خطط لإنشاء شبكة اتصالات عالمية تزيد من خطورة النفايات الفضائية

7000 قمر صناعي و750 ألف جسم تدور بسرعة هائلة

خطط لإنشاء شبكة اتصالات عالمية تزيد من خطورة النفايات الفضائية
TT

خطط لإنشاء شبكة اتصالات عالمية تزيد من خطورة النفايات الفضائية

خطط لإنشاء شبكة اتصالات عالمية تزيد من خطورة النفايات الفضائية

تخطط عدد من الشركات الكبرى لإطلاق الآلاف من أقمار الاتصالات الفضائية ضمن خطط لإقامة شبكة إنترنت لاسلكية، ويتوقع الخبراء أن ينجم عن ذلك ازدياد النفايات الفضائية التي تدور حول الأرض وتمثل خطرا على الكوكب.
وحسب ما ذكرت صحيفة «الغارديان» أمس، فتتنافس شركات «غوغل» و«سبيس إكس» و«بوينغ» و«سامسونغ» لإطلاق شبكة إنترنت دولية وذلك بإطلاق آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة في الفضاء ويتوقع أن يطلق الأول منها في العام المقبل. وأجرى د.هيو لويس المحاضر في علم الهندسة الفضائية بجامعة ساوثهامبتون تصورا افتراضيا لتقدير الأخطار المحتملة لهذه الأقمار على مدى مائتي عام مقبلة، وخلص إلى أن ذلك الزحام المروري الفضائي يمثل ارتفاعا بنسبة 50 في المائة في نسبة التصادمات الكارثية الوشيكة بين الأقمار المختلفة. وبدورها ستؤدي تلك التصادمات لازدياد النفايات الفضائية، وهو ما سيزيد التصادمات القادمة.
ومن جانبها، دعت وكالة الفضاء الأوروبية «إيسا» إلى مزيد من التعاون في مواجهة الخطر الذي تمثله بقايا الأجهزة في الفضاء.
وحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية، قال يان فورنر، رئيس الوكالة لدى انطلاق المؤتمر الدولي بهذا الشأن بمدينة دارمشتات الألمانية، إنه لا يمكن لأي دولة أن تظل بمنأى عن هذه القضية أو تتعامل بمفردها مع مخاطر الخردة الفضائية، مضيفا: «نعلم جميعا أن موضوع الخردة الفضائية خطير».
ويستمر المؤتمر أربعة أيام وينعقد في مركز المتابعة الخاص بوكالة الفضاء الأوروبية ويعتبر الأكبر من نوعه عالميا فيما يتعلق بالنفايات في الفضاء. وينعقد المؤتمر منذ عام 1993 كل أربع سنوات.
ومن المنتظر أن يشارك فيه هذه المرة نحو 400 خبير ما بين مهندس وباحث ومدير وممثل لشركات صناعية معنية وجامعات وأصحاب مراكز قيادية من جميع الدول التي لها أنشطة فضائية.
وأوضح فورنر أن الفضاء «يمثل في عالم تغلب عليه التقنية الفائقة جزءا من البنية التحتية له، شأنه شأن الاتصالات والملاحة، شأنه شأن الطرق والسكك الحديدية».
وأشار الخبير الألماني إلى أن الأجزاء الكبيرة المتبقية من حطام الأقمار الاصطناعية التي خرجت عن الخدمة وبقايا الصواريخ ليست فقط التي تمثل مصدر خطر على الأجهزة الحالية في الفضاء، وقال إن هناك تقديرات تشير إلى أن هناك نحو 750 ألف جسم في الفضاء يتراوح قطر الواحد منها بين سنتيمتر وعشرة سنتيمترات، وقال إن سرعتها الهائلة في الفضاء تجعلها قادرة على إحداث صدمة بقوة قنبلة يدوية إذا ارتطمت بأحد هذه الأجهزة بسرعتها التي قد تبلغ 40 ألف كيلومتر في الساعة.
وأشار رئيس المؤتمر هولغر كراج من وكالة الفضاء الأوروبية إلى أن المشروعات الفضائية التي تسعى بعض الشركات المختصة لتنفيذها مستقبلا تمثل تحديا خاصا للعاملين في الصناعات الفضائية، حيث تسعى جهات معنية لإطلاق عدة أقمار اصطناعية للفضاء مرة واحدة «وهذه ثورة في صناعة الفضاء».
وأوضح كراج أن عدد الأقمار الاصطناعية التي تم إطلاقها في الفضاء حتى الآن يبلغ نحو 7000 قمر، وأن المشروعات الفضائية العملاقة التي يسعى أصحابها لدمج عدد كبير من الأقمار في مهمة واحدة تهدف على سبيل المثال إلى تزويد العالم بشبكة متكاملة من الإنترنت، وهو ما يمكن أن يزيد من خطر الاصطدام بالنفايات الفضائية.
وتسعى شركة إيرباص الأوروبية لأبحاث الطيران والفضاء لإطلاق تلسكوب فضائي خاص بها ضمن محاولات التعرف على البقايا الصغيرة من حطام الأجهزة الفضائية، وهو ما اعتبره يزن أوتسمان، مدير قطاع المشروعات لدى «إيرباص»، علامة فارقة بالنسبة لأوروبا في حال تنفيذه، مضيفا: «ليس هناك شيء من هذا القبيل لأوروبا حتى الآن».
وأوضح أوتسمان أن الشركة تخطط لتنفيذ هذا المشروع عام 2020.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)