تحركات عسكرية أميركية في سوريا تسبق معركة الرقة

دور واشنطن يتوسع بعد تخصيص «قوات ردع» في منبج وعلى الحدود مع تركيا

دورية مشتركة للقوات الأميركية و«وحدات حماية الشعب» الكردية على الحدود السورية - التركية أمس (إ.ب.أ)
دورية مشتركة للقوات الأميركية و«وحدات حماية الشعب» الكردية على الحدود السورية - التركية أمس (إ.ب.أ)
TT

تحركات عسكرية أميركية في سوريا تسبق معركة الرقة

دورية مشتركة للقوات الأميركية و«وحدات حماية الشعب» الكردية على الحدود السورية - التركية أمس (إ.ب.أ)
دورية مشتركة للقوات الأميركية و«وحدات حماية الشعب» الكردية على الحدود السورية - التركية أمس (إ.ب.أ)

طرح تحول عدد من القوات الأميركية المنتشرة في سوريا في الفترة الأخيرة إلى «قوات ردع»، سواء في مدينة منبج في الشمال السوري أو أخيراً على الحدود السورية - التركية بهدف استيعاب الصدام بين أنقرة والأكراد، أكثر من علامة استفهام حول مهمة هذه القوات وأولوياتها في سوريا، خصوصاً مع ورود معلومات عن تحركات عسكرية أميركية واسعة تشهدها المنطقة الشمالية تحضيراً لانطلاق عملية تحرير مدينة الرقة، معقل تنظيم «داعش».
وكشفت قياديون أكراد لـ«الشرق الأوسط» أن ثلاثة أرتال من القوات الأميركية انتشرت في اليومين الماضيين على طول الحدود السورية - التركية «كقوات ردع بين الجيش التركي ووحدات حماية الشعب» الكردية. ولفتوا إلى أن رتلاً انتشر من عين العرب (كوباني) إلى تل أبيض، ورتلا من تل أبيض إلى رأس العين، ورتلا من رأس العين إلى قامشلو حتى حدود العراق.
ووضع قيادي كردي «التحرك الكبير» للجيش الأميركي في إطار «التحضير لمعركة الرقة»، مشيراً إلى أن «قوات التحالف، وعلى رأسها القوات الأميركية، تعمل مع قواتنا تحضيراً للمعارك المرتقبة داخل أحياء الرقة، وتلك المتوقعة بعد تحرير المدينة. كما يتم التحضير لإنشاء مراكز للشرطة ومجالس محلية وتدريب العناصر التي ستكون جزءاً من هذه المؤسسات».
وليست هذه المرة الأولى التي تلعب فيها القوات الأميركية الموجودة في سوريا، والتي يبلغ عددها نحو 904 جنود وتتوزع على 12 نقطة عسكرية بين قواعد جوية وأخرى برية، دور «قوات ردع» بين حليفيها المفترضين الجيش التركي والقوات الكردية، إذ سبق لها أن قامت بهذه المهمة في مارس (آذار) الماضي في مدينة منبج السورية شمال شرقي حلب، للفصل بين قوات المعارضة السورية المحسوبة على أنقرة و«وحدات حماية الشعب» الكردية.
وأثار عدم تحرك القوات الروسية التي انتقل بعضها إلى منطقة عفرين أخيراً للتصدي لأي صدام كردي - تركي علامات استفهام. وعزا مدير «مركز جسو للدراسات» محمد سرميني ذلك إلى كون منطقة الجزيرة وامتدادها في ريف حلب خاضعة للنفوذ الأميركي. ولفت إلى أن «قراءة المتغيرات الميدانية تُظهر أن الروسي يتفهم هذا الأمر كاملاً». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «رغم الوجود الروسي في عفرين، فإن هذا الوجود لم يأخذ أكثر من شكل رمزي، ولم تسع موسكو إلى توسيع مهام قواتها شرقاً، التزاماً منها على ما يبدو باتفاق لتقاسم النفوذ، وهو ما تلتزم به الولايات المتحدة بشكل كامل فيما يتعلق بمنطقة الساحل السوري».
وتنتشر القوات الأميركية، وفق دراسة أعدها مركز «جسور» بعنوان «الوجود الأميركي في سوريا: مهام محددة أو طويلة الأمد»، في عدد من المناطق السورية، إلا أنها تركز انتشارها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجهات التي تعتبرها شريكة لها في الحرب على تنظيم «داعش»، وهي جهتان، الأولى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تنتشر في شمال سوريا، والثانية فصيل من «الجيش الحر» يحمل اسم «جيش سوريا الجديد»، وينشط في المنطقة المتاخمة لمثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية جنوب شرقي سوريا، ويسيطر على معبر التنف الحدودي.
واقتصرت مهام الجنود الأميركيين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما على إسداء المشورة والتخطيط العسكري والتدريب والتنسيق بين طيران التحالف الدولي والقوات الشريكة، إلا أن التصاعد التدريجي للحضور العسكري الأميركي في سوريا، والذي يُعتبر قصيراً نسبياً كونه لا يزيد على عامين ونصف العام، أدّى إلى توزع المهام على عدد من الملفات الرئيسية، هي معركة الرقة ودحر «داعش» من معاقله، والمناطق الآمنة، واستكمال فرز المعارضة السورية المسلحة بين معسكري الاعتدال والإرهاب، إضافة إلى ملف العلاقة مع روسيا، وتقاسم النفوذ معها في سوريا.
وصادق الكونغرس الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على قانون لحماية المدنيين في سوريا معروف باسم «سيزر»، وهو قانون يعترف بارتكاب نظام بشار الأسد لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويدعو الرئيس الأميركي الجديد إلى إنشاء مناطق آمنة ومنطقة حظر جوي لحماية المدنيين السوريين، ويمهل البيت الأبيض ثلاثة أشهر لوضع خطة لإنشاء المناطق الآمنة، وفي حال تجاوز المهلة يقوم الكونغرس بوضع الخطة.
وسارع الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب إلى تطبيق القانون الجديد بتكليف وزارتي الدفاع والخارجية بوضع الخطة في مهلة ثلاثة أشهر، وهي لا تزال قيد الإعداد. وفي حال اتخذ البيت الأبيض قراراً بإنشاء المناطق الآمنة، فمن المتوقع أن تكون للقوات الأميركية العاملة في سوريا مهام أخرى تتعلق بشكل أو بآخر بفرض هذه المناطق.
ويشكو بعض فصائل «الجيش الحر» المدعومة أميركيا من عدم وقوف واشنطن على مسافة واحدة منها ومن القوات الكردية، وهو ما عبّر عنه مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي لـ«لواء المعتصم»، لافتاً إلى «وجود مشكلة حقيقية تكمن باغتصاب مناطق عربية من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ونتمنى من الجانب الأميركي أن يكون طرفاً في إعادة هذه المناطق إلى أهلها». وقال سيجري لـ«الشرق الأوسط»: «هناك وعود أميركية بأن واشنطن ستكون في مرحلة لاحقة على مسافة واحدة من الجميع وأنّها ستتعهد بإعادة المناطق إلى سكانها الأصليين، لكننا لا نزال ننتظر تلك المرحلة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.