«أسبوع آلام»... مصري

«داعش» يفسد فرحة الأقباط بالعيد

«أسبوع آلام»... مصري
TT

«أسبوع آلام»... مصري

«أسبوع آلام»... مصري

تمكنت الشرطة المصرية، سريعاً، من تحديد هوية منفذي جريمتي تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية. وظَهرَ من أسماء المُنَفذَين ومن عاونهما أن تنظيم داعش، الذي كانت معظم عملياته تقتصر على سيناء، بدأ ينطلق من الصعيد في جنوب البلاد، ويستهدف الأقباط في منطقة الدلتا شمال القاهرة.
وقع تفجيرا الكنيستين اللذان راح ضحيتهما 45 قتيلا وعشرات الجرحى، يوم الأحد الماضي، أي في بداية «أسبوع الآلام» عند المسيحيين، الذي ينتهي يوم غد، الأحد أيضا. إلا أن الكنائس المصرية، وسط حالة عامة من الحزن والغضب والحداد، قررت جميعا الاكتفاء بأداء الصلوات بداية من مساء اليوم (السبت) وإلغاء مظاهر الاحتفال، على أن يقتصر يوم غد على فتح أبواب الكنائس لاستقبال المعزّين في ضحايا الحادثين. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الكنائس المصرية التي تقرر فيها إلغاء الاحتفال بأحد الأعياد منذ مئات السنين.
على الرغم من اختلاف الظروف المحيطة بعلاقة الأقباط بالنظام السياسي للدولة المصرية في عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، فإن التفجيرين الأخيرين اللذين استهدفا كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية، وما سبقهما بأسابيع من حوادث مشابهة في القاهرة وسيناء، يمثلان تحديا كبيرا للرئيس عبد الفتاح السيسي، بينما تعاني مصر أزمة اقتصادية حادة وتهديدات إرهابية منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013.
مرت سبع دقائق كأنها دهرٌ على كبار الرجال المحيطين بالرئيس السيسي؛ إذ كان لا بد من التأكد من سلامة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. ولقد كان أعلى رمز ديني للأقباط المصريين داخل البلاد وخارجها، يحضر قداس أحد الشعانين بمقر الكنيسة المرقسية في الإسكندرية، التي جرى تفجيرها بعد قليل من تفجير كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية (نحو 100 كيلومتر شمال القاهرة).
هاتف البابا لا يرد... وكذلك هواتف سكرتيره وهواتف مساعديه ترن ولا تجيب. ثم أخيرا تنفس الجميع الصعداء: البابا بخير، وغادر الإسكندرية في طريقه إلى دير في وادي النطرون. إنه الدير الذي كان يقيم فيه قبل أن يتولّى موقعه خلفا للبابا الراحل شنودة. ويقع هذا الدير، المعروف باسم دير الأنبا بيشوي، على بعد نحو 100 كيلومتر شمال غربي القاهرة على الطريق الصحراوي، الذي يربط العاصمة بالإسكندرية. وهنا يعلق مسؤول أمني قائلا: «لو كان قد حدث مكروه للبابا تواضروس في حادث الكنيسة المرقسية، لانقلبت الدنيا رأسا على عقب».
وربما كان هذا أحد أسباب الشعور بالحزن العميق، ليس لدى الأقباط فقط، لكن في أوساط المصريين عامة.

ماذا حدث بالضبط؟
حدثت الأمور بالطريقة التالية - كما يرويها مصدر أمني: «بعد التفجير الأول في كنيسة طنطا، صدرت تعليمات سريعة بضرورة تشديد الإجراءات على جميع الكنائس. وفي الإسكندرية كان أحد كبار رجال الأمن قد لاحظ أن بوابة الكشف عن المعادن والمتفجرات، موجودة بعد مدخل الكنيسة وليس على بابها الخارجي، فأصدر تعليمات بنقلها من مكانها لكي تكون بعيدة عن المحيط الداخلي للمبنى».
ويضيف: «تحريك البوابة الإلكترونية من مكانها، قلّل من عدد الضحايا في كنيسة الإسكندرية وجنّب البلاد كارثة؛ إذ كان البابا تواضروس ما زال في الداخل مع المصلّين. وبعد الحادثين مباشرة ترأس الرئيس السيسي اجتماعا لمجلس الأمن الوطني. وظهر عقب الاجتماع أمام كاميرات التلفزيون وهو غاضب. ودعا، في كلمات حادة، المجتمع الدولي، إلى محاسبة الدول التي تدعم الإرهاب، مطالبا المصريين بالصمود».
ومن ثم، أعلن الرئيس فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور، وتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، والعمل على ضبط الموقف على المناحي الإعلامية والقضائية والقانونية كافة، وما يتعلق بالخطاب الديني، لمجابهة التطرف. وقال: «لقد نجحنا في سيناء، فتحرك الإرهابيون إلى منطقة أخرى، وحين سنحكم السيطرة عليها، سينتقلون إلى أخرى، وهكذا». وشدد على قدرة المصريين على الصمود وهزيمة الإرهاب في نهاية المطاف.

إلى وادي النطرون
من جانبه، توجه البابا تواضروس عقب تفجيري الأحد الماضي مباشرة، إلى دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، الذي كان البابا الراحل شنودة يلجأ إليه حين كان يتعرض الأقباط إلى هجمات إرهابية، كما كان يحدث في العقود الماضية. وفعلاً، لم يظهر البابا تواضروس في باقي يوم الأحد، ولم يظهر أيضاً يوم الاثنين. وأخذت الشكوك تحيط بمسألة عقد الاحتفال بـ«عيد القيامة» (أحد أهم عيدين عند مسيحيي العالم مع «عيد الميلاد») الذي كان مقرّراً إقامته يوم غد في مقر الكاتدرائية في ضاحية العباسية بالقاهرة.
وبالتزامن مع ذلك، اتسعت دائرة القلق بشأن ما يجري في أوساط المصريين. وبينما كان المتبرّعون بالدم، من المسلمين والمسيحيين، يتزاحمون على المستشفيات، حيث يعالج عشرات المصابين، ظهرت دعوات بنقل الاحتفال بـ«عيد القيامة» إلى وادي النطرون، واضطر قادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، التي يرأسها البابا تواضروس، إلى عقد اجتماعات وإجراء اتصالات لبحث ما يجري. كذلك، باشرت أجهزة الدولة في اتخاذ إجراءات لطمأنة الشارع. وظهر رجال الشرطة العسكرية إلى جانب دوريات الشرطة. وقررت الكنيسة إلغاء الاحتفال من الأصل، وتضامنت معها الكنيستان القبطية الكاثوليكية والإنجيلية، على أن تقتصر فعاليات يوم غد (الأحد) على أداء الصلوات، وتقبّل التعازي.

المسيحيون في مصر
يشكل المسيحيون في مصر نحو 10 في المائة من عدد السكان الذي يبلغ نحو 100 مليون نسمة، بينما تصل تقديرات أخرى بالنسبة إلى 15 في المائة. وكان المجتمع المصري قد تعرض لصدمة مماثلة حين وقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي تفجير في مقر الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في وسط القاهرة؛ ما أدى إلى مقتل 29، معظمهم من النساء. وأعقب ذلك إقدام تنظيم داعش المتطرف الإرهابي في شبه جزيرة سيناء باستهداف أسر مسيحية عدة بالقتل؛ ما اضطر بعض الأسر الأخرى إلى الهجرة خارج المحافظة.
وخلال حوار مع «الشرق الأوسط»، كان الحزن يخيم على القس عيسى داود، راعي كنيسة النعمة الإنجيلية في محافظة المنيا، إلى الجنوب من القاهرة. قال القس إن الكنائس «قررت بالفعل إلغاء الاحتفالات. كيف نحتفل وسط كل هذه الدماء؟ الناس لديها احتجاج عام. هناك حالة حزن، ولدى الناس شعور بالتقصير الأمني». ووسط مشاعر مختلطة ما بين الشكوك واليقين، عاد القس داود ليوضح أن رجال الشرطة ضحّوا بأرواحهم وهم يمنعون الانتحاري من الوصول إلى داخل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.
من ناحية أخرى، يبدو أن إلغاء الاحتفالات بـ«عيد القيامة» كان خيارا أفضل من ذلك الذي اقترحه البعض داخل الكنيسة بنقل القداس والاحتفالات إلى وادي النطرون؛ لأن هذا الأمر كان سيُفسَّر على أنه غضب مسيحي من الدولة، مذكراً بسنوات الخلافات بين البابا شنودة وكل من الرئيسين أنور السادات في السبعينيات وحسني مبارك فيما بعد. ويتحدث كثرة من رجال الدين المسيحي والمفكّرين عن أن الأمر مختلف اليوم: «لأن الإرهاب هذه المرة موجّه ضد الدولة ككل، وليس ضد المسحيين فقط».
مع هذا، فإن الحالة العامة في أوساط المسيحيين أكثر سخطا على الأوضاع مما تبدو عليه في المحافل الرسمية؛ إذ أدى تفجيرا الكنيستين إلى ارتفاع لغة الغضب والشعور بوجود استهداف ليس فقط بالأعمال التخريبية، لكن من خلال ما يوصف بـ«الخطاب التحريضي».
وأمام بوابة الكاتدرائية في القاهرة، وقف جمعٌ من الفتيات والشبان المسيحيين وقد سيطرت عليهم حالة من الغضب. وقال جورج (23 سنة) إنه فقد إحدى قريباته في التفجير الذي وقع بالقرب من الكاتدرائية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأضاف: «في كل مرة نصلي أو نحتفل نفقد أعزاء لنا. متى ينتهي هذا الكابوس؟».
وتولت الكلام فتاة تدعى ميريت (19 سنة)، فقالت إن «المناخ العام يسوده خطاب معاد للمسيحيين... في الجامعة يوجد متعصّبون يدعون إلى عدم الاختلاط بنا أو السلام علينا أو التهنئة بأعيادنا. هذا أمر غريب».
إلا أن جمال، الطالب في جامعة عين شمس، ويبلغ من العمر 18 سنة، قال: «إن من ينشر الفرقة بين المسيحيين والمسلمين قلة». وتحدث عن أصدقائه وجيرانه من المسلمين الذين يشاركونه وأسرته في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة، قائلا: «في الأعياد يقولون كل عام وأنتم بخير.. وفي خطبة أختي قدموا لنا الهدايا، نحن مصريون، ومن يشيع الكراهية بيننا قلة».

ساعات خشوع
في هذه الساعات، يستعد المسيحيون المصريون للدخول في حالة من الخشوع داخل الكنائس. ولن يكون هناك توزيع للحلوى والهدايا على الأطفال أو إطلاق الزينات، كما كان يحدث في أعياد السنوات السابقة، وذلك تعبيرا عن حالة الحزن. وسيكتفي مرتادو الكنائس بأداء طقوس الصلوات، واستقبال المعزين من الطوائف المصرية المختلفة. وعن هذا الحال يقول القس داود «لدينا شعور حقيقي بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يبذل كل ما في وسعه من أجل منع وقوع مثل هذه الحوادث». ويضيف أن إقامة البابا في وادي النطرون ليومين «لا أعتقد أنها تحمل أي رسالة للقيادة السياسية في البلاد. فالرئيس تضامن مع القضية بكل الأشكال، واتخذ إجراءات مشددة لحماية الكنائس، وفرض حالة الطوارئ». بينما يشير المفكّر المصري، جمال أسعد، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يسبق إقامة القداس في وادي النطرون.
وتجدر الإشارة إلى أنه يطلق على يوم الأحد الذي وقعت فيه التفجيرات «أحد الشعانين»، ويعد «الأحد السابع» من الصوم الكبير الذي يستمر نحو شهرين، قبل «عيد القيامة». كما يطلق على الأسبوع الذي يبدأ به هذا اليوم «أسبوع الآلام»، في إشارة إلى ذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة القدس. ولقد ظهر البابا تواضروس لأول مرة، بعد تفجيري الكنيستين، حين استقبل في وادي النطرون يوم الثلاثاء الماضي، وفدا من الفاتيكان كان ينقل له تعازي البابا فرنسيس، الذي يعتزم القيام بأول زيارة له لمصر يوم 28 من الشهر الحالي، وهي زيارة مقررة سلفاً منذ ما قبل أحداث التفجيرات.
ثم ظهر البابا تواضروس يوم الخميس الماضي وهو يستقبل الرئيس السيسي، في مقر الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة. وجاء الرئيس لتقديم التعازي في ضحايا الحادثين، وأكد أن أجهزة الدولة كافة تبذل أقصى ما في وسعها لملاحقة مرتكبي تلك الأفعال الآثمة، وتقديم كل من شارك فيها للعدالة في أسرع وقت. وفي المقابل، أعرب البابا عن شكره لحرص الرئيس على زيارة الكاتدرائية. وأكد أن الإرهاب لن ينجح في شق صف المصريين، أو النيل من وحدتهم واستقرارهم. ثم أردف إن «الوحدة والمحبة بين أبناء الوطن هي السبيل الوحيد الذي يكفل سلامة مصر والقضاء على الإرهاب». ومن جانبه، أعلن الجيش المصري أنه سيتولى ترميم الكنيستين، وفقا لما أعلنه الناطق باسم وزارة الدفاع المصرية، العقيد أركان حرب تامر الرفاعي.
في الواقع، يمثل حادثا كنيستي طنطا والإسكندرية تحديا للرئيس السيسي الذي يسعى إلى إنعاش الاقتصاد وبسط الاستقرار، بعد سنوات من الاضطرابات التي بدأت منذ 2011، وكبدت البلاد خسائر بمليارات الدولارات. ويحاول السيسي التغلب على مصاعب مصر الاقتصادية، من خلال إطلاق الكثير من المشروعات الكبرى، والقيام بزيارات خارجية لبث الطمأنينة في مستقبل البلاد، مع سعي السياسة المالية للدولة إلى زيادة معدل النمو إلى 5.5 في المائة في السنة المالية 2018 - 2019 مقارنة مع 4.8 في المائة متوقعة في السنة المالية المقبلة، وفقا لبيان لوزير المالية. لكن فرض حالة الطوارئ ربما يسهم في عرقلة مثل هذه الطموحات.
هذا، ووافق البرلمان، بالإجماع، على إعلان حالة الطوارئ، منذ الثلاثاء الماضي، رغم ردود الفعل المتباينة بشأن قدرة مثل هذا الإجراء على منع الهجمات الانتحارية، غير أن حالة الطوارئ تمنح الحكومة سلطات واسعة للتحرك ضد «أعداء الدولة»، حيث قال رئيس الوزراء، شريف إسماعيل: إن خطوة إعلان الطوارئ ضرورية من أجل هزيمة الجماعات الإرهابية التي تسعى لهدم البلاد.
ومع أن قانون الإرهاب المعمول في مصر منذ 2015، يغلظ العقوبات في قضايا الإرهاب لتصل إلى الإعدام، ويشدد العقوبات في مسائل النشر، سواء بواسطة وسائل الإعلام أو الإنترنت، فإن قانون الطوارئ يمنح - من جانبه - صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، ويسمح لها بإغلاق شركات وصحف ووسائل إعلام ومنع المظاهرات ومراقبة الاتصالات الشخصية من دون إذن قضائي. وجرى قبل يومين تعطيل صدور عددين من إحدى الصحف الخاصة.
وبعكس الموجات الإرهابية، ذات الطابع المحلي، التي بدأت في أواخر سبعينات القرن الماضي وانتهت بمقتل السادات عام 1981، وبخلاف طبيعة العمليات المسلحة ضد الأقباط والسياح في عهد مبارك، وبخاصة في فترة التسعينات، ينظر الكثير من المصريين، بمن فيهم السيسي، اليوم، إلى النشاط الإرهابي الحالي باعتباره «نشاطا عابرا للحدود»، ويستهدف الجميع وليس المسيحيين فقط.
كما أن الرئيس نفسه أشار في غير مناسبة إلى ضلوع دول في تمويل النشاط الإرهابي ضمن حالة من العداء للدولة المصرية، ودول أخرى في المنطقة. ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك لمواجهة هذا الخطر، حين ألقى كلمة بهذا الشأن يوم الأحد الماضي. وسبق للرئيس أن لمّح إلى التعاون العابر للحدود الذي يحظى به الإرهابيون، وذلك عقب تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وشنت مصر غارة حربية على مقار لـ«داعش» قرب مدينة درنة الليبية، حين قتل التنظيم المتطرف، قبل سنتين، 21 مصريا مسيحيا كانوا يعملون في ليبيا.
وعقب الإطاحة بحكم مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، قال الدكتور محمد البرادعي، على هامش حوار أجرته مع «الشرق الأوسط» حين كان نائبا للرئيس المصري المؤقت وقتذاك، عدلي منصور: إن عدد العناصر المتطرفة في سيناء يبلغ 12 ألفا من المصريين والأجانب. وأيا ما كان الأمر، فإن مصر، مثلها مثل دول ما يعرف بـ«الربيع العربي» شهدت منذ عام 2011 عودة كبيرة لألوف عدة من المتطرفين الذين كانوا يشاركون في القتال في المناطق الملتهبة في العالم، من أفغانستان إلى باكستان ومن العراق إلى الشيشان، غيرها.
وبمجرد الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق مبارك، عادت إلى مصر جماعات من المتطرفين، من بينهم محكوم عليهم بالإعدام وبالسجن المؤبد، ومن بينهم أيضا قادة كانوا قد فرّوا من أفغانستان ولجأوا إلى الإقامة لبعض الوقت في إيران. كما أدى حكم جماعة الإخوان في عهد مرسي، إلى نشاط واسع وحضور للجماعات المتشددة، كان أبرزها تعيين إدارة مرسي محافظاً لمحافظة الأقصر السياحية ينتمي إلى جماعة متهمة بتدبير قتل سياح أجانب أثناء زيارتهم للمعالم الأثرية في المحافظة نفسها عام 1996.
وبعد إزاحة حكم مرسي فرت أعداد كبيرة من عناصر الجماعات المتطرفة إلى سيناء وإلى دول مضطربة مثل سوريا وليبيا. وجرى تحميل جانب من المسؤولية عن الإطاحة بحكم مرسي، للمسيحيين في مصر، وفقا لبيانات أصدرتها تنظيمات متطرفة. وبعدها بدأت الحرب ضد السلطات انطلاقا من سيناء، وتمكنت قوات الجيش التي انتقلت إلى هناك، من إرهاق المتشددين وقتل الكثير منهم؛ ما أدى إلى فرار بعضهم إلى خارج البلاد، بينما نقل البعض الآخر عملياته إلى القاهرة والدلتا.
وفيما يبدو أنه تحول جديد في تكتيكات «داعش»، الذي أعلن مسؤوليته عن التفجيرات التي جرت منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي حتى يوم «أحد الشعانين»، لفتت بيانات الشرطة المصرية، الانتباه إلى أن معظم عناصر الخلايا التي نفذت العمليات الأخيرة، تنتمي إلى محافظة قنا (نحو 600 كيلومتر جنوب القاهرة). وتمكنت وزارة الداخلية المصرية عقب التفجيرات بيومين من تحديد هوية منفذي العمليتين، وبدأت في تمشيط مناطق جبلية قرب محافظة قنا في الصعيد، وفي مواقع أخرى في البحر الأحمر والسويس المجاورة لسيناء، بالإضافة إلى القاهرة نفسها. وشددت الإجراءات على الحدود البرية، وبخاصة تلك الملاصقة لليبيا.
ومعظم الأسماء الـ19 المتهمة في تفجير الكنيستين، التي أوردتها بيانات وزارة الداخلية، من مواليد محافظة قنا، ومن مواليد عقد الثمانينات. وألقي على ثلاثة متهمين منهم بالفعل. وردت قيادات المحافظة من قبائل ونواب في البرلمان ووجهاء بالتبرؤ من مرتكبي ما وصفوه بـ«العمل الإرهابي الخسيس الذي وقع في الكنائس».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.