«أسبوع آلام»... مصري

«داعش» يفسد فرحة الأقباط بالعيد

«أسبوع آلام»... مصري
TT

«أسبوع آلام»... مصري

«أسبوع آلام»... مصري

تمكنت الشرطة المصرية، سريعاً، من تحديد هوية منفذي جريمتي تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية. وظَهرَ من أسماء المُنَفذَين ومن عاونهما أن تنظيم داعش، الذي كانت معظم عملياته تقتصر على سيناء، بدأ ينطلق من الصعيد في جنوب البلاد، ويستهدف الأقباط في منطقة الدلتا شمال القاهرة.
وقع تفجيرا الكنيستين اللذان راح ضحيتهما 45 قتيلا وعشرات الجرحى، يوم الأحد الماضي، أي في بداية «أسبوع الآلام» عند المسيحيين، الذي ينتهي يوم غد، الأحد أيضا. إلا أن الكنائس المصرية، وسط حالة عامة من الحزن والغضب والحداد، قررت جميعا الاكتفاء بأداء الصلوات بداية من مساء اليوم (السبت) وإلغاء مظاهر الاحتفال، على أن يقتصر يوم غد على فتح أبواب الكنائس لاستقبال المعزّين في ضحايا الحادثين. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الكنائس المصرية التي تقرر فيها إلغاء الاحتفال بأحد الأعياد منذ مئات السنين.
على الرغم من اختلاف الظروف المحيطة بعلاقة الأقباط بالنظام السياسي للدولة المصرية في عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، فإن التفجيرين الأخيرين اللذين استهدفا كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية، وما سبقهما بأسابيع من حوادث مشابهة في القاهرة وسيناء، يمثلان تحديا كبيرا للرئيس عبد الفتاح السيسي، بينما تعاني مصر أزمة اقتصادية حادة وتهديدات إرهابية منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013.
مرت سبع دقائق كأنها دهرٌ على كبار الرجال المحيطين بالرئيس السيسي؛ إذ كان لا بد من التأكد من سلامة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. ولقد كان أعلى رمز ديني للأقباط المصريين داخل البلاد وخارجها، يحضر قداس أحد الشعانين بمقر الكنيسة المرقسية في الإسكندرية، التي جرى تفجيرها بعد قليل من تفجير كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية (نحو 100 كيلومتر شمال القاهرة).
هاتف البابا لا يرد... وكذلك هواتف سكرتيره وهواتف مساعديه ترن ولا تجيب. ثم أخيرا تنفس الجميع الصعداء: البابا بخير، وغادر الإسكندرية في طريقه إلى دير في وادي النطرون. إنه الدير الذي كان يقيم فيه قبل أن يتولّى موقعه خلفا للبابا الراحل شنودة. ويقع هذا الدير، المعروف باسم دير الأنبا بيشوي، على بعد نحو 100 كيلومتر شمال غربي القاهرة على الطريق الصحراوي، الذي يربط العاصمة بالإسكندرية. وهنا يعلق مسؤول أمني قائلا: «لو كان قد حدث مكروه للبابا تواضروس في حادث الكنيسة المرقسية، لانقلبت الدنيا رأسا على عقب».
وربما كان هذا أحد أسباب الشعور بالحزن العميق، ليس لدى الأقباط فقط، لكن في أوساط المصريين عامة.

ماذا حدث بالضبط؟
حدثت الأمور بالطريقة التالية - كما يرويها مصدر أمني: «بعد التفجير الأول في كنيسة طنطا، صدرت تعليمات سريعة بضرورة تشديد الإجراءات على جميع الكنائس. وفي الإسكندرية كان أحد كبار رجال الأمن قد لاحظ أن بوابة الكشف عن المعادن والمتفجرات، موجودة بعد مدخل الكنيسة وليس على بابها الخارجي، فأصدر تعليمات بنقلها من مكانها لكي تكون بعيدة عن المحيط الداخلي للمبنى».
ويضيف: «تحريك البوابة الإلكترونية من مكانها، قلّل من عدد الضحايا في كنيسة الإسكندرية وجنّب البلاد كارثة؛ إذ كان البابا تواضروس ما زال في الداخل مع المصلّين. وبعد الحادثين مباشرة ترأس الرئيس السيسي اجتماعا لمجلس الأمن الوطني. وظهر عقب الاجتماع أمام كاميرات التلفزيون وهو غاضب. ودعا، في كلمات حادة، المجتمع الدولي، إلى محاسبة الدول التي تدعم الإرهاب، مطالبا المصريين بالصمود».
ومن ثم، أعلن الرئيس فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور، وتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، والعمل على ضبط الموقف على المناحي الإعلامية والقضائية والقانونية كافة، وما يتعلق بالخطاب الديني، لمجابهة التطرف. وقال: «لقد نجحنا في سيناء، فتحرك الإرهابيون إلى منطقة أخرى، وحين سنحكم السيطرة عليها، سينتقلون إلى أخرى، وهكذا». وشدد على قدرة المصريين على الصمود وهزيمة الإرهاب في نهاية المطاف.

إلى وادي النطرون
من جانبه، توجه البابا تواضروس عقب تفجيري الأحد الماضي مباشرة، إلى دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، الذي كان البابا الراحل شنودة يلجأ إليه حين كان يتعرض الأقباط إلى هجمات إرهابية، كما كان يحدث في العقود الماضية. وفعلاً، لم يظهر البابا تواضروس في باقي يوم الأحد، ولم يظهر أيضاً يوم الاثنين. وأخذت الشكوك تحيط بمسألة عقد الاحتفال بـ«عيد القيامة» (أحد أهم عيدين عند مسيحيي العالم مع «عيد الميلاد») الذي كان مقرّراً إقامته يوم غد في مقر الكاتدرائية في ضاحية العباسية بالقاهرة.
وبالتزامن مع ذلك، اتسعت دائرة القلق بشأن ما يجري في أوساط المصريين. وبينما كان المتبرّعون بالدم، من المسلمين والمسيحيين، يتزاحمون على المستشفيات، حيث يعالج عشرات المصابين، ظهرت دعوات بنقل الاحتفال بـ«عيد القيامة» إلى وادي النطرون، واضطر قادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، التي يرأسها البابا تواضروس، إلى عقد اجتماعات وإجراء اتصالات لبحث ما يجري. كذلك، باشرت أجهزة الدولة في اتخاذ إجراءات لطمأنة الشارع. وظهر رجال الشرطة العسكرية إلى جانب دوريات الشرطة. وقررت الكنيسة إلغاء الاحتفال من الأصل، وتضامنت معها الكنيستان القبطية الكاثوليكية والإنجيلية، على أن تقتصر فعاليات يوم غد (الأحد) على أداء الصلوات، وتقبّل التعازي.

المسيحيون في مصر
يشكل المسيحيون في مصر نحو 10 في المائة من عدد السكان الذي يبلغ نحو 100 مليون نسمة، بينما تصل تقديرات أخرى بالنسبة إلى 15 في المائة. وكان المجتمع المصري قد تعرض لصدمة مماثلة حين وقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي تفجير في مقر الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في وسط القاهرة؛ ما أدى إلى مقتل 29، معظمهم من النساء. وأعقب ذلك إقدام تنظيم داعش المتطرف الإرهابي في شبه جزيرة سيناء باستهداف أسر مسيحية عدة بالقتل؛ ما اضطر بعض الأسر الأخرى إلى الهجرة خارج المحافظة.
وخلال حوار مع «الشرق الأوسط»، كان الحزن يخيم على القس عيسى داود، راعي كنيسة النعمة الإنجيلية في محافظة المنيا، إلى الجنوب من القاهرة. قال القس إن الكنائس «قررت بالفعل إلغاء الاحتفالات. كيف نحتفل وسط كل هذه الدماء؟ الناس لديها احتجاج عام. هناك حالة حزن، ولدى الناس شعور بالتقصير الأمني». ووسط مشاعر مختلطة ما بين الشكوك واليقين، عاد القس داود ليوضح أن رجال الشرطة ضحّوا بأرواحهم وهم يمنعون الانتحاري من الوصول إلى داخل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.
من ناحية أخرى، يبدو أن إلغاء الاحتفالات بـ«عيد القيامة» كان خيارا أفضل من ذلك الذي اقترحه البعض داخل الكنيسة بنقل القداس والاحتفالات إلى وادي النطرون؛ لأن هذا الأمر كان سيُفسَّر على أنه غضب مسيحي من الدولة، مذكراً بسنوات الخلافات بين البابا شنودة وكل من الرئيسين أنور السادات في السبعينيات وحسني مبارك فيما بعد. ويتحدث كثرة من رجال الدين المسيحي والمفكّرين عن أن الأمر مختلف اليوم: «لأن الإرهاب هذه المرة موجّه ضد الدولة ككل، وليس ضد المسحيين فقط».
مع هذا، فإن الحالة العامة في أوساط المسيحيين أكثر سخطا على الأوضاع مما تبدو عليه في المحافل الرسمية؛ إذ أدى تفجيرا الكنيستين إلى ارتفاع لغة الغضب والشعور بوجود استهداف ليس فقط بالأعمال التخريبية، لكن من خلال ما يوصف بـ«الخطاب التحريضي».
وأمام بوابة الكاتدرائية في القاهرة، وقف جمعٌ من الفتيات والشبان المسيحيين وقد سيطرت عليهم حالة من الغضب. وقال جورج (23 سنة) إنه فقد إحدى قريباته في التفجير الذي وقع بالقرب من الكاتدرائية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأضاف: «في كل مرة نصلي أو نحتفل نفقد أعزاء لنا. متى ينتهي هذا الكابوس؟».
وتولت الكلام فتاة تدعى ميريت (19 سنة)، فقالت إن «المناخ العام يسوده خطاب معاد للمسيحيين... في الجامعة يوجد متعصّبون يدعون إلى عدم الاختلاط بنا أو السلام علينا أو التهنئة بأعيادنا. هذا أمر غريب».
إلا أن جمال، الطالب في جامعة عين شمس، ويبلغ من العمر 18 سنة، قال: «إن من ينشر الفرقة بين المسيحيين والمسلمين قلة». وتحدث عن أصدقائه وجيرانه من المسلمين الذين يشاركونه وأسرته في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة، قائلا: «في الأعياد يقولون كل عام وأنتم بخير.. وفي خطبة أختي قدموا لنا الهدايا، نحن مصريون، ومن يشيع الكراهية بيننا قلة».

ساعات خشوع
في هذه الساعات، يستعد المسيحيون المصريون للدخول في حالة من الخشوع داخل الكنائس. ولن يكون هناك توزيع للحلوى والهدايا على الأطفال أو إطلاق الزينات، كما كان يحدث في أعياد السنوات السابقة، وذلك تعبيرا عن حالة الحزن. وسيكتفي مرتادو الكنائس بأداء طقوس الصلوات، واستقبال المعزين من الطوائف المصرية المختلفة. وعن هذا الحال يقول القس داود «لدينا شعور حقيقي بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يبذل كل ما في وسعه من أجل منع وقوع مثل هذه الحوادث». ويضيف أن إقامة البابا في وادي النطرون ليومين «لا أعتقد أنها تحمل أي رسالة للقيادة السياسية في البلاد. فالرئيس تضامن مع القضية بكل الأشكال، واتخذ إجراءات مشددة لحماية الكنائس، وفرض حالة الطوارئ». بينما يشير المفكّر المصري، جمال أسعد، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يسبق إقامة القداس في وادي النطرون.
وتجدر الإشارة إلى أنه يطلق على يوم الأحد الذي وقعت فيه التفجيرات «أحد الشعانين»، ويعد «الأحد السابع» من الصوم الكبير الذي يستمر نحو شهرين، قبل «عيد القيامة». كما يطلق على الأسبوع الذي يبدأ به هذا اليوم «أسبوع الآلام»، في إشارة إلى ذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة القدس. ولقد ظهر البابا تواضروس لأول مرة، بعد تفجيري الكنيستين، حين استقبل في وادي النطرون يوم الثلاثاء الماضي، وفدا من الفاتيكان كان ينقل له تعازي البابا فرنسيس، الذي يعتزم القيام بأول زيارة له لمصر يوم 28 من الشهر الحالي، وهي زيارة مقررة سلفاً منذ ما قبل أحداث التفجيرات.
ثم ظهر البابا تواضروس يوم الخميس الماضي وهو يستقبل الرئيس السيسي، في مقر الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة. وجاء الرئيس لتقديم التعازي في ضحايا الحادثين، وأكد أن أجهزة الدولة كافة تبذل أقصى ما في وسعها لملاحقة مرتكبي تلك الأفعال الآثمة، وتقديم كل من شارك فيها للعدالة في أسرع وقت. وفي المقابل، أعرب البابا عن شكره لحرص الرئيس على زيارة الكاتدرائية. وأكد أن الإرهاب لن ينجح في شق صف المصريين، أو النيل من وحدتهم واستقرارهم. ثم أردف إن «الوحدة والمحبة بين أبناء الوطن هي السبيل الوحيد الذي يكفل سلامة مصر والقضاء على الإرهاب». ومن جانبه، أعلن الجيش المصري أنه سيتولى ترميم الكنيستين، وفقا لما أعلنه الناطق باسم وزارة الدفاع المصرية، العقيد أركان حرب تامر الرفاعي.
في الواقع، يمثل حادثا كنيستي طنطا والإسكندرية تحديا للرئيس السيسي الذي يسعى إلى إنعاش الاقتصاد وبسط الاستقرار، بعد سنوات من الاضطرابات التي بدأت منذ 2011، وكبدت البلاد خسائر بمليارات الدولارات. ويحاول السيسي التغلب على مصاعب مصر الاقتصادية، من خلال إطلاق الكثير من المشروعات الكبرى، والقيام بزيارات خارجية لبث الطمأنينة في مستقبل البلاد، مع سعي السياسة المالية للدولة إلى زيادة معدل النمو إلى 5.5 في المائة في السنة المالية 2018 - 2019 مقارنة مع 4.8 في المائة متوقعة في السنة المالية المقبلة، وفقا لبيان لوزير المالية. لكن فرض حالة الطوارئ ربما يسهم في عرقلة مثل هذه الطموحات.
هذا، ووافق البرلمان، بالإجماع، على إعلان حالة الطوارئ، منذ الثلاثاء الماضي، رغم ردود الفعل المتباينة بشأن قدرة مثل هذا الإجراء على منع الهجمات الانتحارية، غير أن حالة الطوارئ تمنح الحكومة سلطات واسعة للتحرك ضد «أعداء الدولة»، حيث قال رئيس الوزراء، شريف إسماعيل: إن خطوة إعلان الطوارئ ضرورية من أجل هزيمة الجماعات الإرهابية التي تسعى لهدم البلاد.
ومع أن قانون الإرهاب المعمول في مصر منذ 2015، يغلظ العقوبات في قضايا الإرهاب لتصل إلى الإعدام، ويشدد العقوبات في مسائل النشر، سواء بواسطة وسائل الإعلام أو الإنترنت، فإن قانون الطوارئ يمنح - من جانبه - صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، ويسمح لها بإغلاق شركات وصحف ووسائل إعلام ومنع المظاهرات ومراقبة الاتصالات الشخصية من دون إذن قضائي. وجرى قبل يومين تعطيل صدور عددين من إحدى الصحف الخاصة.
وبعكس الموجات الإرهابية، ذات الطابع المحلي، التي بدأت في أواخر سبعينات القرن الماضي وانتهت بمقتل السادات عام 1981، وبخلاف طبيعة العمليات المسلحة ضد الأقباط والسياح في عهد مبارك، وبخاصة في فترة التسعينات، ينظر الكثير من المصريين، بمن فيهم السيسي، اليوم، إلى النشاط الإرهابي الحالي باعتباره «نشاطا عابرا للحدود»، ويستهدف الجميع وليس المسيحيين فقط.
كما أن الرئيس نفسه أشار في غير مناسبة إلى ضلوع دول في تمويل النشاط الإرهابي ضمن حالة من العداء للدولة المصرية، ودول أخرى في المنطقة. ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك لمواجهة هذا الخطر، حين ألقى كلمة بهذا الشأن يوم الأحد الماضي. وسبق للرئيس أن لمّح إلى التعاون العابر للحدود الذي يحظى به الإرهابيون، وذلك عقب تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وشنت مصر غارة حربية على مقار لـ«داعش» قرب مدينة درنة الليبية، حين قتل التنظيم المتطرف، قبل سنتين، 21 مصريا مسيحيا كانوا يعملون في ليبيا.
وعقب الإطاحة بحكم مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، قال الدكتور محمد البرادعي، على هامش حوار أجرته مع «الشرق الأوسط» حين كان نائبا للرئيس المصري المؤقت وقتذاك، عدلي منصور: إن عدد العناصر المتطرفة في سيناء يبلغ 12 ألفا من المصريين والأجانب. وأيا ما كان الأمر، فإن مصر، مثلها مثل دول ما يعرف بـ«الربيع العربي» شهدت منذ عام 2011 عودة كبيرة لألوف عدة من المتطرفين الذين كانوا يشاركون في القتال في المناطق الملتهبة في العالم، من أفغانستان إلى باكستان ومن العراق إلى الشيشان، غيرها.
وبمجرد الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق مبارك، عادت إلى مصر جماعات من المتطرفين، من بينهم محكوم عليهم بالإعدام وبالسجن المؤبد، ومن بينهم أيضا قادة كانوا قد فرّوا من أفغانستان ولجأوا إلى الإقامة لبعض الوقت في إيران. كما أدى حكم جماعة الإخوان في عهد مرسي، إلى نشاط واسع وحضور للجماعات المتشددة، كان أبرزها تعيين إدارة مرسي محافظاً لمحافظة الأقصر السياحية ينتمي إلى جماعة متهمة بتدبير قتل سياح أجانب أثناء زيارتهم للمعالم الأثرية في المحافظة نفسها عام 1996.
وبعد إزاحة حكم مرسي فرت أعداد كبيرة من عناصر الجماعات المتطرفة إلى سيناء وإلى دول مضطربة مثل سوريا وليبيا. وجرى تحميل جانب من المسؤولية عن الإطاحة بحكم مرسي، للمسيحيين في مصر، وفقا لبيانات أصدرتها تنظيمات متطرفة. وبعدها بدأت الحرب ضد السلطات انطلاقا من سيناء، وتمكنت قوات الجيش التي انتقلت إلى هناك، من إرهاق المتشددين وقتل الكثير منهم؛ ما أدى إلى فرار بعضهم إلى خارج البلاد، بينما نقل البعض الآخر عملياته إلى القاهرة والدلتا.
وفيما يبدو أنه تحول جديد في تكتيكات «داعش»، الذي أعلن مسؤوليته عن التفجيرات التي جرت منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي حتى يوم «أحد الشعانين»، لفتت بيانات الشرطة المصرية، الانتباه إلى أن معظم عناصر الخلايا التي نفذت العمليات الأخيرة، تنتمي إلى محافظة قنا (نحو 600 كيلومتر جنوب القاهرة). وتمكنت وزارة الداخلية المصرية عقب التفجيرات بيومين من تحديد هوية منفذي العمليتين، وبدأت في تمشيط مناطق جبلية قرب محافظة قنا في الصعيد، وفي مواقع أخرى في البحر الأحمر والسويس المجاورة لسيناء، بالإضافة إلى القاهرة نفسها. وشددت الإجراءات على الحدود البرية، وبخاصة تلك الملاصقة لليبيا.
ومعظم الأسماء الـ19 المتهمة في تفجير الكنيستين، التي أوردتها بيانات وزارة الداخلية، من مواليد محافظة قنا، ومن مواليد عقد الثمانينات. وألقي على ثلاثة متهمين منهم بالفعل. وردت قيادات المحافظة من قبائل ونواب في البرلمان ووجهاء بالتبرؤ من مرتكبي ما وصفوه بـ«العمل الإرهابي الخسيس الذي وقع في الكنائس».



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.