سيغورني ويفر: أمثل شخصيات أقوى مني وتعرف اتجاهاتها في الحياة جيداً

تستعد لتصوير الجزء الثاني من «أفاتار»

سيغورني ويفر - لقطة لها من فيلم «أفاتار» - لقطة لها من فيلم «المهمّة»
سيغورني ويفر - لقطة لها من فيلم «أفاتار» - لقطة لها من فيلم «المهمّة»
TT

سيغورني ويفر: أمثل شخصيات أقوى مني وتعرف اتجاهاتها في الحياة جيداً

سيغورني ويفر - لقطة لها من فيلم «أفاتار» - لقطة لها من فيلم «المهمّة»
سيغورني ويفر - لقطة لها من فيلم «أفاتار» - لقطة لها من فيلم «المهمّة»

بعدما وافقت الممثلة سيغورني ويفر على بطولة فيلمها الجديد «المهمّة»، اكتشفت أن المخرج وولتر هيل قام بتغيير السيناريو لكي يتيح لها أن تمثل فيه. فالدور الذي قامت به كان ينص على شخصية طبيب وليس طبيبة. وحين بعث إليها السيناريو لم ترتب مطلقاً بأن الدور كُتب لممثلة وليس لممثل، وكان سؤالها الأول للمخرج هيل هو: عما إذا كان كانت هناك بطولات رجالية؟
لاحقاً فوجئت به يخبرها بأنه فعل ذلك بعدما وجد أن الفيلم سيثير رد فعل أقوى إذا ما كان الصراع قائماً بين امرأتين وليس بين امرأة ورجل. لكن المثير للاهتمام أن وولتر هيل كان أعاد كتابة سيناريو فيلم سابق لسيغورني ويفر نقلها عبره من شخصية مساندة إلى شخصية أولى، وغيّر التركيبة بأسرها ليلغي البطولة الرجالية ويضعها هي في البطولة النسائية.
حدث هذا قبل نحو 40 سنة عندما كتب هيل وأنتج فيلم Alien (غريب)، الذي قامت ويفر ببطولته.
سيغورني ويفر الآن في الـ67 من عمرها، ووراءها نحو هذا الرقم من الأعمال السينمائية (66 فيلم تحديداً). خلال الحقب المتوالية لعبت دور العالمة ودور الطبيبة، كما لعبت أدواراً كوميدية ودرامية مختلفة بما في ذلك بضعة أعمال تلفزيونية.
وهي جددت طاقتها وشهرتها عندما اختارها جيمس كاميرون لتأدية أحد الأدوار الرئيسية في «أفاتار»، الفيلم الذي حققه سنة 2009 وأوصله إلى أعلى قمّة بين الإيرادات في تاريخ السينما والذي سيقوم بتصوير الأجزاء من 2 إلى 4 تباعاً، وإلى جانبه ويفر في دور د. إيغوستين، وهو الدور الذي لعبته في الجزء الأول. «الشرق الأوسط» التقت سيغورني ويفر ودار معها الحوار التالي:

> في فيلمك الجديد «المهمّة» تقومين مرة أخرى بتمثيل شخصية طبيبة أو عالمة - هي الشخصية التي ظهرت بها أكثر من مرّة في أكثر من فيلم مع اختلافات معينة من كل فيلم وآخر - هل السبب هو أنك أصبحت مشهورة في مثل هذا الدور؟
- أعتقد ذلك. كما قلت هناك اختلافات بين الشخصيات ولو أنها تشابهت. بعض هذا الاختلاف يعود إلى اختلاف نوع الفيلم عن النوع السابق. مثلاً «المهمّة» ليس «أفاتار»، و«أفاتار» ليس Alien، أو أيا من أجزائه.
> هل يجذبك دور الطبيبة نوعا ما؟
- إنه الدور الذي يجعل المشاهد يعتقد أن هذه المرأة تعرف أكثر منه في نحو معين. لها تجارب لم يخضها بنفسه. أعتقد أنها شخصية تولد الثقة في المشاهد ذاتها حيالها، ويصدّقها.
> جيد أنك ذكرت «أليان» لأني كنت أريد أن أسألك إذا ما كانت الأجزاء الأربعة التي قمت ببطولتها أمّنت لك ما كنت تبحثين عنه من شهرة أو مكانة في ذلك الحين؟
- لا أعرف إذا كنت تدري أن دوري في أول جزء لم يكن مكتوباً لي. كان من المفترض أن أؤدي دوراً آخر أصغر. لكن وولتر هيل اقترح تغيير الشخصية الرجالية إلى أنثى، والمخرج ريدلي سكوت كان سعيداً بذلك واقتنع سريعاً. هذا كان بمثابة مسؤولية لكني كنت مستعدة لها. ومن هذه الزاوية نعم أمّن لي ما كنت أبحث عنه وهو دور بطولة.
> كان هذا ثالث فيلم لك فقط؟
- نعم ظهرت في فيلمين فقط قبل هذا الفيلم. الدوران كانا صغيرين جداً.
> … ثم توقفت بعد الجزء الرابع سنة 1997 على ما أعتقد. لماذا؟
- هناك أفلام وشخصيات تناشدك أن تواصلها وأخرى لا بد من تركها. في الجزء الرابع كانت الحكاية تعمّقت أكثر بكثير مما يمكن معه العودة للدور والإتيان بأي جديد فيه. أعتقد أن الفيلم كان جيداً لكنه كان بمثابة إنزال ستارة بالنسبة لي على الأقل.

في البيت الأبيض
> السلسلة الثانية التي تخلف تلك السلسلة هي سلسلة «أفاتار». ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لك؟
- أولاً لأخبرك كيف كانت ردّة فعلي عندما شاهدت «أفاتار» الأول. لقد فوجئت بكم مريح وجديد وأعجبت به كتحد رائع بالفعل لكل ما سبقه من أفلام فضاء وخيال علمي. وأقول لك السبب؛ «أليان» وكثير من الأفلام الفضائية، ربما أغلبها، داكنة، والكوكب الذي تحط عليه دائماً موحش. فجأة في «أفاتار» هناك عالم واسع وجميل ومناظر خلابة، هذا ما أدهشني أول الأمر؛ ما يعنيه لي أنني كنت محظوظة عندما لعبت دوري فيه، ومحظوظة الآن؛ إذ لا يزال مطلوباً مني أن أعود إلى الأجزاء التالية.
> في كلتا السلسلتين أنت امرأة قوية الجانب لكن هذا كان جديداً على المرأة في أواخر الثمانينات عندما لعبت الجزء الأول من «أليان».
- مرّة أخرى، معظم الأفلام الخيالية - العلمية كانت من بطولة رجالية وربما لا تزال. لكن في «أليان» قدّم المرأة أولاً. وهذا عني الكثير بالنسبة لنا جميعاً، ريدلي سكوت وأنا وحتى الجمهور. ربما كان هذا سبباً رئيسياً في نجاحه.
> وحتى في فيلمك الجديد «المهمة» The Assigment أنت امرأة قوية الإرادة، ويخيل لي أن هناك جمعاً بين هذه الأدوار وبين تأييدك للسيدة كلينتون خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. هل توافقين؟
- نعم. هيلاري كانت عنواناً لرغبة عارمة لتنصيب امرأة في البيت الأبيض كرئيس. هذه الرغبة لم تكن نسائية لكنها عنت الكثير لي وللمرأة عموماً. أعتقد أن أقرب معنى مواز لها كان فوز السيدة تاتشر بالانتخابات كرئيسة وزراء بريطانيا من أواخر السبعينات.
> أنت بدورك كنت تعملين في البيت الأبيض.
- كيف؟
> في مسلسل «حيوانات سياسية» (Political Animals). لعبت وزيرة الدولة الخارجية.
- (تضحك): صحيح.
> هل تعلمت شيئا من ضروب الإدارة في ذلك المنصب؟ هل ما نسمعه هو ما رأيناه في ذلك المسلسل؟
- أحب أن أقول نعم. لقد بنينا الشخصية والأحداث بالاقتراب من الواقع ثم قام الكتّاب بسكب أحداث أخرى لزيادة الترفيه هنا والتوتر هناك وحس الفضيحة في كل مكان. لكني أعتقد أن إيلين (اسم شخصيتها في ذلك المسلسل) أظهرت قدرة على إدارة قوية ورشيدة. تحافظ على مستواها ولا تنزل إلى مستوى الشائعات ولا تنخرط في دوامة العداوات حولها.
> هل بنيت تلك الشخصية على مفاهيمك الخاصة وعلى شخصيتك أنت في الأساس؟
- أخشى أن أصدمك هنا. هي شخصية أقوى مني ومبادئها أكثر نبلاً من مبادئي (تضحك). لكن هذا يحدث معي دائماً. أمثل شخصيات أقوى مني وتعرف اتجاهاتها في الحياة جيداً. هذا لا أجيده على الدوام. أنا معجبة بدوري في «حيوانات سياسية» حتى الآن. هذا الدور بعد مرور عدة سنوات عليه ما زال يمثل لي الكثير لأني أشعر بأن لدي الكثير من الأخلاقيات التي تخلينا عنها أو لم نعد نستطيع ممارستها في حياتنا اليومية.
طموح
> في فيلمك الجديد تبدين امرأة متناقضة مع القيم والمفاهيم التي أعجبت بها. تخبرين الممثلة ميشيل رودريغيز بأنك جراحة وعالمة وربما فنانة. تقولين إن لديك الفكرة النوستالجية بأن لكل واحد حقا في فرصة أخرى، لكنك أجريت عمليتك لها كتجربة؟
- نعم. هذه كانت بداية جيدة في رأيي لتقديم شخصيتي وتقديم شخصية ميشيل فايفر التي تم تحويلها من رجل إلى امرأة في الفيلم وتم إطلاقها لكي تنفذ عمليات إجرامية. اهتمامي بالشخصية نشأ بسبب إعجابي بتكوين المخرج وولتر هيل لها. بالحوار الذي ذكرته وحواراتي الأخرى. دائماً ما تجد عند مخرجين مهتمين بتحقيق أفلام مغامرات أو أكشن أو خيال علمي حسّاً مختلفاً بالمرأة. هيل كتب السيناريو وقام بإنتاج فيلم «أليان» الأول، ووافق على إعادة كتابة السيناريو عندما وجد وريدلي سكوت أن الفيلم يتطلب تحويل البطل كلياً.
> شخصياً من أشد المعجبين بكل ما حققه وولتر هيل من أفلام. صحيح أنها «أكشن موفيز» لكنها مبنية على شخصيات تثير الاهتمام.
- لا أستطيع أن أزيد على ذلك. هذا صحيح. هل تذكر «48 ساعة» كان من بطولة رجلين متناقضين تماماً؟ في عالم هذا المخرج هناك دوماً أشياء غريبة تقع لكن شخصياته محبوبة. في «المهمّة» هناك هذا العالم الداكن الذي نراه لكنك تحب هذه الشخصيات التي زرعها المخرج في فيلمه.
> لم تلتقيا في عمل واحد منذ أن كتب وأنتج «أليان».
- ليس في عمل رئيسي كهذا الفيلم. كنت دائماً ما أطمح في العمل معه كممثلة وهو كمخرج وكنت أنتظر الفرصة وعندما جاءتني ولم أتردد على الإطلاق. إنها الفرصة التي تنتظرها ممثلة تعرف أن هذا المخرج ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية التي تمنح أعمالها كل ما هو مطلوب درامياً وفنياً.
> تم تصوير هذا الفيلم في 23 يوماً. هل شكّل هذا أي ضغط عليك؟
- شكّل ضغطاً على المخرج أولاً، ولا أعتقد أنه كان سيستطيع تحقيق هذا الفيلم خلال هذه الفترة لولا خبرته الطويلة. كنت أدرك طبعاً أنه يحتاج إلى كل دقيقة من العمل، وعلينا أن نعمل معه كممثلين بالجهد ذاته. لكنه هو المخرج المسؤول حيال منتجيه عن إنجاز الفيلم في المدة المتفق عليها، ولم يكن لدى أي منا الرغبة في عدم التعاون معه في ذلك.
«أفاتار» بات قريباً
> متى علمت أن وولتر هيل غيّر الشخصية التي مثلتيها من رجل لامرأة؟
- في وقت ما قبل التصوير ببضعة أسابيع. كنا نتحدث عن الدور وفوجئت بذلك لكنها كانت مفاجأة سارة.
> هل يشكل ذلك أي أهمية لك كممثلة حين تأدية الدور؟
- نعم لكن بحدود. تريد أن تتذكر أن هناك سبباً وراء قيام الكاتب بتأليف شخصية رجالية وتريد أن تحافظ على بعض ما في تلك الشخصية إذا ما أمكن. لكن هذه الرغبة لا تدوم طويلاً وربما لا تترك أثراً على الإطلاق بعد حين لأنك تريد حال بدء التصوير أن تمثّل الدور كما تراه مناسباً لك وليس كما كان عند نقطة تطوّره الأولى.
> لكنك في الفيلم ترتدين ثياباً رجالية في أكثر من مشهد، ودورك كان تحويل شاب إلى امرأة. هذا ما يجعل الفيلم يبدو جديداً حتى بين ما مثلته أنت سابقاً. صحيح؟
- نعم. لم أظهر في فيلم كهذا من قبل، لكن المسألة هي إذا ما كانت كل هذه المسائل التي تذكرها في أماكنها أو هي مجرد استغلال لأجل الإثارة. أنا أعتقد أن الأدوار ركّبت على نحو صحيح، وأن شخصيتي وشخصية ميشيل رودريغيز مكتوبتان وتم إخراجهما بكثير من الإدراك لكيف يمكن لهما أن تكون كل منهما ذات شخصية مضاعفة. هي وجه وتملك وجهاً آخر.
> كيف تعرّفين شخصية الطبيبة في «المهمّة». هل هي شخصية معقدة؟
- لا ليست معقدة، لكن لديها وجهة غير صائبة في حياتها. قبل الأحداث كانت طبيبة ناجحة ولديها مثاليات وأفكار إيجابية حول دورها في المجتمع، لكن ما أحدث، ولا أريد أن أذكر التفاصيل هنا، جعلها تتحوّل عن هذا الدور كلياً. أردت أن أكون قادرة على أن أعبّر عنها في هذه المرحلة الثانية وأن أبقى قابلة للتصديق. لا أقول واقعية لأن الفيلم لا ينشد أن يكون واقعياً.
> تدخلين تصوير «أفاتار» إذن عما قريب… ماذا تتطلعين إليه في هذه العودة؟
- لا أستطيع أن أتحدث عن الفيلم، لكني أنتظر الوقت بفارغ الصبر لكي أقف أمام الكاميرا. كما ذكرت سابقاً أنا محظوظة كوني مطلوبة لهذا الفيلم.
> الحظ واكبك طوال الوقت، وفي الوقت ذاته اتخذت لنفسك موقعاً أيقونياً إلى حد بين الممثلات. كيف ترين حياتك السينمائية حتى الآن؟
- أشكرك على ما تقول، لكن إذا كنت محظوظة فهذا الحظ ليس من صنعي بل من صنع فنانين ما زالوا يحسنون الكتابة ويحسنون الإخراج. هناك الأدوار المناسبة، وكل ممثل لديه سنوات متعاقبة من العمل يرفض أكثر مما يقبل من الأدوار، وكلما فعل ذلك حافظ على المستوى الذي حققه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».