مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط»: الروس بحثوا مع «قسد» المشاركة في معركة إدلب

تراجع اندفاعة النظام بريف حلب الشرقي... وأنباء عن توقف مؤقت لهجماته عند ريف حماة الشمالي

مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط»: الروس بحثوا مع «قسد» المشاركة في معركة إدلب
TT

مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط»: الروس بحثوا مع «قسد» المشاركة في معركة إدلب

مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط»: الروس بحثوا مع «قسد» المشاركة في معركة إدلب

تراجعت اندفاعة النظام السوري باتجاه ريف محافظة حلب الشرقي، وحوّل هجماته باتجاه ريف محافظة حماة الشمالي التي يقدر مراقبون أن تكون آخر معاركه في الشمال قبل تبلور الاتفاقات الدولية التي تقيّد تقدمه باتجاه محافظة إدلب، وسط معلومات عن أن معركة إدلب «تخضع لحسابات أميركية وروسية» ستتيح لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» المشاركة في المعركة، كما قال مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط».
الحقيقة أن معارك الشمال بأكملها تخضع الآن للحسابات الدولية والتوازنات الروسية والأميركية، إذ أكد مصدر سوري معارض لـ«الشرق الأوسط» أن اتفاقات واشنطن وموسكو منعت النظام من التقدم إلى حدود محافظة الرقة الإدارية مع ريف محافظة حلب الشرقي، وهو ما كبح اندفاعة النظام في الهجوم الذي بدأه قبل أكثر من شهرين. وتابع أن النظام على إثره «حول جهوده الحربية باتجاه ريف محافظة حماة الشمالي»، حيث استعاد السيطرة على مناطق كان خسرها خلال هجوم قوات المعارضة الأخير على المنطقة.
غير أن التوقعات التي تحدثت عن أن النظام يسعى للتقدم إلى مدينة إدلب ومحيطها، بعد تقدمه بشكل واسع بريف حماة الشمالي والغربي، تصطدم بمعلومات عن أن «معركة إدلب» تنتظر «ترتيبات دولية». وفي هذا الصدد قال مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط» إن توقيت إطلاق معركة إدلب قضية متروكة للتقديرات الروسية والتفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث يشارك الطرفان في تنفيذ عمليات جوية فيها. إذ تلاحق القوات الأميركية متشددين وشخصيات منضوية ضمن حلقة «الجهاد العالمي» في تنظيم القاعدة في شمال سوريا، بينما تمكّن القوات الجوية الروسية قوات النظام من التقدم في ريف حماة، إثر ضربات جوية تنفذها.
وأضاف المصدر الكردي أن الروس أبلغوا ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) قبل شهرين تقريباً بنية موسكو إشراك هذه الميليشيا التي يغلب عليها الأكراد في معركة إدلب. واستطرد بأنه «ليس واضحاً بعد ما إذا كان النظام سيكون مشاركاً في العملية أم لا، لكن الأكيد أن الروس تواصلوا مع قسد بشأن إشراكهم في معركة إدلب، وناقشوا الترتيبات، غير أن توقيت المعركة لم يُحسم بعد». وإذا صح هذا الكلام، فإنه سيعني أن مهام الميليشيات الكردية - المدعومة أميركياً - ستتوسع إلى الغرب، بدعم روسي، بعد سلسلة تجارب تعاون فيها الطرفان بريف محافظة حلب الشمالي، حيث سيطرت «قسد» على مناطق بينها مطار منّغ العسكري، كما سيطرت على مناطق في أحياء حلب الشرقية ملاصقة لمناطق كردية مثل حي الشيخ مقصود. كذلك فإنه سيعني أن روسيا تستبعد مشاركة ميليشيات النظام السوري في معارك إدلب، مع أن هذه الميليشيات تشارك في المعركة الدائرة في ريف حماة الشمالي، إلى جانب قوات النظام، وتحت مظلة جوية روسية.
هذا، وتوضح خريطة المعارك في الشمال السوري الآن، أن الروس والأميركيين يقسمون المهام بين منطقة شرق الفرات وغربه، حيث تشارك القوات الأميركية في شرق الفرات إلى جانب ميليشيا «قسد» في المعارك ضد تنظيم داعش، بينما توفر القوات الروسية غطاء جويا للقوات المقاتلة ضد «داعش» و«جبهة النصرة» وفصائل المعارضة السورية في منطقة غرب الفرات. ووفق مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن في حوار مع لـ«الشرق الأوسط» فإن المعركة بعد ريف حماة الشمالي «لم تتضح بعد ما إذا كانت ستتوسع إلى إدلب أم لا»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن قوات النظام «لا تمتلك القدرة العسكرية على خوضها». وبالتالي، رجح أن تكون معركة إدلب «في مرحلة ثانية تلي مرحلة استعادة النظام السيطرة على مناطق خسرها قبل شهرين في ريفي حماة الشمالي والغربي». وأردف عبد الرحمن: «ثمة تعنت روسي وإصرار على استعادة كل تلك المناطق... وأن تراجع وتيرة هجمات النظام بريف حلب الشرقي يعود إلى أولويات ناتجة عن معركة ريف حماة التي يعطيها النظام وروسيا أولوية». كذلك أشار إلى أن قوات النظام «لا تمتلك إمكانات للتقدم إلى إدلب، كما لا تمتلك إمكانات عسكرية للتقدم إلى الرقة» حيث تخوض «قسد» المعركة لاستعادتها.
هذه الموانع العسكرية، تأتي بموازاة «الاتفاقات الروسية - الأميركية حول منع النظام من التقدم إلى حدود الرقة الإدارية، التي باتت منطقة خاضعة لسيطرة «قوس»، وتتمتع بوجود عسكري أميركي. وقال مصدر كردي قريب من «قسد» إن هذه الميليشيا ستدخل الرقة، بموجب التفاهمات الأميركية والروسية، وإن القوة التي ستدخل المدينة هي من مقاتلي العشائر العربية المشاركة الذين تضمهم الميليشيا.
للعلم، تراجع النظام عن اندفاعته في معارك ريف حلب الشرقي المحاذي لحدود الرقة الإدارية، قبل نحو 15 يوماً. ولم يستطع النظام السيطرة على مسكنة ومطار الجراح، رغم تلك الاندفاعة العسكرية التي مكنته من السيطرة على نحو 250 بلدة ومزرعة وقرية بريف حلب الشرقي منذ مطلع العام الحالي، واقترابه من مطار الجراح بعد السيطرة على بلدة دير حافر وبلدة الخفسة الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.