يفغيني يفتوشنكو: لا تمت قبل أن يأتي موتك

رحل في منفاه الاختياري في أميركا بعدما غطت شهرته العالم

يفتوشنكو في أيامه الأخيرة في الولايات المتحدة
يفتوشنكو في أيامه الأخيرة في الولايات المتحدة
TT

يفغيني يفتوشنكو: لا تمت قبل أن يأتي موتك

يفتوشنكو في أيامه الأخيرة في الولايات المتحدة
يفتوشنكو في أيامه الأخيرة في الولايات المتحدة

قد يكون الشعر في الغرب ترفاً ثقافياً، لكنه عند الأمة الروسية كأنه خبزُ الشعب. لذا؛ فالروس يتعاملون مع شعرائهم وكأنهم أنبياء كلمة ونجوم مرصعة بالنور، وهذا ما يُفسر تأثيرهم الأشد عمقاً في الناس مقارنة مع السياسيين. ومن هنا يُفهَمُ برق ضوء شاعر صارخ الموهبة، شديد الوسامة، لطيف المعشر وطلق اللسان أيضا. يفغيني يفتوشنكو (1933– 2017) الشاعر والروائي والممثل والمخرج والنائب السابق في البرلمان والأستاذ الجامعي الروسي الذي توفي السبت الماضي في أوكلاهوما الولايات المتحدة عن 83 عاماً إثر أزمة قلبية.
تجرأ يفتوشنكو وهو لما يزل في العشرين من عمره على توجيه نقد مبطن في شعره إلى «الرفيق» ستالين، وبذلك تحول بعد غياب ستالين عام1953 إلى رمز لجيل شعراء مرحلة ما بعد الستالينية الروس أواخر الخمسينات والستينات، وما لبث بمواقفه الصارخة لإطلاق حرية الفنون وتقييمها على أساس قيمتها الفنية لا مضمونها السياسي، أن تحول إلى أيقونة للشباب السوفياتي المتململ ولا سيما بعدما طُرد من معهد غوركي للآداب عام 1956 إثر انضمامه إلى اللمحتجين على منع رواية فلاديمير دودينتسيف «ليس بالخبز وحده»، ورفض لاحقاً المشاركة في الحملة الرسمية ضد بوريس باسترناك الذي فاز بجائزة نوبل للآداب في 1956 عن روايته المشهورة «دكتور زيفاغو».
نفض يفتوشنكو غبار الانفعال الثوري الذي حكم لغة شعراء الثورة البلشفية الأوائل من أمثال فلاديمير ماياكوفسكي وسيرجي يسينن، وأعاد الاعتبار لقصائد الحب والانفعالات الشخصية مخالفاً توجيهات الدولة في حينها، وهذا ما زاد من شعبيته.
«بابي يار» أشهر قصائده كتبها عام 1961 في ساعتين بعدما زار موقع مذبحة ارتكبها النازيون في مقاطعة أوكرانية خلال الحرب العالمية الثانية بحق آلاف عدة من اليهود، وأهملتها المصادر الرسمية السوفياتية دلالة على تجذر العنصرية الروسية – غير المعلنة - ضد اليهود. كتب يفتوشنكو لاحقاً أنه صُدم عندما زار موقع الجريمة في كييف فلم يجد أي علامة تشير إلى ما حدث. «لا نصباً تذكارياً ولا حتى شاهد قبر. لا شيء. لقد صدمني كيف يتجاهل الناس ذكرى مثل تلك الجريمة». كانت قصيدته بدأت بافتتاحية تقول: «لا نصب تذكاريا فوق بابي يار» ومن شهرتها العالمية بدا أن يفتوشنكو قد أقام ذلك النصب شعراً لكي لا تموت ذكرى الضحايا، رغم أن منتقديه اعتبروا تلك الشهرة أتت أساساً من تأثير الدوائر اليهودية في الإعلام الغربي أثناء الحرب الباردة التي وجدت في القصيدة المؤثرة - على لسان الشاعر السوفياتي الأشهر - نوعاً من نقد لاذع للاتحاد السوفياتي.
في أيام مجده كان يفتوشنكو بشِعره المتمرد وحضوره الأخاذ قادراً على استقطاب آلاف الشبان الروس للاستماع إليه وهو يلقي قصائده في الساحات العامة والملاعب الرياضية وقاعات المؤتمرات. كان نبضَ الشباب السوفياتي الذي جعلته الثورة الستالينية المضادة مصاباً بالرعب والغضب، لكنه بقي مسكوناً بالآتي. قصيدته عن «ورثة ستالين» جاءت أعلى صوتاً من بيان سياسي، وفيها خاطب السلطة بـ«أن تتأكد من تكثيف الحراسة على قبر ستالين كي لا يخرج لنا من جديد، وقال إننا الآن تخلصنا من ستالين الرجل، وبقي أن نتخلص من ستالين الفكرة في عقول ورثته»، فصُدم الروس الخارجين لتوهم من الصدمة.
في عام 1961 وحده قدم أكثر من 250 أمسية شعرية، لكن البعض اتهمه بأنه كان سلاحاً في جعبة الرئيس نيكيتا خروتشوف الذي شن حملة نقد غير مسبوق تجاه مرحلة سلفه جوزيف ستالين، وأن السلطات سهلت له تنظيم القراءات الشعرية ولا سيما تلك التي يهجو فيها ستالين والستالينيين من بعده. ولذا؛ وصفه المنشق السوفياتي جوزيف بوردسكي بأنه «يلقي أحجاراً حيثما يُشير له رجال السلطة أن يفعل» والأخير استقال احتجاجا من الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب عندما نصب يفتوشنكو عضو شرف فيها. لكنه عام 1991 أيضاً وفي مواجهة الانقلاب الفاشل الذي نظمه الشيوعيون المحافظون ضد حكم الرئيس ميخائيل غورباتشوف، استقطب جمهوراً فاق الـ200 ألف من الشبان السوفيات، الذين زحفوا ليستمعوا إليه يدين الانقلاب شعراً. وهو كتب لاحقاً نصاً روائياً عن تلك المرحلة عنونه بـ«لا تمت قبل أن يأتي موتك». كان يفتوشنكو قد وصل حتى أعلى قمة المجد في عهد غورباتشوف، فأصبح عضواً في البرلمان وأميناً عاماً لاتحاد الكتاب السوفيات وكثيراً ما أوفد لتمثيل الاتحاد السوفياتي في مناسبات ثقافية في الخارج ومنح لاحقاً ميدالية «الدفاع عن روسيا الحرة» واعتبر أحد أهم الأصوات المؤيدة لسياسة «الانفتاح» التي أطلقها غورباتشوف.
انتقدت بعض قصائده بوصفها كتبت للاستهلاك اللحظي في المناسبات، وقيل إن شهرته العالمية سببتها صراعات الحرب الباردة، وهو لم ينكر ذلك قطعاً، لكن الجميع اليوم متفقون على أن غالب أعماله الشعرية سيدخل ضمن أوابد الشعر الروسي الحديث.
سافر يفتوشنكو في الستينات إلى الولايات المتحدة وأوروبا وكوبا وأستراليا ملقياً القصائد، فبنى شبكة من العلاقات في الغرب والتقاه الرئيس الأميركي نيكسون، لكنه كاد أن يفقد حظوته في بلاده إثر نشره في باريس 1963 مذكراته عن مرحلة شبابه منتقداً الحياة في ظل الحكم الشيوعي، فاعتبر منشقاً وسُحبت امتيازاته الرسمية، لكنه ما لبث أن استعاد ثقة السلطات بعد نشره عام 1966 ديوانه «محطة براتيسك» الذي قارن فيه سيبيريا بعد أن كانت منفى موحشاً يُرسل إليه المعارضون الروس، وأمست بعد الثورة نافذة تجلب النور والدفء إلى قلب روسيا من خلال رمزية محطة براتيسك الضخمة لتوليد الطاقة. لكنه بدا غير قادر على الانتظام طويلاً وفق خطوط السياسة الرسمية، فبعدها بعامين فقط كتب قصيدته «دبابات روسية في براغ» مُنتقداً تدخل بلاده العنيف في تشيكوسلوفاكيا عام 1968، التي كان الشبان الروس ينسخونها باليد؛ إذ لم تُنشر مطبوعة حتى عام 1990.
انحدر يفتوشنكو من قلب سيبيريا البارد، من بلدة تدعى زيما – أي الشتاء – قرب بحيرة البايكال، لكنه أدفأ قلوب الشباب السوفياتي عبر عقود بقصائد متوهجة مشتعلة. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي انتقل عام 1992 ولحين وفاته إلى الولايات المتحدة فتحول كما أسد متقاعد إلى أستاذ جامعي بجامعة توسلا في قلب الغرب الأميركي، يعلّم اللغة الإنجليزية والأدب الروسي، ولم ينقطع عن ذلك حتى ليلة موته. كان شديد التعاطف مع تلامذته غير قادرٍ على منحهم علامات متدنية مهما كان أداؤهم؛ إذ رأى دوماً أن «أبناء رعاة البقر وحفاري منصات النفط هم أقربُ للطبيعة والحياة من شبان المدن الكبرى، ولديهم حساسية أشد تمكنهم من فهم الشعر». وبالفعل، فإن أمسياته كانت تستقطب مئات الشبان الأميركيين الذين يأتون من بلدات صغيرة حول توسلا للاستماع لذلك الشاعر (السوفياتي) المثير للجدل. في الثمانينات نشر قصائد بالروسية عن الولايات المتحدة، وكتب أول عمل روائي له ترجم إلى الإنجليزية بعنوان «توت بري»، كما جرب حظه في التمثيل والإخراج وكتابة أغاني الأفلام، ونُشر عنه أيضاً كتاب مصور، ودبج مئات المقالات للصحف والمجلات الكبرى، لكن هوسه الرئيس منذ الأربعينات وحتى النهاية بقي دائماً الشعر، وقد أصدر من منفاه الاختياري في توسلا دواوين ومجموعات شعرية عدة بالروسية والإنجليزية تحدث فيها أكثر عن الحب والألم والموت. لقد طحن يفتوشنكو السياسة السوفياتية وطحنته، لكنه في تقاعده (الأميركي) المريح بين شبان وشابات توسلا الجامحين صار شاعراً ناضجاً ينظر للحياة من عل. مات يفتوشنكو فقط عندما جاء موته.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.