عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين

موجة جديدة من التطرف في منطقة غير آمنة تشهد اضطرابات

عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين
TT

عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين

عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين

أسهمت عدة عوامل متداخلة في عودة تنظيم القاعدة في الساحل والصحراء للضوء من جديد، وهذه المرة باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». وتأتي هذه العودة ضد مجريات التاريخ الانشطاري للحركات الإرهابية التي عرفت انقسامات حادة منذ 2002. كما تأتي هذه العودة بعد التراجع الجغرافي لدولة البغدادي في العراق وسوريا. فقد استطاع الزعيم التاريخي الطارقي إياد أغ غالي قبل أسابيع قليلة بداية الشهر الماضي، توحيد 4 فصائل إرهابية قدمت بيعتها لتنظيم القاعدة بقيادة الظواهري. ويبدو أن هذا الاندماج بين كلٍّ من «جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطين»، سيشكل بداية لموجة جديدة من الفعل الإرهابي في منطقة غير آمنة، وتشهد اضطرابات سياسية وتناحرات عرقية وإثنية؛ وتشير أول عملية للتنظيم لما يمكن أن يحدث في المستقبل، حيث نفذ التنظيم الإرهابي الوليد أول عملية له بعد ثلاثة أيام من ولادته بهجوم على موقع عسكري في مالي قرب الحدود مع بوركينا فاسو بداية الشهر الماضي، وأدى إلى مقتل 11 جندياً من مالي والاستيلاء على بعض العتاد العسكري المهم.
ضمن هذا المسار الجديد، يمكن الحديث عن تطور في وعي التنظيم الجديد؛ ذلك أن اختيار إياد أغ غالي، زعيم «جماعة أنصار الدين»، قائداً للتنظيم الجديد يدخل لأول مرة عامل الرمزية التاريخية و«جانب التحرر» ليدمج في فكري ديني قتالي. فإياد أغ غالي وهو يخوض «حربه المقدسة» اليوم عمد في خطاب إعلان الولادة، إلى الاستحضار المكثف لمطلب الطوارق في الاستقلال والتحرر؛ واعتبر نجاحه في توحيد الجماعات الإرهابية، بداية لمرحلة جديدة من معركة شعب الطوارق والعرب المتضررين من الأنظمة السياسية المحلية والدول الأجنبية التي جاءت بجيوشها للمنطقة. من جهة أخرى لم تخل كلمة زعيم التنظيم الجديد «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، من الإعلان عن الاختيار العقدي والمذهبي الذي لخصه في رؤية تنظيم القاعدة بقيادة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود، وأمير حركة طالبان الملا هيبة الله.
* رجل يظهر وقت الحرب
يعتبر إياد غالي المولود سنة 1954 بمدينة كدال بمالي واحداً من أبرز القادة التاريخيين للطوارق المنتمين لقبيلة إيفوغاس ذات الثقل الاجتماعي والسياسي. كان الزعيم وهو طفل شاهداً على الصراع السياسي الذي خاضه الرئيس السابق موديبو مع المشيخات القبلية، وهو صراع انتهى بتنحية قبيلة إياد غالي من السلطة. ونظراً لما كانت تلعبه قبيلته سياسيا وعسكريا من دور مهم شمال مالي وخاصة بمنطقة كيدال، فقد كان غالي منذ تسعينات القرن العشرين واحداً من الشباب الذين انخرطوا في العمل العسكري ضد السلطة المركزية بمالي، خاصة بعد التهميش الذي لحق بالطوارق من دولتي النيجر ومالي في ثمانينات القرن الماضي. في هذه الفترة استغل معمر القذافي الوضع الأمني المضطرب في الساحل والصحراء، فكوّن مجموعات طوارقية مسلحة تابعة له، وكان إياد أغ غالي ضمن المجموعة التي أرسلها القذافي للقتال في لبنان ضد القوات الصهيونية إلى جانب نائبه في قيادة التنظيم الوليد سنة 2017 «الشيخ أوسا» بداية ثمانينات القرن الماضي في جنوب لبنان. بعد عودته كان إياد غالي من أبرز قادة «الجبهة الشعبية لتحرير أزواد»، المطالبة بالاستقلال عن مالي، في مرحلة تسعينات القرن الماضي. غير أن التمرد انتهى بوساطة جزائرية سنة 1992؛ وعاد من جديد إياد أغ غالي للعب دور مركزي في إخضاع حركات رافضة للاتفاق، مما أكسبه مزيدا من الشعبية.
صقلت تجربة غالي الشخصية، واكتسب خبرة حربية في مشاركته إلى جانب الجيش الليبي في الحرب الليبية التشادية، وهو ما طبع حياته بالطابع العسكري، سواء في الفترة التي كان يتبنى فيها بعض الأطروحات القومية، أو الفترة التي تبنى فيها الفكر «الجهادي العالمي».
ظل غالي قيادة من رموز الطوارق الذي يتوارى وقت الاستقرار ويعود للسطح بقوة في وقت الأزمة والصراع العسكري؛ وهذا ما يجعل من الرجل واحداً من مفاتيح ومشعلي الأزمة في شمال مالي خاصة. ولعل خلفيته وإرثه في التمرد على الدولة، وفي الوقت نفسه قدرته على لعب دور الوسيط السياسي بين القبائل والسلطة المركزية تجعل منه شخصية غير عادية. يظهر ذلك في الدور المركزي الذي لعبه الرجل في تهدئة واستتباب الأمن بشمال مالي بعد اتفاق 1992 بين الطوارق والدولة المالية.
فقد عمل إياد غالي، بالإضافة لمجموعة من القيادات المنتمية لقبيلة إيفوغاس والمتزعمين للحركة الأزوادية المطالبة بالاستقلال عن مالي، على الاستفادة من اتفاقية السلام بخلق وضع جديد على المستوى الاقتصادي؛ حيث استفاد الرجل وزعماء قبليون آخرون من النشاط التجاري الذي يمر عبر أراضٍ لا تخضع للسيطرة التامة للسلطة الموريتانية والمالية والنيجرية. غير أن وصول «القاعدة» للقارة الأفريقية وضربته القوية سنة 1998 بمدينتي نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا، عجلت من انتعاش الفكر المتطرف على مستوى دول الساحل والصحراء، كما خلقت وضعاً معقداً جديداً يتمثل في التداخل بين التيارات الإرهابية ومنظمات المافيا العالمية المتاجرة في تهريب المخدرات والبشر والأسلحة.
* الوسيط التاجر
وفي خضم هذا التطور النوعي ظهر مرة أخرى غالي «أسد الصحراء» كما تلقبه قبيلته، ليلعب دورا بارزا في الوساطة بين المجموعات الإرهابية وبعض الدول مثل فرنسا وألمانيا؛ حيث أثمرت تدخلاته بداية من عام 2000، بالإفراج عن رهائن غربيين، كانت تنظيمات تابعة لـ«القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي» قد اختطفتهم بالمنطقة. وعاد الرجل من جديد للعب دور الوساطة، حيث ساعد سنة 2003 في إطلاق 14 رهينة أوروبية أغلبهم من الألمان، اختطفتهم «القاعدة» بجنوب الجزائر. وهنا أدرك الرجل بحكم خبرته في الصحراء وخلفيته العسكرية، وثقله القبلي، أن التيارات الإرهابية أصبحت عنصرا فاعلا على مستوى دول الساحل والصحراء، وأن فكرها المتطرف وصل لشباب الطوارق، والقبائل العربية المدافعة عن المناطق الأزوادية.
في سنة 2006 شهدت منطقة شمال مالي تمردا جديدا للطوارق، انتهى باتفاق جديد بين المتمردين والسلطة ببماكو، ولضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة وافق الرئيس المالي على تشكيل مجموعة عسكرية نظامية مشتركة من العرب والطوارق ترأسها محمد آغ غامو، من قبيلة إيفوغاس. في هذه المرحلة سيشهد نشاط التيارات الإرهابية تزايدا محموماً، مستغلاً بذلك ضعف سيطرة الدول المجاورة لمالي على حدودها، وكذلك قدرة «القاعدة في الغرب الإسلامي» على كسب الأنصار في مختلف القبائل الممتدة من جنوب الجزائر إلى مالي والنيجر وتشاد.
كما أن الولايات المتحدة الأميركية تنبهت للوضع وقدمت للسلطات بمالي مساعدات عسكرية، وأرسلت فرقة خاصة سنة 2007 بهدف محاصرة تحركات «تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي دخلت في علاقة مناصرة مع «القاعدة».
غير أن غالي على ما يبدو لم يتحول لزعيم ديني، لسبب رئيسي وهو علاقته القديمة بمعمر القذافي، ودور غالي في منظومة التهريب التي رعاها الرئيس الليبي السابق، للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الدولية لما بعد لوكيربي، والتي ظلت صامدة لليوم، رغم تحول الفاعلين فيها.
ويكفي أن نشير على سبيل المثال إلى أن تهريب السجائر إلى أسواق شمال أفريقيا عبر مناطق الأزواد تطور منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، وسيطر عليه تجار كبار عبر موريتانيا - عبر بنين والتوغو - وعبر النيجر وبوركينا فاسو، إلى ليبيا والجزائر والمغرب. وتشير الأمم المتحدة في عام 2009 إلى أن نحو 60 في المائة من سوق التبغ الليبية تأتي عبر سوق التهريب هذه، والذي تستفيد منه القبائل والزعامات القبلية.
في ظل هذه التطورات استطاع «أسد الصحراء» أن يستغل سيطرة قبيلته على كيدال وعدة مناطق؛ خاصة بعد رحيل الشيخ أغ باهانغا ومقتل القائد بركة شيخ، في 11 أبريل (نيسان) 2008 قرب مدينة كيدال. ومن تلك الفترة تعتبر الحركات الأزوادية، إياد أغ غالي زعيم «نصرة الإسلام والمسلمين»، أقدم وأبرز زعيم للمتمردين الطوارق.
بعد هذه الأحداث بدأ إياد أغ غالي يظهر توجهه الديني الذي كان يحسب على تنظيم «الدعوة والتبليغ»؛ غير أنه سرعان ما تبين أن الزعيم الطوارقي متأثر بأفكار «القاعدة»، وأنه يمنحها طابعا محليا يراعي ما هو قبلي وإثني. وظهر هذا جليا بعد سقوط القذافي، وبالضبط في سنة 2011. حيث أسس غالي «جماعة أنصار الدين»، التي كانت تهدف إلى بعث الحالة الدينية الإسلامية للشعب الأزوادي، وتطبيق الشريعة وإقامة حكم إسلامي في شمال مالي خاصة. وضمت المقاتلين الطوارق القادمين من ليبيا، والمنشقين عن الجيش المالي، كما استفادت الجماعة من تدفق أنواع مختلفة من الأسلحة المنهوبة من الخزائن بعد انهزام القذافي وأنصاره.
تحول الوضع بمالي بشكل سريع وتدخلت فرنسا ومجموعة من الدول لمحاصرة الوضع المتدهور وسيطرة الحركات التابعة لـ«القاعدة» على مالي؛ غير أن هذا التدخل الفرنسي (عملية سرفال) الذي يشرف عليه أكثر من 4000 جندي فرنسي، بالإضافة لقوات ألمانية وبريطانية؛ وإضافة للولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2013، وإضافة اسم غالي إلى قائمة الإرهاب لم يحل دون رجوع إياد أغ غالي للساحة من جديد وهذه المرة باعتباره رمزاً تاريخياً وموحداً لتيارات إرهابية كانت إلى حدود شهرين متنازعة وتخترقها خلافات فقهية وإثنية وعرقية.
ويمكن القول إن التحول الجديد في مسار التنظيمات الإرهابية وقدرتها على الاندماج، يشكل مرحلة جديدة من مراحل المواجهة المفتوحة بين الإرهاب ودول الساحل والصحراء والقوى الغربية المعنية بالمنطقة. ويبدو أن هذه المرحلة ستعرف مراجعات من قبل عدة تنظيمات بما يراعي قدرتها على الصمود وإعادة الانتشار، ولعل ميلاد تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين»، هو تعبير عن قدرة مهمة لهذه التنظيمات على التكيف مع ظروف المواجهة وسياقاتها، في وضع إثني وعرقي شديد الحساسية، مزقته تاريخيا الصراعات المسلحة، ولا يجمعه إلا الدين.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس (الرباط)



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.