المدير الإقليمي في الصليب الأحمر: أزمة اللجوء إقليمية... والمأساة الأكبر في سوريا

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الوضع الإنساني بحاجة إلى مليارات الدولارات

المدير الإقليمي في الصليب الأحمر: أزمة اللجوء إقليمية... والمأساة الأكبر في سوريا
TT

المدير الإقليمي في الصليب الأحمر: أزمة اللجوء إقليمية... والمأساة الأكبر في سوريا

المدير الإقليمي في الصليب الأحمر: أزمة اللجوء إقليمية... والمأساة الأكبر في سوريا

بانتظار ما سينتج عن المؤتمر الدولي المنعقد في بروكسل حول سوريا، يبقى «احترام القانون الدولي الإنساني» من قبل طرفي النزاع هو المطلب الأهم لحماية المدنيين في سوريا، والكفيل بحل جزء كبير من المشكلة، في موازاة الضغوط التي يفترض على المجتمع الدولي القيام بها، بحسب ما يؤكده روبيرت مارديني، المدير الإقليمي في الشرق الأوسط والأدنى في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي.
وفي حين يشير إلى أن أزمة اللجوء باتت إقليمية اليوم، يعتبر مارديني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «المأساة الأكبر باتت في سوريا، وهي قد تزداد سوءاً إذا لم تبذل جهود في هذا الإطار»، مضيفاً: «الحالة الإنسانية تتدهور بشكل كبير، والمنظمات الدولية بحاجة إلى المزيد من المساعدات التي تقدر بمليارات الدولارات، لكي تقوم بعملها كما يجب، من تأمين الغذاء والدواء والخدمات الطبية للمدنيين».
وفي وقت كانت فيه المستشفى التي استقبلت، يوم أمس، عشرات ضحايا غاز السيرين في خان شيخون، بإدلب، هدفاً للقصف، يؤكد مارديني على أهمية حماية المستشفيات والطواقم الطبية، ويقول: «لا شيء يبرر استخدام الكيماوي الذي يحظر القانون الدولي استخدامه بأي شكل من الأشكال»، مضيفاً: «إلى الآن، لم نحصل على معلومات دقيقة حول هذا الأمر، على اعتبار أنه لا وجود للصليب الأحمر في إدلب بسبب المعارك». ويبقى وضع اللاجئين خارج سوريا، وبشكل خاص في لبنان والأردن، رغم المعاناة الاجتماعية والاقتصادية التي يرزحون تحتها، أفضل من النازحين في داخل سوريا، بحسب مارديني، مع تأكيده على أن حل المشكلات التي يعاني منها اللاجئون في الخارج تكمن بالدرجة الأولى في زيادة المساعدات على أنواعها، والأهم العمل على خطط طويلة الأمد، في وقت باتت فيه التقديمات تتراجع، بدل أن تزيد، وهو ما قد يهدّد بأزمة إنسانية.
وفي هذا الإطار، قالت المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين، ليزا أبو خالد، إن هناك نقصاً حاداً في تمويل مساعدات اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لسوريا، وأضافت لـ«وكالة الأنباء الألمانية» أن 7 من بين كل 10 لاجئين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر حالياً، مشيرة إلى أن العائلات اللاجئة استنفدت مواردها المحدودة في الأساس، وتضطر حالياً للعيش بأقل القليل، وأكدت: «إذا لم يتغير الوضع المالي للمنظمات الإغاثية، فإنه من الممكن ألا يحصل اللاجئون قريباً على الدعم الذي يحتاجونه».
ويقدّر مارديني عدد النازحين داخل سوريا بنحو 6 ملايين شخص، معظمهم اضطروا إلى النزوح أكثر من مرة نتيجة المعارك أو عمليات التهجير، تاركين أرضهم ومنازلهم بعدما خسروا أيضاً أفراداً من عائلاتهم، مشيراً إلى أن أكثر المناطق التي باتت تعرف بأنها مناطق نزوح هي حماة وإدلب، اللتين أصبحتا تضيقان بسكانها، وبالتالي تتطلب المزيد من المساعدات.
وتقدر الأمم المتحدة حاجاتها لعام 2017 بـ8.1 مليار دولار، بينها 4.7 مليار للاجئين السوريين والمناطق التي تستضيفهم في الدول المجاورة.
وفي ضوء الحديث عن «اتفاق القرى الأربع»، الذي ينص على تهجير أهالي الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، وما سبقها من عمليات تهجير قسري، يؤكد مارديني أن إجبار الناس على ترك بيوتهم ومناطقهم هو خرق للقانون الدولي الإنساني، بحيث بات المواطن السوري يحمل تاريخه وذاكرته في كيس بلاستيكي، علماً بأن القانون الدولي الإنساني يعرّف التهجير القسري بأنه «الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها».
من هنا، يعود مارديني ويؤكد أن احترام القانون الدولي من شأنه أن يكون باباً لحلول كثيرة، مضيفاً: «إذا احترم القانون الذي ينص على حق المواطنين في الحصول على متطلبات العيش والغذاء، وبالتالي فك الحصار عن المناطق، فهذا الأمر من شأنه أن يحد من عمليات التهجير»، ويؤكد: «لا فرق بين الوضع في المناطق المحاصرة الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة أو النظام، المأساة واحدة والمدنيون يدفعون الثمن، في غياب الغذاء والمياه والدواء والرعاية الصحية وأدنى متطلبات الحياة».
ويشير إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر نجحت، بالتعاون مع شركائها ومنهم الهلال الأحمر السوري، في الدخول إلى عدد كبير من المناطق المحاصرة، مؤكداً: «انطلاقاً من عملنا الإنساني، نتواصل مع كل الأطراف من دون استثناء، وقد نجحنا منذ بداية العام الحالي إلى الآن في الدخول إلى 9 مناطق»، لافتاً إلى أن هناك صعوبة إلى الآن في الدخول إلى 3 مناطق أساسية، هي دير الزور والرقة، حيث السيطرة لتنظيم داعش، إضافة إلى مدينة إدلب، بسبب المعارك المستمرة.
مع العلم أن سياسة الحصار تحوّلت خلال سنوات الحرب في سوريا منذ عام 2011 إلى سلاح حرب رئيسي تستخدمه كل أطراف النزاع. ويعيش وفق الأمم المتحدة 600 ألف شخص على الأقل في مناطق محاصرة بغالبيتها من قوات النظام و4 ملايين آخرين في مناطق يصعب الوصول إليها.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.