مفاوضات برعاية أميركية تمهيداً لانسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من بلدات بريف حلب

الأكراد قللوا من أهميتها... والمعارضة ترى أنها جزء من خطة «المنطقة الآمنة»

سوريون يغادرون بلدتي كفريا والفوعة بعد اتفاق تم بين النظام والمعارضة (رويترز)
سوريون يغادرون بلدتي كفريا والفوعة بعد اتفاق تم بين النظام والمعارضة (رويترز)
TT

مفاوضات برعاية أميركية تمهيداً لانسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من بلدات بريف حلب

سوريون يغادرون بلدتي كفريا والفوعة بعد اتفاق تم بين النظام والمعارضة (رويترز)
سوريون يغادرون بلدتي كفريا والفوعة بعد اتفاق تم بين النظام والمعارضة (رويترز)

كشفت المعارضة السورية، عن مفاوضات تجري بين «الجيش السوري الحر» وميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ذات الغالبية الكردية، تفضي إلى انسحاب الأخيرة من 10 قرى سيطرت عليها في ريف محافظة حلب الشمالي، إبان انشغال «الجيش الحر» بقتال تنظيم داعش في منطقة مارع. غير أن الجانب الكردي - المؤيد لسوريا «فيدرالية» - الذي قلّل من أهمية هذه المعلومات، وضع الأمر في سياق التفاهمات مع القوى الدولية الموجودة على الأراضي السورية لضرورات الأعمال العسكرية، بينما رأى فيها خبراء «نوعاً من التوازنات التي يرسمها الأميركيون في سوريا وجزءاً من ترتيبات المنطقة الآمنة».
معلومات المعارضة السورية، بجناحيها السياسي والعسكري، تقاطعت عند حتمية قرب التوصل إلى اتفاق يفرض على الميليشيات الكردية الانسحاب من البلدات المشار إليها، وأوضح عضو «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية» أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحادثات قائمة بالفعل برعاية أميركية، ومحورها بند واحد وهو انسحاب (قسد) من بلدات عدة بريف حلب». وأوضح رمضان أن «المفاوضات تشمل بالدرجة الأولى تل رفعت والشيخ عيسى ومنّغ، التي ستكون جزءاً من المنطقة الآمنة»، مؤكداً أنه «إذا لم تنسحب تلك القوات باتفاق فسيتم ذلك عسكرياً».
من ناحية أخرى، نقلت «شبكة شام» الإخبارية المعارضة عن مصدر عسكري في «الجيش الحر» قوله: إن «بنود اتفاق» طرحت على ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» في منطقة عفرين: «وهي تقضي بانسحابها من البلدات والمدن التي سيطرت عليها بريف حلب الشمالي في فبراير (شباط) عام 2016 بدعم جوي من الطيران الحربي الروسي آنذاك، مستغلة انشغال الثوار بمواجهة تقدم قوات الأسد والميليشيات الشيعية شمالي حلب». وتابع المصدر مفصلاً إن الاتفاق «يتضمن خروجاً كاملاً لـ(قسد) من بلدات ريف حلب الشمالي، أبرزها منّغ وتل رفعت والمالكية، وجميع القرى التي احتلتها بريف محافظة حلب، على أن تعود الأوضاع العسكرية لما كانت عليه قبل تقدمها من منطقة عفرين». وتحدثت «شبكة شام» عن معلومات تفيد، بأن التحالف الدولي وجه كتاباً رسمياً لميليشيا «قسد» في عفرين، تدعوها إلى ضرورة إخلاء أكثر من عشر بلدات وقرى على رأسها تل رفعت؛ الأمر الذي نفته «قسد» في بيان صادر عن قيادتها المركزية.
في هذه الأثناء، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي السوري العميد أحمد رحّال، أن «المفاوضات بين الجانبين مستمرة منذ أكثر من أسبوعين، وقد يتبلور الاتفاق خلال ساعات أو أيام قليلة». وأشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مبادرة أميركية دفعت باتجاه هذه المفاوضات، وهي تشمل 10 بلدات، أهمها تل رفعت ومنّغ ومطار منّغ، وربما تدخل مدينة منبج في إطار هذه الصفقة». وقال إن «منطلق هذه الخطوة أن هذه البلدات عربية استولى عليها الأكراد في لحظة إنشغال الجيش الحرّ بقتال (داعش) في منطقة مارع، ومحاولة الروس إنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة التي أزعجت الأميركيين». ورأى أن القضية «تدخل في سياق التوازنات التي يرسمها الأميركيون في سوريا، وهي جزء من ترتيبات المنطقة الآمنة».
أما الجانب الكردي، فاستبعد أي انسحاب من المناطق التي تسيطر عليها ميليشياته، وأعلن القيادي في «حركة المجتمع الديمقراطي» الكردية عبد السلام أحمد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المناطق التي يتم تحريرها، لا يمكن تركها أو الانسحاب منها تحت أي ظروف أو شروط»، لكنه لفت إلى «إمكانية حصول بعض التفاهمات مع القوى الدولية الموجودة على الأراضي السورية، لضرورات الأعمال العسكرية، إلا أنها لا تتضمن ترك المناطق المحررة حتى يتم إشغالها من قوى عسكرية أخرى، وبخاصة التي تحمل أجندات معادية» للميليشيات الكردية.
وعما إذا كانت هذه المفاوضات تعني التمهيد للمنطقة الآمنة في شمال سوريا، قال عبد السلام أحمد «المنطقة الآمنة لن تكون على حساب انسحاب المجالس العسكرية التي ينتمي أفرادها إلى سكان تلك المناطق»، وتركها لمجموعات وصفها بالإسلامية المتطرفة كـ«فصائل «درع الفرات» - على حد زعمه - ولا نعتقد بأن هذا الأمر وارد أو مطروح من قبل الأميركان».
هذا، وكانت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» - التي تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، وتحظى بدعم الولايات المتحدة - قد انتزعت السيطرة على مناطق عليها فصائل المعارضة المسلّحة في ريف محافظة حلب الشمالي، واتهمت المعارضة السورية «قسد» بأنها «استغلت انشغال الثوار بمواجهة تمدد قوات الأسد والميلشيات الشيعية شمالي حلب، وسيطرت على الكثير من القرى والبلدات بريف حلب الشمالي، تحت غطاء جوي روسي، خلال شهر فبراير من العام الماضي». وأضافت إن هذه السيطرة «ساهمت في فصل مناطق الثوار عن المناطق التي تقدمت إليها قوات نظام الأسد بريف حلب الشمالي، وصولاً إلى بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين، كما ساهمت في تهجير آلاف المدنيين من تلك البلدات باتجاه منطقة إعزاز».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم