السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

بعد تفجير محطة مترو سان بطرسبرغ

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة
TT

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

السلطات الروسية أمام تحديات جديدة

لم يكن التفجير الذي وقع في مترو (قطار الأنفاق) بمدينة بطرسبرغ، ثاني أهم وأكبر المدن الروسية، مجرد عمل إرهابي انتحاري أودى بحياة أبرياء. ذلك أنه، فضلا عن نتائجه المأساوية إنسانياً، شكل صدمة نوعاً ما لمؤسسات الدولة الروسية المعنية بمكافحة الإرهاب، ناهيك بالصدمة التي خلفها في أوساط المجتمع الروسي. التفجير – كما هو معلوم – وقع في واحدة من أكثر المنشآت حساسية هي شبكة النقل عبر المترو، التي تشكل فضاء محصوراً نوعاً ما، يحتشد فيه دوماً أعداد كبيرة من الناس وبكثافة عالية في المكان، ما يعني أن أي تفجير من الممكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية.
حتى الآن لم يتضح للسلطات الأمنية الروسية التي تحقق في تفجير مترو (قطار أنفاق) مدينة بطرسبرغ قبل بضعة أيام كيف تمكن المشتبه به من الوصول ومعه حقائب فيها عبوات ناسفة إلى داخل شبكة المترو. لكن الأمر الأكيد أن أجهزة الأمن الروسية ستعيد صياغة منظومة الأمن على المواصلات، آخذة بالحسبان دروس مأساة مترو بطرسبرغ.
من جانب آخر يضع التفجير في المترو عمليات التكامل الاقتصادي بين روسيا وحلفائها في آسيا الوسطى أمام امتحان معقد. فمنفذ التفجير واحد من أبناء آسيا الوسطى كان قد انتقل للعيش في روسيا، لأسباب اقتصادية على الأرجح. ومن ثم فإن منع تكرار مثل تلك الأعمال، من دون أن يترك ذلك أثراً سلبياً على العمالة الوافدة من آسيا الوسطى إلى السوق الروسية، يتطلب تدابير عالية الدقة وتعاوناً وثيقاً بين مؤسسات الأمن في الفضاء السوفياتي السابق.

يوم الحادث
في الثالث من أبريل (نيسان) بدأ كثيرون في مدينة بطرسبرغ، يومهم كما أي يوم طبيعي، ولم يكن هناك ما ينذر بمأساة. ولكن في تمام الساعة 14:40، ظهيرة ذلك اليوم، انفجرت عبوة ناسفة في عربة من عربات مترو المدينة بينما كان يسير بسرعة، كما جرت العادة، متجهاً من محطة تيخنولوغيتشسكي إنستيتوت (المعهد التقني) إلى محطة «سينايا بلوشاد». وخلال الساعات الأولى، كانت الأنباء متضاربة حول ما جرى وأعداد الضحايا، فبداية أعلنت مصادر أمنية روسية عن تفجير أودى بحياة عشرة مواطنين. وبحلول مساء ذلك اليوم أكدت وزارة الصحة الروسية سقوط 14 قتيلا ونحو 50 جريحاً نتيجة التفجير.
أيضاً، في الساعات الأولى قال الأمن الروسي إنه يدرس كل الاحتمالات الممكنة لما جرى، بما في ذلك احتمال «عمل إرهابي». واللافت أن هذا كله جرى في بطرسبرغ، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - ابن بطرسبرغ - موجوداً في المدينة، ما يعني أن الإجراءات الأمنية، كما هو مفترض، يجب أن تكون «فوق مشددة» في المدينة بشكل عام.
وبعد ساعات على التفجير في المترو، أقرت السلطات أن ما جرى عمل إرهابي، وأشارت إلى مشتبه به بين الضحايا، ما يعني أنه عمل انتحاري. وفي الوقت ذاته أعلنت الهيئة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب عن العثور على عبوة ناسفة يدوية الصنع في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا»، وقال أندريه برجيزدومسكي، مدير المكتب الصحافي الهيئة في حديث لقناة «روسيا - 24»، إن الأمن عثر في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا» في بطرسبرغ، على عبوة ناسفة يدوية الصنع وقام بتعطيلها.
وبينما كانت لجان التحقيق تواصل عملها للكشف عن ملابسات ما جرى أعلنت سلطات مدينة بطرسبرغ الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح ضحايا تفجير المترو. وقالت محافظة المدينة في بيان على «تويتر»: «بموجب أوامر محافظ بطرسبرغ غيورغي بولتافتشينكو، يُعلن الحداد في المدينة ثلاثة أيام». ونقلت وكالة «تاس» عن اللجنة تأكيدها أن «الاستخبارات والمؤسسات الأمنية تواصل عملياتياً إجراءاتها الرامية إلى الكشف عن أي تهديد إرهابي وإحباطه».

هوية الجاني
وفي اليوم التالي أعلنت لجنة التحقيق الفيدرالية الروسية أنها تمكنت من تحديد هوية الشخص الذي يعتقد أنه نفذ التفجير في مترو سان بطرسبرغ، إذ قالت سفيتلانا بيترينكو، المتحدثة الرسمية باسم اللجنة إن الشخص الذي يتوقع أنه نفد التفجير اسمه أكبرجون جليلوف، وأنه من مواليد مقاطعة أوش في جمهورية قيرغيزيا (قيرغيزستان) بآسيا الوسطى عام 1995. وتابعت المتحدثة القول إن المحققين عثروا على أشلائه في العربة الثالثة من القطار. ويرجح المحققون أن جليلوف حمل العبوة الناسفة التي فجرها داخل حقيبة، كان يضعها على ظهره لحظة الانفجار.
كذلك أشارت التحقيقات إلى أن جليلوف نفسه هو من وضع عبوة ناسفة في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا»، وحسب كلام بيترينكو، فإن إن تحاليل الحمض النووي وتسجيلات كاميرات المراقبة تشير إلى أن الشخص الذي فجر نفسه في عربة المترو أثناء توجهها من محطة «تيخنولوغيتشسكي إنستيتوت» إلى محطة «سينايا بلوشاد» هو ذاته الذي وضع في محطة «بلوشاد فوستانيا»، حقيبة فيها عبوة ناسفة معدة للتفجير.
ومن ناحية أخرى، أكد مصدر في الاستخبارات القيرغيزية إن المشتبه به في التفجير هو أكبرجون جليلوف من مواليد مقاطعة أوش. وأوضحت السلطات القيرغيزية إن جليلوف انتقل مع أسرته للعيش في بطرسبرغ، وحصل على الجنسية الروسية.

اتجاهات التحقيق
بعد تحديد كل تلك المعطيات اتجه مسار التحقيق نحو تحديد ما إذا كان جليلوف قد نفذ العملية بمفرده، أم أنه فعل ذلك ضمن ارتباطات مع تنظيمات إرهابية ما. لذلك دوهمت شقة كان استأجرها جيلوف في المدينة، وأخذ الأمن منها 9 بكرات شريط لاصق ومواد أخرى تفيد في التحقيق. كذلك قام بدراسة تحركاته يومها وأظهرت لقطات سجلتها كاميرات المراقبة قرب المبنى نفسه جليلوف، وهو يغادر المنزل حاملاً حقيبة وحقيبة ظهر، يُتوقع أن الأولى كانت فيها العبوة التي وضعها في محطة مترو «بلوشاد فوستانيا» والثانية، حقيبة الظهر، كانت فيها العبوة التي فجرها في عربة المترو.
وفي السياق ذاته أعلن الأمن الروسي عن توقيف ثلاثة أشخاص، يُعتقد أنهم شركاء لجليلوف. وذكرت وكالة «إنترفاكس» للأنباء نقلاً عن مصدر أمني أن «ثلاثة أشخاص تم اعتقالهم في مبنى يطل على شارع توفاريشسكي في بطرسبرغ، ويحقق الأمن حالياً في احتمال صلتهم بالانتحاري جليلوف». ووفقاً لمصادر الأمن القيرغيزي فإن أكبرجون جليلوف، من شعب الأوزبك لكنه مولود في منطقة أوش القيرغيزية. وتضيف أنه ربما قام بتنفيذ التفجير الانتحاري بعدما وقع تحت تأثير جماعة «التوحيد والجهاد» التي تقاتل راهناً - حسب المصادر – في سوريا. وتقول الاستخبارات القيرغيزية أيضاً إن مئات الأوزبك - وهو الشعب التركي المسلم الأكبر تعداداً في جمهوريات آسيا الوسطى - بمن فيهم شبان من الأوزبك من أبناء منطقة أوش القيرغيزية يقاتلون اليوم في صفوف تلك الجماعة المتطرفة.

الصلة مع سوريا
والحقيقة أنه حاول البعض ربط التفجير في المترو بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض بغضب شديد هذه الأحاديث. وللعلم، كان تنظيم داعش الإرهابي قد دعا إلى ضرب روسيا بعد تدخلها المباشر بنهاية سبتمبر (أيلول) عام 2015 في سوريا لدعم قوات النظام السوري. ومنذ ذلك الحين وقعت هجمات عدة في روسيا، لكنها كانت بصورة رئيسية في جمهوريات القوقاز. وتعلن قوات الأمن الروسية بصورة شبه يومية عن عمليات في تلك المنطقة، تقوم خلالها إما بقتل أو بإلقاء القبض على إرهابيين، بينما تعلن اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب عن توقيف أشخاص ينشطون بتجنيد الشباب في الجماعات الإرهابية، بما في ذلك أعلنت خلال الأشهر الماضية عن عمليات توقيف مماثلة لمواطنين من جمهوريات آسيا الوسطى، خلال عمليات في العاصمة موسكو وريفها.

روسيا... مهددة
ويقول مراقبون إن روسيا كانت مهددة بوقوع أعمال إرهابية كثيرة وخطيرة، لولا جهود السلطات الأمنية في التصدي مبكراً لكل أشكال التطرف، وملاحقة أي شخص يشتبه بميوله الإرهابي أو علاقته بتنظيمات إرهابية.
ومن أهم العمليات الأمنية التي نفذتها هيئة الأمن الفيدرالية وقوات الداخلية والحرس الوطني الروسي، اعتقال أعضاء خلية سرية تابعة لتنظيم داعش في جمهورية داغستان (القوقازية ذاتية الحكم داخل روسيا الاتحادية) في الخامس من مارس (آذار) الماضي. وقالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في بيان رسمي إن عناصر هيئة الأمن الفيدرالي (كي جي بي سابقاً) ومعهم عناصر وزارة الداخلية الروسية تمكنوا من اعتقال أعضاء الخلية، وإنهم «مجموعة من أربعة أشخاص، من سكان داغستان، كانت لديهم نيات بارتكاب جرائم بحق ممثلي مؤسسات السلطة وعناصر المؤسسات الأمنية». وحسب المعطيات المتوفرة لدى اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فإن الأشخاص الأربعة أعضاء فيما يُطلَق عليه «خلية نائمة» مرتبطة بتنظيم داعش، وشاركوا جميعهم في هجمات مسلحة على السكان المحليين.
فضلاً عن ذلك أسهمت العمليات الأمنية في مختلف مناطق روسيا بإحباط عمليات إرهابية جرى التحضير لتنفيذها في العاصمة موسكو، وأيضاً في مدينة بطرسبرغ وجمهورية إنغوشيا (الذاتية الحكم التابعة أيضاً لروسيا في القوقاز)، فضلاً عن عمل إرهابي بالقرب من السفارة الفرنسية في موسكو. وحسب معطيات الهيئة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب، أمكن عام 2016 القضاء على 140 مقاتلا إرهابياً، و24 عصابة مسلحة، وتوقيف أكثر من 900 إرهابي ورجل عصابات، ومتواطئين معهم. كذلك نجحت الأجهزة الأمنية بضبط ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ودمرت 50 ورشة ومختبراً لصناعة الأسلحة، وعطلت 199 عبوة ناسفة يدوية الصنع. هذا فضلا عن القضاء في مدينة بطرسبرغ، نفسها، على ثلاثة من قادة المجموعات الإرهابية النشطة في جمهورية قبارديا (أو القبرطاي والبلكار، الذاتية الحكم التابعة أيضاً لروسيا في القوقاز).
وفي شهر مارس أيضاً ألقت قوات الأمن في روسيا القبض على إرهابي من «داعش»، قالت إنه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية خلال الاحتفالات في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة «يوم المرأة» (يوم 8 مارس). ونقلت صحيفة «إزفستيا» عن مصدر أمني روسي قوله إن عناصر الأمن في واحد من مطارات موسكو ألقوا القبض على مواطن طاجيكي اسمه عظة الله (بالغ من العمر 23 سنة) كان قد وصل في مطلع مارس آتياً من إسطنبول، وخلال التحقيق حطم عظة الله هاتفه الجوال، وحاول بعد ذلك الانتحار لتفادي ترحيله إلى طاجيكستان عندما أخذ مقصاً وغرسه في رقبته، إلا أن عناصر الأمن تمكنوا من استعادة المقص، وبادروا لنقله إلى المشفى. وبعد ذلك أقر المواطن الطاجيكي الآتي من إسطنبول (وفق التقارير الأمنية) أنه أتى إلى موسكو لتنفيذ عمل انتحاري خلال الاحتفالات بـ«يوم المرأة» في موسكو. واتضح أنه كان قد شارك قبل ذلك في القتال ضمن صفوف «داعش» في سوريا.
وذكر المصدر الأمني للصحيفة الروسية أن فرق التحقيق تواصل عملها حالياً للكشف عن الأشخاص الذين كانوا سيقدمون المساعدة للانتحاري الطاجيكي بعد وصوله إلى موسكو، وتحديداً تزويده بالمواد المتفجرة كي ينفذ عمليته. وبعد الانتهاء من التحقيقات قامت السلطات الروسية بتسليم عظة الله لقوات الأمن في طاجيكستان.

هاجس آسيا الوسطى
أيضاً، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016 أعلن الأمن الروسي عن إلقاء القبض على أربعة إرهابيين أعضاء في مجموعة تخريبية، في مدينة موسكو وريفها، تضم مواطنين من جمهوريتي طاجيكستان ومولدوفا الأعضاء في «رابطة الدول المستقلة» (للجمهوريات السوفياتية السابقة). ووفق هيئة الأمن الفيدرالي أن المجموعة كانت تنوي استخدام عبوات ناسفة يدوية الصنع بقدرة تفجيرية عالية جداً في هجمات إرهابية خطط أفرادها لها. وزعمت وكالة «إنترفاكس» - نقلاً عن الأمن الروسي - إن الموقوفين كانوا يعدون العدة لتنفيذ عمليات إرهابية مدوية في العاصمة الروسية بتعليمات مباشرة من مواطن موجود على الأراضي التركية ويمثل تنظيم داعش. وسبق ذلك عمليات توقيف مماثلة جرت في موسكو لمجموعات اتهمتها السلطات بالتعاون مع «داعش»، غالبية أعضائها من أبناء جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً.
هذا، وعلى الرغم من أن المجتمع الروسي أظهر تماسكاً بعد التفجير في مترو بطرسبرغ، ولم تظهر أي علامات خلل في نظرة المواطنين الروس إلى آلاف الشبان من آسيا الوسطى الذين يعملون في المدن الروسية، غير أن تكرار عمليات كهذه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة في الداخل الروسية نحو أولئك الشبان. هذا الأمر يمكن أن يضع السلطات الروسية أمام تحديات جدية، وقد تضطر من أجل تفادي ظهور أزمة في العلاقة نحو المواطنين من آسيا الوسطى إلى تعاون وثيق مع الجهات الأمنية في جمهوريات آسيا الوسطى، فضلاً عن إطلاق عمل «تربوي اجتماعي» لا بد منه في الداخل الروسي. وتجدر الإشارة، إلى أنه بعد كل عمل إرهابي في روسيا أو خارجها، يحرص المسؤولون الروس على التأكيد بأنه لا هوية وطنية أو دينية للإرهاب.

هجمات إرهابية... بالجملة
> التفجير الانتحاري في مترو بطرسبرغ الأول من نوعه خلال العام الحالي الذي يقع في مدينة وسط روسيا، أو بصورة أدق في مدينة بعيدة عن منطقة القوقاز. ولكن روسيا شهدت هجمات إرهابية كثيرة، بعضها متصل بالحرب في الشيشان والبعض الآخر متصل بالتطورات الدولية الراهنة، لا سيما ظهور «داعش» الإرهابي. وكان «داعش» قد تبنى هجوماً شنته مجموعة من المسلحين يوم 25 مارس على قاعدة للحرس الوطني الروسي في الشيشان، وأودى الهجوم إلى مقتل ستة عسكريين روس.
أما العمليات الإرهابية المرتبطة بالحرب في الشيشان، فهي كثيرة. منها على سبيل المثال:
- سيطرة مسلحين شيشانيين على مشفى بوديونسك عام 1995، وكان في المشفى حينها نحو 1600 مريض. وانتهت العملية بانسحاب المسلحين بعد مواجهات مع الأمن وأخذوا معهم رهائن على متن الحافلات، أطلقوا سراحهم لاحقاً. وسقط حينها قرابة 130 قتيلاً.
- وقع تفجير في مبنى سكني في مدينة بوينسك بجمهورية داغستان عام 1999، أدى إلى سقوط 64 قتيلا وإصابة 150 بجروح.
- في العام ذاته فجر الإرهابيون في موسكو مبنيين سكنيين ما أدى إلى سقوط 224 قتيلاً.
- في عام 2002 اقتحمت مجموعة من الانفصاليين الشيشانيين مبنى مسرح «نورد إست» في موسكو واحتجزوا كل الموجودين داخله رهائن، وطالبوا السلطات الروسية بسحب قواتها من الشيشان. وسقط خلال تلك العملية أكثر من 120 من الرهائن، فضلاً عن مقتل المهاجمين كلهم.
- في الأول من سبتمبر عام 2004 احتجز إرهابيون 1200 شخصا في مدرسة بيسلان (جمهورية أوسيتيا الشمالية الذاتية الحكم التابعة لروسيا). وسقط نتيجة الهجوم 334 قتيلاً بينهم 186 طفلاً.
- في خريف عام 2011 انفجرت عبوة ناسفة في مطار دوموديدوفا في موسكو.
- في أغسطس (آب) 2007 وقع تفجير استهدف تفجير قطار «نيفسكي إكسبرس». وأدى إلى وقوع إصابات دون ضحايا، بينما خرج القطار عن السكة وانقلبت بعض عرباته.
- في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009 انفجرت عبوة ناسفة على السكة الحديدية أثناء عبور قطار «نيفسكي إكسبرس» للنقل السريع بين موسكو وبطرسبرغ، وأدى التفجير إلى مقتل 27 مدنياً وإصابة 150 بجروح.
كذلك تعرضت روسيا عام 2013 لهجمات إرهابية انتحارية مزدوجة أسفرت عن مقتل 34 شخصاً وأثارت حالة من القلق حيال أمن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي. حينها أدى انفجار قنبلة في محطة السكك الحديد الرئيسية في مدينة فولغوغراد الجنوبية إلى مقتل 18 شخصاً بينما استهدف اعتداء آخر حافلة ركاب، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً. كما سبق أن وقعت تفجيرات إرهابية في محطات المترو في مدن روسية. ففي فبراير (شباط) عام 2001 انفجرت عبوة ناسفة كانت موضوعة في محطة مترو «بيلاروسكايا»، مما أدى إلى إصابة 20 شخصا بينهم أطفال بجروح. وفي يوم 6 فبراير عام 2004 وقع تفجير إرهابي في عربة المترو بين محطتي «أفتوزافودسكا» و«بافيليتسكايا» على الخط الأخضر من شبكة مترو موسكو. وسقط نتيجة ذلك التفجير الإرهابي 41 قتيلاً. وفي 31 أغسطس عام 2004 قامت انتحارية بتفجير نفسها في محطة مترو ريجسكايا في موسكو وقتل نتيجة ذلك 9 أشخاص، وأصيب 50 بجروح، وأعلن شامل باسايف مسؤوليته عن تلك العملية. وفي 29 مارس عام 2010، قامت انتحاريات بتفجير في محطتي مترو «بارك كولتوري» و«لوبيانكا» القريبة من المقر الرئيسي لهيئة الأمن الفيدرالي. ووقع التفجير في ساعات ذروة الازدحام في المترو صباحا. وسقط نتيجة التفجيرين 40 قتيلاً.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.