حصار «دواعش» سيناء

بعضهم فرَّ من رفح والشيخ زويّد إلى العريش

قوات من الجيش المصري أثناء مداهمة أوكار المتطرفين في جبل الحلال جنوب العريش
قوات من الجيش المصري أثناء مداهمة أوكار المتطرفين في جبل الحلال جنوب العريش
TT

حصار «دواعش» سيناء

قوات من الجيش المصري أثناء مداهمة أوكار المتطرفين في جبل الحلال جنوب العريش
قوات من الجيش المصري أثناء مداهمة أوكار المتطرفين في جبل الحلال جنوب العريش

بَعدَ نحو 3 سنواتٍ من محاولاتٍ محمومة لتأسيس «إمارةٍ» إسلامية في المنطقة الواقعة بين الحدود المصرية مع قطاع غزة، ومشارف مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، فشلَ المتطرفون في مُهمتهم. إذ تبعثرَ معظمهم تحت ضربات السلطات الأمنية المصرية. وفي حين فرَّ عدة مئات منهم إلى سوريا والعراق وليبيا، لجأ مئات آخرون إلى التحصّن في منطقة جبل الحَلال الوعرة، الواقعة على بُعدِ نحو 80 كيلومتراً إلى الجنوب من العريش.
هذا اللجوء، بالطبع، لم يبعث على الطمأنينة. وبناءً عليه، قرَّرت قوات الجيش التَّوجه إلى هذا الجبل المرتفع والواسع والوعر، خلال الشهور القليلة الماضية، لاستئناف العمل من أجل اجتثاث المسلحين من هناك. عملية صعبة من البحث. جَرتْ في سياقها مطاردة العناصر المتطرفة من كهف إلى كهف، ومن منحدر إلى منحدر، دمَّر الجنودُ المُتحمِّسون خلالها آليات وصادروا معدات مخصصة لأعمال إرهابية. وأخيراً وقع ما لم يكن في الحسبان. لقد انضمَت فلول المتشددين الفارِّين من المناطق الواقعة إلى الشرق من العريش وإلى جنوبها، أي من مدينتي رفح والشيخ زويّد وجبل الحَلال، إلى زملائهم داخل قلب المدينة. وعليه، ازدادتْ الأعمال البشعة داخل عاصمة المحافظة على يد التنظيم الذي يُعد فرعاً من فروع تنظيم داعش في المنطقة، إذ شن حملة لإثارة الرعب قتلَ خلالها مواطنين في البيوت وفي الشوارع، من بينهم مسيحيون. وفجَّر أبنية خاصة، بالديناميت، في وضح النهار.
تفيد تقارير أمنية، اطلعت «الشرق الأوسط» على جانب منها، بتعاون المتطرفين في شبه جزيرة سيناء المصرية، ومؤازرة بعضهم بعضاً بالأموال والسلاح عبر دول بالمنطقة. ومن بين هؤلاء مصريون كانوا يحاربون السلطات في سيناء تحت اسم «أنصار بيت المقدس» قبل تأسيسهم مراكز تدريب ودعم في معسكرات بكل من سوريا وليبيا. ويفيد سلامة سالم، النائب في البرلمان المصري عن شمال سيناء، «الشرق الأوسط» في لقاء معه، بأن «ما يحدث في سيناء ليس بمعزل عما يجري في العالم العربي». ويعتقد نواب آخرون أن «دواعش» يسعون من وراء البحر لتقديم العون للمتطرفين في العريش.
وفي منتدى في وسط القاهرة، كان عدد من نواب البرلمان يتابعون عبر شاشة التلفزيون تأكيدات الملوك والزعماء العرب، أثناء أعمال القمة العربية المنعقدة في الأردن، على ضرورة مكافحة الإرهاب بالمنطقة. وعلّق أحد النواب قائلاً: «الدول الكبرى تُساعد في محاربة (داعش) في العراق وسوريا وليبيا، لكنَّ مصر لم تتلق تعاوناً يُذكر... قتلَ الإرهابيون جنودنا ومواطنينا في سيناء، بينما العالم يكتَفي بالمشاهدة».
ومن جانبه، صرح رَحْمِي عبد ربه، النائبُ في البرلمان، عن محافظة شمال سيناء لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «يبدو أنَّه يُوجد دعمٌ خارجي كبيرٌ لتأجيج موضوع الإرهاب في سَيناء، وهو أمرٌ مؤكد بالنسبة لنا. إلا أن الأمور ستكون تحت السيطرة في النهاية، لأن القوات المسلحة لها دور كبير. وتسعى لبسط الأمن والاستقرار في سيناء، ثُمَّ تبدأ عملية التنمية التي ينتظرها الجميع».

كلمة السيسي في القمة
خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إنَّه «على مدار السنوات الماضية، تركَّزت التحديات الجديدة التي عصفت بوطننا العربي في انتشار الإرهاب وتزايد خطورته، وفي إضعاف كيان الدَّولة الوطنية». وأضاف أن مواجهة الإرهاب «ليستْ بالأمر الهين، فَهُو كالمرض الخبيث يتغلغلُ في نسيج الدول والمجتمعات ويتخفى بجبن وخسَّة، لذلك فإن مواجهته يجب أن تكون شاملة».
وبالفعل، يعتقدُ كثيرٌ من المصريين أنَّ الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة دونالد ترمب، يُمْكِن أن تكون أكثر ميلاً لتعضيد السُّلطات في حربها ضد المتشددين، خصوصاً في سيناء، بعكس إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي لم تكُن على وفاق مع السيسي، وعرقلتْ لفترةٍ طويلةٍ تسليم مصر 10 هليكوبترات عسكرية كانت في حاجة ماسَّة إليها لمطاردة الإرهابيين في صحراء سيناء الشاسعة.
مع هذا، ورَغم كُلِّ شيء تمكنتْ القوات المصرية، طوال السنوات الثلاثة الأخيرة، من شَنِّ حملة كبيرة لبسط الأمن، فأغلقتْ أكثر من 95 في المائة من الأنفاق الواصلة بين سيناء وغزة، وتمركزتْ الدَّبابات والمُعدات العسكرية الثقيلة في رفح والشيخ زويّد والعريش، بينما كانت الطائرات تقصفُ من الجو سيارات المتطرفين في الوديان. ثم دخلت القوات، بعد طول ترقب، إلى جبل الحَلال. وقُتل خلال معارك السنوات الأخيرة مئات من الجنود والمدنيين. وهَجَرَ السكان معظم البلدات والقرى الواقعة قرب الشريط الحدودي مع غزة.
في المقابل، يَخْشَى أهالي العريش اليوم من سطوة المسلحين. ويقول أحمد الظَّمْلُوط، ‎رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة سيناء للتنمية الاقتصادية، في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه «توجد مخاوف من أنْ تنتقل تجربة الحرب التي كانت محصورة في رفح والشيخ زويّد إلى داخل العريش التي يقطنها نحو مائة ألف نسمة».

البعد الاقتصادي المعيشي
وأوضح قيادي محلي، بدوره، أنَّ «معظم عمليات العَناصر التكفيرية، في رفح والشيخ زويّد، أصبحت تدور خارج هاتين المدينتين الصغيرتين، أي في المناطق المحيطة بهما... منها قرى أبو رفاعي والجُورة والمَهْدِية والظهير وأبو العَرَاج والعكُور». وأردف: «بعض هؤلاء السكان رحلوا إلى العريش وإلى مُدنٍ مصرية أخرى، بعدما فقدوا المزارع التي تعدّ مصدر الدَّخل لهم. كانت المزرعةُ تدرُّ أرباحاً تبلغ في المتوسط نحو 500 ألف جنيه في السنة، واليوم كل هذا انتهى ولم تعد تعطي ولا جنيهاً واحداً».
أيضاً، تضرّر كثير من المرافق في بلدات وقرى شرق العريش، بما فيها المدارس جراء القذائف الطائشة. وهدّد المتطرفون معلمات المدارس اللائي يأتين من العريش للتدريس في رفح والشيخ زويّد بالقتل ما لم يمتثلن لتعليماتهم. ووفق القيادي المحلي: «الدراسة، في الوقت الراهن، غير منتظمة. الأولاد يدرسون في بعض أحواش البيوت. والكهرباء مقطوعة منذ أيام، بعد استهداف الكابل 66 المُغذِّي للشيخ زويّد ورفح وحتى رفح فلسطين».
وفِي العريش، يقول أحد وجهاء المدينة، شاكياً: «الناس تترك بيوتها في مناطق شاطئ البحر، لأن المتطرفين عادةً ما يضعون فيها عبوات ناسفة لاستهداف القوات... بعض السُّكان هنا، أي في شارع البحر وفي ضاحيتي الفواخرية والقاهرة، اضطروا لترك بيوتهم».

تصرفات المتطرفين
ويُعتقد أن عدد المتطرفين الذين يحملون السلاح، ويتمركزون في الوقت الراهن داخل العريش، يتراوح بين 200 إلى 300 عنصر، وهو أقل مما كان عليه قبل 3 سنوات، لكنَّ هذه المجموعة تتميز - على ما يبدو - بالقدرة على التوغل والانتشار والتخفي أيضاً، داخل أزقة المدينة وشوارعها. وكما يقول تاجر في المدينة: «فجأة يقتحم البيت 3 مسلحين أو 4 ويمكثون ساعة أو ساعتين داخل البيت، يهددون ويتوعدون، ويفعلون ما يحلو لهم، ثم يختفون».
ومِن المُلاحظ أنَّ غالبية السيارات المستخدمة في تنقلات العناصر التكفيرية داخل العريش، حالياً، سيارات صغيرة وخفيفة وسَريعة الحركة، كورية الصنع، بينما ما زالت كثير من القوات الأمنية تعتمد على آليات ثقيلة من تلك التي كانت تحارب بها المتطرفين أنفسهم في الصحراء المجاورة. ومنذ نحو أسبوع جاءتْ سيارةٌ كورية، ووقفتْ أمام عمارة في شارع أَسيُوط، بغرب العريش، ونزلَ منها 4 مسلَّحين، أمروا فوراً بإخلاء العمارة المكوّنة من 3 طوابق. كانَ عدد السكان نحو 20 فرداً. ثم بادرت المجموعة إلى تلغيم المبنى وتفجيره، وانصرفتْ. ووفق رواية شاهد عيان، «استغرق الأمر نحو ساعة... دخلوا وجمعوا الهواتف من السكان، ثم مدوا سلكاً طويلاً وأوصلوه بمتفجرات ونسفوا العمارة. السبب يرجع إلى اشتباه الإرهابيين في استخدام السلطات لسطح المبنى في بعض الأحيان لمراقبة المنطقة».
ثم هُناك أعمال تَصفيات جَسَدية وقعت أكثر من مرة داخل العريش على أيدي متطرفين. إنهم يقومون بعلمية تستغرق نحو 5 دقائق، ثم يختفون. وأدت مثل هذه الأعمال المروّعة إلى عرض كثير من العقارات للبيع في محاولة من ملاكها للنجاة بأنفسهم والإقامة في مدن أخرى. وهنا يشير الظَّمْلُوط إلى أنه «انخفض السعر إلى أكثر من نصف ثمنه الحقيقي في المناطق الملتهبة بالعريش. عمارة من 3 طوابق تشطيب فاخر كان سعرها لا يقل عن مليون ونصف المليون جنيه، أصبحت قيمتها لا تزيد على نحو 450 ألف جنيه». أما أَشرف أيُّوب، القيادِي في الحَركة الاشتراكية، والمُنسق الإعلامي للجنة الشعبية لشمال سيناء، فيشرح: «بغضّ النظر عن التفاصيل، كل المؤشرات هُنا تقول اتركوا العريش وارحلوا. لقد تم تهجير عدد كبير من المسيحيين من سيناء، وفي الوقت الراهن، تجري محاولات لِدفع ذوي الأصول الصعيدية للهجرة إلى محافظاتهم (في جنوب القاهرة)».

حركة معقدة
من جهة ثانية، وفقاً لمصدر أمني، فإنَّ عَناصر «داعش» فِي العريش تتحركُ بطريقةٍ معقدة، وتسعى للحصولِ علَى مددٍ مِنَ الأموال والأسلحة من فروع التنظيم في سوريا وليبيا. وهي تقومُ في الوقت نفسه بتجنيد شبان جدد حليقي الوجوه ويرتدون الجينز، لكي تسهل حركتهم داخل مدينة محاطة بقوات الجيش والشرطة. ولقد ازداد عدد العمليات في العريش، خلال الفترة الأخيرة، ومن مظاهر ذلك عمليات خطف مواطنين من بيوتهم للاشتباه في أنهم يتعاونون مع السلطات. وفي غضون أقل من ساعة، تمكنت مجموعة من العناصر الداعشية من تحطيم عدة كاميرات مراقبة خاصة بكلٍ من المحال التجارية وتلك التابعة لأجهزة الأمن، والمربوطة بغرفة مراقبة للمدينة. ويتحدث صاحب متجر في ضاحية الزُّهور عن تجربته، فيقول: «طَلبتْ السلطات أن نضع - نحن أصحاب المحال - كاميرات مراقبة لتسجيل كل ما يجري في الشارع. وقامتْ الشرطة بوضع كاميرات خاصة بها في مناطق حيوية أخرى. لكنَّ هذا أثار غضب المتطرفين، وحطموا تلك الموجودة بجوار استراحة كبار الزوار القريبة من ديوان المحافظة». وفي اليوم التالي، جرى تحطيم كاميرات أخرى في شارع القاهرة التجاري بالعريش. ويضيف أحد الشهود العيان: «يدخلُ الإرهابيون إلى الدُّكان وينبهون على الناس عدم العودة لوضع كاميرات، ويصادرون القُرص الصلب الذي تخزن عليه عملية التصوير. مُعظم الكاميرات التي تم استهدافها، تقع في نطاق حي القاهرة، وحي الزهور، وشارع 26 يوليو». السلطات تطلق على المتطرفين هنا اسم «التَّكْفِيريون». ويبدو أنها تتبع خطة محكمة للقضاء على هذه العناصر بأقل قدر من الخسائر، حتى لو استغرق الأمر وقتاً أطول مما هو متوقع لدى الرأي العام ولدى أبناء سيناء. ويقول مقدّم في الشرطة: «مثل هذه التنظيمات لا تبالي بأرواح المواطنين. ولِهَذا ننفذُ عمليةً صعبةً لاصطياد العناصر التكفيرية دون وُقُوع ضحايا أبرياء». ولكن حياة بَعض أهالِي العريش، باتت في الفترة الأخيرة، لا تطاق. ويوجد شعور بأن الحربَ الحالية بين السلطات والمتطرفين ستؤدي في نهاية المطاف إلى نزوح السكان بعيداً عن ديارهم. وحقاً، ظهرتْ دعاوى ترفع شعار «لا للتهجير» و«لن نترك سيناء». وفي هذا الصدد يعلّق الظَّمْلُوط: «البعض يعتقد أن المستهدفين هم المسيحيون في سيناء، لكنني أقول لك إن المتطرفين يقتلون الجميع ويدمرون مزارع الأهالي، المصدر الرئيسي للدخل والحياة، ويجبرونهم على الرحيل».

الأمن... والمسيحيون
من جانب آخر، أثَّرت القبضة الأمنية الشديدة على الحياة اليومية للمُواطنين، ويوضح النائب عبد ربه أن الجيش والشرطة «يقومان بجهود كبيرة جداً في سبيل توفير الأمن والاستقرار... وبعض العمليات التي تحدُث من المتطرفين هي عمليات بسيطة للغاية»، متوقعاً أنَّ تغدو الأمور مُستَقرة في الأيام المقبلة، لكنه مع ذلك لديه شكوى، إذ إن «السلطات تضطر لاتخاذ إجراءات احترازية، مثلاً كثرة الكمائن في المدينة، أدت للسيطرة، إلا أنها أدت أيضاً لاختناق بعض الناس مِن المرور وغيره، لكن الظروف ستكون أفضل وستُفتح الشوارع». وفي سياق ما تقدم، تجول القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول صدقي صبحي، في شوارع العريش لبث الطمأنينة لدى المواطنين، وكان برفقته كبار القيادات الأمنية. وأكد أنه «لا تهاون في حماية أمن مصر القومي»، بيد أن قطاعاً من أبناء العريش لديهم مخاوف غير واضحة المعالم من المستقبل. ومن بين هؤلاء، أَشرف أيُّوب، الذي بسؤاله عن الأسباب التي تجعله يعتقد بوجود خطة لتهجير السكان، يجيب: «اسأل الحكومة، واسأل الذين تحاربهم... يوجد مخطط للتهجير، ولا نعرف من يقف وراءه وما هدفه».
ومعلوم، أنه جرى أخيراً تسلط الضوء من جانب وسائل الإعلام المحلية على عدة عشرات من المسيحيين الذين فروا من العريش في اتجاه مدينة الإسماعيلية على قناة السويس، بعدما تعمَّد المتطرفون الهجوم على بيوت عدد منهم في قلب العريش وقتلهم وحرق بعضهم والتمثيل بجثثهم. ويَعتقدُ الظَّمْلُوط، وقيادات محلية أخرى، أنَّ عدد أبناء سيناء، من المسلمين والمسيحيين، الذين قتلوا يبلغ المئات... «القذائف الطائشة كان لها دور كبير في القضاء على أسر بأكملها».
مع هذا، لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد الضحايا المدنيين. ويقول سعيد، صاحب محل أدوات كهربائية في العريش: «من أين يأتي هؤلاء المتطرفون وإلى أين يذهبون؟ لا توجد إجابة واضحة. ثُمَّ كيف يتحركون بهذه الطريقة. لقد قاموا باختطاف لودر (غرّاف) من صاحبه في منطقة المَسَاعِيد... لم يعرف أحد أين ذهبوا به. مثل هذه الوقائع مخيفة. إذا كانت لديك القدرة على سرقة لودر بهذا الحجم والاختفاء به، فهذا يعني أنك قادر على القيام بأشياء أخرى مثل الاستيلاء على السيارات الخاصة وتهريب الأسلحة والمتفجرات وقتل الناس».
ويضيف قيادِي محلي في مدينة العريش: «بعض هؤلاء المتطرفين موجود داخل أماكن محيطة بوسط المدينة. هم جيل غير معلوم... بمعنى أنه ليس لدى معظمهم ملفات أَمْنِية سابقة. أعمار غالبيتهم تتراوح بين 18 سنة إلى 30 سنة. ويُعتقد أنَّ من بينهم أبناء لعائلاتٍ مِنَ العَريش ويصعب تمييزهم كعناصر منضوية في تنظيمات إرهابية... حتى أسرهم لا تعلم أنهم يعملون ضدَّ السلطات. فهم يرتدون الجينز وحليقو الذقن. وليس لهم تاريخ سياسي أو ديني. أما القيادات المعروفة منهم فلا تظهر كثيراً وتلجأ للاختباء».

تقييم السلطة للوضع
في هذه الأثناء، يبدو أن مصر حريصة على التَّخلص سريعاً من تبعات ما يُعرف بـ«ثورات الربيع العربي» التي ضربتْ المنطقة منذ عام 2011. إذ قال مُدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع المصري، اللواء أركان حرب محمد فرج الشَّحات، في ندوة تثقيفية حول الموضوع عقدت في الشهر الماضي، إنَّه «رغم الظروف التي تمر بها المنطقة، تمكنت مصر من تحقيق نجاحات في مجال مُكافحة الإرهاب»، وشدد على حرص القوات المسلحة على محاربة الإرهاب مع الحفاظ على أرواح الأبرياء من أهالي سيناء.
وبالفعل، تَراجعَ عدد العَناصر «التكفيرية» إلى حدٍّ كبير، ولم يعُد بالإمكان استخدام المساجد في التحريض ضد الدولة، كما كان الحال في السابق. ووفق مسؤول محلي: «حالياً يلجأ فلول المتطرفين إلى إلقاء الدروس في المنازل لاستقطاب الشبان الجدد... إنهم يعقدون جلسات خاصة وسرية. ويستقطبون نوعاً معيناً من الشباب من مراحل عمرية صغيرة، بحيث يسهل تشكيلهم»، مشيراً إلى أن الدعم يصل للإرهابيين أيضاً من مناطق هشة كليبيا وسوريا، عبر الحدود البرية والموانئ البحرية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.