ليبيا... تقارب الجنرالات

أول حوار بين ضباط الجيش منذ 2011

ليبيا... تقارب الجنرالات
TT

ليبيا... تقارب الجنرالات

ليبيا... تقارب الجنرالات

انفتحَ باب جديد للحوار بين ضباط في الجيش الليبي، قبل أيام، يعد هو الأول من نوعه منذ الانتفاضة المسلحة التي أدت إلى إسقاط نظام معمر القذافي ومقتله في عام 2011. وبعيدا عن الأضواء، يعوِّل فريق من السياسيين والنشطاء والوجهاء الليبيين، في الوقت الراهن، على إحداث تقارب بين جنرالات القوات المسلحة، لإنقاذ الدولة من الفوضى، بشرط أن يتم التوافق أولا على كل شيء، قبل الإعلان عن تشكيل مؤسسة متكاملة مثلما كانت عليه قبل ست سنوات. ويتخوف الليبيون من تدخل دول أجنبية في شؤونهم، بما في ذلك التلويح الأوروبي بإرسال قوات إلى شواطئها.
كان الجيش الليبي موحدا في عهد معمر القذافي، ثم تعرض لانقسامات حادة بسبب تباين مواقف كبار قادته من تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما بين مؤيد ومعارض. ومنذ ذلك الوقت تورط الكثير من القادة العسكريين، من توجهات مختلفة، في حروب داخلية أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتسببت في إثارة مخاوف دول الجوار من خطر انتشار الجماعات المتطرفة وهشاشة الحراسة على الحدود البرية ومنافذ الدولة البحرية والجوية. ويشعر قادة الجيش اليوم بأن الخطر يزداد، وإمكانية التدخل العسكري الخارجي أصبحت تلوح في الأفق، وهو أمر مثير لقلق جنرالات القوات المسلحة.
وبالإضافة إلى الأمم المتحدة والدول الكبرى، تبذل مصر وتونس والجزائر جهودا حثيثة لمساعدة الليبيين على الخروج من المأزق الذي يهدد الدولة الغنية بالنفط، والحيلولة دون أن تصبح «دولة فاشلة». وعلى باب فندق فاخر يقع على مرمى حجر من مطار القاهرة الدولي، توقف جنرال ليبي في بدلة سوداء وربطة عنق حمراء، وقال وهو يبتسم في أمل «لم نصل بعد إلى تصور. ما زلنا في مرحلة اختبار الدرب». وفي المساء كان هناك لقاء آخر في حديقة فندق على شاطئ النيل، بين ثلاثة ضباط ليبيين، كل منهم برتبة عميد.
الأول من القيادات العسكرية في مدينة مصراتة ذات التسليح القوي. وهي مدينة تقع على بعد 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وكان هذا العميد من المؤيدين لتدخل الناتو للتخلص من نظام القذافي. واليوم، يبدو ممسكا بكوب القهوة، وهو يشعر بالإرهاق من سنوات الاحتراب التي راح ضحيتها ألوف الشباب، وتشريد نحو مليوني ليبي، وخسائر بمليارات الدولارات.
أما الثاني، فمن قيادات مدينة الزنتان، في جنوب غربي طرابلس، وكان أيضا من مؤيدي تدخل الناتو، بل أشرف على فتح المجال لإسقاط أسلحة قادمة من إحدى الدول الأجنبية، للمنتفضين المسلحين الذين كانوا يطلقون على أنفسهم لقب «ثوار». وأشار في كلمات مقتضبة إلى ما معناه أن الوقت قد حان لـ«توحيد المؤسسة العسكرية وفتح حوار بين العسكريين بعيدا عن التجاذبات السياسية والجهوية. ما نريده هو إعادة بناء الجيش وترك السياسة لما يقرره الليبيون بعد وضع دستور للدولة. الخطر الآن هو أن ليبيا يمكن أن تنتهي كدولة».
ومع أن هذين القائدين كان يجمعهما النضال المشترك للقضاء على حكم القذافي، إلا أن الخلافات نشبت بينهما بداية من عام 2014؛ بسبب الصراع على تقاسم النفوذ بين المسلحين في العاصمة، حيث تسبب هذا النزاع في احتراق مطار طرابلس الدولي. واليوم يسعى كل منهما لطي صفحة الماضي وفتح ملف جديد من أجل المستقبل. ولكن لكل منهما «مخاوف من تزايد النشاط الإيطالي في مناطق عدة في ليبيا بحجة مواجهة الهجرة غير الشرعية».
العميد الثالث من بنغازي. ووصل متأخرا إلى الفندق آتياً من مطار برج العرب قرب مدينة الإسكندرية المصرية. وهو عسكري محسوب على المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. وكان حفتر نفسه من المناصرين لتدخل الناتو. إلا أنه حين أعلن إعادة تنظيم جانب من صفوف الجيش، قبل ثلاث سنوات، واجه معارضة من جانب عدد كبير من القيادات العسكرية في الغرب الليبي، أي من مصراتة وجبل نفوسة والزنتان وغيرها، معتبرين ما قام به «انقلابا».

النظرة إلى حفتر
لكن جهود حفتر باتت الآن تثير الانتباه، وتجبر الخصوم على إعادة النظر. ومد عسكريون من المحسوبين على نظام القذافي يد العون لحفتر، أخيرا، في مواجهة التنظيمات المسلحة والمتطرفة. ويقول العميد المشار إليه «ليبيا أصبحت في خطر. نخشى من مزيد من الفوضى ومن الانقسامات. نحن، كما قال المشير حفتر مرارا، لا شأن لنا بالسياسة، ما نريده وما نتحاور حوله كعسكريين، في الوقت الراهن، هو أن مؤسسة الجيش لا بد أن تعود، وهذا ما فشل فيه السياسيون خلال السنوات الماضية، وآن الأوان لكي يقوم رجال القوات المسلحة بالمهمة».
الأمم المتحدة، من جهتها عملت لإنجاح الحل السياسي الذي نتج من الاتفاق المعروف باسم «الصخيرات»، لكن المجلس الرئاسي الذي انبثق عن هذا الاتفاق، منذ أواخر عام 2015، عجز عن حل مشكلة إدارة الحكم في ليبيا. وحالياً توجد ثلاث حكومات وثلاثة برلمانات. في الغرب هناك حكومتا «الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج، و«الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل. وفي الشرق «الحكومة المؤقتة» برئاسة عبد الله الثني. أيضاً، في طرابلس نرى المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) برئاسة نوري أبو سهمين، ومجلس الدولة (جزء من البرلمان السابق) برئاسة الدكتور عبد الرحمن السويحلي. ويوجد في طبرق شرقا البرلمان الحالي برئاسة المستشار عقيلة صالح. ولقد وقفت هذه الأجسام السياسية والتشريعية وراء مجاميع مسلحة يحارب بعضها بعضا، وهي، في معظمها، عبارة عن خليط من ضباط وجنود كانوا في الجيش الليبي القديم، ومدنيين يحملون السلاح.
الجنرال الآتي من مصراتة، المدينة التي كان عليها العبء الأكبر في محاربة تنظيم داعش وطرده من مدينة سرت أواخر العام الماضي، يقول: «بعد نهاية الحرب في سرت، حاولت بعض الجماعات السياسية في طرابلس وفي مصراتة، استغلال قوتنا للهجوم على الموانئ النفطية التي يسيطر عليها حفتر في الشرق والمشاركة في الهجوم على القبائل المعروف أنها محسوبة على نظام القذافي في الجنوب، وبخاصة في كل من مدينة سبها ومدينة بني وليد. وحين رفضنا ذلك، تعرضنا للمؤامرات. وانقلب المتشددون، قبل نحو شهر، على المجلس البلدي لمصراتة».
ويضيف موضحا، أن عدد مَن قُتلوا في الحرب على «داعش» في سرت يبلغ أكثر من 800، وليس 300 كما كان يتردد. ونحو 700 من هؤلاء الضحايا من أبناء مدينة مصراتة، ونحو 120 من المدن الليبية الأخرى. بينما بلغ عدد المصابين نحو 3 آلاف. ما أريد أن أقوله وأن يفهمه إخوتنا من العسكريين الليبيين الذين بدأنا فتح قنوات تواصل بيننا لأول مرة منذ رحيل القذافي، هو أننا لن نحارب من أجل جماعة أو تيار أو جهة. سنحارب من أجل ليبيا فقط».
للعلم، وصل من مصراتة وطرابلس، إلى القاهرة، دفعتان من الجنرالات، خلال شهر. كانت جلسات تمهيدية لرتب عسكرية مهمة مصابة بالإرهاق من طول فترة الاقتتال والاحتراب في الصحراء الليبية الشاسعة. وبعد ذلك بأسبوعين وصل نحو عشرين رتبة عسكرية من مناطق جبل نفوسة والزنتان وورشفانة وغيرها. ويقول أحد القادة العسكريين من القبائل القوية في غرب ليبيا «هناك حراك جديد في عموم البلاد. تستطيع القول إننا نتخلص رويدا رويدا من حالة الاستقطاب التي كانت موجودة بين العسكريين المنتمين أساسا للجيش. الحراك الجديد حراك وطني يتواصل مع الجميع، ويرفع شعار «توحيد المؤسسة العسكرية».
من ناحية أخرى، منذ بداية الأزمة الليبية كان يتواصل مع الأطراف الداخلية، دبلوماسيون ومسؤولون دوليون وإقليميون محاولين رأب الصدع السياسي. ووفقا لمصادر اجتماعات الضباط الليبيين في القاهرة، شاركت تونس بقوة في تسهيل اللقاء الذي عقد بين المستشار صالح والدكتور السويحلي، في العاصمة الإيطالية روما، الأسبوع الماضي. كما قام وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، الجزائري، عبد القادر مساهل، بجولة في ليبيا من أجل تقريب وجهات النظر بين الزعماء المتخاصمين.
في المقابل، أخذت مصر تعمل على الملف الليبي، بطريقة مختلفة، منذ أشهر، حين أوكلت هذا الملف للفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية. وأشرفت لجنة حجازي على عقد لقاءات استماع «مفتوحة وصريحة» لمئات عدة من خصوم القوى السياسية والقبلية والإعلامية الليبية، لكن الخطوة اللافتة تعد، وفقا للمصادر العسكرية الليبية، فتح الباب المصري للقاءات في القاهرة لأول مرة بين قادة عسكريين كانوا يحاربون بعضهم بعضا حتى وقت قريب.
مصدر أمني مصري قريب من لقاءات الجنرالات الليبيين، قال «يبدو أنهم يسعون لاستغلال حالة الإرهاق التي أصابت الجميع في ليبيا. أعتقد أنهم يريدون رفع شعار يهدف إلى جمع الليبيين حول توحيد الجيش والبحث عن سبل للتوافق بين كبار القادة العسكريين».

أنواع ثلاثة
واليوم يوجد ثلاثة أنواع من القيادات العسكرية الليبية: الأول، العاملون مع المشير حفتر. والثاني، المنخرطون في المجالس العسكرية للمدن، وهم يعملون مع مسلحين مدنيين، وتتركز هذه الظاهرة في المنطقة الغربية من البلاد. والثالث، الضباط الذين يطلق عليهم أنصار النظام السابق، ومنذ مقتل القذافي ظلوا يرفضون المشاركة في العمل في الجيش تحت علم «الثورة» ذي الخطوط الملونة. وما زال بعض منهم يرفع علم الدولة في عهد القذافي ذي اللون الأخضر.
حفتر ظل منذ 2014 يحاول إنشاء مؤسسة عسكرية، ولكن واجهته عراقيل تتمثل في تمسكه بمبادئ «ثورة 17 فبراير 2011»، وهو أمر يرفضه عدد من قادة الجيش السابقين الذين كانوا يحاربون مع القذافي. غير أن لقاءات العسكريين الأخيرة في القاهرة أعطت زخما جديدا يمكن البناء عليه. كما أن بعض القادة ممن كانوا يتهمون حفتر بأنه يدير «ميليشيا انقلابية وليس جيشا»، ويرفضون أي دور له، بدأوا يتحدثون حول الطاولة بطريقة مختلفة.
ويقول جنرال مصراتة، وهو يعدل من ربطة عنقه الحمراء «لقد بدأت تحدث عملية تواصل شبه مستمرة من أجل تطوير الحوار والنقاش. جئنا للقاهرة للأسباب نفسها... وعلى عكس التصورات السابقة، توصلنا إلى أنه «لا توجد مدينة ذات لون أبيض وأخرى ذات لون أسود، واتفقنا على أن كل المناطق فيها مشتركات وفيها تباين أيضا. وأن كل هذه الأمور قابلة للمناقشة والأخذ والرد».
كذلك، جرى التطرق إلى أنه في «بعض الأحيان تتغلب بعض التيارات في بعض المناطق، بحكم خلو الساحة. لكن، الأكيد، أن كل منطقة تستطيع أن تخلق مشكلة للطرف الآخر، كما أن الطرف الآخر لديه القدرة على خلق مشكلة عكسية». ولهذا؛ يبدو أن حوار الجنرالات يسير على نحو فيه قدر من الندية والجدية وحساب القوى الشعبية والقوة العسكرية... «حين يتمكن طرف في المنطقة الغربية من صنع مشكلة مع حفتر، فإن الطرف المقابل يمكنه خلق مشكلة مماثلة».
ويوضح أحد الزعماء العسكريين أنه... «من غير المقبول الاستمرار في شيطنة مدينة، أو الزعم بأن كل سكانها كذا وكذا (يقصد جانبا من ميليشيات مصراتة التي شاركت مع ميليشيات الإسلاميين في محاربة حفتر وبرلمان صالح)، أو أنهم مسؤولون عن المشكلات التي تمر بها البلاد. الليبيون لديهم العنف في كل شيء، وهم عصبيون جدا... الحب بعنف والكراهية بعنف. كل شيء لدينا بعنف».
ويضيف، أنه من المعروف أن الوضع في غرب ليبيا شديد التعقيد عموما؛ إذ إن القوة العسكرية للقذافي كانت تتركز هناك، وجرى فيها معظم القتال المهم في عام 2011: «وبالتالي تكونت مراكز قوى استغلتها بعض الأطراف. والمقصود بها بعض التيارات الإسلامية»، مشيرا إلى أن «الميليشيات المتطرفة استغلت ألوف الشبان، غالبيتهم من مصراتة، من أجل خوض حروب خاصة بها خلال الأعوام الأخيرة، وهذا الأمر اتضح الآن ونعمل على عدم تكراره... ما نحن فيه حقا هو القيام بتهدئة شاملة بين المدن والقبائل في المنطقة الغربية، باستثناء بعض الأعمال الإجرامية، مثل إغلاق طريق هنا وآخر هناك».
أيضاً، يتحدث العسكريون الليبيون الذين يترددون على القاهرة عن أن الحل، انطلاقا من مؤسسة الجيش، أمر ممكن... «كان الأمر قابلا للتحقق حين أوقف ضباط في الجيش - بغض النظر عن انتمائهم لحفتر أم لا - الاحتراب بين مدن عدة في الغرب، كما حدث في الزاوية وورشفانة والزنتان. هذا الأمر الجديد أصبح واضحا على الأرض منذ العام الماضي، إلا أنه لم يتم تطويره والبناء عليه بشكل إيجابي؛ لأن المناكفات السياسية بين البرلمان والمؤتمر الوطني (البرلمان السابق) تلقي بظلالها على الأوضاع».
في هذه الأثناء، في الخلفية، يقوم تيار وطني يضم عناصر قبلية وناشطين من مناطق غرب ليبيا، بدور مهم من وراء الستار، من أجل إنجاح محاولات توحيد الجيش في مؤسسة قوية. ويقول أحد عناصره، وكان برفقة ضباط وصلوا أخيرا للعاصمة المصرية: «طبعا الحوار الذي نؤيده ونسهل له الطريق، يستفز التيارات المتشددة في ليبيا. وكان من آخر التداعيات التي تُشير إلى فاعلية التيار الوطني، الهجوم من جانب المتشددين على المجلس البلدي في مصراتة». ويضيف: ومع هذا لن نتوقف عن العمل؛ لأن علاقتنا جيدة بجميع الأطراف، سواء في المجلس الرئاسي، أو مجلس الدولة، أو المؤتمر الوطني، أو البرلمان. لقد فتحنا أبوابا كثيرة خلال وقت قصير.
مما أثمرت عنه لقاءات القاهرة، إعادة الجانب المصري لفتح خط الطيران الجوي بين مطار مدينة مصراتة ومطار برج العرب، لكن مع استمرار شرط مراجعة وثائق السفر في مطار الأبرق الموجود في الشرق لليبي، ويخضع لسلطات برلمان صالح وجيش حفتر. وبنظرة من قرب، من السهل أن تلاحظ وجود استعدادٍ للحوار بين أطراف رئيسية لم يكن من المتصوّر، حتى وقت قريب أن تجلس معا في غرفة واحدة.

لقاء صالح والسويحلي
من ناحية أخرى، مع أنه لم تخرج عن لقاء روما بين صالح والسويحلي نتائج ذات شأن، إلا أن لقاء الرجلين، يُنظر إليه باعتباره يعكس القدرة على التواصل بين زعماء الشرق وزعماء الغرب. ويقول جنرال ليبي، وهو يهم بمغادرة الفندق للعودة إلى بلاده مع مجموعة من معاونيه: اليوم هناك تحولات في الموقف السياسي لكثير من الشخصيات التي لم تكن ترضى بأي حوار مع الأطراف في الشرق. ويضيف: لم يستطع أحد الاستفادة من الإقصاء المتبادل. ويتابع: «اليوم، نحن نقول لخليفة حفتر، لا تطلب الشرعية من البرلمان. ولكن اطلبها من ضباط القوات المسلحة في المدن الليبية، من خلال حوار عسكري، وأن تعلن أن المؤسسة العسكرية لا علاقة لها بالسياسة، وأنها ستحترم رغبة الشعب الليبي عند إجراء الانتخابات، وأن يقول حفتر إنه ملتزم بأن يكون تحت السلطة السياسية حين يكون هناك دستور دائم للدولة، وأن يأتمر الجيش الوطني بأمر السلطة السياسية».
ويقول عقيد في الجيش الليبي من طرابلس أثناء مشاركته في لقاء آخر بالقاهرة «أبناء المؤسسة العسكرية في ليبيا لديهم احترام لبعضهم بعضا. ويمكن للحوار أن يثمر بين حفتر والضباط الكبار في المناطق العسكرية، مثل (كتلة مصراتة) وما حولها، و(كتلة ورشفانة) وما حولها، و(كتلة طرابلس) وما حولها، و(كتلة الزاوية)، و(كتلة جيل نفوسة والزنتان) وما حولها، و(كتلة المنطقة الجنوبية الغربية والجنوبية الوسطى)، مثل سبها وبراك الشاطئ». ويضيف أن «مراكز الثقل العسكرية الرئيسية هي، في الحقيقة، مجرد أربع أو خمس مراكز، وأعتقد أن إقامة حوار عسكري يحدد قيادة عسكرية جامعة توافقية، أفضل من النظام الهرمي. هذا هو المناسب لليبيا؛ لأن ليبيا دولة شاسعة. دول أخرى تعمل وفقا لنظام الجيوش... لكن القذافي كان يخدم بنظام المناطق العسكرية؛ لأن المناطق العسكرية هي الأنسب لدينا»، مشيرا إلى أنه «من الخطأ توحيد المؤسسة العسكرية بقرارات سياسية؛ لأنه حتى الآن لا يوجد طرف سياسي جامع يمكن الاتفاق عليه. الأمن أصبح مطلبا أول لليبيين قبل السياسة وقبل الاقتصاد».

بوادر حسن نية
وفيما يعد بوادر حسن نية من جانب قطاع من عسكريي المنطقة الوسطى والغربية والمعروفين بأنهم خصوم الجنرال حفتر، جرى رفض تحريك القوات في نطاق نفوذ الجيش الوطني، والابتعاد عن خطوط التماس مع رجال حفتر. أما أهم ثلاث نقاط بدت من لقاءات العسكريين الليبيين في القاهرة حتى الآن، فهي كالتالي:
الأولى، بذل جهود حثيثة وغير مسبوقة من جانب العسكريين لاستعادة مؤسسة الجيش وتوحيدها، على أن يبدأ ذلك بتشكيل لجنة من سبعة ضباط للتحضير لحوار واسع. وهذا أمر لا يتعارض مع تطلعات الأمم المتحدة واتفاق الصخيرات ودول الجوار. والثانية، دعم الحراك الوطني المدني المؤيد لحوار قيادات الجيش، وهو الحراك الذي يتمركز في غرب ليبيا، ويرفض استخدام المجاميع المسلحة في حروب ضد مدن أو قبائل. والثالثة، استقطاب الجناح المعتدل في التيار الإسلامي، واستبعاد المتشددين و«جناح الصقور» الذي يريد إطالة عمر الميليشيات على حساب إيجاد مؤسسة عسكرية قوية وموحدة بغض النظر عن اسم من يقودها.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.