مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: الضربة الأميركية يجب ألا تبقى يتيمة

قالت إن «الرسالة» كانت موجهة إلى موسكو وطهران بقدر ما كانت موجهة لدمشق

مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: الضربة الأميركية يجب ألا تبقى يتيمة
TT

مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: الضربة الأميركية يجب ألا تبقى يتيمة

مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: الضربة الأميركية يجب ألا تبقى يتيمة

في كلامه للصحافة، عقب انتهاء اجتماع وزراء خارجية مجموعة الـ7 للدول الأكثر تصنيعا، أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أن الضربة الصاروخية التي وجهتها البحرية الأميركية ضد قاعدة الشعيرات الجوية السورية ردا على استخدام النظام السلاح الكيماوي في خان شيخون الأسبوع الماضي: «فتحت نافذة صغيرة» في جدار الأزمة السورية.
وبحسب جان مارك إيرولت، فإن «مجموعة السبع ستبلغ روسيا بوضوح شديد أن الرياء يجب أن يتوقف كما يجب أن تتدخل بصدق وإخلاص في العملية السياسية حتى نخرج من هذا الموقف الذي وجدنا أنفسنا فيه». وهذا يعني، وفق ما اتفق عليه الوزراء السبعة ونظراؤهم من السعودية والإمارات وقطر والأردن وتركيا، أن «لا مستقبل ممكنا لسوريا مع وجود بشار الأسد» في السلطة. وما يريده هؤلاء هو «دفع روسيا لدعم المسار السياسي الهادف إلى إيجاد حل سياسي للنزاع في سوريا». وذهب وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في الاتجاه نفسه، بتأكيده أنه «من الواضح أن حكم عائلة الأسد يقترب من النهاية» وأن لجوء الأخير للسلاح الكيماوي «نزع عنه شرعيته»، مضيفا أنه يتعين على روسيا أن تعي أنها «ربطت نفسها بتحالف مع شريك (الأسد) غير جدير بالثقة».
هذه الرسالة كلف تيلرسون بنقلها إلى الجانب الروسي. بيد أن السؤال الذي تطرحه مصادر أوروبية وثيقة الصلة بالاتصالات الخاصة بالملف السوري، يتناول مدى «تأثيرها» على موسكو ومدى استعداد الإدارة الروسية للتعامل معها بجدية؟
ترى هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، أن الضربة الأميركية «يجب ألا تبقى يتيمة من أجل توافر المصداقية لما يقوله المسؤولون الأميركيون عن استعداد واشنطن للمعاودة» في حال لجأ النظام مجددا لاستخدام السلاح الكيماوي أو إلقاء البراميل المتفجرة. وتضيف هذه المصادر أن الضربة الأولى كانت بمثابة «تحذير» ليس فقط للنظام في سوريا وإنما أيضا لإيران وروسيا، لا بل إن روسيا كانت المستهدفة «لأن عددا من وحداتها الجوية كان موجودا في القاعدة» التي أخليت منها تلافيا لوقوع إصابات بينها. وبكلام آخر، فإن «الرسالة» كانت موجهة لموسكو بقدر ما كانت موجهة لدمشق، ومفادها أن «قواعد اللعبة قد تغيرت». ولذا، فإن المصداقية الأميركية التي تعتبرها المصادر الأوروبية «العنصر الجديد الوحيد» في المعادلة السورية، يفترض فيها أن تكون «حقيقية وجدية» حتى يكون لها تأثير على أداء الأطراف المعنية بالحرب في سوريا، وبالتالي يمكن أن تشكل «سيف ديموقليس» الذي من شأنه أن يحدث نقلة فيها.
لكن المشكلة، كما تنظر إليها العواصم الأوروبية، تكمن أيضا في واشنطن وتحديدا في «مسار اتخاذ القرار وتعدد الأصوات المتنافرة أحيانا والمتوازية أحيانا أخرى». ولذا، فإن المصادر الأوروبية تعتبر أن الحرب في سوريا دخلت في زمن «انعدام اليقين» ما يمثل «قطيعة جذرية» مع زمن إدارة الرئيس أوباما. وتتساءل هذه المصادر عن القدرة على «التعايش» مع إدارة أميركية «يصعب التكهن بما تنوي القيام به من جهة وتتضارب تصريحات مسؤوليها فيما بينهم من جهة أخرى». ولا تنفي هذه المصادر احتمال أن يكون «انعدام اليقين» أو «المفاجأة» جزءا من السياسة الأميركية الخارجية، وفي هذه الحال فإن الغرض المتوخى منها هو «زعزعة استقرار» الطرف المقابل. وفي الوقت نفسه لا تستبعد أن تكون «وليدة الارتجال وتعبيرا عن غياب خطة واضحة» تريد واشنطن السير بها في الملف السوري وهو ما كان يبحث عنه وزراء مجموعة السبع في اجتماعات مدينة لوكا الإيطالية «توسكانا». وفي هذه الحال تكون هذه السياسة «وليدة الحدس أو التأثر» الأمر الذي برز بقوة في تصريحات الرئيس ترمب نفسه التي قادت في نهاية المطاف إلى الضربة العسكرية. وفي أي حال، يبدو أن حرص ترمب على إبراز أنه «يختلف» عن سابقه في البيت الأبيض وأنه «صاحب قرار» قد لعبا دورا كبيرا في تخلي واشنطن عن تحفظها واستهداف مواقع للجيش السوري للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في هذا البلد قبل ستة أعوام.
بيد أن العواصم الأوروبية لا تعزو «استنفار» واشنطن لعوامل عاطفية فقط بل ترى أن ما دفع لذلك بالدرجة الأولى كون اللجوء إلى السلاح الكيماوي يثير في واشنطن تساؤلات «استراتيجية». وبحسب المصادر المذكورة، فإن المنطق الأميركي هو أن استخدام النظام السلاح الكيماوي يعني ببساطة أنه يمتلك كميات منها، وبالتالي لا شيء يمنع أن يكون «حزب الله» قد حصل على هذا السلاح الذي يمكن أن يهدد إسرائيل. من هنا كان حديث واشنطن عن «الأمن القومي» الأميركي وعن «المصالح الاستراتيجية» الأميركية وعن عودتها إلى تأكيد أن الرئيس الأسد قد «فقد شرعيته»، وبالتالي العودة إلى المطالبة برحيله.
الثابت حتى الآن، وفق الأداء الأميركي والروسي في الأزمة الأخيرة، أن الطرفين يريدان استبعاد «التصعيد والمواجهة» ويحرصان على إبقاء خيوط الحوار موصولة بينهما، وإلا فما هو معنى ذهاب تيلرسون إلى موسكو بينما وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ألغى رحلته التي كانت مقررة السبت إلى موسكو؟ وكان لافتا أمس تصريحات صادرة عن نائب رئيس مجلس الدوما الروسي التي أكد فيها أن بلاده «لن تدخل في مواجهة مباشرة» مع الولايات المتحدة الأميركية إذا استهدفت مجددا مواقع سورية، بينما سيكون ردها «فوريا» في حال ضرب منشآت روسية في سوريا. وبحسب المسؤول الروسي، فإن الدفاعات الجوية السورية «كافية» بنفسها للتعامل مع هجوم أميركي جديد مفترض.
ما المبتغى من كل ذلك؟ تقول المصادر الأوروبية إن السيناريو «الأمثل» هو أن تقبل موسكو أخيرا الضغط على النظام السوري وحليفه الإيراني من أجل قبول تسوية تؤدي إلى انتقال سياسي، الأمر الذي يعني العودة إلى جنيف ولكن هذه المرة مع «هراوة أميركية غليظة» يمكن أن تستخدم وفق الحاجة. وهكذا، لا يبقى الميدان مفتوحا لروسيا وحدها تصول فيه وتجول. ومن الناحية العملية، ستتم العودة إلى ما كان مطروحا في السابق «لأن الحل السياسي هو الوحيد الممكن» مع فارق أساسي هو احترام وقف النار جديا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى القرى والمدن المحاصرة والسعي إلى تسوية يقبلها جميع الأطراف. وكل هذه العناصر موجودة في بيان جنيف وفي القرار 2254 الصادر في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2015.
وبالنظر لمجمل هذه العناصر، ترى هذه المصادر أن اللحظة الراهنة يمكن أن تكون أكثر نجاعة في إحداث تقدم يتعين على الجميع التعاون عليه، وهذا يعني واشنطن وموسكو بالدرجة الأولى. ومن هذا المنطلق، فإن وضوح الرؤية الأميركية تبدو «أساسية» من أجل إرساء قواعد لعبة جديدة لا تكون مائلة بشدة لصالح طرف على حساب آخر وتكون ضامنة للمصالح الأساسية لكل جانب محلي وغير محلي. لكن هل يستطيع تيلرسون أن يوجد الصيغة «العجائبية» في لقاءاته مع موسكو بعد أن فشل الوزير السابق جون كيري في زحزحة الموقف الروسي؟ هذا هو السؤال الذي سيشغل الدبلوماسية الدولية في المقبل الأيام.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.