سعد الدين العثماني... قوة الهدوء

الطبيب النفساني الإسلامي الذي اطمأنت إليه الدولة

سعد الدين العثماني... قوة الهدوء
TT

سعد الدين العثماني... قوة الهدوء

سعد الدين العثماني... قوة الهدوء

كل من تابع سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية المكلّف، وهو يتلو تصريحه الصحافي الأول بعد إعلان تشكيلة أحزاب الغالبية التي ضمها لتحالفه الحكومي قبل أسبوع، أدرك أن الخطاب السياسي في المغرب سيعود إلى «الهدوء» ويقطع نهائيا مع «ظاهرة (عبد الإله) ابن كيران» التي شغلت الناس في الداخل والخارج. العثماني الفقيه والطبيب النفسي قدم صورة مغايرة تماماً عن سلفه، وحرص «ألا يخرج عن النص» أمام وسائل الإعلام، إذ اختار أن يقرأ بعناية ما هو مكتوب على الورقة متحدثا عن أولويات حكومته المقبلة و«باب الأمل الواسع» الذي يرغب في فتحه لتكون حكومته «حكومة إنجاز». إلا أن هدوء خطاب العثماني سبقته عاصفة عندما ظهر قبل موعد اللقاء الصحافي بقليل، في صورة وهو داخل مقر حزبه «العدالة والتنمية» في حي الليمون بالرباط، إلى جانب زعماء خمسة أحزاب سياسية ضمها إلى تحالفه الحكومي بينهم إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو الحزب الذي دفع ابن كيران ثمن رفضه إشراكه في الحكومة بأن أعفي من رئاستها وتشكيلها... ليصدم بقراره ذاك أعضاء حزبه والمتعاطفين معه.
قبل تكليف الدكتور سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة المغربية الجديدة جرى تداول اسمين آخرين لخلافة عبد الإله ابن كيران بالإضافة إلى اسمه، هما مصطفى الرميد وزير العدل والحريات وعبد العزيز الرباح وزير التجهيز والنقل. عن سؤال كيف رجحت كفة العثماني؟ أجاب أحمد البوز، أستاذ الفقه الدستوري والعلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، على استفسار «الشرق الأوسط» قائلاً إن الرميد «معروف عنه أنه سريع الغضب وقلق، وقد يغلب عليه هذا الطبع فنكون أمام إعادة إنتاج شخصية ابن كيران. أما بالنسبة للرباح - وفق البوز - فتوجد عليه اعتراضات من داخل الحزب، ويؤخذ عليه أنه مبالغ في تقديم التنازلات والتطبيع سواءً مع الأفرقاء السياسيين أو مع الدولة... ولهذا وقع الاختيار على العثماني، لأن فيه شيئا من الرباح الذي يرى أن العلاقة مع الدولة ينبغي أن تكون علاقة طبيعية وغير مبينة على الصدام، وشيئا من الرميد المعروف بالجدية والصرامة».
وأوضح البوز أن العثماني كان يقدَّم في البداية على أنه شخصية غير مقبولة من قبل الدولة نظرا لما قيل عن أخطاء ارتكبها إبان وجوده على رأس وزارة الخارجية، وأن زيارته لبعض الدول لعبت دورا في إبعاده عن الوزارة، غير أن تعيينه رئيساً للحكومة، وهو موقع أرفع، يؤكد وجود عناصر كثيرة رجحت هذا الاختيار. وهنا سرد المحلل السياسي والأكاديمي المغربي عدداً من العناصر التي ساهمت في اختيار العثماني، أولها كما قال: «الرغبة في إنهاء مرحلة ابن كيران وخطابه القوي الذي لم يعد مقبولاً»، مشيرا إلى أن «إبعاد ابن كيران في حد ذاته كان مسألة مهمة، ولا يهم من يأتي بعده».
وأضاف البوز أن «الانطباع الذي يعطيه العثماني هو أنه شخصية مرنة. وهذا ظهر حقاً إبان قيادته للحزب قبل 2007. إذ أن الخط السياسي للحزب في عهده كان معتدلاً ولم يكن مبنيا على نوع من الصدام مع الدولة والفاعلين السياسيين. لذلك قدم على أنه شخصية مقبولة ومعتدلة عند الطيف السياسي المغربي تطمئن لها الدولة ولا يقلق المتنافسون السياسيون».
من ناحية ثانية، قال البوز «الأمر لا يتعلق بشخصية غامضة، بل معروفة لدرجة أن رئيس الحكومة المكلف يبدو أكثر اعتدالا من الاعتدال الذي يظهره حزبه حزب (العدالة والتنمية)». وتابع موضحاً أن أسلوب عمل العثماني «يتميز بالتركيز على العمل في الميدان أكثر من تسويقه في وسائل الإعلام». وبالتالي، من العناصر التي ساهمت في اختياره أنه «قليل الظهور، ولا يتكلم بصوت مرتفع، كما أنه متحفظ إلى حد المبالغة... هو أيضا من النوع الذي لا يمكن أن يقول لقيادة الحزب كل شيء، لذلك يبدو للآخرين قابلا للتفاهم».
«ولقد ظهر ذلك - حسب كلام البوز - في المنهجية التي بدأ بها مفاوضات تشكيل الحكومة، والتي يمكن أن نقول عنها بأنها أشبه بانقلاب حقيقي على منهجية ابن كيران... ذلك أنه فاجأ الجميع، فأسقط الشرط الذي تشبث به ابن كيران، وهكذا أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان يواجه بشدة داخل (العدالة والتنمية) من حلفائه داخل الحكومة».
في المقابل، تجنبا لأي تأويل مغرض لما سماه البعض «انقلاب العثماني على ابن كيران» سارع عدد من قيادات الحزب إلى نفي تهمة الخذلان عن رئيس الحكومة المكلف. وكتب محمد يتيم «تدوينة» قال فيها إن «نجاح العثماني في تشكيل الحكومة لا يعني فشل ابن كيران في ذلك، و(صمود) هذا الأخير لا يعني تخاذل الأول، فكلاهما كان مصيبا بحسب المعطيات التي كانت متوافرة، وكلاهما اجتهد من خلال تلك المعطيات، والأهم من ذلك أن كليهما تلقى مساندة من هيئات الحزب، كما تلقى العثماني مساندة ابن كيران».
ووصف نبيل شيخي، عضو الأمانة العامة لـ«حزب العدالة والتنمية» ورئيس فريق الحزب في مجلس المستشارين، العثماني بأنه «رجل قوته في هدوئه». وأردف شيخي لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه «أن العثماني من خلال مساره السياسي سواءً داخل الحزب أو خارجه، شخصية مرنة تحسن الرجوع - عندما تقتضي الظروف - خطوة إلى الوراء للتقدم خطوات إلى الأمام في الوقت المناسب». وقال عنه أيضا إنه «رجل من الذين كانت لهم بصمة قوية في مسار تجربة حزب العدالة والتنمية ومسار مشاركته الفاعلة والراشدة في المشهد السياسي بالمغرب». وهو بنظره «شخصية نادرة جمعت بين العلوم التطبيقية، بصفته حاصلا على شهادة الدكتوراه في الطب، والعلوم الشرعية من خلال حصوله على عدد من الشهادات العلمية الأخرى»، كما أنه «شخصية معروفة بطابعها الهادئ الذي يكسبها قوتها الحقيقية».

مرحلة مؤقتة
من ناحية أخرى، لم يستبعد البوز أن يكون اختيار العثماني «مجرد تدبير لمرحلة انتقالية بانتظار أن تتضح الصورة أكثر في المستقبل» ورأى أنه «اختيار قصير الأمد مرتبط بهاجس ألا يستمر ابن كيران في تدبير المرحلة السياسية الحالية، وأن يبتعد نسبيا عن الحياة السياسية، وتطوى صفحة فرضه هيمنته وتوجهه على حزبه». وهذا الجانب، بالذات، لم يغفل عنه عدد من قيادات الحزب ضمنهم عبد العالي حامي الدين، الذي كتب أن «محاولة تغييب ابن كيران عن الساحة السياسية، خسارة كبرى للوطن ولمشروع التحول السياسي في البلاد». بيد أنه، في المقابل، هناك من يرى أن وجود العثماني على رأس الحكومة قد يكون لصالح «العدالة والتنمية» في ما يتعلق «بمأسسة الحزب، وإبعاده عن الشخصنة التي طبعت الحزب في عهد ابن كيران».

المسار السياسي للعثماني
كان سعد الدين العثماني، بين الذين أشرفوا مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي على إعداد ميثاق «الجماعة الإسلامية» باعتباره أحد مؤسسيها إلى جانب عبد الإله ابن كيران ومحمد يتيم، بعد انفصالهم عن منظمة «الشبيبة الإسلامية» في أعقاب تبنيها العنف. ومن ثم تحولت «الجماعة» إلى حركة «الإصلاح والتجديد»، وتضمن الميثاق مجموعة من المراجعات الفكرية للحركة الإسلامية. انشغل العثماني منذ بداية الثمانينات بالجانب الثقافي والفكري وكان مسؤولا عن مجلة «الفرقان» يحاول تأصيل المفاهيم الجديدة في كيفية التعامل مع الأفرقاء السياسيين والدولة والملكية. وألف العثماني في هذا المجال، ثلاثة كتب فقهية.
وبعد عام 1987 انشغل العثماني بالمشاركة السياسية للإسلاميين والتأصيل الشرعي لهذه المشاركة. وعندما التحق الإسلاميون أعضاء حركة «الإصلاح والتجديد» بحزب الحركة الشعبية الدستورية برئاسة الدكتور عبد الكريم الخطي، عين مديرا للحزب. وأشرف على تأمين الإطار السياسي وإنشاء فروع الحزب في كل مناطق المغرب وأيضا فروع النقابة التابعة للحزب، وهي الاتحاد الوطني للشغل. ثم حين أعلن عن تأسيس حزب العدالة والتنمية شغل العثماني منصب الأمين العام من 2004 إلى 2008. وشارك الحزب في محطتين انتخابيتين هما الانتخابات البرلمانية لعام 2002 و2007، وقد حقق الحزب تقدما ملحوظا في2002 عندما انتقلت عدد مقاعده من 14 إلى 42 مقعدا. ولكن في انتخابات 2007 كانت نتائجه محدودة فانطلق نقاش داخل الحزب من أجل تحديد الأسباب.
وهنا قال عضو في المجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» - فضل إغفال ذكر اسمه إنه «خلال المرحلة التي أدار فيها العثماني الحزب حاول ما أمكن أن ينتقل بالحزب من خطاب الهوية والتخليق إلى خطاب التدبير. وبالتالي، تراجعت مفردات الهوية بشكل كبير في زمن العثماني، حتى أن المراقبين بدأوا يتحدثون عن (علمانية مؤمنة) داخل هذه التجربة. وفي هذه المرحلة خصص العثماني جزءا كبيرا من اهتمامه للجانب الفكري أكثر من السياسي، وهو ما برز في كتابه (تصرفات الرسول بالإمامة) الذي يركز فيه على التمايز بين الديني والسياسي ووصل في هذا الأمر إلى مستويات أقرب ما تكون إلى العلمنة».
وتابع المسؤول الحزبي «ولكن على المستوى السياسي بدا أداء العثماني مرتبكا، لأنه خلال انتخابات 2002 ثم 2007 أثارت تحالفات الحزب وتموقعه العديد من التساؤلات لأنه لم يختر التحالف سوى مع حزب (القوات المواطنة)، وهو حزب ضعيف جدا.
وكان يرمز من خلال التحالف معه إلى أنه لا مشكل لديه مع نخبة رجال الأعمال. وهكذا، ابتعد (العدالة والتنمية) عن الأحزاب الوطنية وأحزاب الكتلة الديمقراطية فكانت نتائج الحزب محدودة لأن تموقعه وتحالفاته لم تكن مغرية للناخبين ولم يتمكن من إضافة سوى أربعة مقاعد فقط».
بطاقة هوية

- ولد سعد العثماني في مدينة إنزكان بإقليم سوس يوم 16 يناير (كانون الثاني) 1956
- متزوج وأب لثلاثة أولاد
- حصل على شهادة الثانوية العامة في العلوم التجريبية عام 1976 في إحدى مدارس إنزكان
- حاز شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة بآيت ملول عام 1983... وتابع تعليمه في دراسة الشريعة حيث حصل على شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله من دار الحديث الحسنية بالرباط عام 1987
- درس في كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء وحصل منها على الدكتوراه في الطب العام عام 1986... والتحق بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء وحصل على دبلوم التخصص النفسي عام 1994
- درس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية عام 1999 تحت عنوان «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية»

مناصبه السياسية
* رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية مند يوليو (تموز) 2008
* الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ أبريل (نيسان) 2004
* نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ ديسمبر (كانون الأول) 1999
* نائب رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (2001 - 2002)
* نائب في مجلس النواب المغربي- إبان الولاية التشريعية 1997 - 2002... ثم في الولاية 2002 - 2007
* عضو مجلس الشورى المغاربي (منذ سنة 2002)
* مدير حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من يناير 98 إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 1999



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.