الإعلام «الإخواني»... هل يلفظ أنفاسه الأخيرة؟

في أعقاب ثورة يناير (كانون الثاني) من عام 2011 تغير المشهد الإعلامي المصري وزادت مساحة الحرية فيه، وزادت معها حدة الاستقطاب ما بين الإعلام «الليبرالي» أو الخاص والإعلام «الإخواني» الذي يدعم أو يوالي جماعة الإخوان المسلمين - اللقبَين اللذين اختار المعسكران اعتمادهما في حربهما الإعلامية.
في الخلفية، بات الإعلام الحكومي المصري المتمثل في قنوات ماسبيرو والجرائد القومية يفتقر إلى المهنية والموضوعية، ولا يقدم الصورة الكاملة، في الوقت الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا إعلاميا قويا في تحريك الرأي العام وحرية الرأي والتعبير، بل وصناعة الأخبار والمحتوى، ومع ذلك كانت هنالك حالة من التنوع، وتعدد الأصوات الإعلامية؛ حيث ظهرت الكثير من البرامج الجريئة رغم ما فيها من تضليل.
أما في أعقاب الموجة الثانية من الثورة المصرية 30 يونيو (حزيران) 2013، صعد نجم الإعلام الليبرالي والخاص الذي أخذ على عاتقه، بحسب زعمه، كشف الحقائق وتعريتها للرأي العام المصري، وكشف الكثير من المحتوى الإعلامي المضلل الذي كان يبث من قنوات مصرية أو عربية أو أجنبية، والذي يروج للشائعات أو يقدم «حقائق مزيفة»، أدى ذلك إلى نبذ الشارع المصري لقنوات بعينها، ورفعت دعاوى قضائية لوقف بثها، ومنها: قناة «الشرعية» و«مصر الآن»، و«25 يناير» و«أحرار 25»، كما وصمت قنوات: «الجزيرة» القطرية، و«مكملين» و«الشرق» و«رابعة» التي يتم بثها من تركيا بأنها قنوات «إخوانية» تسعى إلى «تدمير مصر»؛ ما أدى إلى فقدانها القاعدة الجماهيرية التي كانت تحظى بها.
حاليا ينفرد الإعلام «الليبرالي» بقاعدة جماهيرية كبيرة مع ظهور قنوات جديدة «أون تي في إي» و«dmc» في الوقت الذي تسعى المنابر الإعلامية «الإخوانية» إلى «فبركة» الأحداث التي تتمثل في الاعتداء على الصحافيين المصريين في الخارج، وبث مشاهد مفبركة عن مسيرات احتجاجية، فضلا عن استقطاب الإعلاميين المستقلين عبر قوائم بريدية تحمل اسم «الرسالة» تروج للفكر الإخواني... فهل دخلت الآلة الإعلامية «الإخوانية» مرحلة الموت الإكلينيكي؟
الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد العزيز، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يعتمد الإعلام الإخواني على نوعين من وسائل الإعلام، نظامية، وهي الوسائل المعلومة الهوية مثل القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية، ووسائل إعلام غير نظامية، التي تتمثل في «السوشيال ميديا»، أي التواصل الاجتماعي.
لافتا إلى أن وسائل الإعلام النظامية المعبرة عنهم لا يوجد لديها فرصة الآن للعمل في المنظومة الإعلامية المصرية، ومع وجود حالة الطوارئ فمن المستحيل أن تعود تلك القنوات ذات الوجه الإخواني للظهور مرة أخرى. ويشير إلى أن أوضاع الإعلام المصري بشكل عام مأزومة، بل إنه في حالة تردٍ مهني كبير، لافتا إلى خطورة ذلك على المنظومة الإعلامية المصرية، وبخاصة أن هذه الحالة المتردية قد تكون ثغرة ينفذ منها الإعلام الإخواني؛ لأن الجمهور لديه حاجة سيكولوجية إلى تلقي الأصوات المعارضة، فإن لم يجدها سيخترعها.
وكانت الكثير من المؤسسات الإعلامية المصرية المرئية والمطبوعة قد شهدت اعتداءات كثيرة، منها التدمير والحرق والحصار، كما تلقى عدد كبير من الإعلاميين المحسوبين على وسائل إعلام خاصة، تهديدات بالقتل وتعرضوا للاعتداء الجسدي والسب والقذف وفبركة مكالمات، وغيرها من وسائل التشهير التي خرجت عن إطار المهنية الإعلامية.
* أخبار مزيّفة
فيما يرى الإعلامي أحمد الجزار، منتج فني في قناة «الغد العربي»، ورئيس تحرير قناة «أون تي في» سابقا؛ فهو يرى أن الإعلام له دور مهني، وليست وظيفته الرد على الشائعات التي يطلقها أي فصيل أو جماعة، بل مهمته نشر الحقائق وليس احتكارها.
ويعتبر أن «الإعلام الإخواني» أصبح في مرحلة الموت الإكلينيكي فعليا؛ لأنه «كلما كان الإعلام ضعيفا ضعفت قدرته على نقل الأخبار بموضوعية وحياد، ويقدم فقط المنتج الخبري الذي يخدم وجهة نظره، وفي المرحلة الأسوأ يحاول أن ينتج الحدث أو يصنع الخبر لاستدرار العطف أو كسب قاعدة جماهيرية، وهذا هو حال (الإعلام الإخواني)».
ويروي تجربته في تغطية أحداث الثورة الثانية وأحداث اعتصام رابعة العدوية قبيل الموجة الثانية من الثورة المصرية، قائلا: «كنا نقوم بتغطية حية لأحداث عبر قناة (أون تي في لايف) وفضحنا كذب قنوات الإخوان أكثر من مرة، وأشهرها واقعة مسجد الفتح، حيث كانوا يستخدمون طفايات الحرائق على أنها غاز مسيل للدموع تهاجمهم به الشرطة المصرية، وكان فريق عمل (أون تي في) هناك وبث الصورة الأخرى التي تبين أفعالهم»
وحول الاعتداءات على الإعلاميين، يرى الجزار أن «الإعلام الدولي يهتم بها شكلا وليس بوصفها (قيمة خبرية)، وهي محاولات من قبل عناصر الإخوان لصنع الفضائح فقط؛ لأن أسلحتهم الإعلامية القادرة على التأثير انتهت». ويؤكد الجزار أنه «ليس معنى أنك تمتلك بعض الأسلحة أنك قادر على حسم المعركة»، لافتا إلى تلك الاعتداءات أو بث صنع أخبار مزيفة عبر «السوشيال ميديا» لم تعد تؤثر في القاعدة الجماهيرية العريضة للشعب المصري. ويؤكد الجزار أن القواعد الجماهيرية للإعلام الإخواني والتي قسمها إلى ثلاث فئات: «منتمون، وموالون، ومتعاطفون» تقلصت تماما؛ فقد تلاشت فئة المتعاطفين وتليها فئة المواليين، أما المنتمون فهم يمثلون جمهور القنوات التي تبث من خارج مصر.
* إعلام الصوت الواحد
«مفاتيح المشهد الإعلامي تغيرت كثيرا مع التغيرات السياسية التي شهدتها مصر»، هكذا يرى الإعلامي الدكتور محمد سعيد محفوظ، رئيس مؤسسة «ميدياتوبيا» لشباب الإعلاميين، قائلا: «تأثير القنوات الموالية لـ(الإخوان) غير ملموس في الشارع المصري؛ نظراً لاعتماد خطابها على المبالغة والحشد؛ ما أفقدها المصداقية حتى عند القطاع المتعاطف مع الإخوان من الجمهور، في الوقت نفسه تشهد قنوات الأخبار في مصر تطوراً خلال الفترة الأخيرة، وأصبحت هناك أصوات يثق فيها الجمهور على اختلاف توجهاته، بينما تراجعت شعبية الوجوه الإعلامية التقليدية غير المهنية»، مضيفا: «كل هذه العوامل ساهمت في تغيير مفاتيح المشهد الإعلامي، كما ساعدت على الحد من تأثير وسائل الإعلام الإخوانية، وأضعفت مصداقيتها وشعبيتها».
ويشير «إلى جانب ذلك، أصبح الجمهور المصري واعياً، وقادراً على التمييز بين الخطاب الموضوعي القائم على الحجة والمعلومة، والخطاب التحريضي القائم على الأكاذيب والمبالغات، وبالتالي فإن تضخيم الأحداث وانتزاع الأخبار من سياقها، وتلوين الحقائق، لم يعد يجدي نفعاً، أو يترك أثراً على الجمهور؛ ونظراً للعزلة التي تعيشها هذه القنوات بعيداً عن نبض الشارع، وخروجها من المنافسة على نسب المشاهدة، وعدم خضوعها لأي تقييم علمي، جعلها تبالغ في تقدير حجمها وتأثيرها، وتتصور أن صوتها مسموع، بينما في الحقيقة هي تتحدث لنفسها فقط!».
ويضيف: «والواقع أن الإعلام المصري بشكل عام يعاني فقدان التعددية، وهذا ناجم عن ضعف المهنية، فالبعض يتصور أن مجرد إلقاء الضوء على وجهات النظر المختلفة هو نوع من الترويج لها، وهذا غير صحيح، بل هو يكمل الصورة للمشاهد، وفي الحقيقة يمكننا عرض الرأي والرأي الآخر على طريقة محامي الشيطان، فإذا كانت بعض الضرورات تقتضي عدم ظهور طرف معين على الشاشة، فإن هذا لا يمنع من تفنيد مواقفه بشكل موضوعي ومجرد».
الكاتب الصحافي أيمن الصياد، الذي استقال من الهيئة الاستشارية للرئاسة في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يعتقد أن المشهد الإعلامي المصري حاليا يفتقر إلى المصداقية، وإنه بات إعلام «الصوت الواحد»؛ فلا يقدم الحقائق الكاملة. ويتبنى الصياد في سلسلة مقالات له بجريدة «الشروق» المصرية الدفاع عن حرية الإعلام والتعبير، معتبرا أن تضاريس الخريطة الإعلامية باتت معروفة للجميع، قائلا: «الحاصل أنه كما أسأنا إلى الدين بتسييسه، عرفنا (تسييس الإعلام)، بمعنى استخدامه أداة للبروباجندا السياسية، لا لإخبار الناس بالحقيقة، كما يستلزم (الصدق)، وكما هي وظيفته (الحقيقية)... هناك من فعل ذلك قبل الثلاثين من يونيو وبعده، لا أستثني أحدا. ولكن الدولة بحكم أنها الدولة، وبحكم ما يعرفه أهل المهنة تتحمل المسؤولية الأولى. إذ لم تعد تخفي عن أحد (تضاريس الخريطة)».