السعودية تختار 51 شركة للمنافسة على مشاريع الطاقة المتجددة

«وعد الشمال» تضيف 4 مليارات دولار للناتج المحلي

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أثناء تفقده للمشروع («الشرق الأوسط»)
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أثناء تفقده للمشروع («الشرق الأوسط»)
TT

السعودية تختار 51 شركة للمنافسة على مشاريع الطاقة المتجددة

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أثناء تفقده للمشروع («الشرق الأوسط»)
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أثناء تفقده للمشروع («الشرق الأوسط»)

كشف مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بالسعودية، عن قائمة الشركات المؤهلة للدخول في المنافسة على مشاريع المرحلة الأولى من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة.
وجرى تقييم واختيار العروض وفق مجموعة واضحة من المعايير التي تضمن استيفاء الشركات المتقدمة للخبرات والقدرات والكفاءات اللازمة لإنجاز مشاريع بهذا الحجم في السعودية ضمن الجدول الزمني المحدد.
وكانت المهلة المتاحة لتقديم طلبات التأهيل انتهت في 20 مارس (آذار) الماضي، وتم تسلم 128 طلبا للتأهيل لمشاريع المرحلة الأولى، والتوصل إلى تأهيل قائمة تضمّ 27 شركة متأهلة لمناقصة مشروع الطاقة الشمسية بحجم 300 ميغاواط، و24 شركة متأهلة لمناقصة مشروع طاقة الرياح بحجم 400 ميغاواط، وتم تقسيم الشركات ضمن ثلاث فئات هي «مديرو مشاريع» أو «مديرون فنيّون» أو كلاهما، وذلك بناءً على خبرتهم في العمل على مشاريع إنتاج مستقل بهذا الحجم.
وأوضحت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، أن الشركات التي لم يتم تأهيلها للمرحلة الأولى ضمن أحد التصنيفين الإداري أو الفنّي لا تزال قادرة على المشاركة في كلا المشروعين كجزء من التحالف الذي يقوده «مديرو المشاريع».
وأشاد المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، بالاستجابة الواسعة التي حظيت بها مشاريع المرحلة الأولى للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة في السعودية، بما يعكس الثقة الكبيرة التي توليها السوق للفرص الاستثمارية التي توفرها المملكة في هذا القطاع المهم.
وقال الفالح: «يمثل التوصل إلى قائمة الشركات المتأهلة الخطوة الأولى نحو تحقيق أهدافنا الطموحة ونتطلع قدماً للعمل مع هؤلاء المطوّرين الرائدين وشركائهم لتحقيق القيمة المضافة من تنفيذ هذه المشاريع في المملكة خلال المرحلة القادمة».
ودعت وزارة الطاقة إلى عقد منتدى الاستثمار في الطاقة المتجددة في السعودية خلال 17 و18 أبريل (نيسان) بمدينة الرياض، ليشكل منصة تجمع صنّاع القرار والمطورين والمستثمرين والأكاديميين على المستويين المحلي والعالمي، وإظهار مدى التقدم الذي حققته السعودية على طريق تنويع مصادر الطاقة والتشجيع على الاستثمار في هذا القطاع الواعد والفوائد المرجوة منه على المدى البعيد.
ويطلق الفالح خلال المنتدى مناقصات مشاريع المرحلة الأولى من البرنامج، ويتخلل الحدث مجموعة نقاشات وكلمات، منها كلمة يلقيها عدنان أمين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، وأخرى يلقيها الدكتور إرنيست مونيز وزير الطاقة السابق في الولايات المتحدة الأميركية، الذي كان مسؤولا عن تطبيق خطة الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة.
وفي شأن آخر، أكد المهندس خالد الفالح، أن مشروع مدينة وعد الشمال الذي يزيد حجم الاستثمارات فيه على 36 مليار ريال (9.6 مليار دولار)، سيضيف عند اكتمال مراحله الأساسية، 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) للناتج المحلي السعودي، كما سيوفر آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، مشيرا إلى أن احتياطات الفوسفات في منطقة الحدود الشمالية يقدر بنحو 7 في المائة من المخزون العالمي للفوسفات.
جاء ذلك خلال زيارة الفالح لمشروع وعد الشمال في منطقة الحدود الشمالية أول من أمس، تزامنا مع إطلاق منظومة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المسار الثالث من سلسلة مبادراتها لتحقيق «الرؤية السعودية 2030» تحت اسم «الاستغلال الأمثل للثروة المعدنية».
وشدد وزير الطاقة على حرص السعودية على تنمية قطاع التعدين من خلال مثل هذه المشروعات العملاقة، وفق معطيات تنافسية جديدة ومتميزة، بما يضمن دفع مسيرة التنمية الاقتصادية في الوطن ككل، وفي منطقة الحدود الشمالية على وجه الخصوص.
وأشار إلى أن مشروع وعد الشمال، بجانب نظيره مشروع مدينة رأس الخير الصناعية التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مؤخرا سيشكّلان عند اكتمالهما، رافدين رئيسيين للتنمية الوطنية، ومنصة انطلاقٍ أخرى لتحقيق الأهداف الطموحة لقطاع التعدين الواعد، الذي تُبذل الجهود، ضمن رؤية المملكة 2030، لجعله الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي، مع صناعتي النفط والبتروكيميائيات.
وأكدت وزارة الطاقة أن الأعمال في معظم مشاريع البنية التحتية لمدينة وعد الشمال شارفت على الاكتمال، وتشمل الطرقات والجسور والمدينة السكنية ضمن نطاق عمل شركة معادن في تأسيس المدينة، وأشرفت شركة معادن على إنشاء الطرق الرئيسية، وربطها بالخط الدولي، ويبلغ طول الطريق 38.7 كيلومتر ويشمل جسرا يتقاطع مع خط السكة الحديدية، وتم افتتاح المسار الأول من الطريق في شهر سبتمبر (أيلول) 2014 وذلك بعد 7 أشهر من حفل التدشين، وأكملت «معادن» بناء الطرق الرئيسية الداخلية بالمدينة.
ولفتت إلى أن الوزير اطلع على مشروع ربط المشروع بالسكك الحديدية (قطار الشمال - الجنوب) الممتد من حزم الجلاميد شمال المملكة إلى وسطها في البعيثة، وصولا إلى مدينة رأس الخير في المنطقة الشرقية حيث ميناء التصدير، الذي تنفذه الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)، والذي شارف على نهايته.
وتفقد الفالح مجمع شركة معادن وعد الشمال للفوسفات الذي استثمرت فيه «معادن» وشركائها «سابك» و«موزاييك» أكبر منتجي الفوسفات في العالم ما يقارب 30 مليار ريال، ويشمل خمسة مصانع بمرافقها منها ثلاثة مصانع أساسية في موقع المشروع، إضافة إلى مصنعين في رأس الخير ستسهم في إنتاج 3 ملايين طن من الأسمدة الفوسفاتية، مما سيسهم مع ما تنتجه شركة معادن للفوسفات في رأس الخير إلى زيادة إنتاج المملكة من الأسمدة الفوسفاتية إلى 6 ملايين طن سنويا، وشارفت أعمال إنشائها على الانتهاء.
وقدم مسؤولو شركة معادن عرضًا عن برامج التدريب والتوظيف لاستقطاب وتطوير الشباب السعودي، خصوصاً أبناء منطقة الحدود الشمالية، للعمل في شركة معادن وعد الشمال للفوسفات التي ستتولى أعمال التشغيل بعد تسلم المصانع من إدارة المشاريع، كما تم استعراض الخطط التدريبية المتخصصة للشباب السعودي من حديثي التخرج الذين تم استقطابهم من جامعات الشمال وتدريبهم في مصانع الشريك الأجنبي - شركة موزاييك الأميركية - ومصانع معادن الأخرى، إضافة إلى تدريب الفنيين والمهنيين على رأس العمل في مصانع معادن الأخرى، وخلال فترة التشغيل التجريبية لمصانع الشركة بالمشروع، وبلغت برامج التدريب حتى الآن ما يزيد على 283 برنامجًا استغرق تقديمها ما يزيد على 68 ألف ساعة تدريب. وبلغ عدد الموظفين السعوديين في الشركة حاليا (قبل انطلاق أعمالها التشغيلية) نحو 450 موظفا سعوديا تبلغ نسبة أبناء المنطقة منهم نحو 74 في المائة.
واطلع وزير الطاقة على تقرير عن احتياطات المنطقة الشمالية من الثروة المعدنية، ومواقع احتياطيات خام الفوسفات ووجوده في منطقة الحدود الشمالية، وجرى التأكيد على أن الاحتياطيات تقدر بـ340 مليون طن. كما تم تقديم شرح مفصل عن طرق التعدين والحفاظ على البيئة في منطقة الخبراء (المنجم المخصص لاستخراج الخام) ومطابقتها للمعايير الدولية والمحلية.
وتعمل شركة أرامكو السعودية على إكمال مرافق تحميل الكبريت المصهور من مرافقها في معمل واسط وبرّي الذي سينقل عبر شبكة السكة الحديدية لمصانع شركة معادن في وعد الشمال. ويتم تزويد مصنع الأمونيا المقام في مدينة رأس الخير بالغاز من شركة أرامكو السعودية، التي تعمل أيضا على استكمال أعمال استخراج الغاز غير التقليدي بمنطقة الحدود الشمالية وإنشاء شبكة الأنابيب اللازمة لتوريده لمصانع شركة معادن ومحطة توليد الكهرباء بمدينة وعد الشمال، إضافة إلى الصناعات المساندة في المستقبل.
وأنهت المؤسسة العامة للموانئ إنشاء ثلاثة أرصفة جديدة ضمن ميناء مدينة رأس الخير لدعم تصدير المواد المنتجة من مدينة وعد الشمال. وأكملت شركة الكهرباء إنشاء وتشغيل المحطة الرئيسية والعمل جار على استكمال المحطة الفرعية السكنية لتكون جاهزة للتشغيل بنهاية شهر فبراير (شباط) 2017م. وتم ربط المحطات بالشبكة الوطنية وإنشاء الشبكات الداخلية الخاصة بالمدينة.
كما يشمل المشروع محطة توليد الطاقة الكهربائية المركبة المتكاملة بالمدينة التي تعكف على إنشائها الشركة السعودية للكهرباء بهدف إمداد المدينة بالطاقة الكهربائية، بقدرة إجمالية تصل إلى 1390 ميغاواط.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».