أزمة اللجوء السوري في لبنان «قنبلة موقوتة»... وتحذيرات من الانفجار

تأخذ منحى سلبياً مع التصعيد السياسي والممارسات العنصرية

نازحون سوريون في أحد مخيماتهم في بر الياس في البقاع (رويترز)
نازحون سوريون في أحد مخيماتهم في بر الياس في البقاع (رويترز)
TT

أزمة اللجوء السوري في لبنان «قنبلة موقوتة»... وتحذيرات من الانفجار

نازحون سوريون في أحد مخيماتهم في بر الياس في البقاع (رويترز)
نازحون سوريون في أحد مخيماتهم في بر الياس في البقاع (رويترز)

بعد ست سنوات من اللجوء السوري، بدأ «التذمّر» من وجود النازحين يتوسع في المجتمع اللبناني على اختلاف أطيافه بعدما كان يقتصر في السنوات الأولى على فئات معينة. وفي حين يؤكد البعض ضرورة النظر إلى هذه القضية بموضوعية انطلاقا من واقع لبنان البلد الصغير الذي يعاني أهله أساسا اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي فإن ردّة الفعل المستجدة هي نتيجة تأزم وضع اللبنانيين أنفسهم، يحمّل البعض الآخر المسؤولية للأطراف السياسية التي تبالغ في مقاربة القضية عبر التصريحات والمواقف التصعيدية، ما ينعكس على المجتمع اللبناني وسلوك اللبنانيين تجاه اللاجئين، وخصوصا السوريين منهم.
وكان لافتاً الأسبوع الماضي، في موازاة انعقاد مؤتمر بروكسل بشأن سوريا، كلام رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وتحذيره من انهيار لبنان بسبب اللاجئين، واصفا الوضع بـ«القنبلة الموقوتة». وجاء هذا الموقف بعدما كان «تيار المستقبل» الذي يترأسه الحريري من أبرز المدافعين عن هذه القضية ولطالما شكّل مناصروه البيئة الحاضنة للنازحين، بينما كانت التصريحات «العنصرية» أو المناهضة للاجئين تطلق على ألسنة سياسيين محسوبين على أطراف أخرى، أبرزها وزير الخارجية جبران باسيل الذي يترأس أيضا «التيار الوطني الحر».
وبعد تصعيد هذه اللهجة على ألسنة عدد كبير من السياسيين، بدأ الأمر ينعكس سلبا أكثر فأكثر على اللاجئين في لبنان، بحسب مصادر عدّة، وسجّل اتخاذ عدد كبير من البلديات إجراءات جديدة بحق هؤلاء. وتؤكد المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، دانا سليمان، أن قضية اللاجئين في لبنان هي من مسؤولية المجتمع الدولي بالدرجة الأولى بينما يتحمّل لبنان، البلد المجاور لسوريا أعباء تفوق قدرة بلد ضعيف اقتصاديا واجتماعيا. وتضيف سليمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» موضحة: «من هنا نتفهم التوتّر في لبنان الناتج عن هذا الموضوع، ونؤكد أهمية دور المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته عبر برامج غير تقليدية إضافة إلى إعادة التوطين». وتضيف: «لذا يحتاج لبنان إلى خطة ودعم مالي يستهدف المجتمعين، اللاجئ والمضيف، وهي خطة قد تخفّف بشكل كبير التوتّر بين الطرفين».
من جهة أخرى، يقول محمد حسن، الناشط السوري في مجال حقوق الإنسان في لبنان: «مما لا شك فيه أنه بعد تصعيد المواقف السياسية في الفترة الأخيرة بدأت تسجل مزيد من الممارسات العنصرية في لبنان»، مبديا استغرابه أن تأتي هذه المواقف من جهة قال إن اللاجئين كانوا يعولون عليها. وأضاف حسن: «في البداية كانت تسجّل بعض الممارسات الفردية، أما اليوم فهذا الأمر بدأ يتوسّع، إضافة إلى اتخاذ بعض البلديات قرارات بترحيل اللاجئين وإنذارهم بإخلاء المخيمات وخاصة في البقاع وبعلبك، وأيضا، بعض المضايقات في طرابلس بالشمال». وحذّر حسن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من انفجار لما وصفه بـ«القنبلة الموقوتة» بين اللاجئين والمجتمع المضيف في لبنان الذي يعاني أهله أساسا من معاناة اقتصادية واجتماعية، ما لم يتم تدارك الأمر عبر برامج مساعدة لا سيما من قبل الاتحاد الأوروبي لاستقبال اللاجئين. وفي هذا الإطار، كان وزير الدولة لشؤون اللاجئين معين المرعبي، قد قال: «رغم تحفظنا الشديد على سياسة التوطين في بلد ثالث، فإننا بسبب صغر مساحة لبنان الجغرافية واقتصاده الضعيف، ووضعه السياسي الداخلي، نجد أنفسنا مضطرين للتعاون مع البلدان المستعدة لاحتضانهم على أراضيها، وتوفير البرامج الدراسية والتدريبية لهم وفرص عمل في مجتمعاتهم واقتصاداتهم المزدهرة».
في المقابل، اعتبر نبيل الحلبي، رئيس المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان، أن «هناك مبالغة في مقاربة قضية اللاجئين في لبنان»، معتبرا أن هناك «بروباغندا إعلامية وسياسية في هذا الموضوع». وأوضح الحلبي لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه أن «التصعيد السياسي من قبل بعض المسؤولين أدى إلى تصعيد في الممارسات العنصرية تجاه اللاجئين، حتى إن بعض البلديات باتت تتفرد بقرارات خارجة عن إطار صلاحيتها». وفي حين رجّح الحلبي أن يكون الهدف من التصعيد السياسي «رفع الصوت قبل مؤتمر بروكسل، وبالتالي، الحصول على التقديمات لمساعدة اللاجئين»، فإنه أكد أن المجتمع اللبناني يستفيد من الاستثمارات السورية في لبنان. وتابع شارحاً أن «مساعدات اللاجئين في المخيمات تتم عبر المنظمات الدولية، في حين عائلات سورية كثيرة تقوم بواجباتها القانونية من خلال الرسوم التي يدفعونها بدل الإقامة أو بدل فتح مؤسسات أو استئجار بيوت».
هذا، وكان الحريري قد وصف الوضع في لبنان في كلمته بمؤتمر بروكسل، بـ«القنبلة الموقوتة»، مطالبا بالاستثمار في لبنان. وأوضح: «انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان من نسبة 8 في المائة قبل الأزمة إلى ما يزيد قليلا على واحد في المائة في السنوات اللاحقة. كذلك فإن الخسارة التي لحقت بالناتج المحلي الإجمالي منذ بداية النزاع بلغت 18 مليار دولار في 2015، ومعدل الفقر وصل إلى إلى 30 في المائة، وتضاعف معدل البطالة إلى 20 في المائة».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.