الدمى والشخصيات الافتراضية ولّدت مساحة إضافية لحريّة التعبير الإعلامي

{أبلة فاهيتا} فتحت الشهية عليها و«جام» أشهرها في لبنان

شخصية «أبلة فاهيتا» ذائعة الصيت في مصر والعالم العربي - «موتورة» شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان - «عديلة» واحدة من الشخصيات الافتراضية في لبنان - حاتم الكاشف صاحب شخصية «فاهيتا» مع زميله في تنفيذ فكرته شادي عبد اللطيف
شخصية «أبلة فاهيتا» ذائعة الصيت في مصر والعالم العربي - «موتورة» شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان - «عديلة» واحدة من الشخصيات الافتراضية في لبنان - حاتم الكاشف صاحب شخصية «فاهيتا» مع زميله في تنفيذ فكرته شادي عبد اللطيف
TT

الدمى والشخصيات الافتراضية ولّدت مساحة إضافية لحريّة التعبير الإعلامي

شخصية «أبلة فاهيتا» ذائعة الصيت في مصر والعالم العربي - «موتورة» شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان - «عديلة» واحدة من الشخصيات الافتراضية في لبنان - حاتم الكاشف صاحب شخصية «فاهيتا» مع زميله في تنفيذ فكرته شادي عبد اللطيف
شخصية «أبلة فاهيتا» ذائعة الصيت في مصر والعالم العربي - «موتورة» شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان - «عديلة» واحدة من الشخصيات الافتراضية في لبنان - حاتم الكاشف صاحب شخصية «فاهيتا» مع زميله في تنفيذ فكرته شادي عبد اللطيف

قد يكون البرنامج التلفزيوني البريطاني «مابت شو» الشهير في السبعينات وصولا إلى أوائل الثمانينات، هو من يقف مبدئيا وراء انتشار ظاهرة الشخصيات الافتراضية حاليا، على وسائل التواصل الاجتماعي والدمى المتحركة في برامج التلفزيون الساخرة.
اللافت حاليا ازدهار هذه الظاهرة بشكل كبير في العالم العربي، ولا سيما في مصر ولبنان، وبينها الدميتان «أبلة فاهيتا» و«جام» والشخصيتان الافتراضيتان على وسائل التواصل الاجتماعي «عديلة» و«موتورة» وغيرها. ويرجّح أن تكون الأولى (أبلة فاهيتا) هي من فتحت شهيّة بعض معدّي البرامج التلفزيونية وكذلك الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للحاق بظاهرة الشخصيات الوهمية لتقوم بمهمّة الانتقاد الساخر تحت مظلّة آمنة. فهي تؤمّن لها مساحة كبيرة من الجرأة وحرية التعبير في أدائها تحت غطاء «الدمى» أو الرسوم، ومهما بلغت طبيعة الانتقادات الصادرة عن شخصية من هذا النوع فإنّها تبقى مرتبطة ارتباطا وثيقا بما نسميّه في مجتمعنا بالعامية «اللعبة». وعادة ما لا تؤخذ أقوال الدمى على محمل الجدّ، خصوصا أننا كنّا جميعنا، نتحدّث إلى ألعابنا أثناء مرحلة الطفولة، ولم يكن أحد يعلّق أهمية على الأمر، لا من أهلنا ولا من أصدقائنا، بل كانوا يعتبرون الأمر بديهيا في مثل هذه المرحلة العمرية، ونوعا من التفتّح الاجتماعي والتطوّر اللذين نمارسهما في ذلك العمر.
المهمّ في الموضوع أنّ تلك الشخصيات تحظى بمتابعة كبيرة من المشاهد التلفزيوني وكذلك من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث يفوق عدد متابعي الشخصية الافتراضية اللبنانية «عديلة» مليون شخص وكذلك بالنسبة لـ«موتورة». فيما يفوق عدد متابعي الدمية «أبلة فاهيتا» المصرية، على صفحة «فيسبوك» الإلكترونية، الملايين. ومؤخرا استعان المخرج اللبناني عصام بو خالد على المسرح بدمية لتروي مآسينا الصغيرة والكبيرة، وتثير فينا الضحك، وتحرضنا على السخرية في عمله المسرحي الذي سماه «مأساتي».
وما لا يعرفه كثيرون هو أنّ الجنس الخشن (الرجال)، وراء تلك الشخصيات في الواقع، على الرغم من استعارتها لأسماء أنثوية لتأدية المهمة. فوراء شخصية «أبلة فاهيتا» المحببة بشكل كبير إلى قلوب المصريين، يقف الشاب المصري حاتم الكاشف الذي درس المسرح في مصر ليسافر بعدها إلى أميركا حيث أكمل تحصيله الدراسي الفنّي في إحدى جامعاتها. وهو صاحب الفكرة والصوت ومحرّك الدمية «العروسة»، كما يسمّونها في مصر. ومنذ أول ظهور رسمي لها في عام 2011، شغلت هذه الدمية الرأي العام المصري والعربي معا، (إذ سبقها إطلالات على موقع «يوتيوب» عبر قناة استحدثها مع صديقه شادي عبد اللطيف في عام 2010 كان اسمها قناة «أنروب»). يومها أطلّت الشخصية في إعلان تلفزيوني لشركة (فودافون) على قناة (الفراعين) المصرية، يحكي عن تقدّم شاب بشكوى إلى النيابة العامة المصرية، يتّهم فيها الدمية (فاهيتا) بالتحضير لعمل إرهابي. ومنذ تلك اللحظة قامت الدنيا ولم تقعد في مصر، بعدما وقع المشاهدون في حبّ الدمية مما دفع بصاحبها إلى تقديم برنامج تلفزيوني حمل اسم الدمية المذكورة وليصبح اليوم من أهم برامج قناة «سي بي سي» المصرية (أبلة فاهيتا لايف من الدوبلكس)، حاصدا شهرة واسعة وصلت إلى حدّ استمراره لخمسة مواسم متتالية. وتسببت شهرة هذا البرنامج في إيقاف برامج حوارية لعدد كبير من الإعلاميين في مصر الذين كانوا يقدّمون برامج مشابهة لـ(أبلة فاهيتا)، ولكن بشخصيّتهم الواقعية.
وحسب ما يتردد فإنّ من يعرف حاتم، يصفه بصاحب الشخصية الخجولة، وبأنّه شاب طموح وفنان من الطراز الأول. كما يشاع بأنّ محطة «سي بي سي» تفرض عليه التصرّف بسرية تامة وبعدم الكشف عن أنّه مجسّد الشخصية المذكورة، إذ إنّها ترغب في أن تصبح «أبلة فاهيتا» بمثابة شخصية حقيقية يتفاعل معها المشاهد على الرغم من طبيعتها الافتراضية.
ومن الشخصيات الافتراضية التي تلقى شهرة واسعة في لبنان ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعدما اتّخذت منها منبرا لها «عديلة» و«موتورة».
فهاتان الشخصيتان اللتان أخذتا على عاتقهما توجيه انتقاداتهما الساخرة لأي حدث اجتماعي وفني وسياسي وبيئي وغيره يجري على أرض لبنان، ويطال أحيانا كثيرة أخبارا عالمية، أصبحتا بين ليلة وضحاها الشغل الشاغل لدى شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين من مختلف الشرائح الاجتماعية والأعمار. كما استطاعتا أن تفتحا خطوط تواصل مباشرة مع فنانين وسياسيين وفعّاليات مختلفة من خلال الردود المباشرة التي تتلقاها كل منهما عبر صفحات وحسابات خاصة بهما. ويقف أيضا وراء تلك الشخصيتين شابان لبنانيان في الثلاثينات من عمرهما، تربط بينهما علاقة صداقة قديمة وزمالة دراسية على الرغم من أنّهما لم يتخصصا في المجال نفسه (هندسة وزراعة). هما أيضا اتبّعا التكتّم والسريّة حول هويّتهما، بحيث يرفضان الكشف عنها أو الظهور في إطلالات إعلامية للتحدّث عنها.
استوحت «عديلة» اسمها من المغنية العالمية آديل، مطلقة على نفسها لقب «كوكب الغرب» تيمنا بلقب «كوكب الشرق» الذي اشتهرت به الراحلة أم كلثوم. واستحدثت صورة كرتونية للفنانة البريطانية لتعرّف من خلالها شخصيّتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي (إنستغرام وفيسبوك وتويتر) التي تستخدمها لممارسة مهمّتها الانتقادية. وهي تلعب دور الإعلامية الساخرة التي تسمح لنفسها بمنتجة فيديوهات وصور فوتوغرافية لمشاهير السياسة والفن في لبنان، والتعليق عليها بسخرية أحيانا وبكلام إيجابي أحيانا أخرى، مستدرجة بذلك أسماء لامعة في المجالين، لم تتوان عن التفاعل معها من خلال ردود مباشرة لها، كتبتها على موقعي «عديلة» و«موتورة». وهذا ما حصل بالفعل مع الفنانة نوال الزغبي عندما باركت لها «عديلة» في عيد ميلادها مستوضحة إياها إذا ما بلغت الـ25 أو الـ28 من عمرها. فردّت عليها الفنانة اللبنانية عبر حسابها الخاص على صفحة «تويتر» تقول: «هاهاها شكرا عديلة يا مهضومة، مش معقول شو ذكية كيف عرفتي عمري؟» كما تناولت مرة أخرى وصلة غنائية للمغنية أصالة وقطعتها بمشهد تكسير صحون عندما بلغت المغنية على طريقة السوبرانو أقصى درجات الصراخ في موّال لها. فيما اكتفت بإرفاق صورة عن (ليفة استحمام) زهرية لصورة ترتدي فيها المغنية أحلام قماش فستان يشبهها.
أمّا «موتورة» فقد اتخّذت شكلا خارجيا مناقضا تماما لصديقتها «عديلة» الشقراء، ترجمتها بصورة رسم مصور لامرأة وهمية سمراء ذات شعر أسود (كاريه مع غرّة)، تضع على أظافرها الطلاء الأحمر. وكتبت تعرّف صفحتها الإلكترونية بأنّها فنيّة واجتماعية وسياسية... «موتورة» مثل صاحبتها المتوتّرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».