«الكورونا».. تساؤلات علمية حول الفيروس الفريد من نوعه

د. إلهام قطان عالمة الفيروسات السعودية تحلل طبيعته ونشوءه

د. إلهام طلعت قطان
د. إلهام طلعت قطان
TT

«الكورونا».. تساؤلات علمية حول الفيروس الفريد من نوعه

د. إلهام طلعت قطان
د. إلهام طلعت قطان

«الكورونا»، العامل المسبب لمرض الالتهاب الرئوي الحاد المنتشر حاليا يمثل نوعا فريدا بين فيروسات الحمض النووي «رنا» (أو «آر إن إيه»، الحمض النووي الريبي) RNA. ومن خلال دراسات التطور الجيني، اتضح أنها تملك خاصية عكس الأنظمة الوراثية، ولها توزيع واسع النطاق على مستوى العائل بين الثدييات (اللبائن) ومنها الإنسان، وكذلك الطيور، وتسبب في المقام الأول أمراض الجهاز التنفسي والمعوي، وتكون العدوى إما حادة أو مستمرة.
ويعد الكورونا في الحيوانات من الفيروسات المتوطنة التي تصيب أجهزتها المعوية والتنفسية،. ولكن، كيف يتسنى لها أن تتحد مع الفيروس البشري؟ كيف ظهرت بشكلها «الجديد»؟ ما العوامل التي جعلتها قادرة على الانتشار بشكل فعال؟ كيف ظهرت فجأة في المجتمعات البشرية؟
هل الجمال أم الخفافيش هي العائل الوسيط لنقلها؟ أم هناك عوائل وسطية أخرى؟ هل هناك علاج لها؟ وما طرق الوقاية؟ توجهت «صحتك» بهذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الغامضة والمنتشرة بين الناس التي يسعى الجميع لمعرفة الإجابة عنها إلى الدكتورة إلهام طلعت قطان الأستاذة في الفيروسات الممرضة والعلوم الجزيئية بكلية العلوم الطبية التطبيقية وعضو مجلس إدارة مركز الجينات والأمراض الوراثية في جامعة طيبة بالمدينة المنورة، وعضو الجمعية الأميركية لأمراض الكبد وعضو هيئة تحرير مجلة «العلوم» الأوروبية.
وجاءت إجابتها كالتالي: «سأحاول وبشكل مبسط إلقاء الضوء، مع وضع التفسيرات العلمية والمنطقية المحتملة التي تفسر وتكشف الغموض، وإن كانت هناك بعض العبارات والمدلولات العلمية التي يتحتم إيرادها ولكنها قد تشكل عائقا في استيعاب هذا الموضوع الذي لا أنكر أنه من الصعوبة بمكان أن يكون مفهوما لجميع شرائح المجتمع».

* الفيروس التاجي
* في فبراير (شباط) عام 2003، قام الدكتور كارلو أوروباني، في مستشفى فيتنام، بإبلاغ منظمة الصحة العالمية عن انتشار فيروس يسبب متلازمة تنفسية حادة مع حالات وفاة. ولقد كان من الجيد آنذاك اكتشاف أن الفيروس المسبب لهذه المتلازمة يمكن عزله من الرئتين ومن البلغم أيضا، وباستخدام المجهر الإلكتروني مع الجهاز التضاعفي، جرى تعريفه على أنه «الفيروس التاجي».
وظهر أن الأمصال البشرية التي جرى جمعها واختبارها كانت لا تحتوي على الأجسام المضادة الموجهة ضد الفيروس، مما يدل على أن ذلك الفيروس هو تحور جديد للفيروس للتاجي على البشر. كما أن الانتقال إلى البشر عن طريق هذا النوع من خلال التحور من الحيوان أو عن طريق إعادة التركيب بين عدة فيروسات «كورونا» بشرية أو حيوانية يجعل ذلك الفيروس الناشئ شديد الخطورة، ويمتلك صفات تجمع بين الأنواع المتحور منها، إضافة إلى شراسة فتكه، ومن ثم فشل الجهاز المناعي في التعرف والقضاء عليه. وحينئذ، تكون هناك حاجة ضرورية ومهمة لإجراء دراسات على الأمصال البشرية والحيوانية وتحليلها التشجيري في كل منطقة تفشى فيها المرض ثم ربط الجميع تشجيريا لتأكيد ذلك الاستنتاج والطرح.

* فيروس جديد
* لقد جرت مقارنة جينات الفيروس الناشئ مع الجينات المماثلة من الفيروسات له والمعروفة من البشر والخنازير والأبقار والكلاب والقطط والفئران والجرذان والدجاج والخفافيش والجمال. واتضح أن لكل جين 70 في المائة أو أقل من الهوية الجينية مع المقابل له في نفس العائلة الواحدة. وهذه البيانات تظهر من ثم أن الفيروس المتحور الجديد كان متوطنا بالحيوانات أو نوعا من الطيور ومتعايشا معها منذ القدم، وقد جرى عزله وراثيا لفترة طويلة جدا بطريقة أو بأخرى ليظهر فجأة فيروس خبيث يصيب البشر. وهذا الانتقال إلى البشر يحدث مرة واحدة فقط بسبب وجود مزيج سيئ وليس عن طريق حدوث طفرات عشوائية، ومن ثم فإنه الآن يصيب كلا من البشر والمضيف الأصلي، مع فرضية أن الجمال هي السبب الرئيس في انتشاره وتفشيه في المملكة العربية السعودية، وهي فرضية لم يجر التأكد منها وإثباتها إلى الآن.

* حوار علمي
* هل جرى التحور بهذه الطريقة أو بالطريقة العكسية؟
- من المفيد معرفة أن التضاعف في الفيروسات التي يكون فيها الحامض النووي أو الجيني هو «آر إن إيه» RNA، تزداد فيه مسارات التغير والتحور، ومن ثم انتقال الفيروس بين الأنواع، مع القدرة على القفز إلى السلالات البشرية مرارا وتكرارا وإحداث فاشيات قاتلة.
* هل تشترك هذه السلالات في سلف نشوئي مشترك؟
الجواب لهذا السؤال يكون من خلال التحليل لنشوء تطور الجينوم والتمثيل للتشجر بين الأنواع المختلفة، حيث إن التسلسل الجيني والبروتيني داخل العينة الواحدة قد يوضح المجاميع المنفصلة والمرتبطة فيما يتعلق بالفيروس والمواقع الدقيقة التي تمثل التشابه والاختلاف ومن ثم توضح العلاقة بين الأنواع المترابطة وغير المترابطة به.

* فيروس «ميرس» والإبل
وأشير هنا إلى أنه عند ذكر متواليات الميرس - كورونا (MERS Corona Virus) لغالبية الحالات التي جرى عزلها من السعودية، فإن التحليلات تشير إلى أن معدل التطور الجزيئي الجيني يكون عبارة عن [1.48 × 10 إس - 3] التي جرى نشرها أخيرا (كوتين وآخرون 2014). ومن خلالها تبين أن هناك أكثر من 60 متوالية من الجينوم الفيروسي من المملكة (KSA) لها نفس نهج النشوء والتطور النظري والافتراضي وأن معدل التطور يكون بطيئا.. فإن إضافة التسلسل الجيني للفيروس إلى تحليل العينات من السلالات المستخلصة من البشر وتحليلها عبر سلالة الإبل ضمن الحالات المصابة أو المشتبه فيها للمجموعة الوبائية التي جرى عزلها ودراستها مع التسلسل الجيني للفيروس من الإبل المعزولة في مصر، أوضح أنها غير مرتبطة بأي حالات إصابة بشرية معروفة، على عكس التسلسل للفيروس من الهجن المعزولة من قطر. كما أن النسب للمجاميع المنفصلة من العينات التي جرت دراستها أخيرا في مارس (آذار) عام 2014 للحالات المصابة والمبلغ عنها والتي كانت على اتصال مع الإبل، لا تشير وبشكل جازم أو تضيف دليلا على دعم دور الإبل في نقل الميرس - كورونا من عدمه عبر شبه الجزيرة العربية. ومثلا، فإن هناك 94 من الحالات المصابة المؤكدة ليست لها صلة مسجلة بالحالات الأخرى التي قد تكون نتيجة إصابة أولية. وأن سبعا فقط من هذه الحالات ذكر تعرضها للإبل وهي نسبة تعد غير مؤثرة إذا ما قورنت بغيرها.
* إذا كانت الإبل ليست مصدر العدوى وكانت الصلة بالإبل عشوائية، فما مدى احتمال أن نرى سبعا من أصل 94 حالة لها صلة، فهل يكون لها تأثير وبائي أم لا؟
- إن التقارير تشير إلى وجود أكثر من مليون رأس من الإبل في شبه الجزيرة العربية، وإذا ما افترضنا جدلا أن كل واحد من الإبل يقابله واحد من الإنسان فإننا نتوقع أن لكل اثنين في المائة من البشر في المنطقة لديهم إبل. وهذا غير صحيح، ولكننا نستنتج منه أن سبعا من أصل 94 هم تحت التوزيع المحتمل غير المؤثر وغير المرجح في الواقع لإثبات الارتباط والصلة في انتقال العدوى. بالطبع، هناك فرضيات أخرى أكثر إقناعا، ولكن الأدلة قليلة والإثباتات أقل.
حسنا، إننا نتفق معا في أن بعض السكان لهم اتصال مباشر مع الإبل ومن ثم ومن العينات المعزولة منهم اتضح أنهم يحملون الأجسام المضادة لـ«ميرس - كورونا»، لكن العزل الجيني والبروتيني أشار إلى أنها ليست نفس الكورونا. على الرغم مما تسببت فيه من حالات الإصابة منذ ما يقرب من سنتين إلا أن هذا الفيروس بقي مقيدا جغرافيا بشبه الجزيرة العربية إذا ما قورن بغيره. ولا نغفل أن الدليل الواضح على انتقال هذه السلالات هي من إنسان إلى إنسان، ولكن هذه ليست مستدامة ومن المرجح لدي أن الإنسان قام بالفعل بنقلها إلى الإبل وتحورت وأصبح التكرار دوريا ومقيدا ثم حدثت معه قفزات متعددة ذات صلة من الخفافيش إلى الإبل أو العكس بالعكس. وبالنظر إلى نظرية النشوء والتطور الفيروسي، فإن الفيروس قد يكون استوطن شبه الجزيرة العربية واستقر بها لفترة زمنية نتيجة بوابات الحج والعمرة أو نتيجة لبوابات تجارة الحيوانات وتحديدا الإبل، ثم وبشكل ما نتيجة القفزات المتكررة بين السلالات والعوائل المختلفة تشكل وتحور بالشكل الذي معه نتج لنا الميرس الذي نعرفه الآن.

* ازدياد الإصابات
* لماذا لم تكن هناك زيادة في حالات الإصابات البشرية منذ أوائل عام 2012 ثم بدأت الحالات فجأة هذا العام وأدت إلى الهلع؟
- هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه ويهمنا معرفة الإجابة عنه، هناك فرص في حدوث حالات العدوى الحيوانية المنشأ والنتيجة في التغيير، هي افتقار المراقبة والتشخيص والتغيير في تعرض البشر للفيروس والعدوى، ومن ثم فمن الممكن أن الحالات المصابة قد يجري لها تشخيص خاطئ على أنها أمراض أخرى ولا يجري التبليغ عنها.
* إذن، كيف يمكن تفسير هذه الحالات البشرية مع عدم وجود التعرض المباشر للحيوانات؟
- هناك عدد من الحالات المسجلة مع عدم التعرض للحيوانات (كالإبل)، هي بالتأكيد تعد جزءا من السلالات التي تنقل من الإنسان إلى الإنسان.

* علاج مؤثر
* هل هناك علاجات ناجحة ومؤثرة؟
- توجد أدوية مضادة للفيروس معتمدة وفعالة. ومع ذلك، فإن وزارة الصحة تعمم العلاج باستخدام الإنترفيرون الذي يعمل مضادا فيروسيا لمعظم حالات العدوى المصابة بفيروسات «آر إن إيه»، كذلك فإن الكثير من الشركات الطبية قد تضع أهدافا الآن لتطوير بعض العقاقير المضادة له. من المهم معرفة أنه من الناحية العلمية فإن عدوى فيروس الكورونا تبدأ بملازمة البروتين (S) الموجود على المغلف الفيروسي، حيث يتصل بالمستقبلات الخاصة على الغشاء الخليوي. وبفعل التغيرات والتحورات المختلفة، فإن هذا البروتين S يؤدي إلى الاندماج كخطوة أولى في الإصابة بالفيروس التاجي. وعندها، فإن عملية تثبيط العدوى يجب أن تجري من هذه المرحلة، وعليه فإن من المفيد أن يجري تطوير علاج يعمل على تثبيط هذا الارتباط ومن ثم منع الاندماج وعدم التمكن من دخول الخلية ومن ثم وأد الإصابة في مراحلها الأولى. لا بد أن نركز على العلاج بتكوين أو إنتاج لقاح ضد الإصابة والانتشار، حيث يمكن التلاعب بإنشاء الفيروس مختبريا كالفيروس الأساسي مع فقدانه القدرة على إحداث العدوى ومن ثم إمكانية إنتاج لقاح.
وربما تظل تساؤلات كثيرة أخرى تطرح نفسها، منها: لماذا خرج هذا الفيروس عن نطاق السيطرة الآن وفي هذا الوقت بالذات؟ ما موقف منظمة الصحة العالمية (WHO) في المراقبة والكشف عن الفيروس في بقية دول العالم؟ لماذا جرى العثور على فيروس «ميرس - كورونا» في الإبل مع بعض الحالات المتصلة بالبشر؟ لعلنا سنتعرف على إجاباتها في عدد قادم.
* لقاحات واعدة ضد «فيروس الشرق الأوسط»
* قالت الدكتورة إلهام قطان إن ما جاء في تصريح البروفسور وين ماراسكو لـ«الشرق الأوسط» يوم الأربعاء الماضي، يوحي بقرب إصدار بعض العقاقير والمثبطات وهي في مرحلة الاختبار لإفراز النشاط المضاد للفيروس.
ولحسن الحظ، فإن هذا اللقاح سيستخدم لفئات شديدة الخطورة من كبار وصغار السن والذين يعانون أمراضا تنفسية أو صدرية مزمنة أو من الذين يعانون أمراض القلب والفشل الكلوي والعاملين بالقطاعات الصحية من ممرضات وأطباء، وقد يكون فعالا أيضا في علاج بعض نزلات البرد التي لا تعرف أسبابها وبعض الالتهابات الرئوية الأخرى.



هل تجد البشرية نفسها في «مسار تصادمي» مع الذكاء الاصطناعي؟

سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
TT

هل تجد البشرية نفسها في «مسار تصادمي» مع الذكاء الاصطناعي؟

سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»

أعرب باحثون في طليعة أبحاث الذكاء الاصطناعي، وقادة العديد من المنصات الرئيسية - من جيفري هينتون إلى يوشوا بنجيو، وديميس هاسابيس، وسام ألتمان، وداريو أمودي، وإيلون ماسك - عن مخاوفهم من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فناء البشرية، كما كتبت آنا لويز جاكسون (*).

كتاب «إذا بناه أحد، سيموت الجميع»

كتاب جديد عن احتمالات نهاية العالم

غير أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعض خبراء الذكاء الاصطناعي هؤلاء، والتي تصل فيها احتمالية وقوع نهاية العالم إلى نسبة 25 في المائة، لا تزال «متفائلة بشكل مفرط»، كما يقول نايت سواريس، رئيس معهد أبحاث الذكاء الآلي، (MIRI)، المؤلف المشارك لكتاب «إذا بناه أحد، سيموت الجميع» If Anyone Builds It, Everyone Dies الذي حقق أعلى المبيعات أخيراً.

ويجادل سواريس بأن المسار الذي نسلكه مع الذكاء الاصطناعي يتجه نحو كارثة، ما لم يتغير شيء جذرياً.

تصرفات وسلوكيات غير متوقعة

يستكشف الكتاب، الذي شارك في تأليفه الباحث إيليزر يودكوفسكي، التهديدات المحتملة التي يشكلها «الذكاء الخارق»، أو أنظمة الذكاء الاصطناعي النظرية التي تفوق ذكاء البشر.

وصرح سواريس في فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»، التي استضافتها مجلة «فاست كومباني» وجامعة جونز هوبكنز في واشنطن العاصمة الشهر الماضي: «نحن نُنمّي نوعاً ما أنظمة ذكاء اصطناعي تتصرف بطرق لم يطلبها أحد، ولديها دوافع وسلوكيات ناشئة لم يتوقعها أحد».

وأضاف: «إذا حصلنا على أنظمة ذكاء اصطناعي فائقة الذكاء تسعى لتحقيق غايات لم يرغب بها أحد، فأعتقد أن النتيجة الحتمية هي هلاك جميع سكان الأرض».

أهمية التأمل في النتائج السلبية

شبَّه سواريس عمل بعض رواد الذكاء الاصطناعي ببناء طائرة أثناء تحليقها من دون عجلات هبوط، وقال إنه لا يتم إيلاء الاهتمام الكافي للنتائج السلبية المحتملة لهذه التقنية. مؤكداً أن حجم الاستثمارات العالمية التي تُضخ في الذكاء الاصطناعي يُظهر أن الناس يراهنون على أنه لن يكون «فشلاً ذريعاً».

خياران مجنونان

لكن هناك خياران «مجنونان» آخران: إما أن يُؤتْمِت الذكاء الاصطناعي العمل البشري بالكامل بشكل جذري، مما يؤدي إلى سيطرة فئة قليلة جداً على الاقتصاد، أو أن يصبح فائق الذكاء ويقضي على الجميع.

وأضاف سواريس: «لم يستوعب العالم بعد مدى خطورة هذا الذكاء الاصطناعي».

التعبير عن المخاوف يعزز التفاؤل

لكن هناك بعض الأسباب للتفاؤل، كما قال سواريس، إذ ما إن يشعر الكثيرون بالقلق حيال مستقبل الذكاء الاصطناعي ويعبرون عن مخاوفهم، فإن هذا يُنذر بوضع «هش» (في مجالات تطويره).

«ربما إذا تساءل عدد كافٍ من الناس: لحظة، ماذا نفعل الآن؟ ما هذا بحق الجحيم؟»، كما يشير سواريس. ويضيف: «ربما يُزلزل ذلك العالم بأسره ويجعله يقول: يا إلهي، لنغير مسارنا».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
TT

من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة

في قلب منهاتن، التقت «الشرق الأوسط» حصرياً، مع أحد أبرز العقول التي تعيد رسم مستقبل الطب: الدكتور صلاح الدين هلسة البروفسور في جامعة هارفارد، الذي جاء إلى نيويورك ليكشف لنا ملامح كتابٍ أثار اهتمام العالم الطبي، كتاب لا يكتفي بطرح أفكار جديدة، بل يقدّم ما يشبه «خريطة طريق» لإعادة كتابة علاقة الإنسان بمرضه وزمنه وعمره البيولوجي.

البروفسور صلاح الدين هلسة داخل مختبره أثناء شرحه آليات تحليل العمر البيولوجي

قراءة إيقاع العمر

هذا العمل الذي شارك في تأليفه أربعة من كبار الأطباء العالميين - لا يَعِد بمعجزة، ولا يبيع وهماً؛ بل يقدّم منهجاً علمياً متماسكاً، قائماً على فهمٍ أعمق للأيض الخلوي، وتجديد الأنسجة، وقراءة إيقاع العمر في داخل الجسم. وهو كتاب يستعين بالذكاء الاصطناعي لا بوصفه تقنية مساعدة، بل كنافذة جديدة يرى من خلالها الطبيب ما كان يختبئ خلف أعراض صامتة، وما كان يبدأ قبل سنوات من لحظة التشخيص.

الأمراض المزمنة ليست ألغازاً... إنها تبدأ من نقطة واحدة

وفي حديثه بدأ البروفسور صلاح الدين هلسة بقوله: «الأمراض المزمنة ليست ألغازاً معقدة. إنها تبدأ من نقطة واحدة: خلل مبكر في طريقة تواصل خلايا الجسم. وإذا أمكن قراءة هذا الخلل في الزمن المناسب... يمكن إيقاف المرض، بل وعكس مساره».

لم تكن هذه الكلمات مجرد افتتاح، بل كانت المفتاح الفكري الذي يقوم عليه الكتاب كله. فعالم الطب، كما يوضح هلسة، ظلّ لعقود طويلة يتعامل مع المرض عندما يصبح صارخاً وواضحاً: السكري بعد أن يرتفع السكر، ارتفاع ضغط الدم بعد أن يتصاعد الضغط، هشاشة بعد أن يحدث الكسر. لكن ما يكشفه العلم الحديث اليوم هو أن البدايات الفعلية للمرض تتشكّل قبل سنوات من لحظة التشخيص، وأن الخلايا ترسل إشارات خافتة لا يسمعها الطبيب إلا إذا امتلك الأدوات التي تكشف ما تحت السطح وما وراء الأعراض.

البداية من الخلية... لا من العَرَض

يوضّح البروفسور هلسة أن الطريق إلى فهم المرض لا يبدأ من الأعراض التي يراها الطبيب، بل من الخلية نفسها؛ تلك الوحدة الصغيرة التي تحمل داخلها سرّ الصحة وسرّ الانهيار في آنٍ واحد. ويشير إلى أن نحو 80 في المائة من الأمراض المزمنة - من السكري إلى أمراض القلب والسرطان - تشترك في خيط بيولوجي واحد يبدأ بالضغط الخلوي (Cell Stress)، واضطراب عمل الميتوكوندريا المسؤولة عن إنتاج الطاقة، ثم يتطور بصمت عبر تراكم الالتهابات الخفية التي تعمل لسنوات دون أن يشعر بها المريض.

وفي لقائه، يلخّص البروفسور هذه الرؤية بكلمات لافتة: «الخلية هي وحدتنا الأولى. فإذا فُهمت جيداً، فُهم كل شيء بعدها».

هذه العبارة - كما يصفها - ليست مجازاً علمياً، بل قاعدة ذهبية لفهم كيف ينشأ المرض وكيف يمكن إيقافه قبل أن يتحوّل إلى معاناة واضحة تُجبر الطبيب على التدخل.

غلاف الكتاب الجديد

الذكاء الاصطناعي... الطبيب الذي يرى ما لا نراه

لم تعد التقنيات الحديثة تقتصر على تحليل صور الأشعة أو قراءة السجلات الطبية؛ فقد بات الذكاء الاصطناعي قادراً على:

- بناء عمر بيولوجي لكل عضو على حدة.

- اكتشاف الأمراض قبل 5 إلى 10 سنوات من ظهورها.

- التنبؤ بأنماط الشيخوخة وتسارعها.

- تصميم بروتوكولات علاجية شخصية لكل مريض.

ويقول هلسة في حديثه: «الذكاء الاصطناعي لا يستبدل الطبيب، بل يعطيه عيوناً جديدة».

من الوقاية... إلى الوقاية الاستباقية

يشرح البروفسور هلسة أن الوقاية لم تعد فحوصاً سنوية روتينية، بل منظومة متكاملة تشمل: تحليل الدم المتقدم، وقياس المؤشرات الالتهابية الخفية، وقراءة الميكروبيوم، وتقييم الأداء الخلوي، وتتبع النوم والإجهاد، ثم دمج كل هذه البيانات في خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بخطر المرض قبل ظهوره.

هل يمكن إبطاء الشيخوخة؟

يُوضّح البروفسور هلسة أن الحديث عن الشيخوخة لم يعد خيالاً علمياً، قائلاً: «نحن لا نتحدث عن إيقاف الزمن، بل عن تحسينه. فهناك اليوم أدلة واضحة على أن بعض المسارات البيوكيميائية يمكن إعادة ضبطها. نحن لا نطيل العمر فقط... بل نعيد جودة الحياة إلى مركزه». وهذه الرؤية، كما يشرح: تُحوّل الشيخوخة من قدر محتوم إلى عملية يمكن توجيهها وتعديل سرعتها.

«المريض الكامل»... رؤية جديدة

يقدّم الكتاب الذي نشر بعنوان The Metabolic Codex (المدوّنة الأيضية)، نموذج «المريض الكامل» الذي يرى الإنسان كمنظومة مترابطة؛ فكل عضو يؤثر في الآخر: القلب بالنوم، والدماغ بالغذاء، والمناعة بالحالة النفسية، والشيخوخة بإيقاع الميتوكوندريا.

ويوجز البروفسور هلسة هذه الفكرة بعبارة لافتة: «لا يوجد مرض منفصل. يوجد إنسان واحد».

من هارفارد إلى العالم العربي

وفي تصريحه الخاص بـ«الشرق الأوسط»، يشيد البروفسور هلسة بالدور المتنامي للمنطقة في تبنّي الطب المستقبلي، قائلاً: «الشرق الأوسط يمتلك طاقة بشرية وصحية هائلة، وما تقوم به السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي والطب الوقائي قد يجعلها في مقدمة الدول القادرة على تطبيق هذا النموذج الجديد. وهذه المنطقة - بخططها الطموحة واستثماراتها في التقنيات الطبية - قادرة على أن تتحول إلى منصة عالمية لإعادة تعريف مفهوم الصحة».

ويضيف أن البيئة البحثية في المملكة، وما تشهده من مبادرات في البيانات الصحية، والطب الدقيق، والتوأم الرقمي، تؤهلها لتكون من أوائل الدول التي تنقل هذا العلم من المختبرات إلى الحياة اليومية للمرضى

تطلعات المستقبل

هذا الكتاب ليس مجرد تأليف أكاديمي، بل إعلان بداية مرحلة جديدة من الطب: طبّ ذكي، وشفاف، واستباقي، وشخصي... طبّ لا ينتظر المرض ليظهر، بل يعترضه قبل أن يولد. رؤيةٌ تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وعمره البيولوجي، وتفتح باباً كان مغلقاً لعقود أمام فكرة «عكس المرض» بدل الاكتفاء بإدارته.

وفي ختام اللقاء، عبَّر البروفسور هلسة عن تطلّعه - مع فريق مؤلفي الكتاب - لزيارة الشرق الأوسط، ولا سيما السعودية، لبحث فرص التعاون في تحويل هذه المفاهيم العلمية إلى برامج عملية؛ من الطب الوقائي إلى الذكاء الاصطناعي الصحي، ومن العيادات الذكية إلى منصات العمر البيولوجي. وأضاف: «نحن مستعدون للعمل مع المنطقة لخلق نموذج صحي جديد... يبدأ من هنا، ويصل أثره إلى العالم».


«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

المركبة «مافن» (أ.ب)
المركبة «مافن» (أ.ب)
TT

«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

المركبة «مافن» (أ.ب)
المركبة «مافن» (أ.ب)

فقدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الاتصال بمركبة فضائية كانت تدور حول المريخ منذ أكثر من عقد.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، توقفت المركبة «مافن» فجأة عن التواصل مع المحطات الأرضية خلال مطلع الأسبوع. وقالت وكالة ناسا، هذا الأسبوع، إن المركبة كانت تعمل بشكل طبيعي قبل أن تختفي خلف الكوكب الأحمر، وعندما عادت للظهور، لم يكن هناك سوى الصمت.

وبعد إطلاقها في 2013، بدأت المركبة «مافن» دراسة الغلاف الجوي العلوي للمريخ، وتفاعله مع الرياح الشمسية، وذلك بمجرد وصولها إلى الكوكب الأحمر في العام التالي.

وتوصل العلماء في نهاية الأمر إلى تحميل الشمس مسؤولية فقدان المريخ لمعظم غلافه الجوي في الفضاء عبر العصور، ما حوّله من كوكب رطب ودافئ إلى الكوكب الجاف والبارد الذي هو عليه الآن.

وعملت مركبة «مافن» أيضاً كحلقة وصل للاتصالات لعربتي «ناسا» الاستكشافيتين على المريخ؛ «كيوريوسيتي» و«بيرسيفيرانس». وقالت وكالة ناسا إن تحقيقات هندسية تجري حالياً.