بالتزامن مع اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، يعلن جهاد أزعور، المدير الجديد لإدارة منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، تفاصيل التقرير السنوي للصندوق حول اقتصادات منطقة الشرق الأوسط في الثاني من شهر مايو (أيار) في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة.
ويتناول التقرير بكثير من التفاصيل المخاطر والتحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط ومعدلات النمو المرتقبة لعام 2017 والأوضاع المالية والنقدية لدول المنطقة.
وقد انضم وزير المالية اللبناني الأسبق جهاد أزعور إلى صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ليخلف مسعود أحمد في منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق.
ويملك أزعور ميزة هامة في عمله الجديد؛ وهي معرفته العميقة بدول المنطقة ومسؤوليها وتحدياتها والفرص الكامنة فيها.
وفي لقاء مع أزعور، يشرح المسؤول الدولي أفكاره وطموحاته لتوسيع مساحة التعاون والعمل بين صندوق النقد الدولي والمنطقة العربية والتحديات الجيوسياسية وكيفية مواجهتها لتحقيق إصلاحات اقتصادية ملحة.
وحول مشوار عمله حتى اختياره في منصبه الجديد، يقول أزعور لـ«الشرق الأوسط»: «أنا ابن منطقة الشرق الأوسط، دفعتني ظروف الحرب في لبنان للسفر إلى أوروبا للتعلم ودرست في فرنسا وعملت في البداية في قطاع الاستشارات مع شركة ماكنزي، ولفترة طويلة كان نطاق عملي بين أوروبا والولايات المتحدة، وفي تلك الفترة تقدمت إلى جامعة هارفارد لنيل درجة الدكتوراه، ثم أعادتني ظروف شخصية إلى لبنان عام 1999 وأسهمت بعملية وضع برنامج إصلاح اقتصادي بلبنان، تضمن فرض ضريبة على القيمة المضافة وإصلاحات كثيرة أخرى مرتبطة بتطوير وزارة المالية، وفي عام 2005 فوجئت باختياري وزيراً للمالية في الحكومة اللبنانية. وخلال عملي حتى عام 2008 واجهنا في لبنان مجموعة كبيرة من التحديات والأزمات، خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 140 دولاراً، والأزمة المالية العالمية».
ويضيف أزعور: «بعد عملي وزيراً للمالية، عدت إلى القطاع الخاص وعملت مع شركة (بوز آلن أند هاملتون) لمدة 4 سنوات لتقديم الاستشارات في موضوعات لها علاقة بالقطاع العام والسياسات الاقتصادية والقطاع المالي الإقليمي والدولي، ثم عملت بإدارة صندوق استثماري بالقطاع المالي الاستثماري للشركات الناشئة والقطاع العقاري بأوروبا، وتضمن العمل تقديم استشارات مالية واقتصادية، وقد اكتسبت من خلال عملي في كل من القطاع الخاص والحكومي خبرة كبيرة والقدرة على التخطيط والتقييم والإدارة وتحمل المسؤولية».
ولا يعد أزعور وجهاً جديداً لصندوق النقد الدولي، فقد كانت هناك اتصالات ومشاورات منذ عام 2001 حينما كان مسؤولاً عن إدارة برنامج إصلاح اقتصادي بوزارة المالية اللبنانية، وكان الصندوق شريكاً أساسياً في صياغة برنامج الإصلاح، وفي عام 2008 عمل أزعور مع مجموعة استشارية بصندوق النقد مهمتها تقديم النصيحة والاستشارة الفنية، إلى أن تم اختياره للمنصب.
وحول التحديات التي يواجهها وطموحاته في هذا المنصب، يقول مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي: «تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة مهمة، فالتغييرات خلال الخمس سنوات الأخيرة كانت سريعة، ومنذ الأزمة المالية إلى اليوم طرأت متغيرات كثيرة وأثرت على عدد من الدول، وأصبح لدى المواطن شعور بالحاجة إلى رؤية أوضح وتطوير تطلعاته إلى واقع يسمح له أن يبني مستقبله، وأن يجد فرصاً للحياة والاستثمار».
ويضيف: «أمامنا في منطقة الشرق الأوسط تحديات اقتصادية أهمها تمكين مجتمعات المنطقة من علاج مشكلات بعضها مزمن، وتحفيز معدلات النمو، وهذا يتطلب بدوره إصلاحات بنيوية».
ويؤكد أزعور: «معرفتي العميقة بمنطقة الشرق الأوسط تساعدني في توصيل الرسائل للمسؤولين بأن كلفة الإصلاحات الصعبة أقل من التأخر في القيام بها، ومهمتي هي خلق مساحة مشتركة أوسع للتعاون بين المنطقة والصندوق».
ويؤكد أزعور أنه «لا يمكن بناء ازدهار دون استقرار... وهذا عنصر أساسي يتحمل المسؤولية فيه المسؤول الحكومي وأيضاً القوى الأساسية بالمجتمع، مثل القطاع الخاص والنقابات والمؤسسات الدولية، لجذب الاستثمارات الأجنبية، وقد وضعت دول كثيرة بالمنطقة برامج إصلاحية كبيرة ودورنا - كصندوق للنقد - أن نساعد هذه البرامج، ومنها برامج طموحة للدول النفطية التي تنظر للمستقبل لبناء اقتصادات متنوعة يكون النفط جزءاً وليس الأساس، لأنها سلعة قابلة للنضوب، ويقدم الصندوق المساعدة التقنية لتحويل تلك التحديات إلى إصلاحات».
وحول فرص مواجهة التحديات وتحقيق تقدم اقتصادي للمنطقة، يقول أزعور: «بعض البلدان لديها معدلات نمو بين 3 و5 في المائة، وهذه المعدلات ليست كافية لاستيعاب كل الداخلين لسوق العمل، وهو ما يجبر الحكومة على أن تصبح هي المشغل الرئيسي والأساسي. ولهذا أحد أدوار الصندوق تمكين المنطقة لتكون شريكاً فاعلاً أكثر، وتستفيد من التحولات التي يمر بها النظام العالمي وتحميها من المخاطر».
ويتابع: «كما نعمل في الصندوق على مساعدة الدول التي تتعرض لحروب وعدم استقرار، ونساعد في المحافظة على المؤسسات كالبنوك المركزية والوزارات، ومثال على ذلك البرنامج الذي ننفذه في اليمن، والبرنامج الخاص بالصومال فيما يتعلق بأوضاع العملة ومحاربة التزييف، ونساعد في توعية المؤسسات الأخرى لمواكبة المخاطر، وهذا عمل يأخذ وقتاً وجهداً كبيرين بالعراق وأفغانستان واليمن والصومال، إضافة إلى الدول المتأثرة مثل الأردن ولبنان».
وحول دور إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد، في ظل إدارة الرئيس ترمب وتعهداته بهزيمة «داعش» عسكرياً في العراق وسوريا، والضربة الجوية في سوريا، ثم في أفغانستان والتوترات مع كوريا الشمالية، وفي ظل مخاوف جيوسياسية وعسكرية كثيرة بدول المنطقة، يقول أزعور إن «هذه المخاطر الجيوسياسية تلعب دوراً في إضعاف المنطقة، وتشكل تحدياً لقدرات الصندوق على إصلاح اقتصاد الدول، لكن هذا لا يمنع أننا بحاجة لأن نفهم المتغيرات على الصعيد العالمي وتأثيراتها على دول المنطقة. وما نحاول عمله هو أن نفهم حدود تأثيرها على دول المنطقة، وتسريع وتيرة الإصلاحات، فمثلاً معدلات النمو تتحسن عالمياً، ويمكن أن تستمر معدلات النمو جيدة لعدة سنوات.. وكلما استطعنا الاستفادة من تحسن معدلات النمو العالمية تمكنت دول مثل مصر والمغرب وغيرها من الدول غير المصدرة للنفط من الاستفادة، وهذا عنصر إيجابي».
ويضيف: «يلعب العنصر السياسي والأمني والجيوسياسي دوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، ونحن كمؤسسة لنا دور (تحصيني) لرفع مستوى المناعة إذا تعرضت دولة بالمنطقة لصدمات، ودور (تمكيني) حتى تستطيع مواجهة الصدمات، فمثلاً في المنطقة هناك 10 ملايين نازح مسجل وأشخاص مهجرون داخل دولهم، وهو ما يفرض تحديات على دول مستضيفة للاجئين مثل الأردن ولبنان، ومساعدتها تساعد في تحقيق الاستقرار. ودورنا أيضاً بحث كيفية الحماية وإشعار المجتمع الدولي بحجم هذه المخاطر على المنطقة».
وتبدأ الأسبوع المقبل الاجتماعات السنوية للبنك الدولي التي ستشكل أول ظهور لجهاد أزعور كمدير لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى... ويقول: «نحن نعمل كفريق، وهدفنا هو التواصل مع المسؤولين بالمنطقة، وسيُعقد أول لقاء لي معهم في اجتماعات وزراء المالية العرب بالرباط بالمغرب (اليوم الثلاثاء)، وهي فرصة أساسية للقاء مع أصدقاء وزملاء، ومعرفة التحديات التي تواجه المنطقة من منظورهم، والهدف الثاني هو أن نشرح لهم صورة دولية وإقليمية للأوضاع من خلال قراءتنا للوضع، وكيف نرى التحديات واقتراحاتنا للمرحلة المقبلة. وهذا التشاور هدفه معرفة احتياجاتهم وتقييمهم لعملنا، والنظر للبرامج المتعلقة بكل بلد والمشاريع التي يمكن تنفيذها في مختلف الأقطار، والدراسات التي نحضرها من وحي تحديات المنطقة ومعدلات النمو وحماية الأنظمة المالية والمصرفية وتحسين سوق العمل.
وفي الثاني من مايو المقبل سيتم إصدار التقرير السنوي حول اقتصادات منطقة الشرق الأوسط لعام 2017، ويقدم مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بعض الملامح الأساسية للتقرير، ويقول: «سنطلق التقرير من مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، وهذا التقرير يعطي تحديثات حول معدلات النمو لـ2017 والتوقعات حول التغييرات والآفاق والتحديات، ويأخذ بعين الاعتبار أوضاع المنطقة، وينظر إلى الإطار الاقتصادي العام، وتطور النمو ومعدلات التضخم والوضع المالي والنقدي، ويركز على محاور مثل التحديات والفرص، وتأثير أسعار النفط والصراعات على اقتصادات المنطقة».
جهاد أزعور من «مالية» لبنان لإدارة ملف الشرق الأوسط بصندوق النقد
مدير إدارة الشرق الأوسط بالمؤسسة الدولية: دورنا «تحصيني» و«تمكيني» لدول المنطقة
جهاد أزعور من «مالية» لبنان لإدارة ملف الشرق الأوسط بصندوق النقد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة