شاشة الناقد

مشهد من «مجانا وبسهولة»
مشهد من «مجانا وبسهولة»
TT

شاشة الناقد

مشهد من «مجانا وبسهولة»
مشهد من «مجانا وبسهولة»

* الفيلم: ‫Free and Easy‬
* إخراج: جون كنغ
* دراما- كوميديا سوداء | الصين
* تقييم: (***)
مثل «مناظر جانغتزي»، الذي عرضناه هنا قبل أسبوعين، ومثل أفلام صينية كثيرة سابقة، يوفر «مجاناً وبسهولة»، الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان «صندانس» الأخير، نظرة داكنة على صين لا نراها في وسائل الإعلام الأخرى. صين تقبع بعيداً عما تستطيع العين الوصول إليه حتى ولو أرادت تخطي العناوين البراقة التي تطالعنا بها الأنباء عن قوّة وثبات الاقتصاد الصيني الجديد منذ مبادرة الانفتاح على العالم بعد سنوات العزلة الطويلة.
هذا الفيلم، من إخراج شاب في ثالث أعماله، ليس تسجيلياً كغالبية الأفلام التي تطرّقت للصورة الداخلية من الوضع الصيني، بل روائي بشخصيات محدودة وحبكة تعاني من بعض البطء لكنها في النهاية تتبلور صوب استكمال شروطها النوعية.
هناك بائع متجول (سو غانغ) يحمل حقيبة فيها قطع صابون. يوقف الزبائن المحتملين ويعرض عليهم شراءه. يغريهم بشمّ الصابون («له رائحة جميلة») لكن ما أن يفعلوا حتى يسقطوا أرضاً غائبين عن الوعي بفعل مخدر تنويمي. هنا يبحث البائع في جيوبهم ويستحوذ على ما فيها من مال ويستعيد قطع الصابون إلى حقيبته.
الفصل شتوي يغطيه الثلج والمكان قرية مهجورة لولا تلك الحفنة من البشر التي تعيش في منازل تبدو كهياكل قابلة للسقوط كضحايا البائع. في المقابل هناك رجل آخر يرتدي الزي البوذي المعروف ويوقف المارة، مدعياً أن المعبد تعرض للحرق وأنه يجمع التبرعات لإعادة بنائه. هو بدوره محتال يحاول تدبير أمر معيشته.
ثم هناك الرجل الأكبر سناً الذي يحرس الأشجار في محيط القرية لكن هناك من يسرقها أو هكذا يعتقد. وزوجته التي تصغره سناً التي تبدو كما لو أنها الأنثى الوحيدة في المكان لولا تلك المرأة التي تدعي - أيضاً - أن زوجها في المستشفى حتى إذا ما استعطفت المارّة أوعزت لأبنائها الهجوم عليه وسرقته.
لا أحد من هؤلاء هو ما يبدو عليه. كل واحد منهم يختلق لنفسه هوية مزيّـفة للوصول إلى غايته. والسيناريو يتمهّـل في منطقة الوسط لأن الإبحار في هذه الشخصيات لا يأتي بجديد فوق ما يوفره في ثلث الساعة الأولى. لكن هذا الادعاء يحافظ على جدواه طوال الوقت ويلتقي مع قراءة الوضع الصيني بأسره، إذ ليس هو بالصورة البادية كما يرمز هذا الفيلم وسواه. النظام متمثل بشرطيين أحدهما له مآرب خاصّـة بينما الثاني ضحية معزولة لا سُلطة فعلية لها.
هناك لقاء آخر يحدث هنا، ليس بين الفيلم والواقع أو بين رموزه والمعنى العميق الذي يرمز إليه، بل بين أسلوب العمل وأسلوب عمل المخرج السويدي روي أندرسون من حيث التعبير عن حياة كاملة وقصّـة متباعدة على نحو اقتصادي وبأقل قدر من التقطيع المونتاجي. طبعاً المخرج الصيني جون كنغ لا يزال في مطلع عمره وأندرسون يملك سينما من الصعب تقليدها، لكن هذا لا يمنع من وجود استيحاء نجده في غرابة الشخصيات وأماكنها.
لا يستحق:(*)
وسط: (**)
جيد: (***)
ممتاز: (****)
تحفة: (*****)



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.