جيب.. «بوش الأخ»

حاكم فلوريدا السابق يستعد لخوض سباق الرئاسة الأميركية

جيب.. «بوش الأخ»
TT

جيب.. «بوش الأخ»

جيب.. «بوش الأخ»

بعد ثماني سنوات من حكم الرئيس جورج بوش الأب وثماني سنوات أخرى من حكم الرئيس جورج بوش الابن، يسعى آل بوش مرة أخرى إلى حلم الوصول إلى البيت الأبيض ودفع جيب بوش الأخ (61 عاما) إلى سباق الانتخابات الرئاسية في عام 2016.
ليست عائلة بوش وحدها هي الطامحة والطامعة في دخول البيت الأبيض، فهناك عائلة كلينتون الديمقراطية، حيث تسعى هيلاري كلينتون، السيدة الأولى في عهد الرئيس بيل كلينتون ووزيرة الخارجية في الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما، إلى خوض السباق مرة أخرى بترشحها عن الحزب الديمقراطي. وبذلك فهناك احتمالات كبيرة أن يعاد مشهد السباق مرة أخرى بين آل بوش، وآل كلينتون، العائلتين الأكثر شهرة في البلاد، مما سيرفع ديناميكيات المنافسة إلى مستويات جديدة.
ورغم أنه لا يزال هناك 30 شهرا على موعد الانتخابات الرئاسية ولا يزال المشهد غير محسوم فيمن سيرشحه الحزب الجمهوري لخوض السباق ومن سيرشحه الحزب الديمقراطي، فإن حمى السباق ارتفعت مع صدور أسماء مطروحة على قائمة المرشحين المحتملين ولم يجر تأكيد ترشحهم بعد.
داخل الحزب الجمهوري تتجه الأنظار نحو كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي، لكن أسهمه تنخفض بسبب فضيحة المرور على جسر جورج واشنطن وتورط مساعديه في خلق مشكلة مرورية أضرت بحظوظه. وهناك انزعاج من النمو المطرد في شعبية السيناتور راند بول عن ولاية كنتاكي، ويتطلع الجمهوريون إلى السيناتور ماركو روبيو ذي الأصول الإسبانية، وإلى حاكم ولاية أركنسا السابق مايك هاكابي الذي يحظى بشعبية ومصداقية عالية.
لكن احتمالات ترشح جيب بوش تتصدر المشهد، إذ ينظر الجمهوريون المحافظون إلى بوش بعدِّه الأمل في استعادة الحزب الجمهوري للبيت الأبيض بعد سنوات أوباما الديمقراطي الثماني.
وتقول مصادر إن الكثير من المانحين الرئيسين لحملة المرشح الرئاسي لعام 2012 ميت رومني، كانوا يريدون الدفع بجيب بوش أمام أوباما وأرسلوا مطالبات ومكالمات تليفونية، ورسائل بريدية لمطالبة حاكم فلوريدا السابق بالترشح.
ويقول بريان بالارد، عضو اللجنة الجمهورية لتمويل حملة ميت رومني في عام 2012 وحملة السيناتور جون ماكين في عام 2008، إن جيب بوش هو المرشح المطلوب لدى كبار قادة الحزب والغالبية العظمى من كبار المانحين سيؤيدون بوش في معركة الترشيح التنافسية.
ويصر مستشارو جيب بوش على عدم الإفصاح عن نياته في الترشح قائلين إنه لم يتخذ قرارا حتى الآن، وإن القرار يمكن أن يجري اتخاذه بنهاية العام. وهو نفس الأمر مع هيلاري كلينتون التي أجلت الإعلان عن قرارها خوض الانتخابات إلى نهاية العام، لكن كلا من جيب بوش وهيلاري كلينتون يقوم بحملات ولقاءات وندوات لحشد التأييد وتحسين العلاقات مع المانحين الأثرياء.
وقد بدأ الحزب الجمهوري بالفعل حملة وراء الكواليس ووضع استراتيجية لجمع التبرعات للدفع لحاكم فلوريدا السابق جيب بوش إلى سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وسارع الرئيس السابق جورج بوش الابن لمساندة شقيقه، وقال في لقاء تلفزيوني مع شبكة «سي إن إن»: «أتمنى أن يترشح جيب. أعتقد أنه سيكون رئيسا عظيما». وأضاف: «لا أعرف فيم يفكر جيب وسنتحدث في الموضوع عندما يكون جاهزا». وأوضح بوش أن شقيقه جيب ما زال يدرس الأمر ليحدد موقفه ويتأكد أنه يريد أن يترشح، مبديا استعداده لمساعدة أخيه وتقديم النصائح له.
بينما نقلت وسائل الإعلام عن باربرا بوش، زوجه الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وأم جورج بوش الابن وجيب بوش، أنها غير متحمسة لترشح جيب، وأنها حاولت إثناء جورج بوش في عام 2000 عن الترشح ثم غيرت رأيها، والآن تبدي أيضا عدم حماسها لترشح جيب. وتقول: «ألا يوجد في الولايات المتحدة عائلة غير عائلة بوش؟».
وباربرا بوش ليست المرأة الوحيدة في العائلة التي تعارض ترشح جيب بوش للانتخابات، فزوجته كولومبيا بوش ذات الأصول المكسيكية تعارض أيضا خوض جيب بوش للانتخابات وتسليط الأضواء على أدق الخصوصيات في حياتهما الشخصية. وهناك اعتقاد من المخاوف حول خصوصية الأسرة قد لعبت دورا في قراره عدم خوض السباق الرئاسي لعام 2012.
وقد قفزت كولومبيا، زوجة جيب بوش، إلى دائرة الضوء بعد رحلة قامت بها إلى باريس عام 1999، وعند دخولها إلى دائرة الجمارك في الولايات المتحدة أعلنت أن معها بضائع بقيمة 500 دولار واكتشفت الجمارك لأنها كذبت ولم تبلغ عن بضائع بلغت قيمتها 20 ألف دولار وبقيت كولومبيا في صدارة عناوين الصحف وفي دوائر النميمة رغم اعتذارها ودفعها الغرامة المقررة.
وفي عام 2002 عادة أسرة جيب بوش إلى صدارة عناوين الصحف بعد اعتقال ابنته نويل بتهم تتعلق بالمخدرات مما دفع الأسرة إلى التحدث علنا ضد تعاطي المخدرات والمشاركة في برامج للوقاية من أخطار المخدرات. ورغم ذلك فإن جيب بوش يحظى بدعم واحد على الأقل من أعضاء أسرته الصغيرة، وهو ابنه جورج بوش الذي يعد من أقوى المدافعين عن خوض والده لسباق الانتخابات الرئاسية عام 2016. ومن المفارقات أن جورج جيب بوش الذي يبلغ من العمر 36 عاما قدم أوراق ترشحه للانتخابات المحلية في ولاية تكساس.
وبحسب استطلاعات الرأي لجامعة كوبنيباك بولاية كاليفورنيا فإن احتمالات فوز جيب بوش على هيلاري كلينتون في ولاية فلوريدا عالية وإمكانية فوزه في بقية الولايات أيضا مرتفعة. وهو المرشح الأكثر شهرة عن بقية المرشحين الآخرين باستثناء كلينتون مثل اليميني مايك هاكابي حاكم ولاية أركنسا السابق والسيناتور راند بول.
ويقول المراقبون إن جيب الأكثر قدره على مواجهة هيلاري كلينتون والفوز عليها لقدرته في المنافسة وتحقيق الفوز ولتاريخ عائلته العريق، فهو ابن لرئيس أميركي أسبق وشقيق لرئيس أميركي سابق، مما يعني نشاطا قويا وسريعا في شبكة جمع التبرعات وحصد الأموال وهو العنصر الأكثر أهمية في السباق.
وأوضح استطلاع لجريدة «واشنطن بوست» و«إيه بي سي نيوز»، أن ما يقرب من نصف الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون التصويت لجيب بوش. وتساءل الجمهوري هالي بربور، محافظ ولاية ميسيسيبي السابق: «إذا كان اسمه جيب براون بدلا من جيب بوش هل كان سيحظى بكل هذا التأييد».
ويملك جيب بوش الكثير من النقاط الإيجابية التي تحسب لصالحه، إضافة إلى تاريخ عائلته، فلديه علاقات عميقة مع عدد كبير من قادة الحزب الجمهوري وأجنحته ويملك سمعة جيدة داخل الحزب وعلى المستوى السياسي، كما أنه يجيد اللغة الإسبانية ويستطيع حصد أصوات الناخبين من أصول لاتينية ولديه مصداقية داخل المجتمع الإسباني يمكن أن تعزز فرصه في توسيع قاعدة حزبه، لكن جيب بوش له بعض النقاط الضعيفة، فقد استمر حاكما لولاية فلوريدا لمدة سبع سنوات، وواجه صعوبات في تنفيذ سياسات الحزب فيما يتعلق بقضايا الهجرة، حيث يواجه صراعا حادا مع كبار أعضاء الحزب الذين يرفضون آراءه المعتدلة بشأن الهجرة، إضافة إلى أن البعض يرى أن جيب بوش يحمل ميراثا لبعض أخطاء جورج بوش الابن وحروبه في العراق وأفغانستان التي لا تحظى بشعبية.
خلال الشهر الماضي تحدث جيب بوش في ندوة بجنوب كاليفورنيا عن مشكلة عدم المساواة في الدخل والهوة بين الأغنياء والفقراء، وقال: «هذه الأمة تعاني من أزمة فرص». وتحدث جيب بوش عن إصلاح قوانين الهجرة ورفع معايير برامج التعليم في المدارس، وهي قضايا تجذب اهتمام النشطاء في حركة الشاي، مما قد يوفر له دعما في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
وفي واشنطن، استضاف جيب بوش عشرات من الجمهوريين المحافظين وكبار الصحافيين في فندق ويلارد، حيث شرح القضايا الأساسية التي يهتم بها ودافع عن الحزب الجمهوري وسياساته.
وقد أبدى تجمع المسيحيين الإنجيليين الذي ساند المرشح ميت رومني استعداده لمساندة جيب إذا أعلن ترشحه لانتخابات 2016، وقال مارك ديموس، المستشار السابق لميت رومني: «أعتقد أنه موهوب وله مصداقية كبيرة، وهو قائد له رؤية، والسؤال هو ما مدى مساندة الحزب الجمهوري له ومدى شهية الناخبين له؟»، في حين أبدى ويليام كريستول، رئيس تحرير مجلة «ويكلي ستاندارد» اعتراضه على فكرة ترشح جيب عن الحزب الجمهوري، وقال: «سيكون غربيا أن يجري ترشيح شخص ترك منصبه في عام 2006 ولم يشارك سياسيا على الإطلاق بأي شكل من الأشكال خلال عهد أوباما».
ولا يتحدث جيب بوش كثيرا عن رؤيته في الشؤون الخارجية، لكنه في تجمع آخر الأسبوع الماضي مع أعضاء التحالف اليهودي الجمهوري، أكد دعمه لإسرائيل. ويقول المقربون منه إنه على اتصال منتظم مع كبار مفكري السياسة الخارجية ومن بينهم وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي أبدى سعادته وترحيبه بفكرة ترشح جيب بوش في مقابله تلفزيونية.
ويعد جيب بوش المولود في 11 فبراير (شباط) 1953 الابن الثاني للرئيس الأسبق جورج بوش الأب والسيدة الأولى السابقة باربرا بوش، وهو الشقيق الأصغر للرئيس السابق جورج بوش الابن. وقد تولى جيب يوش منصب حاكم ولاية فلوريدا لولايتين متتاليتين من عام 1999 إلى عام 2007، ويعد الجمهوري الأول والوحيد الذي تولى المنصب لولايتين، وقد تربى جيب في ولاية هيوستن بتكساس وحصل على شهادة البكالوريوس في الشؤون الأميركية اللاتينية من جامعة تكساس وانتقل إلى ولاية فلوريدا في عام 1986، وشغل منصب وزير تجارة ولاية فلوريدا حتى استقالته في عام 1988 ليساعد والده بوش الأب في حملته الرئاسية.
وقد خسر جيب بوش معركة الانتخابات لمنصب حاكم ولاية فلوريدا في عام 1994 بفارق ضئيل يصل إلى نقطتين مئويتين، وكرر خوض السباق مرة أخرى في عام 1998 وفاز على منافسه وحشد 55 في المائة من أصوات الناخبين. كان غريبا أن يحصد أصوات الأميركيين من أصل إسباني والأميركيين من أصول أفريقية. وأعاد جيب ترشيح نفسه في عام 2002 وفاز بنسبة 56 في المائة من أصوات الناخبين، وقد جذبت تلك الانتخابات اهتماما وطنيا وحزبيا كبيرا، حيث أصبح جيب بوش الحاكم الجمهوري الأول الذي يفوز بولايتين متتاليتين عن ولاية فلوريدا.
وخلال السنوات التي قضاها جيب بوش حاكما للولاية نجح في تنحسين الاقتصاد والاهتمام بالبيئة وإصلاح نظام التعليم وتحسين شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في فلوريدا. ولا يستطيع جيب بوش الترشح لولاية ثالثة كحاكم بسبب قوانين الولاية التي تحدد فترتين كحد أقصى، فإن التكهنات اتجهت إلى أن يقوم جيب بوش بترشيح نفسه في انتخابات مجلس الشيوخ ضد سيناتور فلوريدا الديمقراطي بيل نيلسون، لكنه لم يفعل ذلك.
وطوال عامي 2009 و2010 كثرت الإشاعات بأن جيب بوش سيحاول الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2012 أمام الرئيس باراك أوباما، وهي الإشاعات التي نفاها جيب بوش بشدة في البداية وبعد دعوات له لخوض الانتخابات كرر جيب بوش أنه لا ينوي الترشح، وعندما تكررت الأسئلة حول نيته في انتخابات 2016 أجاب: «سأقوم باتخاذ القرار في الوقت المناسب ربما بعد سنة من الآن». وقد تعرف جيب بوش على زوجته المكسيكية كولومبيا جارسيا جالو عندما شارك في برنامج لتبادل المعلمين وقام بتدريس اللغة الإنجليزية في المكسيك عام 1971 وتزوج جيب بوش من جالو في 23 فبراير 1974 في مدينة أوستن بتكساس ولديهما ثلاثة أبناء الأول هو جورج بريسكوت بوش المولود في 24 أبريل 1976 الذي حصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة تكساس ويستعد لخوص انتخابات محلية بتكساس. الابنة الثانية هي نويل لوسيا بوش المولودة في 26 يوليو 1977 التي تخرجت في جامعة فلوريدا عام 2001، والابن الثالث هو جون أليس بوش المولود في 13 ديسمبر (كانون الأول) 1983 ويعمل في إحدى الشركات العقارية في ميامي بولاية فلوريدا.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.