هوتون «ربان» سفينة برايتون يقود النادي للدوري الممتاز

المدرب العنيد نجح في إعادة الفريق لأندية الصفوة بعد 20 عاماً من المحاولات

كريس هوتون مدرب برايتون - لاعبو برايتون يحتفلون بالترقي للدوري الممتاز قبل 3 مراحل من نهاية دوري الدرجة الأولى
كريس هوتون مدرب برايتون - لاعبو برايتون يحتفلون بالترقي للدوري الممتاز قبل 3 مراحل من نهاية دوري الدرجة الأولى
TT

هوتون «ربان» سفينة برايتون يقود النادي للدوري الممتاز

كريس هوتون مدرب برايتون - لاعبو برايتون يحتفلون بالترقي للدوري الممتاز قبل 3 مراحل من نهاية دوري الدرجة الأولى
كريس هوتون مدرب برايتون - لاعبو برايتون يحتفلون بالترقي للدوري الممتاز قبل 3 مراحل من نهاية دوري الدرجة الأولى

بعد أن أخفق في الصعود لدوري الأضواء الموسم الماضي، ولم يتمكن من اجتياز الأدوار الفاصلة؛ بالهزيمة أمام شيفيلد وينزداي، أقدم نادي برايتون على توقيع عقد جديد مع المدرب كريس هوتون لمدة أربع سنوات.
لقد حملت هذه الخطوة أمراً ربما بدا للبعض غير مستحسن، خصوصاً أنه جاء في أعقاب إخفاق كبير - لكن الأمور لا تسير على هذا النحو داخل برايتون. لقد شكل هوتون جزءًا أصيلاً من خطة النهوض بالنادي، التي نجحت في دفع الفريق إلى حجز مكانه مبكرا هذا الموسم للتأهل للمشاركة بالدوري الممتاز الموسم المقبل.
لقد عكف برايتون على صياغة وتنفيذ هذه الخطة طيلة 20 عاماً. أما عام الحسم بالنسبة للنادي فكان 1997 عندما تمكن برايتون من اقتناص التعادل في اليوم الأخير من الموسم أمام هيرفورد، الأمر الذي مكنه من البقاء داخل دوري الدرجة الأولى. وعلى مدار العقدين التاليين، نجح الرئيس السابق للنادي، ديك نايت، وأعقبه في هذه الجهود الرئيس الحالي توني بلوم الذي تبرع من ماله الخاص للنادي حتى الآن بما يقارب 250 مليون جنيه إسترليني، وكلاهما من مشجعي النادي المتحمسين منذ عهد الصبا، في إنقاذ برايتون، ثم الإشراف على تحوله إلى الصورة المتألقة التي يبدو عليها اليوم.
وجاءت الهزيمة سالفة الذكر التي تلقاها برايتون على يد شيفيلد وينزداي لتمثل الخسارة الثالثة للنادي في مرحلة الحسم الفاصلة للترقي للممتاز في غضون أربعة سنوات. إلا أن الاختلاف هنا يكمن في أنه في المرتين السابقتين شكلت الهزيمة المباراة الأخيرة لاثنين من المدربين اللذين تعاقبا على تدريب الفريق. فقد تعرض غوس بويت، المدرب الذي أشرف على انتقال الفريق من الدرجة الثانية حتى دور التصفيات، للطرد، بسبب انتهاكه الواضح لشروط تعاقده مع النادي. وبعد عام، تقدم أوسكار غارسيا، الذي حل محله في تدريب الفريق، باستقالته. أما هوتون، فقد انضم إلى النادي بحلول نهاية عام 2014، في أعقاب واحدة من الأخطاء القليلة التي وقع فيها برايتون، وتحديداً بتعيين سامي هيبييا، وهو الخطأ الذي تحرك النادي سريعاً لإصلاحه والعودة إلى المسار الصحيح.
وعندما يتحدث اللاعبون عن هوتون، فإن الغالبية تشير إلى أسلوبه الهادئ في ممارسة سلطاته ورباطة جأشه تحت وطأة الضغوط الشديدة. ومن أكثر العبارات التي أصبحت مرتبطة به أنه أقوى وأشد صرامة عما توحي به سمعته كرجل لطيف ودمث الأخلاق. ومع ذلك، تشكل هذه السمعة جزءً كبيراً من السبب وراء نجاحه والاحترام الذي يحظى به.
عن ذلك، قال دالي ستيفينز، لاعب خط الوسط: «إنه لا يتمادى أبداً في الانفعال، وإنما يطرح وجهة نظره بوضوح عندما يرى أننا لم نضطلع بالمهمة الموكلة إلينا». في الواقع، يبدو هوتون مدرباً مثالياً لبرايتون، خصوصاً في ظل ما يبديه من طموح منضبط وقدرة على الالتزام بالهدوء والثبات في مواقف ربما تصيب آخرين بالذعر، وهي سمات تبدو متوافقة مع طبيعة النادي.
في أعقاب خيبة الأمل التي مُنِي بها الفريق الموسم الماضي، عندما ظل متصدراً للدوري طيلة شهرين، ثم خفت نجمه نهاية الموسم، ظلت قناعة راسخة لدى هوتون ومن يرأسونه أن النادي في طريقه لتحقيق أمر طيب، وأن كل ما يتطلبه الأمر إبداء قدر معقول من الصبر. وبالنظر إلى قوة الفرق التي تعرضت للهبوط من الدوري الممتاز، فإن هذا ربما يبدو للبعض مقامرة محضة، لكن حتى لو كانت كذلك، فإنها تبقى مقامرة عادت بثمار وفيرة.
وبمرور الوقت، نجح هوتون في إضافة عناصر جيدة، مثل شين دافي القادم من بلاكبيرن ونجح في بناء أفضل شراكة دفاعية بقلب الملعب مع لويس دونك، بينما عاد غلين موراي إلى المقدمة ونجح في إضافة مزيد من الأهداف إلى رصيده. أما المهمة الكبرى أمام المدرب خلال الصيف، فتمثلت في التشبث بالموهبة المحورية بالفريق: كانت لدى ستيفينز الرغبة في الانتقال إلى بيرنلي، لكن ستة عروض قوبلت بالرفض، بينما تقدم نيوكاسل بطلب لضم أنتوني كونكارت.
المعروف أن كونكارت يعتبر النجم الأول في صفوف برايتون، وقد حصل على لقب أفضل لاعب بدوري الدرجة الأولى، وهو جناح يملك القدرة على خلق تأثير مدمر، في صفوف الخصم داخل الملعب. ومع ذلك، فإنه يبدو في أغلب الأحيان مثيراً للإحباط على نحو بالغ، وذلك لأنه غالباً ما يعمد إلى التحرك نحو الاختيار الأصعب أمامه، والطريق الذي يتطلب مجهوداً أكبر من خلال تجاهله أقرانه الذين يحظون بمراكز أفضل داخل الملعب. ومع ذلك، فإنه غالباً ما تبدو قناعته بأنه من الأفضل الإبقاء على استحواذه على الكرة والقيام بالأمور على النحو الذي يراه، مبررة. على سبيل المثال، أمام وولفز قبل أسبوعين صَوَّب اللاعب الكرة باتجاه المرمى مرتين، بينما وقف أقرانه يلوحون له بأيديهم بعصبية في محاولة لإقناعه بتمرير الكرة باتجاههم.
وبالفعل، أقدم كونكارت مرتين على الانطلاق قدماً بالكرة وسجل بنفسه هدفين. في الواقع، من الصعب اتهام لاعب ما بالأنانية عندما يكون قادراً بمفرده على حسم نتائج مباريات.
في الواقع، يعتبر كونكارت بمثابة تجسيد نادر للفردية في إطار فريق يحرص دوماً على التحرك بصورة جماعية. ورغم نجاح اللاعب الفرنسي بالفعل في حسم نتائج مباريات لصالح فريقه، فإن العامل الأكبر وراء نجاح الفريق يكمن في القوة التي يبديها في العمق. جدير بالذكر أن بيرام كايال، الحائز على لقب أفضل لاعب الموسم الماضي، فقد فرصة المشاركة على مدار فترة طويلة من هذا الموسم، لكن برايتون لم يبد تأثراً بذلك. الملاحظ أن الواجبات الموكلة إلى كونكارت على الجانب الآخر شاركته فيها مواهب متألقة تتمثل في جيري سكالاك وجامي ميرفي وسولي مارش.
كما نجح المهاجمون الثلاثة - جيري سكالاك وتومر هيميد وسام بالدوك من تسجيل أهداف بلغت 10 أو أكثر، إضافة إلى الأهداف الـ15 التي سجلها كونكارت. ومع أن التزام هوتون بخطة لعب 4 - 4 - 2 لا يبدو أمراً عصرياً، تظل الحقيقة أن المدرب نجح أخيراً في التوصل إلى الخطة التي تناسب لاعبيه، وهي أحد الشروط الأساسية التي ينبغي لأي مدرب ناجح التمسك بها.
الملاحظ أن برايتون يلعب كرة قدم تعتمد على الكفاءة، وليس اللعب المباشر الذي المح مدرب نوريتش السابق أليكس نيل إلى أنهم يتبعونه في وقت سابق من الموسم. وربما هنا تحديداً، بجانب المواهب الفردية التي يتمتع بها اللاعبون، يكمن السبب وراء أن برايتون أكثر عن أي فريق آخر لديه القدرة على تقديم أداء رديء، ومع ذلك يفوز بالمباريات. ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك مواجهته أمام بيرمنغهام في ديسمبر (كانون الأول)، عندما نجح الهدفان اللذان سجلهما موراي وكونكارت في اللحظات الأخيرة من تحويل النتيجة إلى الفوز بـ2 - 0. في أعقاب المباراة، اعترف هوتون أن الفريق قدم أداء رديئاً طيلة 80 دقيقة من عمر اللقاء.
كما أن فكرة الروح الجماعية لدى الفريق كان لها دورها هي الأخرى. المعروف أن أكثر الفرق نجاحاً تلك التي تتمكن من طرح صورة تعبر عن وحدة الصف والتحام عناصرها، لكن هذه الصورة تبدو صادقة تماماً داخل برايتون، وربما أعمق مما عليه الحال في غالبية الأندية الأخرى. وبطبيعة الحال من المعروف لدى الجميع سفر أفراد الفريق إلى فرنسا لحضور جنازة والد كونكارت. من جانبه، قال كونكارت في تعليقه على هذا الإجراء: «مقابل ما قدمه النادي لي، أنا على استعداد للبقاء هنا طيلة حياتي»، ووصف وقوف أقرانه إلى جواره بأنها «أفضل لحظات حياتي».
وعلى ما يبدو، يمتد الشعور بوحدة الصف في باقي أرجاء النادي. جدير بالذكر أن العاملين بالنادي، وليس فقط اللاعبين، يتلقون علاوات نظراً لضمان النادي الصعود. كما أنه خلال رحلات الفريق إلى خارج أرضه، كثيراً ما يظهر بلوم ليس في صفوف الفريق المعني بالتدريب، وإنما بين المشجعين في القطار والمدرجات. باختصار، برايتون نادي تتماهى فيه الخطوط الفاصلة بين الجماهير الموجودة في المدرجات واللاعبين وفريق التدريب داخل الملعب.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».