ميركل ليست مستعدة للإعلان عن استعادة الثقة مع واشنطن بعد فضيحة التجسس

حوار إلكتروني أميركي ـ ألماني حول الأمن والخصوصية

ميركل ليست مستعدة للإعلان عن استعادة الثقة مع واشنطن بعد فضيحة التجسس
TT

ميركل ليست مستعدة للإعلان عن استعادة الثقة مع واشنطن بعد فضيحة التجسس

ميركل ليست مستعدة للإعلان عن استعادة الثقة مع واشنطن بعد فضيحة التجسس

أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في واشنطن بوضوح أن ألمانيا لم تنس بعد ما تم الكشف عنه العام الماضي بشأن تجسس وكالة الأمن القومي الأميركية. وردا على سؤال في مؤتمر صحافي عما إذا كانت قد شعرت باستعادة الثقة في أعقاب الكشف عن الفضيحة، قالت ميركل: «أعتقد أن النقاش بأكمله.. أظهر أن ما زال لدينا في هذا الموقف بعض الصعوبات لم نتغلب عليها بعد». واستمعت ميركل، في يوم أمضت فيه أكثر من أربع ساعات في لقاء وجها لوجه مع باراك أوباما في البيت الأبيض، إلى الرئيس الأميركي وهو يخبر العالم بمدى أهمية العلاقة بين البلدين. لكن ميركل رغم ذلك لم تترك مجالا للشك بأن هناك حاجة لأن تكون العلاقة مهمة، وأنه سيتعين أن تكون أكثر من مجرد علاقة عمل كما هو معتاد. وتضمن «العمل» المحرج بين الحليفين الكشف عن أن وكالة الأمن القومي كانت تتنصت على محادثات الهاتف المحمول الخاص بالمستشارة الألمانية، بالإضافة إلى الحصول على كميات هائلة من بيانات الإنترنت التي يعتقد الكثير من الألمان أنها انتهكت خصوصيتهم. وجاء الكشف من قبل مسرب المعلومات الهارب إدوارد سنودن، موظف الاستخبارات الأميركية السابق الذي منح حق اللجوء في روسيا.
وتجنبت الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي إثارة غضب الولايات المتحدة عندما منعت سنودن من الإدلاء بشهادته أمام لجنة برلمانية في برلين بعد أن ضغط ساسة يساريون في ألمانيا من أجل الحصول على فرصة لاستجوابه وربما الكشف على نطاق أوسع عن الفضيحة. وذكرت وسائل الإعلام الألمانية قبيل اجتماع أوباما أن حكومة ميركل رفضت دعوة سنودن على أساس أن ذلك يمكن أن يتسبب في توتير العلاقات مع واشنطن، وهو ما يتعارض مع المصالح السياسية لألمانيا. ولا يزال من الممكن أن يحظى المحققون الألمان بمقابلة مع سنودن في روسيا.
ومع حرصه على وضع قضية التجسس خلفه، أثار أوباما هذه القضية حتى قبل أن يتمكن أي صحافي من ذلك، مشيرا إلى أنه يعرف أنها تستحوذ على «اهتمام كبير في الصحافة الألمانية». وأكد أن الولايات المتحدة وألمانيا تشتركان في نفس القيم والاهتمامات لكنه اعترف بأن واشنطن وبرلين لم يتوافقا تماما بعد بشأن كيفية تحقيق التوازن بين حماية الخصوصية والحاجة لجمع المعلومات الاستخباراتية من أجل مكافحة الإرهاب.
وقال أوباما «لقد آلمني أن أرى المدى الذي سببته تسريبات سنودن من توترات في العلاقة». وأكد مجددا أن الألمان العاديين لا يخضعون إلى «المراقبة المستمرة». وأضاف «حقيقة الأمر هي أن تركيزنا ينصب أساسا وبالدرجة الأولى على كيفية التأكد من أن الإرهابيين، وأولئك (الذين) يريدون أن تنتشر الأسلحة والمجرمين عبر الحدود، غير قادرين على الانخراط في الأنشطة التي اعتادوا على الانخراط فيها.. لا يمكن أن ننجح في ذلك إلا بالشراكة مع أصدقاء مثل ألمانيا. نحن لن ننجح إذا فعلنا ذلك بمفردنا». وقد تكون ميركل قد تساءلت حينئذ عن علاقة كل ذلك بالتنصت على هاتفها المحمول. واستشرافا للمستقبل، قال أوباما إن «القانون والسياسة يجب أن يلحقا بركب التقدم السريع في مجالات التكنولوجيا»، مشيرا إلى أن القضية ستنتقل إلى طاولة المفاوضات. وقال أوباما إنه «أبلغ ميركل بأن الولايات المتحدة ملتزمة بحوار إلكتروني أميركي - ألماني لسد الفجوات بين كيفية قيام وكالة الأمن القومي الأميركية والاستخبارات الألمانية بالعمل لضمان الشفافية والوضوح بشأن ما تقوم به الولايات المتحدة».
وقال إن ميركل، عليها ألا تشك في مدى جدية الولايات المتحدة في تناول هذه القضايا مشددا على اعتقاده الراسخ بأنها (القضايا) ستحل ليس فقط بما يرضي الولايات المتحدة وألمانيا، ولكن بما يرضي الناس في جميع أنحاء العالم. وقالت ميركل إنها ترى الحوار الإلكتروني كمنتدى لمناقشات أطول لتحديد أين تقف الدول مشيرة إلى أن هناك مفاوضات تشمل الاتحاد الأوروبي في محادثات حول الأمن والخصوصية. وتوقعت ميركل أن تظهر المفاوضات «بشكل واضح جدا مدى الاختلافات الموجودة في الرأي».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.