الكتل السياسية العراقية «قلقة» من الانتخابات البرلمانية المقبلة

بوادر منافسة بين العبادي والمالكي... وتوقعات بصعود «الحشد» و«التيار المدني»

الكتل السياسية العراقية «قلقة» من الانتخابات البرلمانية المقبلة
TT

الكتل السياسية العراقية «قلقة» من الانتخابات البرلمانية المقبلة

الكتل السياسية العراقية «قلقة» من الانتخابات البرلمانية المقبلة

لم تبرز إلى العلن ملامح التحالفات السياسية المقبلة لخوض الانتخابات النيابية العامة مطلع العام المقبل، سواء على المستوى الشيعي أو بقية المكونات العراقية، غير أن الإشارات الصادرة عن بعض الجهات السياسية تكشف عن «قلق» تعيشه معظم الكتل السياسية، لجهة خشيتها من أن تؤدي النقمة الجماهيرية حيال النخب السياسية، الناجمة عن اتهامها بالفساد وسوء الإدارة، وبخاصة حيال جماعات «الإسلام السياسي» إلى تراجع حظوظها الانتخابية المقبلة؛ لذلك فإن الكثير من تلك الجهات سعت خلال الأشهر الأخيرة إلى تغليف خطابها بمقولتي «الإصلاح» و«الدولة المدنية».
وينصب تركيز المراقبين على رصد التحركات المختلفة داخل ائتلاف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، باعتباره الكتلة الأكبر داخل القبة النيابية، والأكثر تأثيرا من بقية الكتل، وباعتبار تربعه على سدة رئاسة الوزراء لثلاث دورات متتالية، بدأت مع المالكي عام 2005، ثم تكررت معه عام 2010، وخسرها لصالح رفيقه في حزب الدعوة الإسلامية حيدر العبادي عام 2014، وكذلك باعتبار «الانشقاق» المحتمل بين رأسي الدعوة ودولة القانون المالكي – العبادي.
صحيح أن أوساط حزب الدعوة تؤكد منذ فترة عزمه خوض الانتخابات المقبلة بقائمة واحدة تجمع «الرأسين»، لكن مصادر مقربة من الحزب والائتلاف تؤكد لـ«الشرق الأوسط» وجود «تطلعات» مختلفة لدى الرجلين؛ فالعبادي الذي يستند إلى قوة منصب رئاسة الوزراء، ويطمح أن «يتزعم القائمة الانتخابية المقبلة»، بعدما كان دوره «متواضعا» في انتخابات 2014 وحصل على 5151 صوتا فقط، في مقابل حصول المالكي على أكثر من 700 ألف صوت من أصوات الناخبين.
وتقول المصادر: إن العبادي الذي عبر قبل فترة عن عدم رغبته في ولاية ثانية لرئاسة الوزراء، لكن «الواقع أنه يعمل بصمت ولا يكشف عن خططه، ولا يستبعد أن يلجأ إلى الانخراط في تحالفات انتخابية بعيدا عن دولة القانون وحزب الدعوة». وكشفت المصادر عن أنه يخطط «لافتتاح محطة تلفزيونية تحضيرا لمرحلة التنافس السياسي الانتخابي المقبل».
وتشير المصادر إلى أن المالكي يستعد مبكرا لخوض الانتخابات المقبلة، ومشغول هذه الأيام بالتواصل مع مختلف الفعاليات الاجتماعية والعشائرية لاستمالتها لصالحه، حيث التقى قبل أربعة أيام وفدا عشائريا من مدينة الصدر، ودعاهم إلى «المشاركة الكبيرة في الانتخابات المقبلة»؛ لأنها «ستفشل جميع محاولات الانقلاب السياسي في البلاد».
بدوره، يسعى المالكي إلى البقاء في مركز التأثير السياسي عبر الحصول إلى عدد أكبر من أصوات الناخبين، لإبقاء سيطرته على حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون من جهة، ولتفادي ما قد يتعرض له من مساءلة قانون بشأن ملفات فساد وسوء إدارة في مرحلة رئاسته للوزراء (2005 - 2014)، من جهة أخرى. وتتوقع المصادر أن «يشتد التنافس بين المالكي والعبادي، كلما اقترب موعد الانتخابات، على موقع رئاسة القائمة الائتلافية التي تخوض الانتخابات المقبلة».
ويعاني المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم التحديات ذاتها التي تعانيها بقية الكتل والأحزاب السياسية؛ لجهة الخشية من فقدان النفوذ، وعدم القدرة على المنافسة في الانتخابات المقبلة؛ لذلك ينظر كثيرون إلى «إلحاح» الحكيم على الانخراط في موضوع «التسوية التاريخية» أكثر مما فعل غيره من الساسة الشيعة، بوصفه «طريقة لإعادة إنتاج تياره» الذي حل ثالثا في آخر عمليتين انتخابيتين بعد القوتين الشيعيتين «دولة القانون» و«تيار الصدر»، وهناك خشية من تراجع هذا الدور في المستقبل، كما يرصد المراقبون رغبه عمار الحكيم في تصفية «الحرس القديم» في تياره، وطرح وجوه شبابية جديدة، حيث تراجع في الفترة الأخيرة نفوذ شخصيات، مثل وزير النقل المقال باقر جبر الزبيدي، ووزير النفط المستقيل عادل عبد المهدي داخل أوساط المجلس الإسلامي الأعلى، وهناك تكهنات بخروجهم النهائي منه.
أما التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، الذي يقود مظاهرات مطالبة بالإصلاح منذ أكثر من عام، فتقول أوساطه، إن الصدر يخوض غمار مفاوضات مكثفة مع التيارات المدنية وحزب الوفاق بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وإن التيار بصدد تشكيل قائمة انتخابية تضم شخصيات وطنية وتكنوقراط لا تنتمي بالضرورة إلى تيار الصدر، لكن خصومه في حزب الدعوة ينظرون إلى قيادته لحركة الاحتجاج الشعبي والدعوة إلى حكومة التنكنوقراط، على أنها مساع ترمي إلى «السيطرة على منصب رئاسة الوزراء المقبل، وحرمان حزب الدعوة منه».
ولعل أهم متغيرين جديدين سيبرزان خلال الانتخابات المقبلة، هما «قائمة الحشد» و«قائمة التيار المدني»، حيث تراهن الأوساط المقربة من الحشد الشعبي، على صعود ممثليه إلى مجلس النواب المقبل، نتيجة السمعة التي حصل عليها داخل الأوساط الشيعية بعد المعارك التي خاضها ضد تنظيم داعش، في حين يتوقع آخرون أن يكون التيار المدني «فرس الرهان» المقبل، نتيجة إخفاق جماعات «الإسلام السياسي» في إدارة الدولة من جهة، وحيوية التيار المدني ومساهمته الفاعلة في الاحتجاجات المطلبية المتواصلة منذ أشهر وعدم تورطه في مفاسد السلطة بعد 2003.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.