منصات التواصل الاجتماعي... لوبيات الضغط الجديدة

لم يكن دفاع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن المذيع الشهير بيل أورايلي كافياً لإقناع كبار المعلنين بإعادة ضخ الملايين في برنامجه في قناة «فوكس نيوز»، كما لم ينجح في إخماد الحرب التي يشنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة الإعلامية.
ورداً على تقارير تفيد بأن شبكة «21 سانتري فوكس» دفعت مبالغ مالية ضخمة لخمس نساء، لتسوية مزاعم تحرش بيل أورايلي بهن، قال ترمب في مقابلة مع «نيويورك تايمز»: «أعتقد أنه شخص أعرفه جيداً... إنه شخص طيب»، مضيفاً: «أعتقد أنه ما كان ينبعي له أن يبرم تسوية (...) لأنه كان ينبغي له الاستمرار حتى النهاية؛ لا أعتقد أن بيل ارتكب خطأ».
وقد فجرت تقارير حول تحرّش المذيع المعروف ومقدمّ البرامج في قناة «فوكس نيوز»، بيل أورايلي، بعدة نساء عملن في فريق الإعداد الخاص ببرنامجه الحواري، أو استضافهن للتعليق على إحدى القضايا، غضب مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية خلال الأيام الماضية. وتوصل أورايلي وشبكة «21 سانتري فوكس»، المالكة لقناة «فوكس نيوز»، إلى تسوية بنحو 13 مليون دولار مع 5 منهن. إلا أن استنكار رواد منصات التواصل الاجتماعي لم يتوقف عند هذا الحد، بل تسبب إلى حد كبير في سحب 31 شركة إعلاناتها من برنامج «أورايلي فاكتور» الذي يذاع في «البرايم تايم»، ويحظى بمتابعة واسعة، حسبما أورد موقع «بيزنس إنسايدر» البريطاني.
وتضم أبرز هذه الشركات «مرسيدس» و«هيونداي» و«بي إم دبليو» و«ميتسوبيشي»، والشركة المالية «تي راو برايس»، وموقع التمويل الشخصي «كريديت كارما»، وشركة التأمين «آلستايت»، وشركتي الأدوية «سانوفي» و«غلاكسو سميث كلاين»، وشركة القمصان الرجالية «أونتوكت»، وشركة التسويق الرقمية «كونستانت كونتاكت». وأوضحت «هيونداي» أنها فيما لم تعرض أي إعلانات في برنامج أورايلي، فإنها قررت سحب إعلاناتها من الحلقات المقبلة، مشيرة إلى أنها تتعاون مع شركات وبرامج تشاركها قيم الاندماج والتنوع نفسها.
وليست هذه المرة الأولى التي ينجح فيها الرأي العام في الضغط على الشركات لدعم برامج تلفزيونية أو مطبوعات ومواقع إعلامية تتماشى مع قيمهم. ولعل أبرز مثال على نجاح مثل هذه الحملات التراجع الكبير في الدعم والتمويل الذي عانى منه موقع «بريتبارت» اليميني المتطرف.
وسحبت نحو 1250 شركة إعلاناتها من الموقع الذي شارك في تأسيسه ستيف بانون، كبير استراتيجيي البيت الأبيض، وفق ما أكده حساب «سليبنغ جاينتس» (العمالقة النائمون)، الذي يقود حملة المقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتشمل لائحة الشركات التي سحبت إعلاناتها «أودي» و«فيزا» و«تي. موبايل»، و«لوفتانسا». واعتمدت هذه الحملة على أسلوب «التشهير» بالشركات المعلنة، وتكثيف الضغط عليها من مستخدمي «تويتر»، حتى تسحب دعمها للموقع اليميني المتطرف.
تجدر الإشارة إلى أن حملات المقاطعة و«لوبيات الضغط» الجديدة لا تقتصر على وسائل الإعلام فحسب، بل تصل إلى الشركات والعلامات التجارية. وكانت الحملة الإعلانية لـ«بيبسي» آخر نموذج على ذلك، إذ اضطرت الأخيرة إلى سحب إعلان توزع فيه عارضة الأزياء كندال جينر قنينات من المشروب الغازي على متظاهرين. وأغضب هذا الإعلان الكثيرين، وفي مقدمتهم برنيس كينغ، ابنة مارتن لوثر كنغ، التي انتشرت تغريدتها في ساعات قليلة، وانضم نحو 140 ألفاً من مستخدمي «تويتر» إليها، ما أجبر «بيبسي» على سحب الإعلان بعد 24 ساعة من بثه والاعتذار.
كما اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن هذا الإجراء يحاكي ما حدث في حملات مشابهة للضغط على علامات تجارية مرتبطة بمرسوم حظر السفر الخاص بترمب، مثل «إل إل بين»، و«أوبر»، وحتى بعض الإعلانات في برنامج «ذا نيو سيلبريتي أبرنتس» الذي كان يذيعه ترمب قبل دخوله عالم السياسة.
وللتعامل مع تأثير منصات التواصل الاجتماعي، اتجهت معظم الشبكات الإعلامية والشركات المعلنة إلى توظيف اختصاصيين في العلاقات العامة للحصول على استشارات حول أبرز «الخطوط الحمراء» لدى الرأي العام الأميركي.
ورأت كارا أليامو، أستاذة العلاقات العامة بجامعة هوفسترا بالولايات المتحدة، التي عملت في مجال الاتصالات بالأمم المتحدة وفي وزارة الخزانة في عهد الرئيس باراك أوباما، أن «الأميركيين أصبحوا يطالبون بأن تتوافق الشركات (التي يستهلكون منتجاتها) مع قيمهم، وأن تنخرط في القضايا السياسية التي تهمهم»، وأضافت في تصريحات لـ«نيويورك تايمز» أن «ما تفعله مواقع التواصل الاجتماعي الآن هو الضغط على الشركات للإسراع باتخاذ تلك القرارات».
في المقابل، يبقى التأثير المالي لهذه الحملات محدوداً. ففي حالة برنامج «أورايلي» مثلاً، لم تسحب الشركات إعلاناتها من قناة «فوكس نيوز»، بل اقتصرت على برنامج واحد، كما أن أغلبها لم يتعهد بعدم العودة لتمويله بعد مرور العاصفة.