ملثمون من «حزب الله» يتولون «الأمن الاجتماعي» في الضاحية الجنوبية

استعراض القوة الذي نفذه أثار استياءً وكشف غياب الدولة

عناصر ملثمون من {حزب الله} يتجولون في شوارع الضاحية الجنوبية
عناصر ملثمون من {حزب الله} يتجولون في شوارع الضاحية الجنوبية
TT

ملثمون من «حزب الله» يتولون «الأمن الاجتماعي» في الضاحية الجنوبية

عناصر ملثمون من {حزب الله} يتجولون في شوارع الضاحية الجنوبية
عناصر ملثمون من {حزب الله} يتجولون في شوارع الضاحية الجنوبية

نفذ «حزب الله» اللبناني استعراض قوة في ضاحية بيروت الجنوبية، في محاولة منه لردع تجار المخدرات وعصابات الخطف التي تتخذ من بعض مناطق نفوذه مقرا لها. وأنزل الحزب عشرات من عناصره الملثمين ليل أول من أمس إلى الشارع؛ وهو ما آثار مخاوف من اعتماده «الأمن الذاتي» بعد أن أقرت الدولة اللبنانية الأسبوع الماضي خطة أمنية تشمل ملاحقة الخارجين عن القانون، ومن ضمنهم ضاحية بيروت الجنوبية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن استياء رسميا سجل من خطوة الحزب. وقالت المعلومات إن وزير الداخلية نهاد المشنوق يحضّر بيان إدانة للخطوة، التي رجحت مصادر رسمية لبنانية أن تكون موجهة ضد بعض العشائر التي تعاند الحزب وتتحدى سلطته، مشيرة إلى أن وضع الأقنعة على وجوه عناصر الحزب دليل على ذلك؛ لأن معناها أن الخطوة داخلية بامتياز، مشيرة إلى أن الحزب بات يعيش تحت ضغط بيئته المستاءة من تصرفات هؤلاء، في حين هو غير قادر على الصدام معهم؛ تجنبا لاهتزاز بيئته الداخلية.
وانشغل اللبنانيون في الساعات الماضية بعدد من الصور تم تداولها لعناصر ملثمين يرتدون زياً أسود موحداً تبين أنهم تابعون لـ«حزب الله» الذي قرر تشكيل سرية جديدة تتولى «الأمن الاجتماعي» في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي شهدت أخيرا أحداثا أمنية على خلفية تنامي عمليات الاتجار بالمخدرات؛ ما كاد قبل أسابيع يشعل فتنة لبنانية – فلسطينية بعد تطور الخلافات إلى معارك بالأسلحة الرشاشة. وسادت موجة استياء عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي مما قال ناشطون إنه «سكوت ورضوخ أجهزة الدولة اللبنانية أمام واقع تشكيل مجموعات مماثلة تحل مكان القوى الأمنية والمؤسسات الرسمية المولجة ملاحقة المخلين بالأمن».
وقالت مصادر مطلعة على موقف الحزب، ومتابعة لما حصل في برج البراجنة مساء الجمعة - السبت لـ«الشرق الأوسط» إن «عشرات العناصر التابعين لسرية جديدة أنشأها (حزب الله) جالوا في شوارع المنطقة وهم ملثمون ومسلحون، ويضعون على أكتافهم شارات الحزب الصفراء، وعلى صدورهم عبارة (سرية العباس) لتوجيه (رسالة حازمة لكل المخلين بالأمن) في المنطقة، والذين تنامت حركتهم في الفترة الماضية، خصوصا تجار المخدرات وبعض فارضي (الخوات)». وقالت المصادر إن الحزب أكد عبر القنوات الخاصة للمسؤولين اللبنانيين أن «هذه الخطوة لا تستهدف الاجتماع الأمني الذي تم عقده في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، بل تتكامل مع الخطة الأمنية التي بدأ تطبيقها في لبنان قبل فترة؛ بهدف إلقاء القبض على الرؤوس الكبيرة المتورطة في عمليات الاتجار بالمخدرات».
وأوضح قاسم قصير، الكاتب المتخصص بشؤون «حزب الله»، أن المجموعة التي استعرضت ليل الجمعة في شوارع برج البراجنة «تم تدريبها حديثا، وهي مناطقية غير تابعة للقيادة المركزية للحزب»، لافتا إلى أن «القيّمين عليها ارتأوا بعد أن أنهت تدريباتها أن نقوم باستعراض لتوجيه رسالة للعابثين بالأمن في المنطقة مفادها أن (حزب الله) لن يسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه». وقال قصير لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن المجموعة تابعة للحزب ويقودها مسؤول الحزب في المنطقة، إلا أن البُعد الذي تتخذه مناطقي بحت، وبخاصة بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها برج البراجنة في الآونة الأخيرة». وأشار قصير إلى أن «مهمة هذه المجموعة تنسجم مع الخطة الأمنية التي بدأت أجهزة الدولة في تطبيقها قبل مدة لإلقاء القبض على تجار المخدرات، وهو ما يؤكد أن (حزب الله) يدعم فعليا هذه الخطة ويتعاون لإنجاحها».
في المقابل، توقف الباحث السياسي ومدير مركز «أمم» للدراسات، لقمان سليم، المعارض لـ«حزب الله» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عند قرار الحزب القيام بهذا الاستعراض في «منطقة حساسة» وإن كانت جزءا من الضاحية الجنوبية لبيروت، لافتا إلى أن برج البراجنة مختلطة إلى حد بعيد، وسكانها من السنة والشيعة الأكراد والفلسطينيين. وأضاف: «ما لفتني أنه تم تقديم العناصر الذين سيتولون الأمن الاجتماعي كمجموعة من الملثمين، علما بأنهم جزء من هذه البيئة الحاضنة، لكنهم غير قادرين على إظهار وجوههم». واعتبر سليم أن «الهدف من هذه المشهدية الاستجابة لشكاوى الناس العارمة من خلال فرض نوع من الهيبة، يظن الحزب أنه من خلالها يستطيع معالجة مشكلات عميقة، كالاتجار بالممنوعات وفرض الخوات»، مشددا على أن ما حصل صفعة جديدة لمفهوم الدولة في لبنان، وبخاصة أنه تم بُعيد الاجتماع الأمني الرفيع الذي عقد في بعبدا، كما أنه عملية تسفيه للأجهزة الأمنية والوزارات المعنية التي يجب أن تكون مولجة وحدها أن تحدد ما هو حلال وما هو حرام، وأن تلاحق المخلين بالأمن».
واستنفر مئات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي طوال ساعات يوم أمس للتعبير عن استيائهم العارم مما قالوا إنه «قرار (حزب الله) عرض عضلاته مجددا في الداخل اللبناني لترويع خصومه وكل معارضيه سواء أكانوا من المواطنين العاديين أم من الفرقاء السياسيين». واعتبر منسق «الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار» فارس سعيد، أن «كلام رئيس الجمهورية الداعم لسلاح (حزب الله) يجعل من استعراضه في الضاحية خبرا عاديا، مثل التحكم المروري»، في حين رأى الوزير السابق أشرف ريفي، أن «العراضة المسلحة التي نفذها (حزب الله) في الضاحية الجنوبية تؤكد استقالة الدولة لمصلحة الدويلة». ولفت ريفي في بيان إلى أنه «بدلا من أن تتولى القوى الأمنية، وهي قادرة على ذلك، اجتثاث مروجي آفة المخدرات والممنوعات، رأينا بالأمس مشهداً يؤكد استقالة الدولة لمصلحة الدويلة، في الأمن والسيادة وتطبيق القانون، من خلال العراضة المسلحة التي نفذها (حزب الله) في الضاحية الجنوبية، التي دلَّت للمرة الألف على التناقض الذي يعبِّر عنه هذا الحزب مع الدولة ومؤسساتها». وأضاف: «نضع هذا السؤال برسم رئيس الجمهورية الذي ترأس أمس اجتماعا أمنيا في القصر الجمهوري لضبط الوضع الأمني، ونقول له: هل ما قاله عن عدم قدرة الجيش اللبناني على الدفاع عن لبنان، بات ينطبق أيضا على القوى الأمنية، وهل هي غير قادرة أيضا، تبعا للمنطق نفسه، على حماية الأمن الاجتماعي للبنانيين؟ والسؤال نفسه برسم الحكومة مجتمعة، وبرسم وزيري الداخلية والدفاع تحديدا».
وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية بدأت قبل نحو أسبوعين في تطبيق خطة أمنية غير معلنة، لتوقيف عدد من المطلوبين في منطقتي البقاع شرق لبنان وبعض مناطق بيروت. ونقلت «الشرق الأوسط» في وقت سابق عن مصادر قولها إن «الأجهزة الأمنية داهمت مواقع يتوقع أن يوجد فيها كبار المطلوبين، مثل نوح زعيتر وعلي نصري شمص، من غير أن تتمكّن من إلقاء القبض عليهم»، مشيرة إلى أن «تلك المداهمات لا تترافق مع مظاهر عسكرية وأمنية في المنطقة، بل تنفّذ بطريقة مباغتة وسرية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.