. اقتصاد مصر لن ينصلح حاله إلا بالسياحة».
وفتح الرجل باب بيته لـ«الشرق الأوسط» لمتابعة الموكب من شرفته. وقال وهو يشير إلى مرسى المراكب السياحية المهجور: «نأمل، بعد هذه الزيارة، في عودة النشاط السياحي، خاصة من أوروبا».
وجرت عملية تأمين زيارة البابا، في عاصمة مزدحمة، بطريقة سلسلة، عموماً. ومنذ 4 أيام مرَّ مندوبون من الجهات الأمنية على الشقق والجراجات المطلة على جانب من كورنيش النيل، والاطلاع على هويات السكان والعاملين في هذه الأماكن، والسؤال عمّا إذا كان أي من الغرباء قد استأجر أو اشترى شقة حديثاً في المسافة الواصلة بين وسط العاصمة حتى ضاحية المعادي التي قصدها البابا فرنسيس، بعد ظهر أمس، لحضور قداس مع عدد من القساوسة ورجال الدين المسيحي.
وكان البابا قد أمضى وقتاً مكتظاً باللقاءات مع رجال دين كبار وسياسيين منذ وصوله لمصر أول من أمس الجمعة، وشارك صباح أمس في قداس أقيم في استاد الدفاع الجوي في شرق العاصمة، حضره نحو 15 ألف شخص، وتوجه بعد ذلك إلى ضاحية المعادي جنوب القاهرة.
وفي الأسابيع الماضية عاش مسيحيو مصر أيام حزن وحداد عقب هجمات طنطا والإسكندرية التي سقط فيها نحو 45 قتيلاً، وسبقها عملية تهجير لعشرات المسيحيين من سيناء هرباً من تنظيم داعش. وأعلن التنظيم عن مسؤوليته عن استهداف المسيحيين. وكانت زيارة البابا مقررة قبل هذين الحادثين. وتفسر سيلفيا، الأمر، بينما كان أطفالها يتشاركون اللعب مع أولاد جارتها، قائلة إن مشكلة استهداف المسيحيين ليست «مشكلة طائفية»، لكنها «محاولة للتفريق بين المصريين عقابا لهم على اختياراتهم».
وفي العامين اللذين أعقبا تخلي مبارك عن سلطاته، عاد إلى مصر عدة مئات من القيادات المتطرفة التي كانت هاربة في الخارج. كما تسبب حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، في تزايد نشاط الجماعات المتشددة في البلاد. وعقب عزله من الحكم، ارتفعت وتيرة العمليات المتطرفة وأعلنت تنظيمات في سيناء موالاتها لـ«داعش»، قبل أن تنقل نشاطها إلى مدن مزدحمة مثل القاهرة والإسكندرية، واتجاه التنظيم إلى تنفيذ عمليات ضد المسيحيين.
وأعطت زيارة البابا فرنسيس تشجيعا وطمأنينة لغالبية المصريين بغض النظر عن دياناتهم، فـ«الكل يتمنى أن يعقب رحلة البابا إلى القاهرة انتعاشة اقتصادية. وهذا يستفيد منه الجميع»، كما يقول محمود.
ونتج عن الاضطرابات التي بدأت قبل 6 سنوات، تدهور الاقتصاد المصري، ما دفع السلطات إلى تحرير سعر الصرف. وارتفعت قيمة الدولار خلال أقل من عامين لأكثر من ضعف قيمته التي كان عليها. وفتح الرئيس عبد الفتاح السيسي كثيراً من المشروعات الكبرى، إلا أن هذا يحتاج إلى اقتناع المستثمرين والشركات السياحية الدولية بأن مصر تمكنت من تحقيق الاستقرار. ويقول عادل، الذي يدير مصنعا لتجميع شاشات التلفزيونات بعد استيرادها من الصين: «لا يوجد عمل. كان الدولار بـ8 جنيهات، واليوم أصبح بـ18 جنيها... قس على ذلك تكلفة الشاشة».
وزار السيسي عدة بلدان في الشرق والغرب، كان آخرها الولايات المتحدة الأميركية، من أجل إنعاش الاقتصاد، وتنشيط السياحة، ومكافحة الإرهاب العابر للحدود. ويأمل كثير من المصريين في أن تؤدي زيارة البابا إلى إرسال الطمأنينة إلى العالم بأنه يمكن قضاء الإجازة على ضفاف النيل، وعلى سفح الأهرامات، وعلى شواطئ البحر الأحمر، وبين الآثار الفرعونية المنتشرة في عموم البلاد.
وكانت خزينة الدولة تعتمد على تدفق النقد الأجنبي، بشكل أساسي، من عائدات السياحة، وقناة السويس، والاستثمار الخارجية، إلا أن المشكلات التي عصفت بمصر ومنطقة الشرق الأوسط، بعد ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي» نتج عنها تراجع كبير في القدرة على الإنفاق ودعم الطبقات الفقيرة، كما تآكلت دخول الطبقة الوسطى، وتوقف كثير من المشروعات الصناعية التي تعتمد على الاستيراد، مثل مصنع عادل.
وبعد قليل من الترقب، بدأ عدد السيارات يقل في شارع كورنيش المعادي المزدحم عادة في مثل هذا الوقت من اليوم. وسمع الجالسون في الشرفة صوت طائرة هيلكوبتر، قادمة من جهة وسط المدينة. وفي الشارع ظهرت 3 دراجات نارية تابعة للشرطة. ثم طلَّت مقدمة الموكب. وبدأت أيدي السكان تطل من الشرفات المجاورة، وهي تحمل هواتف محمولة لتصوير مرور البابا من هنا. ويقول محمود: «لو تابع زيارة البابا لمصر عدة مئات من الملايين في أوروبا وغير أوروبا، ولو افترضنا أن نسبة بسيطة منهم تشجعت وقررت القدوم لمصر، فإن عدد السياح لن يقل عن 30 مليوناً في السنة»، و«هذا سيحقق رواجاً مالياً كبيراً، وهذا ما نتمناه».