ألمانيا: محاكمة مغربي بتهمة محاولة قتل

بعد 6 سنوات سجناً لأخته بتهمة الإرهاب

ألمانيا: محاكمة مغربي بتهمة محاولة قتل
TT

ألمانيا: محاكمة مغربي بتهمة محاولة قتل

ألمانيا: محاكمة مغربي بتهمة محاولة قتل

أقامت النيابة العامة في مدينة سيلله، ولاية سكسونيا السفلى، دعوى جزائية ضد المغربي الأصل صالح س. (18 سنة) بتهمة محاولة القتل وخرق قانون الأسلحة والمتفجرات. وكانت محكمة سيلله حكمت في فبراير (شباط) الماضي (16 سنة) بالسجن على أخته صافية س. (16 سنة) لمدة ست سنوات بعد أن أدانتها بمحاولة القتل وإلحاق أضرار جسدية بالغة، والتعاطف مع «داعش».
وذكرت متحدثة باسم النيابة العامة أن صالح س، الذي أُحِيل إلى مصحٍّ عقلي في مدينة مورنغن منذ مطلع العام الماضي، متهم بمحاولة القتل في أكثر من حالة. وقالت إنه ثبت الآن، بمساعدة محللين من مخابرات صديقة، أن قاذف قنابل المولوتوف على مدخل مركز تسوق «غاليريا إيرنست - أوغوست» في هانوفر هو صالح س. نفسه.
وتعود التهمة إلى يوم 5 فبراير 2016 حينما قذف مجهول قنبلتي مولوتوف على مدخل مركز التسوق في عاصمة الولاية. ولم تتسبب قنبلتا المولوتوف بإصابات، لأنهما لم تنفجرا كما ينبغي، بحسب تقدير رجال التحقيق. ولم يعترف صالح س. حتى الآن بأنه قاذف القنبلتين، وإلا لجرت محاكمته بتهمة الإرهاب.
ويخضع صالح س. إلى رقابة دائرة حماية الدستور في الولاية منذ سنة 2015 بسبب صلاته بجمعية «المسلمين الناطقين بالألمانية» المحظورة. وكانت الشرطة الألمانية اعتقلت رئيس الجمعية «أبو ولاء» بتهمة الإرهاب، كما أصدرت وزارة الداخلية قراراً بحظر نشاط الجمعية ومصادرة أموالها. وتكشف ملفات صالح س. لدى الشرطة أنه أصاب رجلاً بجروح خطيرة في مدينة إيمه في سبتمبر (أيلول) 2015 أثناء شجار، وهو تحت تأثير المخدرات. وهاجم شرطياً، بعد تنفيذه الهجوم بقنبلتي المولوتوف، كما اعتدى بالضرب على نزيل آخر في مصح مورنغن، وهو ما دفع الأطباء إلى نقله إلى غرفة انفرادية.
وسافر المتهم في نهاية 2015 إلى تركيا، وبقي هناك 3 أشهر، قضى معظمها في سجن تركي بسبب محاولته التسلل والانضمام إلى فصائل «داعش» في سوريا. عاد إلى ألمانيا بعد إطلاق سراحه من تركيا، ونفَّذَ عملية قنبلتي المولوتوف بعد فترة قصيرة من وصوله. ومعروف أن أخته صافية (كانت 15 سنة آنذاك) سافرت إلى تركيا للغرض نفسه، لكن أمها سافرت في أثرها وأعادتها إلى ألمانيا.
وتعتقد حماية الدستور أنها بصدد خلية إرهابية على صلة بتنظيم «المسلمين الناطقين بالألمانية» التي يقودها الداعية المتشدد أبو ولاء. وينتمي إلى الخلية، فضلاً عن صفية، زميلها محمد حسن. ك، الذي حكمته محكمة سيلله بالسجن لمدة سنتين ونصف السنة، بتهمة المعرفة بمخططات صافية والتستر عليها.
وكانت صافية بعمر 15 سنة حينما طعنت شرطياً (34 سنة) في عنقه يوم 26 فبراير 2016 في محطة قطارات مدينة هانوفر. واستخدمت القاصرة سكين مطبخ طويلة، كانت قد خبأتها في كُم جاكيته كانت ترتديها في طعن الشرطي بينما كان يدقق في أوراقها الثبوتية. وسلط رجال الأمن أضواءهم على السوري الأصل محمد حسن ك. (20 سنة) بالعلاقة مع إنذار بهجمات إرهابية بالقنابل على ملعب هانوفر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. وهي الحالة التي أعقبت الجمعة الدامية في باريس (13 نوفمبر 2015) أثناء مباراة كرة القدم بين ألمانيا وفرنسا، إذ ألغت ألمانيا مباراتها مع هولندا في ذلك الوقت بسبب تهديد بالقنابل ضد الملعب الذي تجري عليه المباراة في هانوفر. وكشفت تحريات الشرطة أن محمد حسن ك. حاول التسلل في تلك الليلة إلى الملعب وهو يرتدي صدرية رجل نظام. كما عثر رجال التحقيق في حاسوبه على أفلام فيديو تدل على انه صور ملعب هانوفر ومداخله، ربما إعداداً للهجوم الذي لم يتم. وتم تصنيف ك. في خانة «الخطرين»، وتجري محاكمته بالعلاقة مع التهديد ضد ملعب هانوفر في محكمة منفصلة.
وينتمي إلى الخلية الإرهابية شخص رابع هو الأفغاني الأصل أحمد أ. (19 سنة) الذي سحبت السلطات الألمانية جواز سفره سنة 2015. وكان المذكور صرح أمام كثيرين بأنه يود العودة إلى أفغانستان وتنفيذ العمليات المسلحة هناك ضد «الكفار». وتسبب متشدد بجدل حول إخفاق الشرطة في ولاية سكسونيا السفلى، يشبه الاتهامات لشرطة الراين الشمالي فيستفاليا وبرلين بالإخفاق في قضية التونسي أنيس العامري.
وكان مواطنون ألمان أبلغوا صحيفة «نوية فيستفاليشه» عن مشاهدة المتشدد بيرنهارد فالك (49 سنة) في محطة القطارات في مدينة هيرفورد التي تعتبر مسرحاً لنشاط الإسلاميين المتشددين في الولاية. وتساءلت الصحيفة عن سبب غفلة الشرطة عن حركة فالك، رغم تصنيفه ضمن المتشددين الخطرين.
وعبرت الصحيفة عن قناعتها بأن فالك كان يؤدي زيارة إلى أعضاء «حلقة المسلمين الناطقين» بالألمانية، الذين يبلغ عددهم نحو 20 شخصاً في هيرفورد.
ومعروف عن فالك أنه كان من الناشطين في تنظيم «الخلايا المعادية للإمبريالية» اليسارية المتطرفة. ونال عقوبة السجن لفترة 13 سنة بسبب محاولات اغتيال خطط لها مع التنظيم السري المذكور. ويبدو أن الرجل تحول إلى الإسلام بتأثير سجناء إسلاميين متشددين في سجن الولاية، لأنه بدأ نشاطه بين صفوف المتشددين بعد خروجه «ملتحياً» من السجن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟