السودانيون يتفننون بطهي اللحوم

من أشهرها السلات والأقاشي

السودانيون يتفننون بطهي اللحوم
TT
20

السودانيون يتفننون بطهي اللحوم

السودانيون يتفننون بطهي اللحوم

يشهد السودان حاليا نمطا جديدا من العيش، فقد فرضت متطلبات الحياة على شعبه نوعا من التغيير في العادات، وبعد انتشار المطاعم ومحال المأكولات الجاهزة بكثرة، بات أهل الخرطوم يعتادون على تناول وجباتهم خارج المنازل، الأمر الذي لم يعهده أهل هذا البلد الغني بثرواته الحيوانية من قبل. وأهم الوجبات التي اجتاحت أسواق المأكولات، تلك المتخصصة التي تعنى بتصنيع وبيع اللحوم المطبوخة بمختلف أنواعها ونكهاتها المبتكرة محليا أو المستوردة من ثقافات شعوب مجاورة، بما في ذلك اللحوم المجففة، لا سيما مع زيادة عدد المصانع المحلية التي باتت تنتج اللحوم المجففة مثل البسطرمة والمرتديلا والسجق والنقانق «هوت دوغ» ولحم البقر المشوي الـ«روست بيف».
أضحت الأسواق الشعبية في السودان، تفيض بمنتجات اللحوم الطازجة مشوية كانت أو محمرة وأشهرها شواءات الجمر والصاج والسلات والأقاشي، بمختلف أسرار نكهاتها وبهاراتها وفنون طهيها.

سوق قندهار

يعتبر سوق الناقة أو قندهار لاحقا، أشهر أسواق اللحوم المطهية في السودان، وتعود تسميته الأولى لأيام خلت، كانت تشكّل السوق حينها مركزا لتجارة الجمال القادمة من غرب السودان باتجاه مصر والخليج، وأصبحت تعرف اليوم بسوق قندهار بعد ترحيله، منذ نحو 12 سنة لمسافة لا تتجاوز 15 كيلومترا، لكنها كانت كفيلة بتغيير اسمه وطبيعته، حيث جعلته على مقربة من جبال شبيهة بجبال قندهار الأفغانية التي كانت تتصدر نشرات الأخبار، إبان الغزو الأميركي لأفغانستان في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2001، ولكثرة إعجاب السودانيين بنضال الشعب الأفغاني الذي وقف في وجه هذا الغزو. فيما أرجعت بعض المصادر الاسم لـ«غضب» ضد الجبروت الحكومي وفرض ضرائب وجبايات في زيادات مطردة من دون أي خدمات في منطقة نائية، وعلى الرغم من كل الصعاب فقد تحولت السوق بل باتت معلمًا سياحيا يجذب أهل العاصمة وضيوفهم من مختلف الجنسيات والمستويات الاجتماعية، ببساطته، وبلذة طعم أطباقه من اللحوم التي تُذبح يوميا فتكون طازجة وطرية.
تبدأ طاهيات قندهار ساعات الصباح الباكر استعداداتهن بتحضير قدورهن والكوانين وصاجات التحمير والشوايات. ومع زيادة ساعات النهار وحسب رغبة الزبائن الذين يختارون نوع اللحم وكذلك كيفية طهيه، تعمل الطاهية وهي جالسة على مقعد خشبي تقليدي يسمونه «بنبر»، فيما يجلس الزبائن على مقاعد بلاستيكية أو خشبية بسيطة ترص بذوق فوق أرض رملية (مقشوشة ومرشوشة)، مستمتعين بالروائح التي تعبق في المكان منتظرين طلباتهم.
يعتبر الشواء على النار مباشرة «شية الجمر»، من أشهى أنواع الطبخ المعهود في قندهار وكذلك اللحوم المحمرة «شية الصاج» بعد تقطيعها قطعا صغيرة يسهل تناولها باليد، وخيارات اللحم تتنوع بين لحم الإبل والبقر والضأن.
يأتي طبق اللحم مصحوبا بقطع من الخبز البلدي وسلطة خضراء تتكوّن من طماطم وخيار وبصل وجرجير، ولا يُنسى ما للشطة الحمراء المخلوطة بالليمون ومسحوق الفول وقليل من الملح من نكهة مميزة.
وانتشرت في شوارع الخرطوم بفروعها الثلاثة الرئيسية في الآونة الأخيرة، أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، محال حديثة، واجهاتها من زجاج وأرضيتها من رخام، يعمل فيها جزارون وباعة من الشباب، اقتبسوا الفكرة من سوق قندهار حيث يختار الزبون اللحم وطريقة طهيه؛ لكن وعلى الرغم من الحداثة وسهولة الوصول لهذه المحال، فإن أجواء قندهار تظل أكثر عفوية وتحمل روح المغامرة، فهي تتوسط الصحراء بعد اجتياز طرق مزدحمة وترابية ملتوية مما يزيد إحساس القادم إليها بالجوع والعطش.

الأقاشي

الأقاشي طبق من اللحم يُتبل بنوع خاص من البهارات بعد تقطيعه إلى شرائح عريضة رقيقة، يعلق في عيدان خشبية خاصة ليتعرض بعدها للنار لنحو ربع ساعة، ويُقلّب على الوجهين بطريقة فنية.
عُرفت الأقاشي واشتهرت في غرب أفريقيا ومن ثمّ انتقلت إلى غرب السودان، مع القبائل المهاجرة، ثمّ وصلت إلى الخرطوم قبل سنوات قليلة، لتنتشر في المطاعم والمقاهي، وتدخل في منافسة شديدة مع باقي المشاوي المصنوعة من اللحم، كالبيرغر والشاورما والكباب، ولقي الأقاشي رواجًا كبيرا بين الناس لمذاقه الطيب.

السلات
وهناك نوع آخر لطرق طهي اللحوم يسمى «السلات» وصل إلى العاصمة من شرق السودان، وهو يختلف عن السلات المكي والخليجي. أمّا طريقة تحضيره فعلى الشكل الآتي، تُنتزع العظام من منطقة الضلوع بمهارة فائقة من دون المسّ بالّلحم أو إحداث أي ثقوب فيه، فيخرج قطعة متكاملة مترامية الأطراف تفرش فوق نوع معين من الحجارة تسمى «حصحاص» وهي ملساء ونظيفة تُختار بعناية فائقة وترص فوق نار قوية بحيث تمتص الحرارة إلى أن ينضج اللحم ويذوب عنه الدهن ويسقط في النار، ثم يقطع الضلع ويقدم.
وبعيدا عن المطاعم الشعبية المنتشرة في شوارعها تشهد الخرطوم سلسلة من المطاعم الفخمة، بعضها ملك سوداني خالص وبعضها بشراكة مع مستثمرين أجانب من الذين يؤمنون بمستقبل الخرطوم الواعد وبالسودان عموما بوصفها أرضا عذراء خصبة تصلح للاستثمار.
وفي حي الرياض الراقي الذي أمسى أكثر أحياء الخرطوم حيوية، حيث تفتح المحال أبوابها لساعات متأخرة من الليل، جالت «الشرق الأوسط» زائرة مطعم «سيدارز» ذا الشهرة الواسعة بما يقدمه من أطباق لحم «ستيك» بنكهات لذيذة الطعم ساحرة، ويفوق ثمن الطلب الواحد منه 130 جنيها، وهو مبلغ لا يستهان به.
وفي حديث مع يوسف السويدي مدير المطعم، وهو لبناني الأصل، برّر غلاء الأسعار بالزيادة المطردة في سعر اللحوم والزيادات غير المفهومة لما وصفه بـ«جبايات لا تنقطع»، موضحًا أنّهم لا يربحون من بيع اللحوم، ولكنّهم يعوضون الربح من بيع المشروبات التقليدية التي تحظى بإقبال هائل.
ووصف السويدي الذي سبق له العمل في عواصم أخرى حول العالم، اللحوم السودانية بمختلف أنواعها بأنّها من أجود أنواع اللحوم وتتفوق على كثير من تلك ذائعة الصيت والشهرة العالمية كالأسترالية والنيوزيلندية، لخلوها من «الزفر» كما أنّها طرية جدا ويرى أنّ سوق العمل في اللحوم سيزدهر في حال أعطوه حريته «المقننة».

الأكل في المطاعم

لم يشهد السودان سابقًا هجمة كالتي يشهدها اليوم في تبدّل عادات الأكل، فثقافة ارتياد المطاعم حديثة الولادة، ولها أسباب كثيرة فما هي ولماذا هذا التبدل الطارئ؟
«الشرق الأوسط» طرحت السؤال على مجموعة من الشباب السوداني، فأجمعوا على أنّ الإقبال على المطاعم لا شك أنه من دواعي التغيير الاقتصادي، بدأ مع الهجرة المتزايدة إلى العاصمة، وحاجة المهاجرين لمحال توفر لهم وجبة دسمة ومغذية سواء، إذ عادة ما تكون وجبة الإفطار طبق فول من أقرب دكان أو مطعم. ناهيك من حاجة الأسر والأصدقاء لبعض الترفيه في ظل أوضاع سياسية قاتمة، وندرة أماكن الترفيه في العاصمة ما يجعل فرصة تناول وجبة خارج المنزل «ترفيها» لا سيما مع تزايد أعداد الأمهات الخارجات إلى العمل.
كما أشاروا إلى حاجة معظم طلاب وطالبات الجامعات ممن جففت الحكومة من دخلهم، بالإضافة إلى مواقع العمل والمؤسسات التي توسعت من دون «كانتين أو كافيتريا» أو أي مكان خاص يتناولون فيه طعامهم اليومي، مؤكدين أنّ المنافسة وزيادة عدد محال الأطعمة تصب في مصلحة الزبون، وإن كان هذا لا يعني البتة أنّ الأسر لا تحرص على الالتفاف حول «صينية» الطعام.



المعمول... حلوى الأعياد وبهجتها

معمول بالفستق (إنستغرام)
معمول بالفستق (إنستغرام)
TT
20

المعمول... حلوى الأعياد وبهجتها

معمول بالفستق (إنستغرام)
معمول بالفستق (إنستغرام)

يعدّ المعمول من أهم المظاهر الاحتفالية بالأعياد. هذا التقليد اللبناني العريق الذي يطبّق في القرى كما في المدن يواكب مناسبات عديدة وأهمها عيد الفصح عند المسيحيين وعيد الفطر عند المسلمين.

وتتألّف أنواع المعمول من أربعة مكونات يتم حشو عجينته بها. وهي الجوز واللوز والفستق الحلبي والتمر، والعجينة تمزج بماء الزهر وماء الورد حسب الرغبة. ومن ثم يتم حشوها وخبزها لتقدّم ضيافةً محببةً في العيدين المذكورين.

كانت ربة المنزل تصنع المعمول بكميات كبيرة (إنستغرام)
كانت ربة المنزل تصنع المعمول بكميات كبيرة (إنستغرام)

ذكريات المعمول

لدى اللبنانيين ذكريات كثيرة حول هذه الحلوى. فبعضهم وما إن يشتم رائحتها تفوح من مطابخ أمهاتهم حتى يستعيدوا شريط طفولتهم السعيدة. فمشهدية اللمّة النسائية حول طاولة كبيرة يحضّرن فيها المعمول لا تبارح أذهانهم. أما صوت قالب المعمول الخشبي والمزخرف برسوم تخص حشوة كل نوع فتذكّرهم باللحظات التي تسبق وصول العيد بأيام قليلة. ويقول نادر المرّ في هذا الإطار: «كانت مهمتي أن أرش السكّر الناعم على هذه الحلوى بعد خبزها مباشرة. فكانت لحظات أشعر فيها بالفرح لا يمكنني نسيانها».

معمول بالتمر (إنستغرام)
معمول بالتمر (إنستغرام)

أما آمال العاجوري، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحضير المعمول في يوم الخميس الذي يسبق أحد الفصح يشكّل عادة سنوية في منزلنا. وكانت جدّتي تحرص على وضع هذه الحلوى في وعاء كبير من الألمنيوم نسميّه (اللكن). فتضعه تحت سريرها كي لا نتناوله من دون إذنها».

أما سهى البعدراني، فتتذكر تحضيره عشية عيد الفطر: «كنا نسهر حتى ساعة متأخرة مع والدتي والجيران نحضّر هذه الحلوى. وكانت والدتي تتمسّك بهذه العادة لأنها برأيها تجلب البركة في البيوت».

معمول حديث بنكهات متجددة

لم تبق أصناف حلوى المعمول على حالها عبر الزمن. ولم يكتف أصحاب محلات الحلوى بصنع التقليدي منها. فأضافوا إلى المعمول المحشو بالجوز واللوز والتمر والفستق الحلبي مكونات أخرى، ومن بينها القشدة والجبنة ومربى البوصفير أو مربى البرتقال. ومن ثم تم إدخال عدة أنواع مربات في حشوتها كالفريز والتين والتوت والكرز.

المعمول بحشوات مختلفة (إنستغرام)
المعمول بحشوات مختلفة (إنستغرام)

وتتبع مطاعم معروفة في لبنان ضيافة زبائنها في الأعياد بالمعمول المحشو بالقشدة والجبن. ويقدّم ساخناً بحيث تسيل هذه المكونات من قطعة الحلوى مباشرة مع أول قضمة. ولم يتوانَ بعض الطبّاخين في إدراج الشوكولاته على مكونات حشوة المعمول. حتى صارت هذه الحلوى هي الفضلى لبث البهجة في قلوب الصغار والكبار.

أحجام حلوى المعمول وعملية تقديمها

كانت محلات الحلوى في الماضي القريب تصنع قطع المعمول في قوالب خشبية كبيرة. وكانت من ثم تغلّفها بورق شفاف مطبوع عليه اسم المحل وعنوانه. ومع بداية التسعينات بدأت هذه التغليفة تضمحل. وركن أصحاب تلك المحلات إلى تصغير أحجام قطع حلوى المعمول. ويشير منير أحد العاملين في محلات حلوى مشهورة في بيروت لـ«الشرق الأوسط»: «المعمول المغلّف بالورق صار نادراً ما نجده في محلات الحلوى في بيروت. بينما لا تزال مدن أخرى كصيدا وصور وطرابلس تحافظ عليها. فالرائج اليوم في العاصمة قطع المعمول «اللقمة». ويمكن تناولها من دون قضمها نظراً لصغر حجمها. وهي تباع بالكيلو غرام أو بالدرزن. وتوضّب في علب كرتون كما أي نوع حلوى آخر». ويتابع: «يتراوح سعر الكيلوغرام المشكّل من المعمول ما بين المليونين و4 ملايين ليرة (40 دولاراً). ويرتفع هذا السعر في محلات حلوى مشهورة بصنع المعمول حسب الطلب فقط. فلا تحضّرها من دون موعد سابق، ولا في باقي أيام السنة. وتكتفي بصنعها فقط أيام عيد الفصح أو عيد الفطر».

المعمول التقليدي الذي يقدم في الاعياد (إنستغرام)
المعمول التقليدي الذي يقدم في الاعياد (إنستغرام)

المعمول الضيافة الأشهر في الأعياد

كانت في الماضي تصنع ربّات المنازل حلوى المعمول بكميات كبيرة. فيصنعن من 5 إلى 7 كيلوغرامات منها، حيث يحسب حساب الضيوف والزوار في مناسبة الأعياد. وكذلك تأخذن بعين الاعتبار توزيع كميات منها إلى الأصدقاء والأحباب. ولكن هذه الكميات بدأت تتضاءل مع الوقت. وذلك بسبب اختصار الزيارات بين الناس والجيران. فغابت عن روزنامة الاحتفالات بالعيد. فغالبية اللبنانيين باتوا لا يزورون بعضهم بعضاً في الأعياد. واكتفوا بإرسال عبارات التهنئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك في رسائل إلكترونية قصيرة وموجزة.

وتقول أم هاني، وهي في العقد السابع من عمرها: «اختفت بهجة العيد ولمّة الناس في البيوت للقيام بواجبات التهنئة في الأعياد. وصارت كمية المعمول التي نصنعها لا تتجاوز الكيلوغراماً. والأسوأ هو أن تناولها بات يقتصر على أفراد العائلة الواحدة. وهذا الأمر ينطبق على ضيافة الشوكولاته في مثل هذه المناسبات. فصار من غير الضروري شراؤها لأن الناس انقطعت عن زيارة بعضها بعضاً منذ زمن طويل».