روسيا تعزز وجودها في ليبيا... وتثير قلقاً أميركياً

روسيا تعزز وجودها في ليبيا... وتثير قلقاً أميركياً
TT

روسيا تعزز وجودها في ليبيا... وتثير قلقاً أميركياً

روسيا تعزز وجودها في ليبيا... وتثير قلقاً أميركياً

«لقد وعدناكم بعودة علاقات التعاون إلى سابق عهدها بين البلدين وسنفي بهذا التعهد»... بهذه العبارات طمأن ميخائيل بوجدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي تحظى بدعم من بعثة الأمم المتحدة. إلا أن هذا التصريح الرسمي للمسؤول الروسي لم يجد أصداء إيجابية لدى معسكر المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، الذي بدوره نسج خلال العامين الأخيرين علاقات على نار هادئة مع الدب الروسي، لكنها لم تؤت ثمارها حتى الآن.
المتتبعون تفاصيل الأزمة الليبية يؤكدون أن معدل الزيارات التي يجريها المسؤولون الروس إلى ليبيا ارتفع بشكل متزايد، مقارنة بما كان عليه الوضع عقب سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، الذي لطالما اعتبرته روسيا حليفها الاستراتيجي في المنطقة إلى حد كبير.
كما تضاعفت زيارات المسؤولين الليبيين إلى العاصمة الروسية موسكو، التي باتت محطة مهمة مؤخرا لكل الأطراف المتصارعة على السلطة في ليبيا، بعدما كان الأمر مقتصرا فقط على المشير حفتر.
وحول هذا التقارب يقول دبلوماسي مصري في القاهرة، رفض الإفصاح عن هويته «روسيا الآن منفتحة على الجميع، لكن على ماذا ستحصل؟ وماذا بإمكانها أن تفعل؟ لا يبدو الأمر واضحا... لكن لا نعتبر الأمر منافسة من أي نوع، فنحن نرحب بأي تقدم إيجابي، وإذا كان بإمكان روسيا أو غيرها أن تساعد على حل الأزمة الليبية فلتتفضل». وطبقا لما قاله العقيد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير حفتر، فإن الجيش الليبي لم يحصل على مبتغاه، أي السلاح أو المعلومات التي يمكن أن توفرها الأقمار الصناعية الروسية حول الميليشيات المسلحة في ليبيا، وأضاف موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «لا... لم نستلم أي أسلحة، ولم يتم أي تعاون معلوماتي مع روسيا».
وتوضح إجابة المسماري على تساؤلات طرحتها «الشرق الأوسط» أن العلاقات بين موسكو وحفتر لم تصل بعد إلى العمق الذي يسعى إليه حفتر القوي، المعادي للإسلاميين، والذي يسعى للحصول على دعم روسي لبسط سيطرته على أنحاء ليبيا، رغم أن حفتر زار حاملة الطائرات الروسية أميرال كوزنتسوف في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتقى ضباطا روسا وأفراد الطاقم، قبل أن يجرى اتصالا بالفيديو مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وخلال العام الماضي شوهد حفتر بشكل علني في العاصمة الروسية موسكو مرتين، حيث طلب مساعدة روسيا لرفع حظر السلاح، الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا منذ سنة 2011. لكن عقب هذه الزيارة لم يحدث المتوقع، حيث تأجلت زيارة كانت مقررة لوفد عسكري روسي إلى شرق ليبيا لبحث مستقبل التعاون.
لكن التقارب الروسي مع حفتر شكل قلقا للإدارة الأميركية، التي سربت معلومات نفتها القاهرة وموسكو لاحقا عن نشر روسيا قوات خاصة في قاعدة جوية بغرب مصر قرب الحدود مع ليبيا. وقد وردت هذه المخاوف الأميركية بشأن دور موسكو المتنامي في ليبيا على لسان أكثر من مسؤول أميركي وغربي، حيث تتزامن التساؤلات بشأن دور روسيا المتعاظم في ليبيا مع مخاوف واشنطن من نوايا موسكو في الدولة الغنية بالنفط، التي تحولت إلى مناطق متناحرة في أعقاب انتفاضة 2011 على القذافي، الذي كانت تربطه علاقات بالاتحاد السوفياتي السابق.
ويعتقد دبلوماسي غربي أن روسيا تتطلع إلى دعم حفتر، على الرغم من أن تركيزها الأولي سيكون على الأرجح على منطقة الهلال النفطي، التي استعاد الجيش السيطرة عليها مؤخرا بقيادة حفتر.
وفي زيارته الأخيرة للعاصمة طرابلس، اصطحب نائب وزير الخارجية الروسي بوجدانوف وفدا روسيا رفيع المستوى، ضم جليب نيكيتين، النائب الأول لوزير التجارة والصناعة، وارا أبرمان، رئيس مجلس رجال الأعمال الليبي - الروسي، وسفير روسيا لدى ليبيا إيفان مولوتكوف. وحول هذه الزيارة والوفد المرافق لبوجدانوف قال دبلوماسي غربي في العاصمة الليبية معلقا لـ«الشرق الأوسط»: «إذا نظرت إلى تركيبة الوفد الروسي ستعرف لماذا حضروا».
ويرى مراقبون أن موسكو، التي فتحت أبوابها لزيارات متعاقبة من الفرقاء الليبيين، تأمل في أن تعزز وجودها في ليبيا، لكن يبدو أنها لا تملك استراتيجية موحدة لكيفية التعامل مع المشكلات الراهنة، وفي مقدمتها انعدام الأمن وانتشار الفوضى بعد نحو ست سنوات من الإطاحة بنظام العقيد القذافي.
وخلال لقائه أول من أمس مع السراج، اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، أن زيارته والوفد المرافق إلى ليبيا هي استكمال لزيارة السراج إلى موسكو، ولوضع آليات لتنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه خلال تلك الزيارة، مؤكدا اهتمام روسيا البالغ بحل الأزمة الليبية من خلال المفاوضات بين الأطراف السياسية الليبية.
وخلال هذا الاجتماع، اتفق الطرفان على مناقشة الإجراءات العملية لتنفيذ برامج التعاون الاقتصادي، وتسهيل عودة الشركات والمؤسسات الروسية للعمل مجددا في ليبيا، وبخاصة بعد أن أكد الجانب الروسي أنها ستعود قريبا جدا، وأن الاستعدادات جارية لتحقيق ذلك.
ولتأكيد حجم هذا التقارب، قال العقيد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الذي يقوده المشير حفتر: إن العلاقات العسكرية الليبية - الروسية قديمة وتمتد لأكثر من أربعين عاما، لدرجة أن العقيدة العسكرية الليبية أصبحت عقيدة تعبوية شرقية؛ نظرا لارتباط المؤسسة العسكرية بالجيش الروسي.
وتابع موضحا «الآن بدأ تنشيط العلاقات الخامدة منذ سنوات لصالح الحرب المعلنة على الإرهاب في ليبيا، والجانب الروسي يتفهم جيدا مطالب القوات المسلحة الليبية لإنجاح مهامه الحالية والمستقبلية في القضاء على الإرهابيين، وحفظ الأمن والاستقرار وسيادة ووحدة الإقليم الجغرافي الليبي».
لكن هل يستجيب حفتر لطلب وساطة روسيا لوقف إطلاق النار في الجنوب الليبي بناء على رغبة السراج؟ لا يبدو الأمر مقبولا على الأقل من جانب الجيش، حسب مراقبين.
في هذا الصدد، يقول المسماري «بالنسبة للجيش فإننا ننظر للسراج على أنه غير شرعي ولا يمثل الدولة الليبية، وأي اتفاق لا يعتمد من البرلمان لا يعتد به».
من جهته، قال عمر حميدان، الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني العام (البرلمان) المنتهية ولايته في العاصمة طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أنه سيكون لروسيا أي دور في ليبيا رغم محاولتها ذلك. فلا توجد أي مصالح استراتيجية بين البلدين. والدور الروسي في ليبيا هو فقط لمقايضة الملف الليبي في لعبة الصراعات والتوازنات الدولية... وأغلب الأطراف الليبية تعي ذلك، ولا تعول على الموقف الروسي... والكل يعي خطورة تقاربه من روسيا؛ لأنها ستمثل له الرهان الخاسر»، لكنه استدرك موضحا أن الدور الروسي في ليبيا هو في صالح ليبيا لأنه سيعجل من حل الأزمة الليبية، وسيعطي أهمية استراتيجية أكبر لليبيا لدى الدول صاحبة النفوذ الأكبر في ليبيا، والتي بيدها مفاتيح الحل في ليبيا، وهي الدول الأوروبية وأميركا؛ ما سيقطع حالة الخلاف والتردد عند هذه الدول ويعجّل من حل الملف الليبي، حسب تعبيره.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».