السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

بعد تفجير محطة مترو سان بطرسبرغ

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة
TT

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

لم يكن التفجير الذي وقع في مترو (قطار الأنفاق) بمدينة بطرسبرغ، ثاني أهم وأكبر المدن الروسية، مجرد عمل إرهابي انتحاري أودى بحياة أبرياء. ذلك أنه، فضلا عن نتائجه المأساوية إنسانياً، شكل صدمة نوعاً ما لمؤسسات الدولة الروسية المعنية بمكافحة الإرهاب، ناهيك بالصدمة التي خلفها في أوساط المجتمع الروسي. التفجير – كما هو معلوم – وقع في واحدة من أكثر المنشآت حساسية هي شبكة النقل عبر المترو، التي تشكل فضاء محصوراً نوعاً ما، يحتشد فيه دوماً أعداد كبيرة من الناس وبكثافة عالية في المكان، ما يعني أن أي تفجير من الممكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية.
حتى الآن لم يتضح للسلطات الأمنية الروسية التي تحقق في تفجير مترو (قطار أنفاق) مدينة بطرسبرغ قبل بضعة أيام كيف تمكن المشتبه به من الوصول ومعه حقائب فيها عبوات ناسفة إلى داخل شبكة المترو. لكن الأمر الأكيد أن أجهزة الأمن الروسية ستعيد صياغة منظومة الأمن على المواصلات، آخذة بالحسبان دروس مأساة مترو بطرسبرغ.
من جانب آخر يضع التفجير في المترو عمليات التكامل الاقتصادي بين روسيا وحلفائها في آسيا الوسطى أمام امتحان معقد. فمنفذ التفجير واحد من أبناء آسيا الوسطى كان قد انتقل للعيش في روسيا، لأسباب اقتصادية على الأرجح. ومن ثم فإن منع تكرار مثل تلك الأعمال، من دون أن يترك ذلك أثراً سلبياً على العمالة الوافدة من آسيا الوسطى إلى السوق الروسية، يتطلب تدابير عالية الدقة وتعاوناً وثيقاً بين مؤسسات الأمن في الفضاء السوفياتي السابق.

يوم الحادث
في الثالث من أبريل (نيسان) بدأ كثيرون في مدينة بطرسبرغ، يومهم كما أي يوم طبيعي، ولم يكن هناك ما ينذر بمأساة. ولكن في تمام الساعة 14:40، ظهيرة ذلك اليوم، انفجرت عبوة ناسفة في عربة من عربات مترو المدينة بينما كان يسير بسرعة، كما جرت العادة، متجهاً من محطة تيخنولوغيتشسكي إنستيتوت (المعهد التقني) إلى محطة «سينايا بلوشاد». وخلال الساعات الأولى، كانت الأنباء متضاربة حول ما جرى وأعداد الضحايا، فبداية أعلنت مصادر أمنية روسية عن تفجير أودى بحياة عشرة مواطنين. وبحلول مساء ذلك اليوم أكدت وزارة الصحة الروسية سقوط 14 قتيلا ونحو 50 جريحاً نتيجة التفجير.
أيضاً، في الساعات الأولى قال الأمن الروسي إنه يدرس كل الاحتمالات الممكنة لما جرى، بما في ذلك احتمال «عمل إرهابي». واللافت أن هذا كله جرى في بطرسبرغ، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - ابن بطرسبرغ - موجوداً في المدينة، ما يعني أن الإجراءات الأمنية، كما هو مفترض، يجب أن تكون «فوق مشددة» في المدينة بشكل عام.
وبعد ساعات على التفجير في المترو، أقرت السلطات أن ما جرى عمل إرهابي، وأشارت إلى مشتبه به بين الضحايا، ما يعني أنه عمل انتحاري. وفي الوقت ذاته أعلنت الهيئة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب عن العثور على عبوة ناسفة يدوية الصنع في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا»، وقال أندريه برجيزدومسكي، مدير المكتب الصحافي الهيئة في حديث لقناة «روسيا - 24»، إن الأمن عثر في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا» في بطرسبرغ، على عبوة ناسفة يدوية الصنع وقام بتعطيلها.
وبينما كانت لجان التحقيق تواصل عملها للكشف عن ملابسات ما جرى أعلنت سلطات مدينة بطرسبرغ الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح ضحايا تفجير المترو. وقالت محافظة المدينة في بيان على «تويتر»: «بموجب أوامر محافظ بطرسبرغ غيورغي بولتافتشينكو، يُعلن الحداد في المدينة ثلاثة أيام». ونقلت وكالة «تاس» عن اللجنة تأكيدها أن «الاستخبارات والمؤسسات الأمنية تواصل عملياتياً إجراءاتها الرامية إلى الكشف عن أي تهديد إرهابي وإحباطه».

هوية الجاني
وفي اليوم التالي أعلنت لجنة التحقيق الفيدرالية الروسية أنها تمكنت من تحديد هوية الشخص الذي يعتقد أنه نفذ التفجير في مترو سان بطرسبرغ، إذ قالت سفيتلانا بيترينكو، المتحدثة الرسمية باسم اللجنة إن الشخص الذي يتوقع أنه نفد التفجير اسمه أكبرجون جليلوف، وأنه من مواليد مقاطعة أوش في جمهورية قيرغيزيا (قيرغيزستان) بآسيا الوسطى عام 1995. وتابعت المتحدثة القول إن المحققين عثروا على أشلائه في العربة الثالثة من القطار. ويرجح المحققون أن جليلوف حمل العبوة الناسفة التي فجرها داخل حقيبة، كان يضعها على ظهره لحظة الانفجار.
كذلك أشارت التحقيقات إلى أن جليلوف نفسه هو من وضع عبوة ناسفة في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا»، وحسب كلام بيترينكو، فإن إن تحاليل الحمض النووي وتسجيلات كاميرات المراقبة تشير إلى أن الشخص الذي فجر نفسه في عربة المترو أثناء توجهها من محطة «تيخنولوغيتشسكي إنستيتوت» إلى محطة «سينايا بلوشاد» هو ذاته الذي وضع في محطة «بلوشاد فوستانيا»، حقيبة فيها عبوة ناسفة معدة للتفجير.
ومن ناحية أخرى، أكد مصدر في الاستخبارات القيرغيزية إن المشتبه به في التفجير هو أكبرجون جليلوف من مواليد مقاطعة أوش. وأوضحت السلطات القيرغيزية إن جليلوف انتقل مع أسرته للعيش في بطرسبرغ، وحصل على الجنسية الروسية.

اتجاهات التحقيق
بعد تحديد كل تلك المعطيات اتجه مسار التحقيق نحو تحديد ما إذا كان جليلوف قد نفذ العملية بمفرده، أم أنه فعل ذلك ضمن ارتباطات مع تنظيمات إرهابية ما. لذلك دوهمت شقة كان استأجرها جيلوف في المدينة، وأخذ الأمن منها 9 بكرات شريط لاصق ومواد أخرى تفيد في التحقيق. كذلك قام بدراسة تحركاته يومها وأظهرت لقطات سجلتها كاميرات المراقبة قرب المبنى نفسه جليلوف، وهو يغادر المنزل حاملاً حقيبة وحقيبة ظهر، يُتوقع أن الأولى كانت فيها العبوة التي وضعها في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا» والثانية، حقيبة الظهر، كانت فيها العبوة التي فجرها في عربة المترو.
وفي السياق ذاته أعلن الأمن الروسي عن توقيف ثلاثة أشخاص، يُعتقد أنهم شركاء لجليلوف. وذكرت وكالة «إنترفاكس» للأنباء نقلاً عن مصدر أمني أن «ثلاثة أشخاص تم اعتقالهم في مبنى يطل على شارع توفاريشسكي في بطرسبرغ، ويحقق الأمن حالياً في احتمال صلتهم بالانتحاري جليلوف». ووفقاً لمصادر الأمن القيرغيزي فإن أكبرجون جليلوف، من شعب الأوزبك لكنه مولود في منطقة أوش القيرغيزية. وتضيف أنه ربما قام بتنفيذ التفجير الانتحاري بعدما وقع تحت تأثير جماعة «التوحيد والجهاد» التي تقاتل راهناً - حسب المصادر – في سوريا. وتقول الاستخبارات القيرغيزية أيضاً إن مئات الأوزبك - وهو الشعب التركي المسلم الأكبر تعداداً في جمهوريات آسيا الوسطى - بمن فيهم شبان من الأوزبك من أبناء منطقة أوش القيرغيزية يقاتلون اليوم في صفوف تلك الجماعة المتطرفة.

الصلة مع سوريا
والحقيقة أنه حاول البعض ربط التفجير في المترو بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض بغضب شديد هذه الأحاديث. وللعلم، كان تنظيم داعش الإرهابي قد دعا إلى ضرب روسيا بعد تدخلها المباشر بنهاية سبتمبر (أيلول) عام 2015 في سوريا لدعم قوات النظام السوري. ومنذ ذلك الحين وقعت هجمات عدة في روسيا، لكنها كانت بصورة رئيسية في جمهوريات القوقاز. وتعلن قوات الأمن الروسية بصورة شبه يومية عن عمليات في تلك المنطقة، تقوم خلالها إما بقتل أو بإلقاء القبض على إرهابيين، بينما تعلن اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب عن توقيف أشخاص ينشطون بتجنيد الشباب في الجماعات الإرهابية، بما في ذلك أعلنت خلال الأشهر الماضية عن عمليات توقيف مماثلة لمواطنين من جمهوريات آسيا الوسطى، خلال عمليات في العاصمة موسكو وريفها.

روسيا... مهددة
ويقول مراقبون إن روسيا كانت مهددة بوقوع أعمال إرهابية كثيرة وخطيرة، لولا جهود السلطات الأمنية في التصدي مبكراً لكل أشكال التطرف، وملاحقة أي شخص يشتبه بميوله الإرهابي أو علاقته بتنظيمات إرهابية.
ومن أهم العمليات الأمنية التي نفذتها هيئة الأمن الفيدرالية وقوات الداخلية والحرس الوطني الروسي، اعتقال أعضاء خلية سرية تابعة لتنظيم داعش في جمهورية داغستان (القوقازية ذاتية الحكم داخل روسيا الاتحادية) في الخامس من مارس (آذار) الماضي. وقالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في بيان رسمي إن عناصر هيئة الأمن الفيدرالي (كي جي بي سابقاً) ومعهم عناصر وزارة الداخلية الروسية تمكنوا من اعتقال أعضاء الخلية، وإنهم «مجموعة من أربعة أشخاص، من سكان داغستان، كانت لديهم نيات بارتكاب جرائم بحق ممثلي مؤسسات السلطة وعناصر المؤسسات الأمنية». وحسب المعطيات المتوفرة لدى اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فإن الأشخاص الأربعة أعضاء فيما يُطلَق عليه «خلية نائمة» مرتبطة بتنظيم داعش، وشاركوا جميعهم في هجمات مسلحة على السكان المحليين.
فضلاً عن ذلك أسهمت العمليات الأمنية في مختلف مناطق روسيا بإحباط عمليات إرهابية جرى التحضير لتنفيذها في العاصمة موسكو، وأيضاً في مدينة بطرسبرغ وجمهورية إنغوشيا (الذاتية الحكم التابعة أيضاً لروسيا في القوقاز)، فضلاً عن عمل إرهابي بالقرب من السفارة الفرنسية في موسكو. وحسب معطيات الهيئة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب، أمكن عام 2016 القضاء على 140 مقاتلا إرهابياً، و24 عصابة مسلحة، وتوقيف أكثر من 900 إرهابي ورجل عصابات، ومتواطئين معهم. كذلك نجحت الأجهزة الأمنية بضبط ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ودمرت 50 ورشة ومختبراً لصناعة الأسلحة، وعطلت 199 عبوة ناسفة يدوية الصنع. هذا فضلا عن القضاء في مدينة بطرسبرغ، نفسها، على ثلاثة من قادة المجموعات الإرهابية النشطة في جمهورية قبارديا (أو القبرطاي والبلكار، الذاتية الحكم التابعة أيضاً لروسيا في القوقاز).
وفي شهر مارس أيضاً ألقت قوات الأمن في روسيا القبض على إرهابي من «داعش»، قالت إنه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية خلال الاحتفالات في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة «يوم المرأة» (يوم 8 مارس). ونقلت صحيفة «إزفستيا» عن مصدر أمني روسي قوله إن عناصر الأمن في واحد من مطارات موسكو ألقوا القبض على مواطن طاجيكي اسمه عظة الله (بالغ من العمر 23 سنة) كان قد وصل في مطلع مارس آتياً من إسطنبول، وخلال التحقيق حطم عظة الله هاتفه الجوال، وحاول بعد ذلك الانتحار لتفادي ترحيله إلى طاجيكستان عندما أخذ مقصاً وغرسه في رقبته، إلا أن عناصر الأمن تمكنوا من استعادة المقص، وبادروا لنقله إلى المشفى. وبعد ذلك أقر المواطن الطاجيكي الآتي من إسطنبول (وفق التقارير الأمنية) أنه أتى إلى موسكو لتنفيذ عمل انتحاري خلال الاحتفالات بـ«يوم المرأة» في موسكو. واتضح أنه كان قد شارك قبل ذلك في القتال ضمن صفوف «داعش» في سوريا.
وذكر المصدر الأمني للصحيفة الروسية أن فرق التحقيق تواصل عملها حالياً للكشف عن الأشخاص الذين كانوا سيقدمون المساعدة للانتحاري الطاجيكي بعد وصوله إلى موسكو، وتحديداً تزويده بالمواد المتفجرة كي ينفذ عمليته. وبعد الانتهاء من التحقيقات قامت السلطات الروسية بتسليم عظة الله لقوات الأمن في طاجيكستان.

هاجس آسيا الوسطى
أيضاً، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016 أعلن الأمن الروسي عن إلقاء القبض على أربعة إرهابيين أعضاء في مجموعة تخريبية، في مدينة موسكو وريفها، تضم مواطنين من جمهوريتي طاجيكستان ومولدوفا الأعضاء في «رابطة الدول المستقلة» (للجمهوريات السوفياتية السابقة). ووفق هيئة الأمن الفيدرالي أن المجموعة كانت تنوي استخدام عبوات ناسفة يدوية الصنع بقدرة تفجيرية عالية جداً في هجمات إرهابية خطط أفرادها لها. وزعمت وكالة «إنترفاكس» - نقلاً عن الأمن الروسي - إن الموقوفين كانوا يعدون العدة لتنفيذ عمليات إرهابية مدوية في العاصمة الروسية بتعليمات مباشرة من مواطن موجود على الأراضي التركية ويمثل تنظيم داعش. وسبق ذلك عمليات توقيف مماثلة جرت في موسكو لمجموعات اتهمتها السلطات بالتعاون مع «داعش»، غالبية أعضائها من أبناء جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً.
هذا، وعلى الرغم من أن المجتمع الروسي أظهر تماسكاً بعد التفجير في مترو بطرسبرغ، ولم تظهر أي علامات خلل في نظرة المواطنين الروس إلى آلاف الشبان من آسيا الوسطى الذين يعملون في المدن الروسية، غير أن تكرار عمليات كهذه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة في الداخل الروسية نحو أولئك الشبان. هذا الأمر يمكن أن يضع السلطات الروسية أمام تحديات جدية، وقد تضطر من أجل تفادي ظهور أزمة في العلاقة نحو المواطنين من آسيا الوسطى إلى تعاون وثيق مع الجهات الأمنية في جمهوريات آسيا الوسطى، فضلاً عن إطلاق عمل «تربوي اجتماعي» لا بد منه في الداخل الروسي. وتجدر الإشارة، إلى أنه بعد كل عمل إرهابي في روسيا أو خارجها، يحرص المسؤولون الروس على التأكيد بأنه لا هوية وطنية أو دينية للإرهاب.

هجمات إرهابية... بالجملة
> التفجير الانتحاري في مترو بطرسبرغ الأول من نوعه خلال العام الحالي الذي يقع في مدينة وسط روسيا، أو بصورة أدق في مدينة بعيدة عن منطقة القوقاز. ولكن روسيا شهدت هجمات إرهابية كثيرة، بعضها متصل بالحرب في الشيشان والبعض الآخر متصل بالتطورات الدولية الراهنة، لا سيما ظهور «داعش» الإرهابي. وكان «داعش» قد تبنى هجوماً شنته مجموعة من المسلحين يوم 25 مارس على قاعدة للحرس الوطني الروسي في الشيشان، وأودى الهجوم إلى مقتل ستة عسكريين روس.
أما العمليات الإرهابية المرتبطة بالحرب في الشيشان، فهي كثيرة. منها على سبيل المثال:
- سيطرة مسلحين شيشانيين على مشفى بوديونسك عام 1995، وكان في المشفى حينها نحو 1600 مريض. وانتهت العملية بانسحاب المسلحين بعد مواجهات مع الأمن وأخذوا معهم رهائن على متن الحافلات، أطلقوا سراحهم لاحقاً. وسقط حينها قرابة 130 قتيلاً.
- وقع تفجير في مبنى سكني في مدينة بوينسك بجمهورية داغستان عام 1999، أدى إلى سقوط 64 قتيلا وإصابة 150 بجروح.
- في العام ذاته فجر الإرهابيون في موسكو مبنيين سكنيين ما أدى إلى سقوط 224 قتيلاً.
- في عام 2002 اقتحمت مجموعة من الانفصاليين الشيشانيين مبنى مسرح «نورد إست» في موسكو واحتجزوا كل الموجودين داخله رهائن، وطالبوا السلطات الروسية بسحب قواتها من الشيشان. وسقط خلال تلك العملية أكثر من 120 من الرهائن، فضلاً عن مقتل المهاجمين كلهم.
- في الأول من سبتمبر عام 2004 احتجز إرهابيون 1200 شخصا في مدرسة بيسلان (جمهورية أوسيتيا الشمالية الذاتية الحكم التابعة لروسيا). وسقط نتيجة الهجوم 334 قتيلاً بينهم 186 طفلاً.
- في خريف عام 2011 انفجرت عبوة ناسفة في مطار دوموديدوفا في موسكو.
- في أغسطس (آب) 2007 وقع تفجير استهدف تفجير قطار «نيفسكي إكسبرس». وأدى إلى وقوع إصابات دون ضحايا، بينما خرج القطار عن السكة وانقلبت بعض عرباته.
- في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009 انفجرت عبوة ناسفة على السكة الحديدية أثناء عبور قطار «نيفسكي إكسبرس» للنقل السريع بين موسكو وبطرسبرغ، وأدى التفجير إلى مقتل 27 مدنياً وإصابة 150 بجروح.
كذلك تعرضت روسيا عام 2013 لهجمات إرهابية انتحارية مزدوجة أسفرت عن مقتل 34 شخصاً وأثارت حالة من القلق حيال أمن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي. حينها أدى انفجار قنبلة في محطة السكك الحديد الرئيسية في مدينة فولغوغراد الجنوبية إلى مقتل 18 شخصاً بينما استهدف اعتداء آخر حافلة ركاب، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً. كما سبق أن وقعت تفجيرات إرهابية في محطات المترو في مدن روسية. ففي فبراير (شباط) عام 2001 انفجرت عبوة ناسفة كانت موضوعة في محطة مترو «بيلاروسكايا»، مما أدى إلى إصابة 20 شخصا بينهم أطفال بجروح. وفي يوم 6 فبراير عام 2004 وقع تفجير إرهابي في عربة المترو بين محطتي «أفتوزافودسكا» و«بافيليتسكايا» على الخط الأخضر من شبكة مترو موسكو. وسقط نتيجة ذلك التفجير الإرهابي 41 قتيلاً. وفي 31 أغسطس عام 2004 قامت انتحارية بتفجير نفسها في محطة مترو ريجسكايا في موسكو وقتل نتيجة ذلك 9 أشخاص، وأصيب 50 بجروح، وأعلن شامل باسايف مسؤوليته عن تلك العملية. وفي 29 مارس عام 2010، قامت انتحاريات بتفجير في محطتي مترو «بارك كولتوري» و«لوبيانكا» القريبة من المقر الرئيسي لهيئة الأمن الفيدرالي. ووقع التفجير في ساعات ذروة الازدحام في المترو صباحا. وسقط نتيجة التفجيرين 40 قتيلاً.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.