لماذا لا ترتفع أسعار النفط رغم تحسن التزام «أوبك»؟

4 تفسيرات تشرح الفجوة بين خفض الإنتاج والأسعار

عامل عراقي في حقل بشمال البصرة (أ.ب)
عامل عراقي في حقل بشمال البصرة (أ.ب)
TT

لماذا لا ترتفع أسعار النفط رغم تحسن التزام «أوبك»؟

عامل عراقي في حقل بشمال البصرة (أ.ب)
عامل عراقي في حقل بشمال البصرة (أ.ب)

اجتمع الأسبوع الماضي في العاصمة الكويتية 5 وزراء من كبار الدول المنتجة للنفط في العالم، للاطلاع على مدى التزام الدول الـ22 الذين تعهدوا بخفض إنتاجهم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أجل إعادة الاستقرار لسوق النفط التي شهدت على مدى عامين هبوطاً حاداً في الأسعار نتيجة تخمة المعروض.
وخلص الوزراء الخمسة الأعضاء في اللجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج التي تترأسها الكويت، وتتكون من الجزائر وفنزويلا وروسيا وعمان، إلى أن التزام المنتجين تحسن بشكل كبير في فبراير (شباط) مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني).
وعقب الاجتماع، أعلن وزير النفط الكويتي عصام المرزوق أن نسبة الالتزام باتفاق خفض الإنتاج بين «أوبك» والمنتجين المستقلين بلغت حتى الآن 94 في المائة بشكل عام لكل المنتجين ارتفاعاً من 86 في المائة في يناير. والتزمت دول «أوبك» حتى الآن بنحو 106 في المائة من الكمية التي تستهدف خفضها، أي ما يعني أن «أوبك» خفضت فوق المطلوب منها بنحو 6 في المائة.
وتعهدت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بخفض الإنتاج نحو 1.2 مليون برميل يومياً من أول يناير، وذلك في أول اتفاق من نوعه على خفض الإمدادات منذ 2008. وتعهد منتجون من خارج «أوبك» بخفض الإنتاج بنحو نصف ذلك القدر.
ووصف الوزير الكويتي مستوى الالتزام باتفاق خفض الإنتاج حتى الآن بأنه «ممتاز»، إلا أن أسعار النفط لم ترتفع كثيراً منذ بداية العام، بل على العكس سجلت أسعار النفط في الربع الأول من العام الحالي أسوأ أداء لها على أساس فصلي منذ عام 2015.
وانخفض «برنت» في تسوية العقود الآجلة يوم الجمعة 13 سنتاً إلى 52.83 دولار للبرميل. وخسرت العقود نحو 7 في المائة منذ الربع السابق، وهي أكبر خسارة فصلية منذ أواخر 2015. وسجل الخام الأميركي ارتفاعاً طفيفاً في العقود الآجلة بلغ 25 سنتاً إلى 50.60 دولار للبرميل بعدما هبط دون 50 دولاراً للبرميل، واختتم الربع على تراجع بنحو 5.7 في المائة ليسجل أيضاً أكبر خسائره الفصلية منذ أواخر 2015.
إذن ما الذي يحدث في سوق النفط؟ ولماذا أسعار النفط لم تتحسن رغم كل الإعلانات من كبار المنتجين في العالم عن مدى تحسن التزامهم؟
هناك كثير من التفسيرات لهذا الأمر المحير؛ أولها وأهمها هو أن المخزونات النفطية لم تهبط حتى الآن بالحجم الذي يجعل السوق تتوازن. وثاني هذه التفسيرات هو أن المضاربين في عقود النفط لا يزالون متخوفين حيال إمكانية عودة النفط الصخري بقوة في الأشهر المقبلة، خصوصاً مع تحسن الأسعار.
أما التفسير الثالث، فهو أن الخفض في الإنتاج حتى الآن لم يترجم إلى خفض في الصادرات. والتفسير الأخير أن الإنتاج من بعض الدول خارج «أوبك» في زيادة، أو أن الأرقام التي تعلنها بعض دول «أوبك» غير دقيقة.
1) تباطؤ هبوط المخزونات: أحد أكبر التحديات التي تواجهها سوق النفط هو مسألة ارتفاع المخزونات النفطية. ولكن لا أحد يعلم بالتحديد حجم النفط المخزن، وهو الأمر الذي عبر عنه وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في مقابلة مع تلفزيون «بلومبيرغ» الشهر الماضي، حين قال إن شفافية أرقام المخزونات ليست كاملة.
وخارج الولايات المتحدة وخارج الدول الصناعية الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، لا توجد أرقام دقيقة حول المخزونات. ويقدر وزير النفط الكويتي أن الفائض في المخزونات يقدر بنحو 285 مليون برميل فوق مستوى الخمس سنوات. فيما قال الأمين العام لـ«أوبك» محمد باركيندو إن المخزونات في الدول الصناعية فائضة بنحو 282 مليون برميل. وكان وزير النفط السعودي خالد الفالح قد قدرها الشهر الماضي في هيوستن عند 300 مليون برميل.
ويبقى المهم هو حجم تراجع المخزونات، ولكن لعدم وجود الشفافية، تقدير هذا التراجع أصبح صعباً. ويقدر مصرف مورغان ستانلي هذا التراجع منذ بداية العام حتى الآن بنحو 72 مليون برميل، وهذه تشمل المخزونات غير المرئية خارج الدول الصناعية. ويقول المصرف إن التخزين العائم تراجع كذلك نحو النصف إلى 67 مليون برميل. ورغم هذا التراجع البطيء، يتوقع البنك أن تزداد وتيرة خفض المخزونات في الأشهر المقبلة مع تحسن الطلب ودخول الصيف، لينتهي العام على سحوبات قدرها من 250 إلى 300 مليون برميل وهذه الكمية كافية لإعادة التوازن للسوق.
2) مفاجأة النفط الصخري: لا أحد يستطيع بالتحديد تقدير كمية النفط الصخري التي ستعود للسوق هذا العام مع تحسن الأسعار. لكن السوق تراقب حفارات النفط وهذه الآن عادت لمستويات عالية، حيث زادت الشركات الأميركية عدد حفارات النفط للأسبوع الحادي عشر على التوالي في أفضل فصل لزيادة عدد الحفارات منذ الربع الثاني من 2011 مع اكتساب موجة تعافٍ مدتها 10 أشهر للزخم في ظل تعزيز شركات الطاقة إنفاقها على الإنتاج الجديد.
وقالت بيكر هيوز لخدمات الطاقة يوم الجمعة إن الشركات أضافت 10 حفارات نفطية في الأسبوع المنتهي في 31 مارس (آذار)، ليصل العدد الإجمالي إلى 662 حفارة، وهو الأكبر منذ سبتمبر (أيلول) 2015.
ويتوقع مصرف مورغان ستانلي أن يزيد إنتاج النفط الصخري هذا العام بنحو 700 ألف برميل يومياً، فيما تضع مصارف أخرى وبيوت استشارات الزيادة بين 300 ألف برميل يومياً إلى 800 ألف برميل يومياً.
3) الصادرات مرتفعة: رغم تخفيض كل الدول إنتاجها حسبما هو معلن، لا تزال الصادرات مرتفعة من بعض البلدان. وتظهر بيانات تتبع ناقلات النفط التي نشرتها «بلومبيرغ» أن صادرات السعودية في شهر مارس زادت نحو 326 ألف برميل يومياً عن فبراير، فيما انخفضت صادرات العراق بصورة ضئيلة تبلغ 50 ألف برميل، ولم يكن هذا الانخفاض من موانئ البصرة، بل من النفط المصدر من إقليم كردستان. وزادت فنزويلا صادراتها النفطية بنحو 5.8 في المائة خلال مارس مقارنة بفبراير.
4) زيادة من خارج «أوبك» أو أرقام غير دقيقة: ويبقى آخر تفسير لما يحدث هو أن الأرقام التي تصدر من الدول ليست دقيقة، أو أن الأرقام التي تصدرها المصادر الثانوية في السوق ليست دقيقة، وهو ما يظهر جلياً في حجم تراجع المخزونات. والتفسير الآخر هو أن يكون الإنتاج من خارج «أوبك» مرتفعاً بصورة عطلت عملية الخفض من «أوبك». ولم تصل روسيا التي هي جزء من الاتفاق إلى كامل خفضها البالغ 300 ألف برميل، وخفضت حتى الشهر الماضي بنحو 200 ألف برميل. فيما لا تزال كازاخستان التي هي جزء من الاتفاق كذلك غير ملتزمة. وبالأمس قال نائب وزير الطاقة في كازاخستان إن إنتاج بلاده من النفط الخام تجاوز المستوى الذي اتفقت عليه مع كبار المنتجين الآخرين بواقع 10 آلاف برميل يومياً في مارس.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»