جوائز «بوليتزر» الأميركية... 3 لـ«نيويورك تايمز» وواحدة للروائي الليبي هشام مطر

مراسل «واشنطن بوست» يفوز عن تحقيقاته حول مؤسسة ترمب الخيرية

فاز إي جيسون وامبسغانز (44 عاماً) عن صورة لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات بعد أن نجا من إطلاق النار في شيكاغو (إ.ب.أ)
فاز إي جيسون وامبسغانز (44 عاماً) عن صورة لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات بعد أن نجا من إطلاق النار في شيكاغو (إ.ب.أ)
TT

جوائز «بوليتزر» الأميركية... 3 لـ«نيويورك تايمز» وواحدة للروائي الليبي هشام مطر

فاز إي جيسون وامبسغانز (44 عاماً) عن صورة لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات بعد أن نجا من إطلاق النار في شيكاغو (إ.ب.أ)
فاز إي جيسون وامبسغانز (44 عاماً) عن صورة لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات بعد أن نجا من إطلاق النار في شيكاغو (إ.ب.أ)

اقتنصت صحيفة «ذي نيويورك تايمز» 3 جوائز «بوليتزر»، عن الأخبار الدولية، وصور الأخبار العاجلة، وكتابة القصة الصحافية.
وجاء الإعلان عن الجوائز داخل جامعة كولومبيا، الاثنين، بعد عدة ساعات مما بدا أنه تلميح من جانب الصحيفة إلى فوزها، عبر نشرها إعلاناً عن بثها حدث إعلان الفائزين معها بجوائز «بوليتزر» على الهواء مباشرة، عبر صفحتها على «فيسبوك». ومن جانبها، وصفت متحدثة رسمية باسم الصحيفة هذا الأمر بـ«الخطأ الذي انطوى على نوع من التمني».
كان فريق العمل لدى «ذي نيويورك تايمز» قد فاز بجائزة التقارير الدولية، عن سلسلة من التقارير حول جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز صورة روسيا كقوة عالمية. وفاز دانييل بيرولاك عن التصوير، لتوثيقه حملة عنيفة وقعت بالفلبين. كما فاز سي جيه شيفرز بجائزة القصة الصحافية، عن قصة حول مقاتل شارك بالحرب في أفغانستان، يعاني من اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية.
ومن صحيفة «واشنطن بوست»، فاز ديفيد فهرنتولد بجائزة «بوليتزر» في مجال التقارير الوطنية، عن تحقيقاته حول مؤسسة دونالد ترمب الخيرية، وهي التحقيقات التي أثارت الشكوك حول المعاملات المالية للمؤسسة الخيرية، وكشفت أيضاً أن ترمب لم يكن سخياً في المجال الخيري، كما كان يدعي. وكانت تلك التحقيقات وراء الكشف عن تسجيل عام 2005، ودفع ترمب إلى الاعتذار في ذلك الوقت.
ولعدة أشهر، تتبع الصحافي فهرنتولد (39 عاماً) الأموال التي تذهب إلى الجمعية الخيرية التي أسسها ترامب للمحاربين القدامى، واكتشف أن نصف الأموال فقط تذهب إلى المحاربين القدامى، بينما استخدم ترمب أموال المؤسسة الخيرية في تسديد تسويات ومشتريات قانونية متعلقة بشركته.
وطغت التحقيقات الصحافية حول الانتخابات الرئاسية، ومحاولات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى حرائق كاليفورنيا، على التقارير الصحافية التي تنافست لنيل الجوائز، وقد فازت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» بجائزة «بوليتزر» للخدمة العامة، عن سلسلة تحقيقات حول إساءة استخدام إدارة شرطة نيويورك لقانون يجبر الناس على مغادرة منازلهم بسبب أنشطة غير قانونية. وقد أدت سلسلة التقارير الصحافية، التي كتبتها سارة ريلي (36 عاماً) في صحيفة «نيويورك ديلي نيوز»، إلى دفع مجلس مدينة نيويورك إلى إجراء إصلاحات شاملة في هذا المجال.
ومنحت جائزة «بوليتزر» في مجال التقرير التفسيري إلى تحقيقات «أوراق بنما»، التي اشترك فيها أكثر من 300 صحافي في 6 قارات لكشف البنية التحتية السرية للملاذات الضريبية، والتي استخدمها عدد كبير من رؤساء الدول وكبار المسؤولين الدوليين.
وفي مجال القصص الإخبارية (فيتشرز)، فاز الصحافي سي جي شيفرز، بمجلة «نيويورك تايمز»، عن قصته عن أحد المحاربين القدامى الذي تطارده تجاربه في أفغانستان. وروت القصة الصحافية التي بلغت 18 ألف كلمة التجارب القاسية التي مر بها المحارب في أفغانستان.
وفي مجال المقال، فازت بيغي نونان، من «ذي وول ستريت جورنال»، عن مقال الرأي لما بذلته من مجهود، حسبما قالت اللجنة المسؤولة عن الجائزة، «لربط القراء بالفضائل المشتركة بين الأميركيين خلال واحدة من أكثر الحملات الانتخابية الرئاسية المثيرة للانقسام والفرقة في تاريخ البلاد».
وفي مجال الرسم الكاريكاتيري، فاز الرسام جيم مورين لثاني مرة بجائزة «بوليتزر» (جائزته الأولى كانت في عام 1996)، حول رسومات تكافح العنصرية. وفي مجال التصوير الفوتوغرافي الصحافي، فاز المصور الفوتوغرافي بيربهولاك (41 عاماً) بصورة أظهرت الاستخفاف الصارخ بالحياة البشرية في الفلبين، في الهجوم الحكومي على تجار المخدرات ومستخدميها، وتبرع المصور بقيمة جائزته لأسر القتلى وضحايا الإدمان. وقد حصل بيربهولاك على جائزة «بوليتزر» في التصوير الفوتوغرافي عام 2015، عن أعماله التي توثق وباء الإيبولا في غرب أفريقيا. وفي مجال التصوير الموضوعي، فاز إي جيسون وامبسغانز (44 عاماً)، عن صورة لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات، بعد أن نجا من إطلاق النار في شيكاغو.
وفي مجال الرواية، فازت رواية «مترو الأنفاق» (ذي أندرغراوند ريلرود)، للكاتب كولسون وايتهيد، التي تتسم بقدر ملحوظ من الوحشية والسريالية في تفاصيلها، بجائزة «بوليتزر» للأعمال الأدبية. وقد فازت الرواية ذاتها بـ«جائزة الكتاب الوطني» الخريف الماضي، وهي تدور حول امرأة شابة هربت من حياة العبودية في جورجيا عبر سلسلة من القطارات تحت الأرض.
وفي تصريحات لوكالة «أسوشييتد برس»، قال وايتهيد: «أعتقد أن الرواية تتعامل مع شعور البيض بالفوقية باعتباره خطأ محورياً في تاريخ هذه البلاد، ويتجلى هذا الخطأ الآن داخل البيت الأبيض».
ونال كتاب «العودة: الآباء والأبناء وبينهما الأرض»، لهشام مطر، بجائزة «بوليتزر» لأول سيرة ذاتية. وقد جرى نشر الكتاب عن دار «فايكينغ» داخل المملكة المتحدة، و«راندوم هاوس» داخل الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في أعقاب ترشيح الكتاب ذاته الأسبوع الماضي لجائزة «فوليو» داخل المملكة المتحدة، وقيمتها 20 ألف جنيه إسترليني.
ويتتبع الكتاب مسيرة حياة مطر في وطنه ليبيا، حيث كان والده من المعارضين البارزين للقذافي، وقد تعرض للسجن بعد اختطافه قبل أكثر من عقدين. ومع قضاء مطر بعض الوقت داخل وطنه برفقة زوجته ووالدته، تعتمل نفسه بالأسئلة، ويعيد مرة بعد أخرى تفحص خسارته الأليمة. وفي خضم ذلك، يرسم صورة آسرة للبلاد وأسرته.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)