«سوبرستيشن»... عطر يختزل رائحة الموضة والأناقة

باكورة تعاون فريدريك مال والمصمم ألبير إلباز

فريدريك مال وجد في المصمم ألبير إلباز حليفاً أعاد له الثقة بأنه لا يزال للإبداع مكان - القارورة التي صممها ألبير إلباز و«خربش» عليها صورة عين لتعزز اسم العطر Superstition
فريدريك مال وجد في المصمم ألبير إلباز حليفاً أعاد له الثقة بأنه لا يزال للإبداع مكان - القارورة التي صممها ألبير إلباز و«خربش» عليها صورة عين لتعزز اسم العطر Superstition
TT

«سوبرستيشن»... عطر يختزل رائحة الموضة والأناقة

فريدريك مال وجد في المصمم ألبير إلباز حليفاً أعاد له الثقة بأنه لا يزال للإبداع مكان - القارورة التي صممها ألبير إلباز و«خربش» عليها صورة عين لتعزز اسم العطر Superstition
فريدريك مال وجد في المصمم ألبير إلباز حليفاً أعاد له الثقة بأنه لا يزال للإبداع مكان - القارورة التي صممها ألبير إلباز و«خربش» عليها صورة عين لتعزز اسم العطر Superstition

من عاصمة سلطنة عمان، مسقط، التي احتضنت مؤتمر الترف العالمي الذي تنظمه مجموعة «كوندي ناست» برئاسة وإشراف محررة الأزياء المعروفة سوزي مانكس كل سنة، أعلن العطار فريدريك مال والمصمم ألبير إلباز خبر إطلاق باكورة تعاونهما مع بعض في المنطقة العربية: عطر «خرافي» أطلقا عليه اسم «سوبرستيشين» Superstition متميز بكل المقاييس. فهو يجمع أسلوب ألبير إلباز الرومانسية والأنثوي الراقي من جهة، والإمكانيات التي يوفرها فريدريك مال لعطاريه حتى تأتي ابتكاراتهم فريدة من جهة ثانية. لكن قبل وصوله إلى الأسواق العالمية ومرحلة التسويق والترويج له في الشرق الأوسط، لا بأس من الإشارة إلى سلسلة من الأحداث المهمة التي أدت إلى ولادة «سوبرستيشن».
في عام 2015 صدم عالم الموضة بإقالة ألبير إلباز من دار «لانفان» لما كان يتمتع به من شعبية عالمية. بعد أن خف تأثير الصدمة الأولية، بدأت التكهنات والتساؤلات عن خطوته التالية. وكلما زاد صمته زادت هذه التساؤلات، إلى أن وضع لها حداً في حفل تسلمه وساماً شرفياً من وزارة الثقافة الفرنسية في العام الماضي. حينها لمح إلى أنه يخوض تجربة جديدة مع العطار المعروف، فريدريك مال. بدأ إعلانه وكأنه رد على وزيرة الثقافة الفرنسية أودري أزولاي التي قالت في خطاب حفل تكريمه «الكثير من قصص الحب لها نهايات تراجيدية... وهكذا كانت قصته مع «(لانفان) لكننا لا نزال نحبه كذلك كل فرنسا».
ألبير إلباز يصرح في كل مناسبة بأنه لا يزال يحن لعالم التصميم ولا يُخفي عدم تقبله فكرة الإقالة، لكن الحياة يجب أن تستمر، وهذا ما يعرفه جيداً ويؤكده المتخصصون في العلاقات الإنسانية. فهؤلاء يقولون إن المعافاة من صدمة انهيار أي قصة حب تستغرق عادة من عام إلى عامين. طبعاً الأمر يختلف حسب طول العلاقة ونوعيتها، وبما أن علاقة إلباز و«لانفان» استمرت 14 سنة، فإنه من المفترض أن يكون قد خرج من أزمته الآن. وحسب محبيه فقد خرج منها بباقات ورد وعنبر معبأة في قارورة من تصميمه مع رسمة، أو بالأحرى خربشة لعين تتوسطها، يتوخى منها طرد الحسد وجلب حظ هو في أمس الحاجة إليه.
لا يُخفي المصمم بعفويته المعروفة أنه كان مُحبطاً: «ففي العام الماضي كنت أتوق للمشاركة في أسبوع باريس للموضة كعادتي، وهزني كثيراً أنه، ولأول مرة منذ سنوات، لم تكن لدي تشكيلة أعرضها... ولأن طريقتي في التعبير عن حبي للناس وتفاعلي معهم تكون دائما من خلال أشياء أبتكرها، شعرت بفراغ داخلي مؤلم... كان صعباً علي مواجهة الأمر». ربما كان أيضا في اللاشعور خائفا أن يغيبه النسيان، لا سيما أن عالم الموضة لا يقف ساكناً كما لا يؤمن بالولاءات طويلاً. من هذا المنطلق، اتصل بفريدريك مال وسأله إن كان من الممكن أن يجهز العطر حتى يتزامن طرحه مع الأسبوع الباريسي للموضة ويُسجل حضوره فيه. وهذا يعني تجهيزه في غضون شهر عوض عام «هو الوقت الذي أقضيه عموما في ابتكار أي عطر بالشكل الذي أرضى عنه» حسب قول فريدريك مال. بعد أخذ ورد توصلا إلى حل وسط يتمثل في تقديم رسم أسكيتش للعطر أمام عشاق ألبير إلباز.
خلال مؤتمر الترف العالمي الذي شهدته مسقط، أشار العطار العالمي إلى أن التعاون بينهما جاء بإيعاز منه. فقد كان من المعجبين بالمصمم، وكان يتابع أعماله طوال سنواته الـ14 في دار «لانفان»، لهذا كان أول من قفز اسمه إلى الذهن عندما بدأت الحاجة لابتكار عطر جديد تكون له شخصية مختلفة عما تعود على طرحه من قبل تخالجه وتُلح عليه. لم يتردد واتصل به طالباً لقاءه. ولمفاجأتهما اكتشفا أن هناك قواسم كثيرة مشتركة بينهما أولها الرغبة في التفرد وتقديم المبتكر واستهجانهما بالوصفات الجاهزة للنجاح، وثانيها اعتقاداتها بالحظ والخرافات، وهو ما وصفه فريدريك «بتلك الأشياء التي يصعب تفسيرها بالعقل، ومع ذلك لا نرى بأساً من أن تدخل حياتنا لتضفي عليها نكهة خاصة».
أحيط التعاون بسرية تامة، وكان العمل مثيراً بالنسبة لألبير إلباز، لأنه كان مختلفاً تماماً عما تعود عليه سابقاً. فالكيمياء التي جمعته بالعطار لم تكن بين شخصين فحسب بل بين فكرتين وعالمين، انصهرت كلها مع بعض لتُعطي نتيجة ستحمل اسمه طويلاً، إن لم نقل للأبد، وهو أقصى ما يحلم به أي مُبدع.
بعد عدة نقاشات ولد الاسم والعطر. شرط ألبير الوحيد أن «يكون أنيقا تفوح منه رائحة الأنوثة، مثل فستان سهرة لا يزال يحتفظ برائحة صاحبته عندما تعود من حفل في آخر الليل». راقت الصورة لفريدريك مال، مؤكداً لألبير إلباز أنه وجد أخيرا حليفا مثاليا. حليف لا يحاول فرض رؤيته ووجهة نظره، وهو ما لا يحصل في عالم الترف سوى نادرا. وبالفعل من يتابع مسيرة فريدريك مال يعرف أن عشقه للعطور دفعه في عام 2000 للتمرد على النظرة الاستهلاكية التي تُصنع بها، وأطلق دارا تطرح عطورا متخصصة يتعاون فيها مع كبار العطارين لتكون مضاداً للتجاري. في لقاء سابق له مع الـ«الشرق الأوسط» شرح بأنه يرى دوره مثل دور رئيس تحرير مجلة أو جريدة. دور يتلخص في الإشراف والتوجيه فقط، لهذا لا يتدخل في اختيار المكونات وطريقة خلطها ومزجها وتقطيرها لكنه يقول رأيه في النتيجة وما إذا كانت جيدة تستحق طرحها في الأسواق أم لا. بحرصه على وضع أسماء العطارين على العطور التي يبتكرونها، أعطاهم لأول مرة صوتا مستقلا وفرصة لاستعراض قدراتهم أكثر. غني عن القول إن هذه الخطوة كان لها تأثير إيجابي مهم على نفسيات كل من تعامل معه ومن تم على إنتاجاتهم. كانت له تأثيرات إيجابية أيضا على نفسية ألبير إلباز الذي كان خارجاً لتوه من قصة حبه الفاشلة مع «لانفان». فبعد علاقة كانت ناجحة بكل المقاييس لـ14 عاما، كانت إقالته مؤلمة للغاية، وجاء عمله مع فريدريك مال ليُخرجه من أزمته فيما اعتبره فألاً حسناً. لهذا صب في العطر وشكل القارورة كل ما بداخله من طاقات إبداعية ورغبة في إثبات ذاته. لم يعوض التعاون حبه للموضة وحنينه لتصميم الأزياء، لكنه وجد فيه متنفساً إبداعياً بعد عام من دون عمل. يقول: «عندما بدأنا العمل على هذا العطر كان اشتياقي للموضة قوياً، لهذا سألت فريدريك إن كان بإمكاني أن أصنعه برائحة وملمس فستان». وبما أن الرفض لم يكن من شيم فريدريك مول خصوصا أن الإمكانيات التي يوفرها لعطاريه تتيح لهم تطويع المستحيل وترويض الصعب، تقبل الفكرة مباشرة، رغم إدراكه أنه من المستحيل تطبيقها بشكل حرفي. فكما لتصميم الأزياء أدواتها، لصناعة العطور أدواتها، لكن كان من الممكن التلاعب على هذه الصورة من منظور مجازي، وهو ما فهمه العطار دومينيك روبيون الذي قام بتنفيذ العطر وترجمة أسلوب ألبير إلباز. فهذا الأخير يتميز بإلغائه الزوايا والخطوط المحددة وميله لتقنية «الدرابيه»، لهذا فكر في عناصر ومكونات تجمع الكلاسيكي بالعصري، وتنصهر مع بعض في انسيابية شاعرية لتصبح جزءاً من البشرة.
روبيون جسد كل هذا باعتماده على باقة من الورود تراقصت على خلفية ألديهيد. وتعتبر هذه التركيبة الاصطناعية قديمة استعملت أول مرة في عطر «شانيل نمبر 5» الذي ابتكر في بداية القرن الماضي، إلا أن روبيون حرص على أن يجعلها مواكبة للعصر الحالي بإدخال عناصر وتقنيات جديدة عليها.
ويتذكر ألبير أنه عندما تلقى أول تصور للعطر من دومينيك روبيون رفضه لأنه كان «مثالياً ومتكاملاً» بشكل مبالغ فيه، واقترح إضافة لمسة «بانك» تُشوش عليه فتمنحه مصداقية وواقعية. بعد عدة محاولات تم التوصل إلى نتيجة أنثوية يتمازج فيها المثير بالراقي، لا سيما أن قوة التركيبة الاصطناعية للألديهيد لم تلغ وجود الياسمين والورد والفيتفير والعنبر والباتشولي، وهنا تكمن عبقرية الثلاثي ألبير إلباز وفريدريك مال ودومينيك روبيون.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.