«الفخ الداعشي» لفرنسا

هجوم الشانزليزيه {صوت} للتنظيم ضد التنوير والديمقراطية

مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)
مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

«الفخ الداعشي» لفرنسا

مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)
مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)

هل باتت فرنسا هدفاً للإرهاب الداعشي؟ الاستفهام يحمل الجواب «نعم، إنها أضحت كذلك بشكل واضح للجميع، ولا سيما في العامين الماضيين»، أما التساؤل فربما يكون هو الحقيق بالبحث عن الأسباب وراءه؛ لخطورة المشهد في الحال وأهواله إن جرت الأمور في تصاعد على صعيد الاستقبال؛ ما يعني إمكانية اتساع رقعة المساحة الجغرافية المعرضة للاعتداءات الإرهابية داخل الأراضي الفرنسية. والشاهد، أنه منذ عام 2015 تعرضت فرنسا إلى ثمانية حوادث إرهابية كبيرة راح ضحيتها نحو 238 شخصاً عدا عن الجرحى الجسديين وآلاف المشوهين نفسياً، وبالطبع هناك ضِعف هذا العدد أو يزيد من العمليات التي تم إحباطها، بعضها أعلن عنه بشكل رسمي، والبعض الآخر لم يعلن عنه حتى لا يسود الذعر في الأوساط الشعبية الفرنسية».
على أن العملية الإرهابية الأخرى أسفل قوس النصر وعلى رأس «جادة الشانزليزيه» تكتسي أهمية ودلالات رمزية ولوجيستية كثيرة، يمكن للمرء قراءتها عبر تحليل صورة الحدث من حيث المكان والزمان والرسالة للفرنسيين وغيرهم من ورائها.
أما المكان، فهو يحمل معاني الانتصار والمجد لفرنسا؛ فقوس النصر الذي عمل «نابليون بونابرت» على بنائه في بداية القرن التاسع عشر، كان الهدف منه تخليد انتصارات الجيوش الإمبراطورية، وتحمل جدرانه الداخلية نحو 660 اسما من أسماء قادته العسكريين، و96 من أسماء انتصاراته.
هنا... هل يحمل الهجوم رسالة مفادها أن الانكسارات من وراء الإرهاب قادمة لفرنسا وللفرنسيين؟
ثم خذ إليك الآلية التي جرى بها الحادث؛ إذ تحمل نسقاً غير تقليدي، يدلل على رغبة مؤكدة في الانتقام، وإقدام قاطع على الجريمة، حتى وإن كلفت صاحبها حياته، وهو ما جرت به المقادير بالفعل، وما يشير بأن فرنسا ربما تكون على بعد خطوات من مواجهة الانتحاريين أصحاب «الأحزمة الناسفة»، أو مستقلي «المركبات المفخخة»، إن وجدوا إليها سبيلاً.
بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية الفرنسية، بيار هنري براندي، فإنه عند التاسعة مساءً، وصلت سيارة قرب حافلة للشرطة وخرج رجل من السيارة وفتح النار على الأرجح من سلاح آلي على حافلة الشرطة ليقتل أحدهم، ثم يحاول الذهاب راكضاً لاستهداف آخرين، وليتمكن تالياً من إصابة اثنين، قبل أن يلقى حتفه... أي تخطيط جنوني تواجهه فرنسا في مثل تلك الحوادث متعمدة إرهابياً وجنائياً؟
ثم يأتي الظرف الزماني؛ فالحادث يقع قبل نحو ثلاثة أيام بالضبط من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي تعلو فيها الأصوات اليمينية الشعبوية، وتتزايد بها التيارات اليمينية، وكذا القومية، وجميعها تحمل معالم وملامح، ومواقف واضحة من الإسلام والمسلمين، ومن المهاجرين واللاجئين، كلها سلبية بشكل سوداوي، وكأن الجاني هنا يدفع الجميع في طريق الصدام، ويقود الناخب الفرنسي إلى أن يختار من بين المرشحين من هو كفيل بإنهاء سيرة الديمقراطية ومسيرتها في الجمهورية الفرنسية الخامسة.
من هنا، يتأكد لنا بعملية حسابية خوارزمية بسيطة غير معقدة أن حادثة الشانزليزيه لن تكون الأخيرة، وعليه يبقى السؤال الجوهري لماذا باتت أرض التنوير هدفاً لسهام «داعش» على هذا النحو الذي نراه؟
بالرجوع إلى الماضي القريب، وتحديداً في 2014، نجد أن الناطق الرسمي باسم «داعش» المدعو «أبو محمد العدناني» كان قد وجّه أتباع التنظيم ومناصريه إلى قتل الغربيين، وأضاف في توجيهه تخصيصا يفيدنا في قراءة المشهد الفرنسي على نحو خاص حين قال «خصوصاً الفرنسيين الحاقدين»... لماذا؟
هناك في واقع الحال جانبان للجواب، الأول يتصل بأحوال المسلمين والمهاجرين، وبالبيئة الاجتماعية والحياتية في الداخل الفرنسي، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، وهناك ما هو خارجي ويزعج «داعش» بنوع خاص من فرنسا، في سوريا والعراق وشمال أفريقيا، عسكرياً وسياسيا، ومالياً، ولتكن الإجابة من الخارج، ثم العودة لاحقاً إلى الداخل الذي يحمل موروثات قديمة، تتجدد جراحاتها عند الأجيال الجديدة.
أدركت فرنسا من خلال حقائق الأرقام أن الدواعش من الفرنسيين، سواء أحفاد الغال الأصليين أو أبناء المهاجرين والمجنسين، قد أضحوا خطراً حقيقياً على الأمن القومي للبلاد؛ فهناك أكثر من ألفي شخص عرفوا طريقهم إلى جماعات الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بالفعل، وهناك نصف هذا العدد تشير التحريات إلى محاولاتهم الالتحاق بـ«داعش» الذي بات صرعة فكرية وعقائدية.
إضافة إلى ما تقدم، فإن أكثر من ثلاثة آلاف عنصر من الفرنسيين المرتبطين بتنظيمات إرهابية واقعين تحت مراقبة أمنية واستخباراتية فرنسية، في حين الكارثة الحقيقية تتمثل في عودة ثلاثمائة فرنسي من ميادين قتال «داعش» إلى الداخل الفرنسي، هؤلاء هم العائدون من أكاديمية تنظيم داعش للقتل والكراهية سفك الدماء، والمستعدون للموت بكل صوره... هل كان لفرنسا أن تستكين في تلك المواجهة الشرسة؟
من الواضح جداً أن الإصرار الداعشي على إحداث أكبر الضرر بفرنسا والفرنسيين، مرده إلى الدور الفاعل والحاسم الذي تلعبه في مواجهة «داعش»، والمتميز عن باقي الأدوار الأوروبية بشكل عام.
بحسب البيانات الرسمية الفرنسية، فإن الفرنسيين يقومون على قيادة عملية شمال العراق في إطار التحالف الدولي منذ أيلول سبتمبر (أيلول) 2014. وفي سوريا منذ 18 سبتمبر 2015، كما أن فرنسا تجري عمليات جوية وتقدم المشورة والتدريب لقوات الأمن العراقية، ولا سيما القوات الكردية، عطفاً على قيام فرنسا أيضاً بدعم المجموعات المعتدلة التي تحارب تنظيم داعش في سوريا.
والثابت أن تنظيم داعش قد تعرض لخسائر جسيمة في الأرواح والمعدات من قبل العمليات الجوية الفرنسية التي جرت فوق الأراضي العراقية والسورية، ولا سيما بعد الهجمات التي ارتكبتها «داعش» في باريس وسان - دوني في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وهناك عدد كبير من الطائرات وقطع البحرية الفرنسية التي تذيق تنظيم الدولة هواناً عسكرياً، زاد من الحقد تجاه الأراضي الفرنسية. وعطفاً على ذلك، فإن الفرنسيين تسببوا للدواعش في خسائر مالية غير مسبوقة أيضاً أثرت كثيراً على تماسكهم وقدرتهم على الصمود، وشراء مجاهدين جدد عبر التلويح بذهب المعز بنوع خاص.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الضربات التي شاركت بها فرنسا ضمن قوات التحالف الدولي قد دمرت الكثير من البنى التحتية النفطية الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش، مثل الآبار والمصافي وقوافل شاحنات الوقود وغيرها، مما قلص المداخيل التي يجنيها التنظيم من بيع النفط تقليصاً ملحوظاً، كما أن فرنسا اتخذت في الداخل تدابير صارمة كل الصرامة في طريق تجميد الأصول الإرهابية، للمرتبطين بتلك الحوادث تنفيذاً أو تخطيطاً أو تسهيلاً.
على أن المشهد الخارجي لا يفسر لنا وحده أسباب تنامي الأصوليات وصعود الراديكاليات في الداخل الفرنسي؛ فهناك من الأسباب التاريخية والمعاصرة، ما يجعل معامل تفريخ الأصوليين الفرنسيين نشطة، وزاد القلق الفرنسي نهاراً، وتراكم الأرق ليلاً منذ عام 2014 حينما أشار مقاتل «داعش» الفرنسي «إبراهيم الخياري» في تسجيل له إلى أن... «فرنسا في حالة حرب مع تنظيم داعش»، أما الطامة الكبرى التي روعت الفرنسيين ولا تزال فقد تمثلت في ظهور فرنسي الأصل للمرة الأولى مكشوف الوجه يدعى «مكسيم أوشارد»، وهو يذبح أحد الرهائن، وقد كان المشهد بمثابة رسالة تطلع «داعش» لأن يفهمها الفرنسيون، ومفادها أن الاختراق قد حدث لفرنسا من الداخل، لا من الخارج فقط.
تقتضي اللحظة الراهنة قراءة عميقة للمشهد الداخلي الفرنسي لمعرفة أسباب القصور التي أدت إلى تنامي تلك الحركات في الداخل، وهي ليست قراءة تبريرية بالمرة، فلا أحد يمكنه أن يجيز أو يبرر أو يبارك سفك الدماء، فللدماء حرمتها، وللآمنين حقهم في عدم الترويع.
أحد الذين قرأوا المشهد الفرنسي بعين ثاقبة هو «غونتر ماير» مدير مركز بحوث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية، وعنده أن هناك تراكما للأسباب أدى إلى ما نراه، منها اعتبار الإسلام ديناً غريباً في الأوساط الثقافية الفرنسية؛ الأمر الذي يدفع الشباب المسلم هناك إلى نوع من «الجيتو الفكري»، وإلى التهميش أحياناً، ناهيك عن الانعزالية والإحساس بالاضطهاد أحياناً أخرى.
ثم أن فترة الارتباك الذهني والعقائدي، بل والآيديولوجي التي تعيشها فرنسا في زمن العولمة، أفرزت تيارات يمينية وسياسية، تحمّل المهاجرين واللاجئين من المسلمين أوزار تردي الأوضاع في البلاد على أكثر من صعيد؛ مما يولد حقداً وكراهية مقابلين عند بعض الشباب المسلم الفرنسي، الذي يصل به الكبت إلى الإسقاط المتمثل في الانتماء إلى «داعش»، ولاحقاً توجيه نيران الأسلحة الآلية إلى صدور الفرنسيين.
على أن السؤال الحقيقي بالتوقف أمامه... هل فشلت الدولة الفرنسية في تسهيل عملية اندماج هؤلاء وأولئك ضمن صفوف المواطنة كما كان يتوجب الأمر بالفعل؟
هذا ما يؤكده الكاتب الألماني «شتيفان بوخن»، وعنده أن فرنسا أخفقت في تقديم أدوية ناجعة وعلاجات شافية وافية لكثير من أخطائها، ولا سيما إرثها الاستعماري في شمال أفريقيا ودول المغرب العربي؛ ولهذا تبقى حزازات الصدور كائنة وكامنة، بل قائمة وقادمة، إلى حين تبدو الفرصة مواتية للانتقام للتاريخ، إن جاز التعبير. والمقطوع به، أن الأسباب أوسع من المسطح المتاح للكتابة وتبدو هناك جذور فكرية عقدية من نوعية المطلقات التي لا تقبل فلسفة المواءمة، كما في القضايا السياسية، ومن دون مراجعات جذرية لتلك القضايا سيبقى الخلاف محتدماً والمواجهات قائمة.
ويستلفت النظر في حادثة الشانزليزيه الحديث عن جنسية فاعلة، ففي حين قالت الداخلية الفرنسية إنه «بلجيكي»، أنكرت بلجيكا الأمر، على أنه ليست هذه هي الإشكالية، بل الكارثة وليست الحادثة في أن فرنسا، وعموم أوروبا أمام أجيال جديدة من المتطرفين غير المعروفين، وغير المنتظمين في عقد تراتبي هيراركي؛ إذ يكفي أن تؤمن بفكر الدولة الإسلامية، وأن تجد سلاحاً قريباً منك، لتتمكن من أحداث خسائر هائلة بشرية ومالية، فعلى سبيل المثال يقصد فرنسا نحو خمسين مليون سائح كل صيف، ويعد قوس النصر بالنسبة لهم مقصداً أولياً، والخوف يولد في حركة السياحة تدهوراً واضحاً كما في تجارب دول أخرى.
على أن السؤال الجوهري قبل الانصراف... «هل ستقع فرنسا من جديد في فخ الإرهاب والأصوليات التي تدفعها دفعاً في طريق التنكر لمبادئها الرئيسة من (حرية ومساواة وإخاء)؟».
التجربة قاسية بالفعل، والجمع بين الأمن والحرية معادلة صعبة، ويخشى الجميع لا في فرنسا فحسب، بل في عموم أوروبا من السير في الطريق البرابرة الجدد، كما كان يقول الراحل حديثاً عن عالمنا، الفيلسوف الفرنسي، البلغاري الأصل «تزيفتان تودروف» يجعلنا كالبرابرة أنفسهم، ويحقق الغرض الأصلي الذي يسعون إليه، أي جر العالم إلى دائرة الظلاميات ونهاية عصور التنوير.
وقت ظهور هذه الكلمات للنور سيكون الفرنسيون قد قالوا كلمتهم واختاروا رئيسهم الجديد، فهل تأتي هذه الحادثة الإرهابية الأخيرة لتغير الأوضاع وتعدل الطباع لصالح اليمين القومي المتطرف أم سينتصر الفرنسيون لدولة التنوير؟



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».