«أسبوع آلام»... مصري

«داعش» يفسد فرحة الأقباط بالعيد

«أسبوع آلام»... مصري
TT

«أسبوع آلام»... مصري

«أسبوع آلام»... مصري

تمكنت الشرطة المصرية، سريعاً، من تحديد هوية منفذي جريمتي تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية. وظَهرَ من أسماء المُنَفذَين ومن عاونهما أن تنظيم داعش، الذي كانت معظم عملياته تقتصر على سيناء، بدأ ينطلق من الصعيد في جنوب البلاد، ويستهدف الأقباط في منطقة الدلتا شمال القاهرة.
وقع تفجيرا الكنيستين اللذان راح ضحيتهما 45 قتيلا وعشرات الجرحى، يوم الأحد الماضي، أي في بداية «أسبوع الآلام» عند المسيحيين، الذي ينتهي يوم غد، الأحد أيضا. إلا أن الكنائس المصرية، وسط حالة عامة من الحزن والغضب والحداد، قررت جميعا الاكتفاء بأداء الصلوات بداية من مساء اليوم (السبت) وإلغاء مظاهر الاحتفال، على أن يقتصر يوم غد على فتح أبواب الكنائس لاستقبال المعزّين في ضحايا الحادثين. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الكنائس المصرية التي تقرر فيها إلغاء الاحتفال بأحد الأعياد منذ مئات السنين.
على الرغم من اختلاف الظروف المحيطة بعلاقة الأقباط بالنظام السياسي للدولة المصرية في عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، فإن التفجيرين الأخيرين اللذين استهدفا كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية، وما سبقهما بأسابيع من حوادث مشابهة في القاهرة وسيناء، يمثلان تحديا كبيرا للرئيس عبد الفتاح السيسي، بينما تعاني مصر أزمة اقتصادية حادة وتهديدات إرهابية منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013.
مرت سبع دقائق كأنها دهرٌ على كبار الرجال المحيطين بالرئيس السيسي؛ إذ كان لا بد من التأكد من سلامة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. ولقد كان أعلى رمز ديني للأقباط المصريين داخل البلاد وخارجها، يحضر قداس أحد الشعانين بمقر الكنيسة المرقسية في الإسكندرية، التي جرى تفجيرها بعد قليل من تفجير كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية (نحو 100 كيلومتر شمال القاهرة).
هاتف البابا لا يرد... وكذلك هواتف سكرتيره وهواتف مساعديه ترن ولا تجيب. ثم أخيرا تنفس الجميع الصعداء: البابا بخير، وغادر الإسكندرية في طريقه إلى دير في وادي النطرون. إنه الدير الذي كان يقيم فيه قبل أن يتولّى موقعه خلفا للبابا الراحل شنودة. ويقع هذا الدير، المعروف باسم دير الأنبا بيشوي، على بعد نحو 100 كيلومتر شمال غربي القاهرة على الطريق الصحراوي، الذي يربط العاصمة بالإسكندرية. وهنا يعلق مسؤول أمني قائلا: «لو كان قد حدث مكروه للبابا تواضروس في حادث الكنيسة المرقسية، لانقلبت الدنيا رأسا على عقب».
وربما كان هذا أحد أسباب الشعور بالحزن العميق، ليس لدى الأقباط فقط، لكن في أوساط المصريين عامة.

ماذا حدث بالضبط؟
حدثت الأمور بالطريقة التالية - كما يرويها مصدر أمني: «بعد التفجير الأول في كنيسة طنطا، صدرت تعليمات سريعة بضرورة تشديد الإجراءات على جميع الكنائس. وفي الإسكندرية كان أحد كبار رجال الأمن قد لاحظ أن بوابة الكشف عن المعادن والمتفجرات، موجودة بعد مدخل الكنيسة وليس على بابها الخارجي، فأصدر تعليمات بنقلها من مكانها لكي تكون بعيدة عن المحيط الداخلي للمبنى».
ويضيف: «تحريك البوابة الإلكترونية من مكانها، قلّل من عدد الضحايا في كنيسة الإسكندرية وجنّب البلاد كارثة؛ إذ كان البابا تواضروس ما زال في الداخل مع المصلّين. وبعد الحادثين مباشرة ترأس الرئيس السيسي اجتماعا لمجلس الأمن الوطني. وظهر عقب الاجتماع أمام كاميرات التلفزيون وهو غاضب. ودعا، في كلمات حادة، المجتمع الدولي، إلى محاسبة الدول التي تدعم الإرهاب، مطالبا المصريين بالصمود».
ومن ثم، أعلن الرئيس فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور، وتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، والعمل على ضبط الموقف على المناحي الإعلامية والقضائية والقانونية كافة، وما يتعلق بالخطاب الديني، لمجابهة التطرف. وقال: «لقد نجحنا في سيناء، فتحرك الإرهابيون إلى منطقة أخرى، وحين سنحكم السيطرة عليها، سينتقلون إلى أخرى، وهكذا». وشدد على قدرة المصريين على الصمود وهزيمة الإرهاب في نهاية المطاف.

إلى وادي النطرون
من جانبه، توجه البابا تواضروس عقب تفجيري الأحد الماضي مباشرة، إلى دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، الذي كان البابا الراحل شنودة يلجأ إليه حين كان يتعرض الأقباط إلى هجمات إرهابية، كما كان يحدث في العقود الماضية. وفعلاً، لم يظهر البابا تواضروس في باقي يوم الأحد، ولم يظهر أيضاً يوم الاثنين. وأخذت الشكوك تحيط بمسألة عقد الاحتفال بـ«عيد القيامة» (أحد أهم عيدين عند مسيحيي العالم مع «عيد الميلاد») الذي كان مقرّراً إقامته يوم غد في مقر الكاتدرائية في ضاحية العباسية بالقاهرة.
وبالتزامن مع ذلك، اتسعت دائرة القلق بشأن ما يجري في أوساط المصريين. وبينما كان المتبرّعون بالدم، من المسلمين والمسيحيين، يتزاحمون على المستشفيات، حيث يعالج عشرات المصابين، ظهرت دعوات بنقل الاحتفال بـ«عيد القيامة» إلى وادي النطرون، واضطر قادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، التي يرأسها البابا تواضروس، إلى عقد اجتماعات وإجراء اتصالات لبحث ما يجري. كذلك، باشرت أجهزة الدولة في اتخاذ إجراءات لطمأنة الشارع. وظهر رجال الشرطة العسكرية إلى جانب دوريات الشرطة. وقررت الكنيسة إلغاء الاحتفال من الأصل، وتضامنت معها الكنيستان القبطية الكاثوليكية والإنجيلية، على أن تقتصر فعاليات يوم غد (الأحد) على أداء الصلوات، وتقبّل التعازي.

المسيحيون في مصر
يشكل المسيحيون في مصر نحو 10 في المائة من عدد السكان الذي يبلغ نحو 100 مليون نسمة، بينما تصل تقديرات أخرى بالنسبة إلى 15 في المائة. وكان المجتمع المصري قد تعرض لصدمة مماثلة حين وقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي تفجير في مقر الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في وسط القاهرة؛ ما أدى إلى مقتل 29، معظمهم من النساء. وأعقب ذلك إقدام تنظيم داعش المتطرف الإرهابي في شبه جزيرة سيناء باستهداف أسر مسيحية عدة بالقتل؛ ما اضطر بعض الأسر الأخرى إلى الهجرة خارج المحافظة.
وخلال حوار مع «الشرق الأوسط»، كان الحزن يخيم على القس عيسى داود، راعي كنيسة النعمة الإنجيلية في محافظة المنيا، إلى الجنوب من القاهرة. قال القس إن الكنائس «قررت بالفعل إلغاء الاحتفالات. كيف نحتفل وسط كل هذه الدماء؟ الناس لديها احتجاج عام. هناك حالة حزن، ولدى الناس شعور بالتقصير الأمني». ووسط مشاعر مختلطة ما بين الشكوك واليقين، عاد القس داود ليوضح أن رجال الشرطة ضحّوا بأرواحهم وهم يمنعون الانتحاري من الوصول إلى داخل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.
من ناحية أخرى، يبدو أن إلغاء الاحتفالات بـ«عيد القيامة» كان خيارا أفضل من ذلك الذي اقترحه البعض داخل الكنيسة بنقل القداس والاحتفالات إلى وادي النطرون؛ لأن هذا الأمر كان سيُفسَّر على أنه غضب مسيحي من الدولة، مذكراً بسنوات الخلافات بين البابا شنودة وكل من الرئيسين أنور السادات في السبعينيات وحسني مبارك فيما بعد. ويتحدث كثرة من رجال الدين المسيحي والمفكّرين عن أن الأمر مختلف اليوم: «لأن الإرهاب هذه المرة موجّه ضد الدولة ككل، وليس ضد المسحيين فقط».
مع هذا، فإن الحالة العامة في أوساط المسيحيين أكثر سخطا على الأوضاع مما تبدو عليه في المحافل الرسمية؛ إذ أدى تفجيرا الكنيستين إلى ارتفاع لغة الغضب والشعور بوجود استهداف ليس فقط بالأعمال التخريبية، لكن من خلال ما يوصف بـ«الخطاب التحريضي».
وأمام بوابة الكاتدرائية في القاهرة، وقف جمعٌ من الفتيات والشبان المسيحيين وقد سيطرت عليهم حالة من الغضب. وقال جورج (23 سنة) إنه فقد إحدى قريباته في التفجير الذي وقع بالقرب من الكاتدرائية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأضاف: «في كل مرة نصلي أو نحتفل نفقد أعزاء لنا. متى ينتهي هذا الكابوس؟».
وتولت الكلام فتاة تدعى ميريت (19 سنة)، فقالت إن «المناخ العام يسوده خطاب معاد للمسيحيين... في الجامعة يوجد متعصّبون يدعون إلى عدم الاختلاط بنا أو السلام علينا أو التهنئة بأعيادنا. هذا أمر غريب».
إلا أن جمال، الطالب في جامعة عين شمس، ويبلغ من العمر 18 سنة، قال: «إن من ينشر الفرقة بين المسيحيين والمسلمين قلة». وتحدث عن أصدقائه وجيرانه من المسلمين الذين يشاركونه وأسرته في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة، قائلا: «في الأعياد يقولون كل عام وأنتم بخير.. وفي خطبة أختي قدموا لنا الهدايا، نحن مصريون، ومن يشيع الكراهية بيننا قلة».

ساعات خشوع
في هذه الساعات، يستعد المسيحيون المصريون للدخول في حالة من الخشوع داخل الكنائس. ولن يكون هناك توزيع للحلوى والهدايا على الأطفال أو إطلاق الزينات، كما كان يحدث في أعياد السنوات السابقة، وذلك تعبيرا عن حالة الحزن. وسيكتفي مرتادو الكنائس بأداء طقوس الصلوات، واستقبال المعزين من الطوائف المصرية المختلفة. وعن هذا الحال يقول القس داود «لدينا شعور حقيقي بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يبذل كل ما في وسعه من أجل منع وقوع مثل هذه الحوادث». ويضيف أن إقامة البابا في وادي النطرون ليومين «لا أعتقد أنها تحمل أي رسالة للقيادة السياسية في البلاد. فالرئيس تضامن مع القضية بكل الأشكال، واتخذ إجراءات مشددة لحماية الكنائس، وفرض حالة الطوارئ». بينما يشير المفكّر المصري، جمال أسعد، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يسبق إقامة القداس في وادي النطرون.
وتجدر الإشارة إلى أنه يطلق على يوم الأحد الذي وقعت فيه التفجيرات «أحد الشعانين»، ويعد «الأحد السابع» من الصوم الكبير الذي يستمر نحو شهرين، قبل «عيد القيامة». كما يطلق على الأسبوع الذي يبدأ به هذا اليوم «أسبوع الآلام»، في إشارة إلى ذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة القدس. ولقد ظهر البابا تواضروس لأول مرة، بعد تفجيري الكنيستين، حين استقبل في وادي النطرون يوم الثلاثاء الماضي، وفدا من الفاتيكان كان ينقل له تعازي البابا فرنسيس، الذي يعتزم القيام بأول زيارة له لمصر يوم 28 من الشهر الحالي، وهي زيارة مقررة سلفاً منذ ما قبل أحداث التفجيرات.
ثم ظهر البابا تواضروس يوم الخميس الماضي وهو يستقبل الرئيس السيسي، في مقر الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة. وجاء الرئيس لتقديم التعازي في ضحايا الحادثين، وأكد أن أجهزة الدولة كافة تبذل أقصى ما في وسعها لملاحقة مرتكبي تلك الأفعال الآثمة، وتقديم كل من شارك فيها للعدالة في أسرع وقت. وفي المقابل، أعرب البابا عن شكره لحرص الرئيس على زيارة الكاتدرائية. وأكد أن الإرهاب لن ينجح في شق صف المصريين، أو النيل من وحدتهم واستقرارهم. ثم أردف إن «الوحدة والمحبة بين أبناء الوطن هي السبيل الوحيد الذي يكفل سلامة مصر والقضاء على الإرهاب». ومن جانبه، أعلن الجيش المصري أنه سيتولى ترميم الكنيستين، وفقا لما أعلنه الناطق باسم وزارة الدفاع المصرية، العقيد أركان حرب تامر الرفاعي.
في الواقع، يمثل حادثا كنيستي طنطا والإسكندرية تحديا للرئيس السيسي الذي يسعى إلى إنعاش الاقتصاد وبسط الاستقرار، بعد سنوات من الاضطرابات التي بدأت منذ 2011، وكبدت البلاد خسائر بمليارات الدولارات. ويحاول السيسي التغلب على مصاعب مصر الاقتصادية، من خلال إطلاق الكثير من المشروعات الكبرى، والقيام بزيارات خارجية لبث الطمأنينة في مستقبل البلاد، مع سعي السياسة المالية للدولة إلى زيادة معدل النمو إلى 5.5 في المائة في السنة المالية 2018 - 2019 مقارنة مع 4.8 في المائة متوقعة في السنة المالية المقبلة، وفقا لبيان لوزير المالية. لكن فرض حالة الطوارئ ربما يسهم في عرقلة مثل هذه الطموحات.
هذا، ووافق البرلمان، بالإجماع، على إعلان حالة الطوارئ، منذ الثلاثاء الماضي، رغم ردود الفعل المتباينة بشأن قدرة مثل هذا الإجراء على منع الهجمات الانتحارية، غير أن حالة الطوارئ تمنح الحكومة سلطات واسعة للتحرك ضد «أعداء الدولة»، حيث قال رئيس الوزراء، شريف إسماعيل: إن خطوة إعلان الطوارئ ضرورية من أجل هزيمة الجماعات الإرهابية التي تسعى لهدم البلاد.
ومع أن قانون الإرهاب المعمول في مصر منذ 2015، يغلظ العقوبات في قضايا الإرهاب لتصل إلى الإعدام، ويشدد العقوبات في مسائل النشر، سواء بواسطة وسائل الإعلام أو الإنترنت، فإن قانون الطوارئ يمنح - من جانبه - صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، ويسمح لها بإغلاق شركات وصحف ووسائل إعلام ومنع المظاهرات ومراقبة الاتصالات الشخصية من دون إذن قضائي. وجرى قبل يومين تعطيل صدور عددين من إحدى الصحف الخاصة.
وبعكس الموجات الإرهابية، ذات الطابع المحلي، التي بدأت في أواخر سبعينات القرن الماضي وانتهت بمقتل السادات عام 1981، وبخلاف طبيعة العمليات المسلحة ضد الأقباط والسياح في عهد مبارك، وبخاصة في فترة التسعينات، ينظر الكثير من المصريين، بمن فيهم السيسي، اليوم، إلى النشاط الإرهابي الحالي باعتباره «نشاطا عابرا للحدود»، ويستهدف الجميع وليس المسيحيين فقط.
كما أن الرئيس نفسه أشار في غير مناسبة إلى ضلوع دول في تمويل النشاط الإرهابي ضمن حالة من العداء للدولة المصرية، ودول أخرى في المنطقة. ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك لمواجهة هذا الخطر، حين ألقى كلمة بهذا الشأن يوم الأحد الماضي. وسبق للرئيس أن لمّح إلى التعاون العابر للحدود الذي يحظى به الإرهابيون، وذلك عقب تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وشنت مصر غارة حربية على مقار لـ«داعش» قرب مدينة درنة الليبية، حين قتل التنظيم المتطرف، قبل سنتين، 21 مصريا مسيحيا كانوا يعملون في ليبيا.
وعقب الإطاحة بحكم مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، قال الدكتور محمد البرادعي، على هامش حوار أجرته مع «الشرق الأوسط» حين كان نائبا للرئيس المصري المؤقت وقتذاك، عدلي منصور: إن عدد العناصر المتطرفة في سيناء يبلغ 12 ألفا من المصريين والأجانب. وأيا ما كان الأمر، فإن مصر، مثلها مثل دول ما يعرف بـ«الربيع العربي» شهدت منذ عام 2011 عودة كبيرة لألوف عدة من المتطرفين الذين كانوا يشاركون في القتال في المناطق الملتهبة في العالم، من أفغانستان إلى باكستان ومن العراق إلى الشيشان، غيرها.
وبمجرد الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق مبارك، عادت إلى مصر جماعات من المتطرفين، من بينهم محكوم عليهم بالإعدام وبالسجن المؤبد، ومن بينهم أيضا قادة كانوا قد فرّوا من أفغانستان ولجأوا إلى الإقامة لبعض الوقت في إيران. كما أدى حكم جماعة الإخوان في عهد مرسي، إلى نشاط واسع وحضور للجماعات المتشددة، كان أبرزها تعيين إدارة مرسي محافظاً لمحافظة الأقصر السياحية ينتمي إلى جماعة متهمة بتدبير قتل سياح أجانب أثناء زيارتهم للمعالم الأثرية في المحافظة نفسها عام 1996.
وبعد إزاحة حكم مرسي فرت أعداد كبيرة من عناصر الجماعات المتطرفة إلى سيناء وإلى دول مضطربة مثل سوريا وليبيا. وجرى تحميل جانب من المسؤولية عن الإطاحة بحكم مرسي، للمسيحيين في مصر، وفقا لبيانات أصدرتها تنظيمات متطرفة. وبعدها بدأت الحرب ضد السلطات انطلاقا من سيناء، وتمكنت قوات الجيش التي انتقلت إلى هناك، من إرهاق المتشددين وقتل الكثير منهم؛ ما أدى إلى فرار بعضهم إلى خارج البلاد، بينما نقل البعض الآخر عملياته إلى القاهرة والدلتا.
وفيما يبدو أنه تحول جديد في تكتيكات «داعش»، الذي أعلن مسؤوليته عن التفجيرات التي جرت منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي حتى يوم «أحد الشعانين»، لفتت بيانات الشرطة المصرية، الانتباه إلى أن معظم عناصر الخلايا التي نفذت العمليات الأخيرة، تنتمي إلى محافظة قنا (نحو 600 كيلومتر جنوب القاهرة). وتمكنت وزارة الداخلية المصرية عقب التفجيرات بيومين من تحديد هوية منفذي العمليتين، وبدأت في تمشيط مناطق جبلية قرب محافظة قنا في الصعيد، وفي مواقع أخرى في البحر الأحمر والسويس المجاورة لسيناء، بالإضافة إلى القاهرة نفسها. وشددت الإجراءات على الحدود البرية، وبخاصة تلك الملاصقة لليبيا.
ومعظم الأسماء الـ19 المتهمة في تفجير الكنيستين، التي أوردتها بيانات وزارة الداخلية، من مواليد محافظة قنا، ومن مواليد عقد الثمانينات. وألقي على ثلاثة متهمين منهم بالفعل. وردت قيادات المحافظة من قبائل ونواب في البرلمان ووجهاء بالتبرؤ من مرتكبي ما وصفوه بـ«العمل الإرهابي الخسيس الذي وقع في الكنائس».



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».