بانتظار قرار مشاركتها بـ«آستانة»... الفصائل توافق على مناقشة «الألغام» و«المعتقلين»

رفضت وثيقتي «اللجنة الدستورية» و«إدارة مناطق وقف النار» المقترحتين من موسكو

جانب من الدمار الذي لحق ببلدة دوما التي تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي لحق ببلدة دوما التي تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق (أ.ف.ب)
TT

بانتظار قرار مشاركتها بـ«آستانة»... الفصائل توافق على مناقشة «الألغام» و«المعتقلين»

جانب من الدمار الذي لحق ببلدة دوما التي تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي لحق ببلدة دوما التي تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق (أ.ف.ب)

تعمل فصائل المعارضة على وضع ملاحظاتها الأخيرة على الوثائق التي تسلّمتها من موسكو في اجتماعات آستانة، في وقت لم تحسم فيه لغاية الآن قرار المشاركة من عدمها في جولة المفاوضات الرابعة الشهر المقبل في كازاخستان، والذي يبقى مرتبطا بمجريات الأمور وتطورها خصوصا بعد الدخول الأميركي على خط الأزمة السورية، انطلاقا من القصف على مطار الشعيرات وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المناهضة للنظام ورئيسه بشار الأسد.
وفي وقت تحدثت فيه مصادر من المعارضة، عن لقاء جرى منذ ثلاثة أيام في أنقرة بحضور الروس وبعض الفصائل، إضافة لنصر الحريري، تحضيرا لاجتماعات آستانة المقبلة، نفت مصادر قيادية في إحدى الفصائل المشاركة في «آستانة» لـ«الشرق الأوسط»، الاجتماع. وأكّدت أن البحث ينصب اليوم على ملفي «المعتقلين» و«إزالة الألغام» بعدما رفضت المعارضة العسكرية بشكل مطلق وثيقتي «اللجنة الدستورية» لقناعة الفصائل أن الملف السياسي من مهمة «مفاوضات جنيف»، وتلك التي حملت عنوان «إدارة مناطق وقف النار» كونها تعيد الاقتراحات المرتبطة بها «إعادة تأهيل للنظام».
ومن أبرز الملاحظات على الوثائق التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، قالت المصادر القريبة من الفصائل، إنها رفضت مشاركة النظام وإيران في هذه العملية، وأكدت على أهمية التعامل مع هذا الملف وفق القوانين الإنسانية والقرارات الدولية.
ورأت المصادر أنه من الصعب مقاطعة «آستانة» بعدما باتت موسكو لاعبا رئيسيا وأساسيا في الأزمة السورية ولا يمكن الوصول إلى حل من دونها، إضافة إلى إحالة موضوع الإرهاب ووقف إطلاق النار من «مؤتمر جنيف» إلى مفاوضات كازاخستان، ما أضفى شرعية أو ضمانة استمرار لها، لكنها أكدت في الوقت عينه أنه «إذا بقيت موسكو متمسكة بسياستها فعندها سنطالب بإعادة الملفين إلى جنيف».
وفي حين قالت مصادر في الائتلاف الوطني، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك خلافا بين الفصائل بشأن المشاركة في آستانة أو عدمها، ففي حين يرى البعض أن موسكو لا تنفذ وعودها ولا تقوم بواجباتها، لا سيما حيال النظام السوري ووقف إطلاق النار، ترى أطراف أخرى أن مقاطعة أي جهود أو مفاوضات سياسية من شأنها أن تنعكس سلبا على المعارضة. وأكّد مصدر قيادي في «الجيش الحر» أنه «ليس هناك أي خلاف بين الفصائل، والآراء موحدة ومتقاربة في مختلف الأمور أهمها المفاوضات والنظرة إلى الحل السياسي»، وأكّد أن «المباحثات مستمرة بين الأطراف، والقرار يتّخذ بناء على المعطيات والمستجدات قبل موعد المؤتمر الشهر المقبل».
من جهته، يرى المستشار القانوني في الائتلاف، هشام مروة، أن قرار المشاركة في آستانة يرتبط اليوم بعوامل عدة، أهمها انخراط أميركا في خط الأزمة السورية، سائلا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هل من المفيد اليوم الذهاب إلى مفاوضات ترعاها روسيا الداعمة للنظام وهل سيفهم هذا الأمر وكأنه دعم لها في وقت باتت الخطة الأميركية واضحة حيال موسكو وسياستها؟» من هنا لا يستبعد مروة اتخاذ الفصائل قرار مقاطعة آستانة بعدما باتت المعارضة اليوم تملك ورقة ضغط يمكن استخدامها لإجبار الروس على تنفيذ الوعود التي سبق أن أطلقوها، من وقف النار الشامل وإطلاق سراح المعتقلين، وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة.
وكان لافتا ما أعلنه مساء أول من أمس، وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنّ بلاده عازمة على مواصلة المشاركة في المحادثات التي تجرى في العاصمة الكازخية آستانة، معتبراً أن تركيا وروسيا قادرتان على حل مشاكل المنطقة، إلى جانب المضي قدماً بعلاقتهما الثنائية. وقال جاويش أوغلو «إنّ تركيا وروسيا عازمتان على تطوير علاقتهما»، لافتاً إلى ازدياد وتيرة اللقاءات بين الخبراء من كلا البلدين في الآونة الأخيرة.
أتى ذلك، بعدما كان وزيرا الخارجية الفرنسي والبريطاني قد تحدثا الأسبوع الماضي عن جهود جديدة ومشاورات مع الولايات المتحدة لتثبيت «وقف إطلاق نار حقيقي وشامل» في سوريا. ويوم أمس، قال نصر الحريري، رئيس وفد الهيئة العليا التفاوضية إلى جنيف: «لا مجال لمحاربة الإرهاب دون القضاء على بشار الأسد»، متّهما روسيا بـ«الكذب عندما تدّعي أنها تتبنى العملية السياسية في المحافل الدولية».
وشدد الحريري في ندوة أقامها «مركز جسور» للدراسات، في مدينة إسطنبول تحت عنوان «آفاق الحل السياسي والعملية التفاوضية والتحديات الدولية»، أنه «لا يمكن أيضاً لأميركا أن تدعم أي عملية حوار (سوري ـ سوري) دون القضاء على بشار وهذا ما نريد إقناعهم به».
وقال: «المعارضة التي يبقى هدفنا أن تبقى موحدة متمسكة بالمرجعيات الدولية والملعب المفضل بالنسبة لها هو مفاوضات جنيف»، مضيفا: «حققنا نقطة أخرى خلال المفاوضات، إذ قمنا بنقل رؤيتنا للنظام الدولي، لكي تكون ثابتة في أوراق الأمم المتحدة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.